تجري الانتخابات النيابية في الأردن في العاشر من سبتمبر/أيلول 2024، في ظل قانونٍ انتخابي جديد، فتح مجالاً أكبر للأحزاب السياسية، من خلال القوائم الحزبية، ما نجم عنه ظهور أحزاب جديدة، الأمر الذي يثير تساؤلات عن تأثير ذلك على العشائر ومرشحيها، وعلى حظوظ المستقلين إيجاباً وسلباً.
وتأتي الانتخابات الأردنية في ظل قانون انتخابات وأحزاب جديدين، وحتى مع تعديلات دستورية جديدة، ضمن "مسار إصلاح" أعلنه الملك الأردني، جزءاً من "التطوير السياسي"، الذي نشأ من خلال "لجنة منظومة التحديث السياسي عام 2021″، ومن ثمّ نتجت عنها "عملية التحديث السياسي الكامل".
رغم ذلك، يشكّك سياسيون ومحللون بإحداث تغيير كبير من خلال القانون الانتخابي الجديد، معتبرين أنه جديد من حيث الشكل، ولكن المضمون النهائي واحد، في حين يرى مؤيدوه، أنه فتح مجالاً أكبر للأحزاب ضمن مسار الإصلاح السياسي، وأنه من المبكر الحكم عليها بشكل نهائي.
ويأتي ذلك في وقت لطالما مثلت فيه العشائر ركيزة أساسية في المشهد الانتخابي في الأردن، ولعبت فيه دورا أساسياً.
قوائم حزبية بالانتخابات النيابية في الأردن
من جهته، علق الكاتب والناقد السياسي الأردني عدنان الروسان، في حديثه لـ"عربي بوست"، بالقول إن "الأحزاب أعطيت 41 مقعداً لأول مرة في انتخابات برلمانية في الأردن، ومجموع المنضوين تحت ألوية الأحزاب لا يزيدون عن 100 ألف مواطن عضو فيها، في أحسن الظروف".
أضاف أن القوائم الحزبية تمثّل أكثر من ثلث مقاعد المجلس، وأقل من ثلاثة أرباعه بقليل، وأنه "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الكوتات أو المحاصصة، مثل الكوتا النسائية والمسيحة و الشركسية ومحددات البادية، فانّ ما يتنافس عليه باقي الناخبين هو 50 مقعداً".
حول تأثير القوائم الحزبية على المستقلين وعلى العشائر، أكدّ الروسان أنه "رغم الحديث عن قوائم حزبية، إلا أنها ستكون عشائرية إلى حد كبير"، بسبب أن عشائر سجلت أفرادها أعضاء في أحزاب ستعكس تمثيلاً عشائرياً وليس حزبياً، وفق رأيه.
ومتحدثاً عن القوائم الحزبية في الانتخابات النيابية في الأردن المقبلة، قال الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي في الأردن، زكي بني ارشيد، لـ"عربي بوست"، إنه "تم صناعة أحزاب كثيرة، للتزاحم في القوائم 26 قائمة حزبية، ما يعني تشتت الأصوات والمقاعد، وإظهار حالة العجز الحزبي عن تخطي عتبة الفعل والتأثير، فضلاً عن تشكيل أغلبية برلمانية".
وقال بني ارشيد إنّ "بعض الاحزاب المحسوبة على الجانب الرسمي بصرف النظر عن أسمائها، من المرجح أن لا تحقق إنجازاً يذكر"، معتبراً أن "فلسفة الدولة قائمة على عدم السماح لأي مكون أن يكبر، حتى لو كان مبالغاً في الولاء".
في ظل هذه الأجواء، يتوقع بني ارشيد تحسناً طفيفاً على نصاب نواب الإسلاميين، مشيراً إلى أن "تأثير غزة غير معروف على الانتخابات النيابية في الأردن، ومفتوح على سيناريوهات متعددة نحو العزوف أو المشاركة الإيجابية أو التصويت لرموز المقاومة (أوراق باطلة)، وليس للمرشحين".
مخاوف من عزوف انتخابي جديد
على الرغم من تغيير قانوني الأحزاب والانتخابات النيابية في الأردن، وتخصيص 41 مقعداً للقوائم الحزبية، إلا أنّ المؤشرات الأولية لم تغير من النظرة الشعبية العامة للانتخابات، وسط دعوات للعزوف الانتخابي، ذلك أن من الناخبين من يرى أن "الانتخابات غير مجدية".
هذا ما ذهب إليه بني ارشيد، الذي تحدث عن التدخل الأمني في العملية الانتخابية، واصفاً إياه بـ"هندسة الانتخابات".
وقال إنه تم صناعة بعض الأحزاب، إلى جانب أن الذين سيعزفون عن الانتخابات النيابية في الأردن يستحضرون تجارب عميقة في التزوير، ما أسهم في جعل الثقة الشعبية متدنية إلى الحد الأدنى.
كذلك شدد بني ارشيد على أن الأزمة بالمقام الأول هي "أزمة ثقة مفقودة، وغير قابلة للاسترداد، في ظل التجاوزات والتدخلات القائمة"، مضيفاً أنّ "الطريق الوحيدة للخروج من المأزق، بإجراء انتخابات نزيهة غير مشكوك فيها، وهذا غير متوفر حتى الآن، بحسب تقديره.
عن التغييرات الأخيرة التي حدثت في قانوني الانتخابات والأحزاب ضمن "مسار الإصلاح"، رأى في ذلك بني ارشيد أن "هناك من يخشى من أي خطوة باتجاه الحد الأدنى من الإصلاح، حتى لو كان شكلياً وهامشياً".
وقال: "عند إطلاق أي مسار للإصلاح، هناك من يطلق العنان لكل وسائل التخويف، ويثير جميع انواع الهواجس والمخاوف، ويسوّق كل التبريرات بهدف بقاء حالة الانسداد القائمة، التي تثير الفزع من شبح المستقبل نحو الهاوية"، دون أن يسمي أي جهة.
ونوّه إلى أن "عدم نجاح جميع المبادرات السابقة، يبرر التشكيك في مصداقية الوعود الرسمية نتيجة لغياب الثقة".
تجمعات وتكتلات داخل مجلس النواب
يكشف عضو مجلس الأعيان، إبراهيم البدور، في تصريحات لـ"عربي بوست"، عن أن "هدف القانون الجديد هو إحداث تجمعات داخل مجلس النواب، بحيث يكون العمل داخل المجلس جماعياً وليس عملاً فردياً".
وأضاف: "لذلك جاءت الفكرة بعمل تجمعات للمرشحين، والفائزين بعضوية مجلس النواب، وإعطاء مقاعد خاصة لهذه التجمعات، ممثلة بالتكتلات والأحزاب، ومن ثمّ الدخول إلى البرلمان، بحيث يكون للنائب مرجعية للحزب، فإذا حدث أي تصويت يكون هناك انسجام للتصويت، بالتالي فإنّ الفكرة الأساسية لمجلس النواب القادم هو العمل الجماعي".
ولفت إلى أنه خلال الأعوام السابقة، كانت هناك انتقادات لمخرجات العمل السياسي، خاصة على مستوى الانتخابات ومجلس النواب، لذلك أتت الفكرة في عمل حراك جديد من خلال التعديلات التي تمت تمهيداً للانتخابات، لتكون لبنة يمكن البناء عليها.
وقال إنه "سيكون هناك تقييم للمخرجات والأهداف التي وضعت لها الفكرة السياسية، بعد الانتخابات النيابية في الأردن المقبلة، وإذا كان هناك هفوات يمكن تصحيحها".
ومعبراً عن تأييده للتعديلات التي تمت، قال البدور إن "القانون الجديد للانتخابات يعمد إلى عمل أجسام سياسية"، مطالباً العشائر الانخراط بهذه الأجسام، ومضيفاً أنّه "في الفترة الحالية أي شخص يريد أن يعمل عملاً سياسياً يجب عليه أن يتجه إلى الأحزاب".
وأضاف: "أما العشيرة، فهو نظام اجتماعي مميز ومقدر، والجميع يحترمه، ولكن حتى العشيرة إذا ما أرادت إيصال أي نائب في الوقت الحالي، يجب أن تجتمع مع بعضها، أو تجتمع مجموعة عشائر لإيصال شخص إلى البرلمان، ففي الفترات السابقة كان ذلك يحصل بالفعل، ولكن مع فتح الدوائر الموجودة حالياً، بات الأمر أكثر صعوبة".
أوضح أنه على سبيل المثال، في العاصمة عمان التي تحتوي على ثلاثة دوائر، فإن الدائرة الثانية فيها تحتوي على 900 ألف صوت، ولا توجد هناك أي تجمع للدم أو العشيرة يمكن أن يحصل على مثل هذا العدد من الأصوات، أو أن يصل حتى إلى 20 ألف صوت، لذلك إذا ما كانت العشيرة تريد الدخول والبقاء في العملية السياسية، يجب أن تتجمع مع مجموعة من العشائر، وتصبح هناك تكتلات عشائرية لإيصال نائب إلى البرلمان".
لذلك، أكد أن "القانون ليس ضد العشائر، ولا ضد أي جهة سياسية، ولكن هدفه العمل الجماعي"، على حد قوله.
الأنظار تتجه إلى حزب إرادة وجبهة العمل الإسلامي
يبرز في المشهد الانتخابي حزبا إرادة وجبهة العمل الإسلامي، وهما من بين 38 حزباً مرخصاً في الأرض، ويستعد لخوض الانتخابات النيابية في الأردن المقبلة.
يصنف البعض حزب إرادة من الأحزاب الأردنية الحديثة الطامحة للحصول على عدد وازن في الانتخابات النيابية في الأردن القادمة، وأنه من الأحزاب المقربة من المستوى الرسمي، كما يصفه سياسيون ومعارضون.
ويضم الحزب أكبر عدد من المنتسبين بين الأحزاب حديثة التأسيس بعد قانون الأحزاب الجديد بأكثر من 10 آلاف وهو الحد القانوني للترخيص، ويضم شخصيات سياسية ومتقاعدين عسكريين، ورجال أعمال.
واستطاع الحزب تصدر انتخابات رؤساء مجالس المحافظات التي جرت في أبريل/ نيسان 2024، بفوزه برئاسة تسعة مجالس محافظات من أصل 12 مجلساً.
كما أنه حصد رئاسة مجالس اتحادات الطلبة في الجامعات الأردنية ومؤتة والعلوم والتكنولوجيا، وجامعة اليرموك، وعضويات الهيئات الإدارية ومجالس الطلبة.
فيما يتعلق بحظوظ الإسلاميين، يرى عضو مجلس الأعيان إبراهيم البدور، أنّهم سيكونون من بين الأحزاب التي ستتصدر، وفق القانون الجديد، لا سيما أنه يراعي أكثر الأحزاب السياسية.
كما أن حزب جبهة العمل الإسلامي، له ما يقارب الخمسين عاماً في العمل العام والسياسي في الأردن، وهو أكثر من بين أقدم الأحزاب وأكثرها انتساباً من حيث عدد الأعضاء، وله تاريخ كبير.
وتوقع البدور أن يحصد الإسلاميون أرقاماً جيدة، وسط المنافسة مع الأحزاب الجديدة، لا سيما الإسلامية منها، وأنها جميعها ستستفيد من القانون الجديد، ومن التغيير الذي حدث.
تشكيك ناشطين بالانتخابات
في سياق آخر، تظهر جهات وشخصيات سياسية مستقلة مقاطعة للانتخابات الجارية، معتبرين أنّ الانتخابات المقبلة "مجرد نسخة كربونية عن دورات الانتخابات السابقة، ولا تختلف في المضمون والجوهر عنها".
هذا ما أكدّه الناشط السياسي الأردني كميل الزعبي، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، الذي أضاف: "التزمت مقاطعة الانتخابات منذ دورات عدة، وتعقيبي عليها هذه المرة في ظل القانون الجديد، سواء ما يتعلق بإيجابياته وسلبياته، أنه أصبح لدينا عدم مصداقية في الانتخابات، سواء كانت القوانين الموضوعة إيجابية أو سلبية، وعلى وجه الخصوص مسألة الفرز".
وأوضح القول: "باتت لدينا شكوك أنّه يتم اختيار مجلس النواب من الجهات الرسمية"، مشيراً إلى أن هناك سوابق تم الإقرار فيها بإحدى الانتخابات حين كانت هناك تصريحات من مسؤول أمني أنه جرى فيها تعيين 70 نائباً، وفق قوله.
وتمنى الزعبي أن يكون هناك حزبين قويين مثل دول الغرب، يتنافسان في الانتخابات، للاعتماد عليهما في تشكيل حكومة منتخبة، وهنا سيكون هناك ثقة في الانتخابات.
ولفت إلى أنه "بحسب القانون الجديد، لا يمكن تشكيل حكومة برلمانية، بأغلبية حزبية، معتبراً ذلك أنه لن يلبي حاجات الشعب الأردني، ولن يكون هناك أي إيجابيات لأي قانون انتخابي".
عن الإسلاميين، قال الزعبي إن "حظوظهم دائماً تكون كبيرة، ولديهم تنظيم بالشارع الأردني وقبول، ولا يمكن إنكار ذلك، ولكنهم في نهاية الأمر لا ياخذون حقوقهم في مجلس النواب، بسبب التدخلات الرسمية في النتيجة"، وفق قوله.
وقال: "حرب غزة وتأثيرها على الشارع الأردني سيكون كبيراً جداً، فأغلب المواطنين أصبح لديه تردد في المشاركة في الانتخابات النيابية، والكثير منهم يعزف عن المشاركة في الانتخابات بسبب توقيتها".
يشار إلى أن الأردن يشهد منذ 2021، مساراً لـ"تحديث المنظومة السياسية"، بقرار من الملك عبد الله الثاني، الذي أمر بتشكيل لجنة مكلفة باقتراح تغييرات في شكل الحياة السياسية، لتعزيز المشاركة الشعبية وتطوير الحياة السياسية، وتوسيع قاعدة التمثيل، وتحقيق التوازن بين السلطات، وسط انتقادات بأنها لم تحقق القدر الكافي من الإصلاحات المرجو منها حتى الآن، بشكل يحدث تغييراً حقيقياً في البلاد.