يضغط أعضاء مجلس النواب التونسي من أجل تمرير مقترح تعديل قانون الانتخابات في تونس قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بينما يرى معارضون أنه لا يمكن تغيير "قوانين اللعبة" حاليًا وانتظار انتهاء الرئاسيات.
فقد بدأت لجنة التشريع العام في البرلمان التونسي يوم الاثنين 23 سبتمبر/أيلول 2024، في مناقشة مقترح القانون المتعلق بتعديل القانون الانتخابي في فصل يتعلق بإحالة صلاحيات الفصل في النزاع الانتخابي من المحكمة الإدارية إلى محكمة الاستئناف.
هذا المقترح تسبب في جدل وسط اتهامات للنواب المناصرين للرئيس قيس سعيّد بـ"الانتقام" من المحكمة الإدارية، وهو ما دفع مئات التونسيين للخروج في مظاهرات يوم الأحد 22 سبتمبر/أيلول، احتجاجًا على المقترح الذي "يهدد نزاهة الانتخابات الرئاسية التونسية".
تعديل قانون الانتخابات في تونس
يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول 2024، أعلن البرلمان التونسي تلقيه مشروع قانون أساسي يقترح سحب سلطة المحكمة الإدارية على الانتخابات لصالح محكمة الاستئناف، قبل أسابيع من السباق الرئاسي المقرر في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وقال البرلمان في بيان، إن "رئيس مجلس نواب الشعب، إبراهيم بودربالة، أشرف على اجتماع مكتب مجلس النواب الذي نظر في مقترح قانون أساسي يتعلق بتنقيح (تعديل) بعض أحكام القانون الأساسي رقم 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 مايو/أيار 2014، المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، والمقدم من قبل مجموعة من النواب".
ويُنظر إلى المحكمة الإدارية على نطاق واسع على أنها آخر الهيئات القضائية المستقلة في تونس، بعد أن تولى الرئيس قيس سعيد تغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وعزل العشرات من القضاة في عام 2022، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.
ويشمل مقترح تعديل قانون الانتخابات في تونس أن تتولى محكمة الاستئناف بدل المحكمة الإدارية، النظر في النزاعات الانتخابية عند الطعن في قرارات الهيئة المستقلة للانتخابات. وأوضح بيان البرلمان، أن "مكتب المجلس قرر إحالة المقترح إلى لجنة التشريع العام، مع طلب استعجال النظر فيه".
وذكر مشروع تعديل قانون الانتخابات في تونس الذي وقعه 34 نائبا من أصل من أصل 217، أن "من بين أسباب اقتراح مشروع القانون هو الخلاف بين المحكمة الإدارية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد رفض هذه الأخيرة حكما للمحكمة الإدارية يقضي بإعادة 3 مرشحين للانتخابات الرئاسية".
ورفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قبول 3 مترشحين بدعوى "عدم استكمال ملفاتهم"، رغم القرار القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية التونسية بإعادتهم للسباق الرئاسي، وهم: عبد اللطيف المكي، والمنذر الزنايدي، وعماد الدايمي.
وبعد يومين من إعلان البرلمان دراسته مقترح تعديل قانون الانتخابات في تونس، شارك مئات التونسيين، الأحد 22 سبتمبر، في مسيرة احتجاجية رفضًا لتعديلات مقترحة على القانون الانتخابي تسمح بنقل الرقابة على الانتخابات من المحكمة الإدارية إلى محكمة الاستئناف، حسب ما ذكرته وكالة الأناضول.
ورفع المحتجون في المسيرة التي نظمت بدعوة من منظمات حقوقية وأحزاب ليبرالية ويسارية، شعارات بينها "لا للاستبداد لا للظلم" و"لا لتوظيف القضاء"، ورددوا هتافات تندد بما قالوا إنه تدخل في القضاء وتضييق على الحريات وغياب لمعايير النزاهة في الانتخابات.
ما الذي يخشاه منافسو قيس سعيّد؟
رد فعل المرشحين الرسميين المنافسين لقيس سعيّد لم يتأخر كثيرًا، حيث أعلنت حملتا المرشحين زهير المغزاوي والعياشي زمال، السبت 21 سبتمبر، رفضهما مشروع تعديل قانون الانتخابات في تونس الذي يقترح سحب سلطة المحكمة الإدارية على الانتخابات.
وقالت إدارة حملتي المرشحين في بيان مشترك: "تفاجأ مكتبا الحملتين الانتخابيتين للمرشحين بخبر تقديم مجموعة من النواب مشروع قانون أساسي يتعلق بتعديل بعض بنود القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات". وعبر البيان عن "الرفض المطلق لهذا المشروع من حيث المضمون والتوقيت".
وذكّر البيان نواب البرلمان والرأي العام الوطني أنه "لا يجوز قانونيًا وأخلاقيًا مراجعة التشريعات المتعلقة بالانتخابات قبل سنة على الأقل من العملية الانتخابية المعنية"، ونبهت الحملتان إلى أن "مشروع القانون المذكور يشكل مسًا بمؤسسات الدولة وتجاوزًا للقضاء الإداري المسؤول تقليديًا عن النظر في النزاعات الانتخابية".
كما أضاف البيان أن تعديل قانون الانتخابات في تونس يزجّ "بالقضاء العدلي في نزاعات خارج اختصاصه، فضلًا عن كون هذا المشروع يكشف عن نية مبيَّتة للمس بنتائج الانتخابات وتغيير ما قد يفرزه صندوق الاقتراع"، وفق ذات البيان المشترك.
ودعت الحملتان مجلس نواب الشعب إلى "النأي عن الانخراط في هذا المسار المشبوه والانحياز إلى مصلحة تونس وشعبها وحماية السلم الأهلي من هذا المنزلق الخطير".
وذكرتا هيئة الانتخابات "بواجب الحياد المحمول عليها ودعوتها للتصدي من جهتها لهذا المشروع الذي يمثل إرباكًا للعملية الانتخابية برمتها". وأعلنتا عن "نيتهما تشكيل فريق قانوني مشترك للطعن في هذا القانون في حال صدوره أثناء العملية الانتخابية الجارية".
بدورها، طالبت "حركة النهضة" التونسية، بسحب مشروع تعديل قانون الانتخابات في تونس، ودعت في بيان لها السبت 21 سبتمبر/أيلول، إلى "سحب المبادرة التشريعية وعدم الانخراط في فضيحة سياسية لا تُمحى من سجلّ كل من يشارك فيها".
كما أدانت "النهضة" تلك الخطوة ووصفتها بأنها "توجه خطير سيكون بمثابة السهم الأخير للطعن في شرعية الانتخابات الرئاسية، ويؤكد دوسها للقانون".
وقالت إن "تغيير قواعد المنافسة وتعديل القانون أثناء ممارسة الحملة الانتخابية ومباشرة الجانب التطبيقي للقانون غير مقبول سياسيًا وأخلاقيًا، ناهيك عن بعده التعسفي وانخراطه في حساب انتخابي ضيق لفائدة طرف معيّن"، لم تسمه.
مقترح تعديل "غير قانوني"
انتقاد مشروع تعديل قانون الانتخابات في تونس لم يقتصر فقط على الفاعلين السياسيين، إذ اعتبر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين أن مشروع تعديل قانون الانتخابات "يمس بأسس دولة القانون ومبادئ النظام الديمقراطي".
وأكد المكتب في بيان له الاثنين 23 سبتمبر/أيلول، أن هذه المبادرة تهدف إلى إلغاء أي فاعلية للرقابة القضائية على منازعات الترشيحات والنتائج وتمويل الحملات الانتخابية، وذلك بإبعادها عن الجهات القضائية ذات الكفاءة الطبيعية والقضاة المتخصصين.
فيما اعتبر رئيس جمعية "عتيد"، بسام معطر، أن توقيت مقترح تعديل قانون الانتخابات في تونس الذي تقدم به عدد من النواب "خاطئ وهي مبادرة غير مقبولة باعتبار أن المبادئ الفضلى للانتخابات تمنع تغيير القانون الانتخابي خلال السنة الانتخابية".
وحسب تصريح معطر لإذاعة "موزاييك" التونسية الخاصة، فإن مجرد التفكير في تعديل قانون الانتخابات في تونس "يمس من نزاهة العملية الانتخابية ومشروعيتها".
كما وجّهت خمس جمعيات مختصة في ملاحظة الانتخابات، رسالة مفتوحة إلى أعضاء مجلس نوّاب الشعب دعوهم فيها إلى "إعادة النظر" في مقترح تعديل قانون الانتخابات والاستفتاء، ويتعلق الأمر بجمعيات مراقبون والمركز التونسي المتوسطي ومرصد "شاهد" وائتلاف أوفياء للديمقراطية وجمعية "إبصار".
وقالت الجمعيات في رسالتها إن "تعديل القانون الانتخابي قبل أسبوعين فقط من موعد الانتخابات يُعدّ إجراءً غير مقبول يتعارض مع أفضل الممارسات لضمان انتخابات حرة ونزيهة" كما أنّه "يُعتبر انتهاكًا خطيرًا لمعايير نزاهة العملية الانتخابية ويهدد الثقة في أسس الديمقراطية".
كما أوضحت أن قرارات الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، باعتبارها هيئة عمومية تُعتبر قرارات إدارية وبالتالي، فإن الطعن في هذه القرارات يجب أن يتم أمام القضاء الإداري، وقالت إن نقل اختصاص الطعن إلى القضاء العدلي يمكن أن يؤدي " إلى خلل في النظام القانوني ويعرّض فصل السلطات للخطر".
واعتبرت الجمعيّات، أيضا، أنّ نقل اختصاص النظر ومراقبة تمويل الحملات الانتخابية إلى محكمة الاستئناف "ينطوي على مخاطر كبيرة تتعلق بضعف الرقابة وعدم الشفافية"، كما أن "هذه المحكمة تفتقر إلى الخبرة اللازمة في هذا المجال مما يستدعي ضرورة الإبقاء على هذا الاختصاص في يد جهة متخصصة مثل محكمة المحاسبات".
انقسام بين نواب البرلمان التونسي
المعارضة التي واجهها مشروع تعديل قانون الانتخابات في تونس من قبل الفاعلين السياسيين والحقوقيين، تسببت في انقسامات بين أعضاء لجنة التشريع العام في البرلمان التونسي التي تقوم بدراسة المقترح الذي قدمه 34 نائبا من الداعمين للرئيس قيس سعيّد.
إذ كشفت تقارير إعلامية تونسية أن الانقسام الحاصل بين أعضاء لجنة التشريع العام يتعلق بالمفعول الرجعي للمشروع بين من يتبنى المصادقة عليه وتمريره للجلسة العامة كما هو، وبين من يرى بضرورة تنقيح الفصل المتعلق بآجال دخوله حيز التنفيذ وإرجاعه إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وبخصوص لماذا لجأ النواب الموالون للرئيس لطرح هذا التعديل، قال أساتذة في القانون لوكالة رويترز، إن رفض الهيئة الانتخابية إعادة المرشحين يهدد بجعل الانتخابات غير شرعية إذا طعن أي مرشح في نتائج الانتخابات أمام المحكمة الإدارية.
فيما عبّر عضو البرلمان التونسي، ياسين مامي، عن استغرابه من فتح دورة برلمانية استثنائية مستعجلة رغم رفض مكتب المجلس طلبا سابقا منذ يوليو/تموز 2024، بدورة استثنائية لمناقشة جملة من مقترحات القوانين".
وقال وفق ما جاء في مقطع فيديو نشره على صفحته بفيسبوك، إنه: "في المقابل يتم فتح دورة استثنائية مستعجلة لمناقشة مبادرة تعديل القانون الانتخابي قبل أسبوعين من موعد الاقتراع فضلًا عن إسناد المبادرة إلى لجنة التشريع بدل لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين الانتخابية".
واعتبر مامي أنه "من غير الأخلاقي أن يتم تغيير قانون اللعبة أثناء سير العملية الانتخابية معبرًا عن تمسكه بضرورة أن تستمع اللجنة إلى جميع الأطراف ذات العلاقة بالقانون والمسار الانتخابي على غرار المحكمة الإدارية وهيئة الانتخابات".
ورغم موجة الغضب والانتقادات التي صاحبت الإعلان عن مشروع تعديل قانون الانتخابات في تونس، فقد قرر البرلمان التونسي، عقد جلسة عامة استثنائية، الجمعة 27 سبتمبر/أيلول 2024، للنظر في تعديل قانون الانتخابات المثير للجدل والمصادقة عليه.