كشفت مصادر برلمانية وعسكرية ليبية متطابقة لـ"عربي بوست" أن ملف "فساد سفراء ليبيا" في الخارج يكتنفه الكثير من الغموض والضبابية في ظل التسارع "الغريب" في إحالة هذه الملفات إلى القضاء الليبي، دون استيفاء مسارات التحقيق اللازمة للوصول إلى الحقائق المجردة بخصوص ما يقال حول تورط سفراء ليبيين في الخارج في فساد مالي طال ميزانيات البعثات الدبلوماسية الليبية.
حديث المصادر الليبية لـ"عربي بوست" جاء على إثر إصدار محكمة جنايات طرابلس حكمًا بالإدانة على الرئيسَ السابق للبعثة الدبلوماسية الليبية في إيطاليا، عمر الترهوني، وذلك بالحبس عشر سنوات وقد أدانته المحكمة بإساءة استخدام السلطة والحصول على مكاسب غير مشروعة خلال منصبه.
في هذا التقرير نقف على تفاصيل ملف السفراء الليبيين في الخارج وكيف يتم التعامل مع "ملفات الفساد" التي تخصه، وكذلك رؤية المصادر الليبية لتعامل حكومة عبدالحميد الدبيبة مع الملف وكذلك الإجراءات التي تم اتخاذها لضبط مسارات الإنفاق المالي في البعثات الخارجية لمواجهة الفساد المالي.
مزاعم وليس اتهامات
في البداية يرفض رئيس وفد مجلس النواب في اللجنة المشتركة لإعداد قوانين الانتخابات "6+6" وعضو البرلمان الليبي جلال الشويهدي الرواية التي يروجها أطراف محسوبة على حكومة عبدالحميد الدبيبة في الغرب، بأن الدبيبة "يحارب فسادًا مستمرًا منذ سنوات في الدبلوماسية الليبية، ويحاول أن يُنهي تركة كبيرة من فشل الحكومات السابقة في التعامل مع هذا الملف".
وقال في تصريحات لـ"عربي بوست" إن حكومة الدبيبة "حكومة فاسدة جملة وتفصيلًا ويستشري فيها الفساد ولا يوجد أي جهاز رقابي داخل ليبيا يقوم بممارسة الرقابة على أداء الحكومة"، ومن ثم فإن الحكومة الحالية غير معنية بمحاربة الفساد في السلك الدبلوماسي الليبي.
وأشار إلى أن معظم الاتهامات التي تم توجيهها إلى الدبلوماسيين الليبيين والذين تم توقيفهم أو إقالتهم أو محاكمتهم على أساسها هي "مجرد مزاعم" ولا يمكن الجزم بصحتها في ظل عدم وجود قضاء مستقل في ليبيا يمكن الاعتماد على أحكامه أو الوثوق بها.
وطالب جلال الشويهدي بضرورة أن تعمل حكومة الدبيبة على إنهاء الفساد داخلها أولًا ثم إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بشكل صحيح، وألا تستهدف السفراء الليبيين في الخارج وترويج "اتهامات دون تثبت" لأن ذلك يسيء إلى سمعة الدبلوماسية الليبية في الخارج.
وعقب مراجعة الطلب، تبين لإدارة الشؤون العلاجية بوزارة الصحة، أن الهاشمي بالحاج والد زوجة السفير عمر الترهوني قد توفي منذ أكثر من عام، بحسب ما أظهره مستخرج رسمي للوفاة صادر بتاريخ 28 آذار/ مارس 2020، ومحال بشكل رسمي من طرف المكلف بالشؤون القنصلية سفيان أبو شعالة.
تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين
مسار آخر لفت إليه الانتباه، الباحث السياسي الليبي طارق لملوم، وهو معني بالملف الحقوقي ويقيم في إسبانيا، حيث قال لـ"عربي بوست" إن لا شك أن هناك فسادًا في كل قطاعات ليبيا وليس في ملف الدبلوماسيين فقط، لكن عبدالحميد الدبيبة "يستغل ملف الفساد في ليبيا من أجل النيل من خصومه السياسيين".
أشار إلى أن الدبيبة يحاول توظيف ورقة الفساد لتقوية موقفه والإطاحة بكل خصومه السياسيين في ليبيا وعلى رأس هؤلاء الخصوم، خصومه في السلك الدبلوماسي والذين بطبيعة الحال يتمتعون بعلاقات دولية كبيرة، فيخشى على مستقبله من تواصل الدبلوماسيين مع الغرب ويعملوا على "إضعاف" موقف الدبيبة أمام المنظمات الدولية.
أشار كذلك إلى أن هناك مسارًا آخر يتعلق بأن الدبيبة يريد من هذا الملف أن يُنهي تحالفات موجودة داخل السلك الدبلوماسي، ويضعف من تأثيرها على حكومته في الغرب، مستشهدًا بنظام القذافي في وقت "اللجان الشعبية" والتي كانت تمثل الوزارات حيث كان يعلم بفساد المحيطين به وكان يسكت عنهم لسنوات، لكن وبدون سابق إنذار قام بتشكيل لجان مثل "لجان التطهير" التي قامت بالقبض على عشرات المسؤولين في ليبيا بتهم الفساد.
أضاف طارق لملوم لـ"عربي بوست": "ما يحدث في ليبيا اليوم يعود لنفس الأسباب فالعلة كانت في تعيين تلك الشخصيات من الأساس في السلك الدبلوماسي وغيره فلا يوجد أي معايير حقيقية لاختيارهم للعمل، الكثير منهم تم تعيينه للعمل في السفارات والقنصليات من قبل أمراء حرب وزعماء ميليشيات لها نفوذ في اتخاذ القرار".
وقال كذلك إنه لا يمكن اعتماد ما يصدر من أحكام وقرارات من القضاء الليبي، إذ إنه لا يوجد في ليبيا قضاء عادل يمكن الاعتماد عليه الآن، وشدد على أن كل اتهامات الحكومة الليبية بالفساد، تظل مزاعم حتى تتوافر معايير حقيقية للمحاكمات.
المخابرات تريد إحراج الدبيبة
لكن عادل عبدالكافي المستشار العسكري الليبي السابق يقول لـ"عربي بوست"، إنه وبطبيعة الحال فلا يمكن الاعتماد على حكومة عبدالحميد الدبيبة في محاربة الفساد داخل ليبيا، فالأمر أكبر من الجميع وما تعانيه البلاد منذ رحيل نظام القذافي لا يستطيع طرف واحد أن يرمم "كوارثه" التي تركها القذافي.
وقال إن هناك جهاز هو الذي "فجر" ملف الفساد داخل الدبلوماسية الليبية في الخارج وهو جهاز المخابرات الليبية، وفق مسؤوليته، ويشرح أسباب ذهاب جهاز المخابرات إلى هذه المساحة.
حيث أوضح أن هناك صراع بين الأجهزة في ليبيا ما بين حكومة الدبيبة "التي تعاني فسادا كبيرا" في داخلها، وبين أطراف أخرى تريد أن "تضيق الخناق" على حكومة الدبيبة ولا تسمح له بالاستمرار في حالة الفساد وعدم الرقابة الموجودة في ليبيا في الفترة الحالية، مشيرا إلى أن الجهاز الوحيد الذي يتمتع باستقلالية وبعيد عن نفوذ الدبيبة هو جهاز المخابرات الليبي.
قال كذلك إنه وبطبيعة الحال فإن الجهاز قد وصل إلى مستندات تخص فساد السفراء وقام بتسليمها إلى حكومة الدبيبة التي كانت "في ورطة"، ولم يكن أمامها سبيل سوى الذهاب إلى القضاء لمواجهة هذا الحجم من الفساد.
لكنه أكد في الوقت نفسه أن الدولة الليبية لا تمتلك مؤسسات حقيقية تستطيع أن تفصل بين السلطات أو أن تقوم بالتحقيق الشفاف والعادل للوصول إلى الحقيقة الدامغة في ملف فساد السفراء الليبيين في الخارج.
أما صلاح البكوش المحلل السياسي الليبي فقد قلل من ملف فساد لأنه يرى أن أزمة ليبيا الحقيقية ليست في ملف الفساد فقط ولكن في الانسداد السياسي الموجود منذ سنوات طويلة وقال لـ"عربي بوست": هذا الموضوع ليس بجديد وقد تم التلميح له في عهد حكومة علي زيدان عام 2012″.
أضاف كذلك صلاح البكوش: "ملف الفساد، موضوع ثانوي مقارنة بأصل الداء وهو الانسداد السياسي الذي خلق أزمة شرعية لا يمكن دون حلها الحديث عن إيجاد حلول لقضايا أخرى مهمة كالفساد والإفلات من العقاب والانقسام المؤسساتي وما إلى ذلك".
ما هي تفاصيل أزمة السفراء الليبيين؟
شهدت الدبلوماسية الليبية حوادث كثيرة ومتتالية تخص اتهامات ومزاعم فساد مالي طال عمل السفراء بالخارج، على سبيل المثال في سبتمبر/أيلول 2024 أمرت النيابة العامة بحبس القائم بأعمال بعثة دولة ليبيا السابق لدى كوريا الجنوبية؛ والمراقب المالي المنسوب إلى البعثة بسبب فساد مالي.
وقال مكتب النائب العام في بيان له ساعتها إنه تقريراً رقابياً، احتوى على شواهد اختلال الشأن المالي في البعثة؛ فأجرى المحقق بحثاً قاده إلى إثبات انحراف المراقب المالي عن مُقتضيات الوظيفة، بتعمده قبض مرتبات لا حقّ له فيها؛ وصرفه مبالغ مالية لفائدة القائم بأعمال البعثة دون حق.
وذكر مكتب النائب العام أن المراقب المالي أسهم بفعله في تحصيل غيره على منافع مادية غير مشروعة؛ وتسبب في ضرر لحق المال العام، رأى معه المحقق حبس المتهمين احتياطياً على ذمة التحقيق.
حبس القائم بأعمال بعثة ليبيا في الفاتيكان
كذلك وفي مايو/أيار 2024، أعلن مكتب النائب العام الصديق الصور، حبس القائم السابق بأعمال بعثة ليبيا لدى الفاتيكان بتهمة ارتكاب مخالفات مالية بقيمة 669 ألف يورو.
وأشار بيان صادر عن النيابة إلى "تحلُّل المتهم من القواعد المرعية في إدارة المال العام، بتعمده صرف مقابل فواتير استشفاء دون وجود أية وثائق دالة على هويات المرضى الليبيين أو تكليف المؤسسة العلاجية تقديم الخدمة الطبية لهم".
وأكدت النيابة العامة أنه لا يوجد أي مبرر قانوني لعجز أصاب مخصصات علاج الجرحى بقيمة 669 ألف يورو.
قضية كبيرة في بلجيكا
في سياق مواز وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، سفيرة ليبيا لدى بلجيكا "أمل الجراري" من منصبها.
ونص قرار رئيس الحكومة بصفته وزيرا للخارجية، على "إنهاء إعارة سفيرة ليبيا لدى بلجيكا "أمل الجراري" في وزارة الخارجية، وإحالة إجراءات إعفائها إلى المجلس الرئاسي".
يذكر أن قرار إعفاء الجراري من منصبها جاء بعد انتشار تسريب تسجيل صوتي منسوب لها يتصل بملفات فساد مالي في السفارة. ومن جانبها، أمرت النيابة العامة، اليوم، بحبس السفيرة احتياطيا على ذمة التحقيق في قضايا فساد مالي وإداري.
سفير ليبيا في إيطاليا
كذلك وفي سبتمبر/ أيلول 2024، أعلنت النيابة العامة الليبية، صدور حكم بالسجن لمدة 10 سنوات على سفير ليبيا السابق في إيطاليا عمر الترهوني، بعد إدانته بالتحايل لتحقيق مكاسب مالية لعلاج شخص متوف منذ سنة.
وقضت محكمة جنايات طرابلس أيضا، بإلزامه بإعادة المتحصلات التي حصل عليها بطرق غير قانونية.
وفي شهر آذار/ مارس 2022، أوقف ديوان المحاسبة في طرابلس سفير ليبيا لدى إيطاليا عمر الترهوني عن العمل؛ بناء على تقارير لجنة الفحص والمراجعة التي ذكرت ارتكابه مخالفات وتجاوزات مالية أضرت بالمال العام.
وكشفت وثائق تحايل السفير الترهوني على وزارة الخارجية؛ لغرض الحصول على مبلغ مالي بالتجاوز عبر ادعاء تغطية تكاليف علاج والد زوجته، ليتضح أن والد زوجته متوفى وأنه تعمد الكذب للحصول على مبلغ مالي يتجاوز 81 ألف يورو، وفق فاتورة مبدئية محالة من مستشفى الزوربي الإيطالي بالمخالفة للقانون.
وأظهرت الوثائق كذلك رسالة موجهة من الترهوني إلى مدير إدارة شؤون العلاج بالخارج، في آذار/ مارس 2022، يطلب فيها ضم والد زوجته المريض الهاشمي بالحاج إلى العلاج على حساب الدولة، مدعيا معاناته من مرض مزمن، أرفقه بصورة للتقرير الطبي مع مراسلته.
وعلى الفور، طالب مدير إدارة الشؤون العلاجية أحمد مليطان في خطاب الملحق الصحي بالسفارة الليبية بروما، بإيقاف إجراءات السداد، وعدم خصم القيمة التي تبلغ 81.967.22 ألف يورو من الوديعة المحالة للسفارة.
كما طالب مليطان وفق الوثيقة المنشورة على مواقع إخبارية ليبية حينها، الملحق الصحي ببيان أسباب اتخاذ إجراءات لسداد قيمة مالية علاجية لشخص متوفى منذ العام 2020، محملا إياه التبعات القانونية لاتخاذ هذا الإجراء المخالف للقانون.
المراقب المالي في بعثة ليبيا في مصر
طال الفساد كذلك، القائم السابق بأعمال المراقب المالي في بعثة ليبيا الدبلوماسية لدى مصر ، حيث قررت النيابة العامة الليبية بحبسه احتياطيا بتهمة فساد، وبحسب السلطات فإن المتهم "تعمد التصرف في ملايين الجنيهات بالمخالفة للقواعد الحاكمة، وأخل بمقتضيات مراجعة العمليات المالية وبحث مدى انسجامها مع النظم المالية، مما رتب ضررا جسيما بالمال العام".
كذلك وقبل نحو شهر أمرت النيابة بحبس المراقب المالي السابق في بعثة ليبيا لدى تونس احتياطيا، حيث "ظهرت مؤشرات على انحرافه عن مقتضيات الوظيفة العامة، ومخالفته قواعد وضوابط إدارة المال العام، بتعمده تحويل 20 مليون دينار ليبي إلى مؤسسات علاجية دون تلقيه مستندات وفواتير استشفاء تثبت تلقي الخدمة العلاجية وعدالة التصرف".
سفراء في أوكرانيا
كذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلنت النيابة العامة الليبية، الأربعاء، حبس ثلاثة سفراء سابقين في أوكرانيا احتياطا على خلفية "تهم فساد مالي" خلال فترة توليهم لرئاسة البعثة بكييف بين سنتي 2012 – 2019.
وجاء في بيان مكتب النائب العام، أن النيابة العامة "تصدت لوقائع فساد تضمنتها تقارير فحص ومراجعة العمل الإداري والمالي لدى أوكرانيا وأظهرت التحقيقات، أن هناك سلوكاً آثما بحق المال العام من مخصصات علاج ودراسة وغيرها من قبل ثلاثة رؤساء سابقين للبعثة وبعض معاونيهم." حسب وكالة الأنباء الليبية "وال".
وأضاف المكتب، أن الموقوفين "ألحقوا الضرر الجسيم بالمال العام مما ترتب عنه الإضرار بمستحقي الخدمة وحصلوا على مئات الآلاف من النقد الأجنبي لأنفسهم ولغيرهم مخالفين التشريعات الناظمة للعمل المالي؛ وضوابط صيانة المال العام".
وأورد مكتب النيابة العامة أنه بعد انتهاء التحقيق واستجواب رؤساء البعثة الثلاثة، ومواجهتهم بالأدلة القائمة، تقرر حبسهم احتياطيا.
سفير ليبيا في أوغندا
كذلك، التحق السفير السابق لدى أوغندا بقائمة المودعين بالسجن بتهمة التصرف في 250 ألف دولار بالمخالفة لمقتضيات التشريعات الناظمة لأوجه صرف المال العام وتحقيق منافع مادية غير مشروعة لغيره بقيمة 750 ألف دولار وتعمّده إلحاق ضرر بالمال العام، خلال فترة إشرافه على السفارة بين سنتي 2013 – 2017.
في السياق ذاته، أصدرت النيابة قرارا بحبس المراقب المالي لبعثة ليبيا لدى قطر وسلفه احتياطيا بتهمة تعمُّد إساءة استعمال سلطاتهما الوظيفية لغرض تحصيل عشرات الآلاف من النقد الأجنبي لأنفسهم ولغيرهم.
يشار إلى أن التقرير الأخير لديوان المحاسبة الذي صدر قبل أسابيع، كان كشف تغوّل الفساد في بعض سفارات البلاد، وتحدث عن وجود جملة من المخالفات المالية، تتعلق بزيادة في مصروفات البعثات الدبلوماسية دون مبرّر!
أزمة تخص نفقات البعثات الليبية
أثار ارتفاع حجم إنفاق البعثات الدبلوماسية الليبية في الخارج حالة من الجدل بين قطاعات واسعة من السياسيين بالبلاد، وسط مطالب بتخفيض عدد السفارات.
وكان المصرف المركزي الليبي قد أعلن في مايو/ أيار 2024، أن نفقات وزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة "الوحدة" المؤقتة، والجهات التابعة لها، ومن بينها البعثات الدبلوماسية المعتمدة بالخارج، قد بلغت 219 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي. (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).
ورأى وزير الدفاع الليبي الأسبق، محمد البرغثي، أن امتلاك ليبيا أكثر من 140 بعثة، ما بين سفارة وقنصلية ومندوبية، "ليس مدعاة للتفاخر، أو تعزيزاً للوجود بالمحافل الدولية كما يتصور ويروج البعض، بقدر ما هو عبء ثقيل جداً على موارد الدولة"، مبرزاً أن عدداً من هذه البعثات يوجد بدول "لا تربطها بليبيا أي مصالح سياسية أو اقتصادية، ولا يوجد بها أيضاً جالية تذكر".
كان مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، الطاهر السني، قد وجّه خطابا لرئيس حكومة "الوحدة" الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، يخطره فيه بالاضطرار لإغلاق مبنى البعثة، وإيقاف العمل به بدءاً من فاتح مايو (أيار) الحالي، بسبب تراكم الديون التي قدرها بأكثر من مليوني دولار.
هيكلة الميزانية
كذلك وفي ابريل / نيسان 2023، طالبت لجنة التخطيط والمالية والميزانية العامة ولجنة إعادة هيكلة الميزانية بمجلس النواب، حكومة "الوحدة الوطنية المؤقتة"، بضرورة خفض التمثيل الدبلوماسي في الخارج بنسبة 50% من عدد العاملين في السفارات والقنصليات الليبية بالخارج، وذلك لتخفيض قيمة الإنفاق العام المتوقع خلال العام 2023.
جاء ذلك في خطاب حمل توقيع رئيس لجنة التخطيط والمالية والميزانية العامة ورئيس لجنة إعادة هيكلة الميزانية بمجلس النواب عمر تنتوش، إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة،؟
وطالب تنتوش الدبيبة بمخاطبة وزارة الخارجية والتعاون الدولي بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيض عدد العاملين بالخارج (السفارات – القنصليات) بنسبة 50% من عدد العاملين بها وذلك لتخفيض قيمة الإنفاق العام المتوقع العام 2023 بما يتوافق مع الإيرادات المتوقعة".
أرصدة السفارات
تتابعاً للأزمة الميزانيات، ففي مارس/ آذار 2023، طلب رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة، من وزارة المالية ضرورة موافاة مجلس الوزراء "ببيانات أرصدة حسابات السفارات والبعثات الدبلوماسية حسب الأبواب المعتمدة بالميزانية خلال 10 أيام من تاريخ الكتاب" الذي نشرته منصة "حكومتنا" عبر صفحتها على "فيسبوك".
وقال الدبيبة لوزير المالية "بموجب هذا الكتاب يطلب اتخاذ إجراءاتكم بتكليف المراقبين الماليين في السفارات والبعثات الدبلوماسية على وجه السرعة بموافاة بيانات أرصدة حسابات السفارات والبعثات الدبلوماسية، على أن تكون قيم الأرصدة محللة ومستكملة البيانات حسب الأبواب المعتمدة بالميزانية".
كما وجه الدبيبة في كتابه وزارة الخارجية والتعاون الدولي إلى إصدار تعليماتها إلى رؤساء البعثات للتعاون ليتمكن المراقبون الماليون من أداء مهمتهم المكلفون بها، مشددًا على ضرورة اتخاذ الإجراءات "الإدارية حيال المراقبين الماليين المخالفين لذلك وفق الإجراءات القانونية المتبعة بالخصوص، على أن تجري إحالة المطلوب أعلاه خلال عشرة أيام من تاريخه".
مرتبات السفراء
كذلك في سبتمبر/ أيلول 2022، أظهرت بيانات ديوان المحاسبة في ليبيا ارتفاع الرواتب السنوية للدبلوماسيين العاملين في السفارات الليبية بالخارج خلال عام واحد بنحو نصف مليار و44 مليون دولار، من 256 مليون دولار خلال العام 2020 إلى 800 مليون دولار خلال العام 2021.
جاء ذلك في التقرير السنوي للعام 2021، الصادر عن ديوان المحاسبة، والذي تضمن أهم الملاحظات حول الجهات الخاضعة لرقابته وتوصياته بخصوصها. وأشار الديوان في بداية التقرير إلى "التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية والاقتصادية خلال العام 2021 نتيجة الهدنة المتفق عليها بالمسار الأمني، وفتح حقول النفط، وتوحيد الحكومات في حكومة الوحدة الوطنية، التي تسلمت أمور السلطة التنفيذية للدولة من الحكومتين السابقتين (الوفاق الوطني بطرابلس، المؤقتة بالبيضاء) بتاريخ 10 مارس 2021".
بدء التحقيقات
يذكر أنّه في نوفمبر / تشرين الثاني 2022 فتح القضاء الليبي ملف الفساد في وزارة الخارجية، وقرر النائب العام الصديق الصور حبس وزير الخارجية في حكومة الوفاق السابقة والمستشار السياسي بالمجلس الرئاسي محمد سيالة على ذمة التحقيق بعد ثبوت صرفه لقرابة 5 ملايين دولار في غير الغرض المخصص لها.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن القضاء الليبي فتح حقيبة الفساد الدبلوماسي بالاعتماد على التقارير الصادرة عن ديوان المحاسبة والمؤسسات الرقابية وعن الجهات المتخصصة في مكافحة الفساد، وكذلك على المعطيات التي توصلت إليها منظمات المجتمع المدني وجهود المتطوعين الذين وضعوا الملفات على مكتب النائب العام.
وأوضحت المصادر أن عشرات القضايا المرتبطة بالفساد الدبلوماسي سيتم النظر فيها قريباً، وأن هناك تهمًا تلاحق شخصيات نافذة حالياً، وأخرى تولت مسؤوليات مهمة خلال السنوات الماضية.