اضطر سوريون إلى النزوح بسبب العدوان الإسرائيلي في لبنان، حيث كانوا يعيشون فيها لسنوات هرباً من الحرب في بلادهم، ولكن الوجهة هذه المرة إلى شمال سوريا، باتجاه مناطق المعارضة السورية، وذلك خوفاً من انتقام النظام السوري منهم.
بحسب شهادات الذين وصلوا إلى مناطق المعارضة، فالنازحون من لبنان إلى سوريا باتجاه هذه المناطق أمام طريقين، الأول رسمي بمظلة النظام السوري الذي يوفر حافلات لإيصال النازحين السوريين إلى مناطق المعارضة، ولكن وفق 3 شروط، وطريق آخر يهرب فيه سوريون من هذه الشروط عبر طرق غير نظامية ووعرة جداً.
والشروط الثلاثة بحسب شهادات النازحين لـ"عربي بوست" هي:
1- أن لا يكون بينهم مطلوبون للنظام السوري.
2- أن لا يكون هناك شباب ينطبق عليهم التجنيد الإجباري.
3- عدم نزولهم في مناطق النظام خلال طريق العبور.
رصد "عربي بوست" رحلة النزوح هذه، وتحدث مع عائلات سورية سلكته مرغمة، متحدثة عن خشيتها من انتقام النظام السوري من أبنائها المطلوبين لديه بسبب الثورة السورية، أو تجنيدهم الإجباري في حال عودتهم إلى مناطقه.
مسافة النزوح وطريقه
رحلة النزوح الشاقة عبر الطرق غير النظامية، تتخللها طرق معبدة وأخرى خطيرة، ويستغرق قطعها أياماً، بين الجبال والطرق الوعرة، بعيداً عن أعين النظام السوري وقواته، والمليشيات المؤيدة له.
تبدأ الرحلة عند شمال شرقي الحدود اللبنانية مع سوريا عند مناطق تل كلخ بريف حمص ومناطق المصنع بريف دمشق، وتنتهي عند خطوط التماس بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة شمال غربي سوريا.
أما عبر الطرق النظامية، فيمر النازحون بالمناطق البرية شرقي حمص وريف حماة الشرقي، وصولاً إلى مناطق التماس بين قوات النظام السوري وقسد في جرابلس أو منطقة الباب شمال حلب، وهم يصعدون حافلات خصصها النظام السوري لهم.
ويعيد ذلك بالإذهان إلى الحافلات الخضر، التي كان يخصصها لعائلات المعارضين في جنوب البلاد، لإيصالهم إلى مناطق المعارضة شمالاً، بعد عقد المصالحات، قبل سنوات.
النازحون من لبنان إلى سوريا باتجاه مناطق المعارضة
تشير إحصائيات من مناطق المعارضة السورية، إلى دخول ما يقارب من 100 ألف سوري عبر المنافذ الحدودية "غير الشرعية" لتفادي الاعتقالات من أمن النظام السوري.
في حين دخل ما يقارب 120 ألف سوري نازح من لبنان إلى مناطق المعارضة (حلب وإدلب) حتى الآن من المعابر الرسمية.
وتوزّع النازحون في حلب وإدلب على المناطق بحسب صلات قرابتهم في شمال غربي سوريا، بحسب مسؤولين في المعارضة لـ"عربي بوست".
بحسب مصدر عسكري في المعارضة السوري، لـ"عربي بوست"، فإن "معبر عون الدادات شرقي حلب، هو البوابة الرئيسية تقريباً للسوريين الوافدين من لبنان ومن الحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل".
وقال: "تقدم المؤسسات الإنسانية والأمنية التسهيلات والرعاية الإنسانية للعائلات التي ترغب بدخول مناطق المعارضة سواءاً شمال حلب أو إدلب، وذلك بعد التدقيق بهويات الوافدين، وخصوصاً الرجال".
وأوضح أن سبب ذلك يعود إلى "ورود معلومات أمنية مؤكدة بارتباط عدد من السوريين بحزب الله اللبناني، ما يشكّل خطراً على المناطق الآمنة، والخاضعة لسيطرة المعارضة".
وذكرت مصادر رسمية في محافظة طرطوس، أن عدد الوافدين عن طريق معبر العريضة الحدودي بلغ 169006 أشخاص، منهم 7393 لبنانياً و161613 سورياً منذ 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ولغاية الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
فيما بلغ عدد الوافدين من معبر جديدة يابوس الحدودي إلى 200874 شخصاً، منهم 158351 سورياً و42523 لبنانياً، منذ 23 من سبتمبر/أيلول 2024.
أما في محافظة حمص، بلغ عدد الوافدين عن طريق المعابر الحدودية في حمص 128484 شخصاً، منهم 69964 سورياً و58520 لبنانياً من 24 سبتمبر ولغاية 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
لكن وفقاً لإحصائيات تعود لشبكات إنسانية غير حكومية في مناطق سيطرة النظام السوري، فإنه وفد إلى سوريا عبر معابر "الجوسية والدبوسية في محافظة حمص" و "بوابة المصنع الحدودية مع لبنان بالقرب من دمشق"، نحو 470 ألف شخص دخلوا سوريا في الفترة من 23 سبتمبر/أيلول 2024 حتى 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
بينما تشير السلطات التابعة للنظام السوري إلى أن أكثر من 100 ألف شخص منهم لبنانيون.
لماذا يوفر النظام السوري حافلات النزوح لمناطق المعارضة؟
بحسب شهادات النازحين لـ"عربي بوست"، فإن النظام السوري يسهل في بعض الأحيان للفارّين من لبنان المجال للوصول إلى مناطق المعارضة، ولكن تحت الشروط الثلاثة المرتبطة بالمطلوبين والتجنيد الإلزامي وعدم النزول في مناطق النظام خلال طريق العبور.
ملهم السيد أحمد، أحد الناشطين السوريين في المجال الإنساني، في العاصمة دمشق، أكد لـ"عربي بوست"، وجود التسهيلات التي يقدمها النظام السوري ومؤسساته الأمنية والحدودية مع لبنان للمواطنين السوريين الفارين من لبنان، وفتح المجال أمامهم بالذهاب إلى مناطق المعارضة.
لكنه عزا سبب ذلك إلى عدم قدرة النظام السوري وحكومته تحمل أعباء إنسانية إضافية في الوقت الذي تعاني فيه سوريا من انهيارات اقتصادية وإنسانية بشكل تصاعدي، كما أنه لا يريد أن تكون هناك حاضنة شعبية لعودة المظاهرات ضده.
استدل بذلك على تجهيز النظام السوري حافلات نقل عند الحدود السورية اللبنانية للسوريين النازحين من لبنان إلى حدود مناطق المعارضة، دون تعرّضهم من أي جهة أمنية، شريطة عدم نزلهم في مدنهم الخاضعة لسيطرته.
ولفت إلى أن "الجهات الأمنية تقوم باعتقال الشبان العائدين من لبنان إلى سوريا وإخضاعهم لعملية التفتيش (البحث الأمني)، والبعض يجري سوقه فوراً إلى الخدمة العسكرية، دون معرفة مصيرهم أيضاً".
الإفلات من النظام السوري
"عربي بوست" تحدثت إلى عائلات سورية فرّت من الحرب في لبنان إلى مناطق المعارضة السورية، في ريف حلب شمال سوريا، بينها من خرجت فقط بما تتستر به من ثياب، تاركة خلفها في لبنان ما جنته طوال 13 عاماً.
وخسرت عائلات سورية أخرى أفراداً منها بالقصف الإسرائيلي على قرى الجنوب اللبناني، حيث كانوا لاجئين، ولديهم فرص عمل بالبناء والفلاحة والزراعة، ومهن أخرى.
عائلة ياسين الحاج، من إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق، كانت واحدة من مئات العائلات التي نزحت إلى لبنان قبل 12 عاماً، ونزحت مؤخراً لمرة أخرى باتجاه مناطق "غصن الزيتون" في الشمال السوري، وهو المسمى التركي للمناطق الخاضعة لنفوذه، وسيطرة فصائل المعارضة السورية.
فضّلت عائلة الحاج الإقامة في مدينة عفرين بريف حلب، على البقاء ضمن مناطق النظام السوري، بسبب ما قال أفرادها في حديثهم لـ"عربي بوست": " الانفلات الأمني الذي تعاني منه مناطق النظام، فضلاً عن انعدام وسائل الحياة والعيش إلى حد الجوع".
وقالت: "منذ 12 عاماً لجأنا إلى لبنان بعد إطلاق النظام السوري العمليات العسكرية والمداهمات والقتل والتنكيل بحق البشر، ولم نكن نعلم أننا سنواجه اليوم رحلة نزوح جديدة مصيرها مجهول المدة، وظروف العيش، ولكن مناطق المعارضة تبقى بنظرنا أكثر انضباطاً من مناطق النظام السوري، إلى جانب أن لنا فيها أقرباء، هجّرهم النظام منذ سنوات".
عن رحلة النزوح الصعبة، قالت: "نزحنا من مناطق الجنوب اللبناني تحت هدير الطائرات الإسرائيلية وغاراتها المكثّفة على المباني السكنية دون تفريق بين مدنية وعسكرية لحزب الله، وسط جموع كبيرة من الفارين (نازحين سوريين ولبنانيين على حد سواء)، واستمرت رحلة النزوح ضمن الأراضي اللبنانية 3 أيام بسبب الازدحام البشري الرهيب باتجاه سوريا".
وتابعت: "عند وصولنا الحدود السورية، قررنا خيار دخول سوريا عبر منافذ حدودية بين لبنان وسوريا (غير شرعية)، تعود لميليشيات موالية للنظام تتحكم بها، مقابل 1200 دولار أمريكي على العائلة الواحدة".
أشارت كذلك إلى أن "مئات العائلات تسلك ذات الطرق والمعابر للوصول إلى سوريا وبذات التكلفة، ووجهتها مناطق المعارضة عبر طرق جبلية وبرية سرية داخل سوريا، لتفادي ملاحقة النظام السوري لأبنائنا، وعدم سوقهم إلى الخدمة العسكرية".
من جانبه، قال أحمد الوقاع وهو سوري من دير الزور، لجأ من لبنان إلى منطقة إدلب شمال غربي سوريا، إنه فقد عائلة كاملة من أقربائه بقصف جوي إسرائيلي على منطقة شمع بالجنوب اللبناني، قبيل أن يقرر الفرار باتجاه سوريا، تاركاً خلفه ما جناه طوال 10 أعوام من عمله في مجال البناء.
وأضاف: "واجه السوريون الذي لجأوا إلى لبنان، ظروفاً إنسانية معقدة إبان اندلاع المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، وقصف الأخيرة المكثّف على المناطق المأهولة بالسكان السوريين واللبنانيين".
معلقاً على ذلك، قال: "ما عايشناه، يتشابه كثيراً مع الظروف التي عشناها إبان إندلاع الحرب السورية مطلع عام 2011، وعاد بنا إلى مشاهد الطيران السوري عندما كان يقصف المدن والقرى طولاً وعرضاً في سوريا، دون مراعاة وجود مدنيين".
وأكد أن "ذلك ما أجبرنا على النزوح مجدداً من لبنان باتجاه سوريا، وتحديداً مناطق المعارضة في إدلب".
جهود إغاثية عند آخر نقطة برحلة النزوح
من جهتها، فتحت "حكومة الإنقاذ السورية" المعارضة، عدداً من مراكز الإيواء في منطقة سرمدا 40 كيلومتراً شمال إدلب، لإيواء العائلات السورية الهاربة من لبنان، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم وتأمين السكن للبعض.
في حين تفضل بعضها الإقامة لدى أقاربها في إدلب وأرياف حلب، بعد رحلة النزوح الصعبة، وفقاً لناشطين في المنطقة.
وقام الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" بمساعدة النازحين السوريين من لبنان عبر معبر "عون الدادات" شرقي حلب إلى شمال غربي سوريا، لتقوم فرقها المنتشرة عند نقطة دخولهم بتقديم المساعدة والإسعافات الأولية للمرضى، ونقلهم إلى المشافي.
يشار إلى أن المواجهات بين حزب الله "اللبناني" والاحتلال الإسرائيلي، والغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على لبنان، أجبرت مئات الآلاف من النازحين السوريين على الفرار مرة أخرى.
يذكر أنه منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، يشن الاحتلال الإسرائيلي عدواناً على لبنان عبر غارات جوية غير مسبوقة كثافةً ودموية استهدفت حتى العاصمة بيروت، بالإضافة إلى توغل بري بدأته في الجنوب، متجاهلة التحذيرات الدولية والقرارات الأممية.
واستشهد بسبب الغارات الإسرائيلية حتى مساء الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، 1323 شخصاً في لبنان، وأصيب 3698 آخرون، منهم عدد كبير من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من مليون نازح، وفق الحكومة اللبنانية.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.