شباب في مقتبل العمر وقاصرين وحتى أطفال رصدتهم كاميرات المراقبة على الحدود البحرية الفاصلة بين مدينة الفنيدق المغربية ومدينة سبتة الخاضعة للسيادة الإسبانية، واختار هؤلاء السباحة بين الفنيدق وسبتة من أجل الوصول إلى "الضفة الأوروبية" رغم علمهم أن مصيرهم قد يكون الغرق كما حدث للكثيرين.
السلطات الإسبانية كشفت عن ارتفاع كبير في أعداد المهاجرين الواصلين إلى مدينة سبتة سباحةً، وقالت إن أعدادهم ارتفعت خلال هذا الصيف، وخاصة خلال شهر أغسطس/آب 2023، وتحدثت عن وصول مئات المهاجرين بينهم قاصرون إلى المدينة، بينما كشفت تقارير عن ارتفاع القادمين إلى سبتة بنسبة 143%.
من خلال هذا التقرير سنقوم برصد أسباب عودة ارتفاع أعداد المهاجرين الذين تسللوا أو حاولوا ذلك للوصول إلى سبتة الخاضعة للاحتلال الإسباني، وكيف تواجه شرطة الحدود في المغرب وإسبانيا هذا التدفق الكبير للمهاجرين، إضافة إلى النهاية المأساوية لبعض الراغبين في الوصول إلى "الأراضي الأوروبية".
السباحة بين الفنيدق وسبتة
اعتادت وسائل الإعلام في إسبانيا والمغرب منذ سنوات على نقل خبر وصول مهاجرين عن طريق البحر إلى مدينة سبتة الخاضعة للسيادة الإسبانية، لكن وتيرة هذه الأخبار تزايدت خلال شهر أغسطس/آب 2023، مع ارتفاع وتيرة المهاجرين الذين اختاروا المغامرة سباحة للوصول إلى الثغر المحتل.
في 11 أغسطس/آب، كشفت وسائل إعلام في إسبانيا والمغرب عن محاولة حوالي 300 مهاجر السباحة إلى سبتة خلال 24 ساعة فقط، وحذر الحرس المدني الإسباني من أن محاولات السباحة هذه بأعداد كبيرة إلى سبتة تكررت في الأيام الأخيرة، رغم عدم تحديد السبب بشكل واضح، وفق ما ذكرته صحيفة "la vanguardia" الإسبانية.
قبل ذلك، قال المكتب المركزي لمرصد الشمال لحقوق الإنسان بالمغرب "ONDH"، شهر يونيو/حزيران الماضي، إنه رصد نجاح حوالي 1,000 مهاجر غير نظامي جلهم مغاربة من الوصول إلى مدينة سبتة ومليلية، بمعدل محاولات يومية تصل إلى 120 محاولة.
كما سجل المرصد نجاح أزيد من 70 قاصر مغربي من الوصول إلى مدينة سبتة، أغلبهم عن طريق السباحة بين شاطئي الفنيدق وسبتة، بينهم 3 لاعبين قاصرين بنادي كرة القدم "الفنيدق"، فيما سجل وفاة لاعب نادي "ميضار" أثناء محاولته الوصول إلى جنوب إسبانيا.
حسب المركز فإن هجرة القاصرين نحو شواطئ سبتة المحتلة انطلاقاً من شواطئ الفنيدق تتطلب قطع مسافة تصل إلى أزيد من 10 كيلومترات، وتستغرق ما بين 10 إلى 15 ساعات بين المقطع البحري الفنيدق وسبتة، فيما تستغرق الرحلة بين منطقة "بليونش" وسبتة ساعتين كمعدل.
حالة استنفار في الحدود البحرية
باتت محاولات الوصول سباحة إلى سبتة تتكرر بشكل يومي وفي بعض الأحيان تتكرر أكثر من مرة خلال ساعات، الأمر الذي دفع سلطات الحدود في سبتة والفنيدق (المدينة الحدودية) مع الثغر المحتل، لإعلان حالة استنفار في مواجهة هذا التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين إلى سبتة المحتلة.
ويجري أعوان الحرس المدني الإسباني وقوات البحرية الملكية المغربية عمليات مراقبة للمنطقة نظراً لإنذار بوجود مهاجرين اختاروا السباحة بين الفنيدق وسبتة، تم إصدار تحذير، ليلة الثلاثاء 20 أغسطس/آب، من وجود أشخاص في البحر في المنطقة الممتدة من شواطئ الفنيدق إلى سبتة، وفق ما ذكرته صحيفة "el faro de ceuta" المحلية في سبتة.
طوال فترة ما بعد ظهر الثلاثاء 20 أغسطس/آب، ظل المغرب يتدخل في المنطقة بحضور عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا يقفزون في المياه، وتوالت المحاولات في الليل، مما أدى إلى تفعيل ليس فقط الوحدات المغربية، بل أيضا الوحدات الإسبانية.
بينما كشفت وكالة أنباء سبتة أن سلطات المدينة المتمتعة بالحكم الذاتي ستطلب من حكومة، بيدرو سانشيز، خطة طوارئ جديدة، لمواجهة ضغوط الهجرة التي تفاقمت هذا الصيف، وفقاً ما نقلته الوكالة عن المتحدث باسم السلطة التنفيذية في سبتة، ألبرتو غايتان.
حسب غايتان، فإن وضع الهجرة في سبتة قد وصل إلى نقطة حرجة خلال فصل الصيف، مع استمرار وصول القصر والبالغين غير المصحوبين من المغرب، وقال إن خطة الطوارئ الجديدة أصبحت "عاجلة" بسبب اكتظاظ مراكز الاستقبال.
استيعاب القاصرين وترحيل الكبار
يختلف مصير المهاجرين الواصلين إلى سبتة، إذ يتم نقل البالغين غير المغاربة، بعد تحديد جنسياتهم، إلى مراكز إقامة المهاجرين المؤقتة، في حين يتم وضع المهاجرين القاصرين غير المصحوبين في مراكز مختلفة بالمدينة، حسب قوانين الهجرة المعمول بها في إسبانيا.
لكن بالنسبة للأشخاص الذين بلغوا السن القانونية ويحملون الجنسية المغربية فإن مصيرهم يكون العودة إلى المملكة انطلاقًا من المعبر الحدودي لمدينة سبتة مع الفنيدق، في إطار الاتفاق الموقع منذ سنوات بين الرباط ومدريد.
حسب وسائل إعلام إسبانية، تستوعب مراكز الاستقبال بمدينة سبتة حاليًا ما يقرب من 400 قاصر على الرغم من أن طاقتها القصوى تبلغ 132 شخصًا، وفقًا لما ذكرته الحكومة المحلية.
فيما تتخذ الحكومة المحلية في مدينة سبتة خطوات لتسريع إحالة هؤلاء القاصرين إلى أقاليم أخرى تتمتع بالحكم الذاتي، على النحو المتفق عليه في المؤتمر القطاعي المعني بالأطفال الذي عقد في 10 يوليو/تموز 2023.
بينما أشار المتحدث باسم السلطة التنفيذية في سبتة، ألبرتو غايتان، إلى أنه خلال شهر أغسطس/آب، وصل ما مجموعه 163 قاصرًا إلى سبتة، في حين كان هناك 16 في العام الماضي، وحتى الآن في عام 2023 هناك حوالي 600 مهاجر قاصر بالمدينة.
وعلى الرغم من أنه تم نقل جزء صغير فقط من القاصرين حتى الآن، إلا أن السلطة التنفيذية المحلية تؤكد أن عمليات النقل هذه كانت مقررة ولا تستجيب فقط للضغوط الحالية. وأكد رئيس مدينة سبتة، خوان خيسوس فيفاس، الحاجة إلى مزيد من المساعدة نظراً لخطورة الوضع.
وقد وعدت وزيرة الأطفال الإسبانية، سيرا ريغو، بتسريع عمليات النقل، رغم أنها قالت إن "عدم وجود إصلاح في قانون الهجرة، الذي عرقله الحزب الشعبي، يزيد من تعقيد إدارة حالات الطوارئ هذه" على حد تعبير المسؤولة الإسبانية.
الغرق مصير آخرين
منتصف شهر أغسطس/آب الجاري، عُثر على جثة قاصر مغربي في شاطئ مدينة الفنيدق بعد أن فشل في الوصول سباحة إلى مدينة سبتة، ليكون آخر ضحايا محاولات الهجرة القاتلة لمئات القاصرين والمهاجرين الراغبين في الوصول إلى "الأراضي الأوروبية" من خلال السباحة بين الفنيدق وسبتة.
قبل ذلك، كشف المكتب المركزي لمرصد الشمال لحقوق الإنسان عن غرق 14 مهاجر غير نظامي، 12 منهم مغاربة ومهاجرين من دول جنوب الصحراء، وفق الإحصاءات التي تهم شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان 2023.
بينما رصد المركز في تقرير نشره يوم 10 يونيو/حزيران على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، وجود 18 مفقوداً بالبحر الأبيض المتوسط، أثناء محاولتهم الوصول إلى جنوب إسبانيا أو مدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين للاحتلال الإسباني.
كما أنه خلال شهر فبراير/شباط 2023، قالت وزارة الداخلية المغربية إن سبعة أشخاص غرقوا عندما حاولت مجموعة من 200 مهاجر السباحة إلى جيب سبتة المحتل انطلاقًا من الأراضي المغربية المحيطة به.
وأوضحت السلطات المحلية في مدينتي المضيق والفنيدق في بيان أن نحو 200 مهاجر غير شرعي حاولوا العبور سباحة إلى جيب سبتة "المحتل". وأضاف البيان أنه تم انتشال سبع جثث إحداها لامرأة.
هذا الوضع دفع السلطات القضائية في مدينة تطوان المغربية لاتخاذ قرار غير مسبوق الجمعة 16 أغسطس/آب 2023، بمتابعة 47 شخصاً "على اعتبار تعريضهم لحياتهم وحياة الآخرين للخطر والدخول إلى منطقة أمنية محظورة، وخلق الفوضى والتجمهر وتشجيع القاصرين على الارتماء في البحر".