تتزايد المخاوف الإسرائيلية من عودة العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل، بحيث تجد إسرائيل نفسها أمام جبهة قتال جديدة تتحول إلى انتفاضة في الضفة الغربية المحتلة.
والإثنين، أعلنت شرطة الاحتلال أن التفجير الذي حدث مساء الأحد في تل أبيب "عملية عدائية"، فيما قالت كتائب القسام بالاشتراك مع سرايا القدس، إنهما تحمّلان المسؤولية عنه، مشددتين على أن العمليات الاستشهادية بالداخل المحتل ستعود للواجهة، طالما تواصلت مجازر الاحتلال وعمليات تهجير المدنيين واستمرار سياسة الاغتيالات.
فيما رفعت شرطة الاحتلال والشاباك حالة التأهب في منطقة تل أبيب الكبرى، مع مخاوف من عمليات مشابهة.
ويأتي تفجير تل أبيب، بالتزامن مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية في مدن ومخيمات شمالي الضفة الغربية، حيث تزايدت عمليات الاستهداف من الجو، وحديث إسرائيلي عن تشكيلات مسلحة بدأت تنشط مجدداً هناك.
وقال قائد شرطة منطقة "أيالون" حاييم بوباليل، في تصريح صحفي، "إنها معجزة أن الانفجار لم يحدث في كنيس أو مركز تجاري قريبين من مكان الانفجار، حيث كان من الممكن أن تنتهي الحادثة بسقوط عشرات القتلى".
كما أضاف قائد الشرطة أنه "أسلوب عمل لم يشهدوه منذ سنوات في المنطقة، مما يضعهم في مكان مختلف"، مشيراً إلى أن الانفجار كان بسبب خلل وإن العبوة لو كانت وُضعت في مكان ما وتم تفجيرها لكانت هناك "خسائر فادحة لم يعهدوها منذ زمن".
انفجار تل أبيب يجدد المخاوف بشأن عودة العمليات الاستشهادية
صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قالت في تقرير إن هجوم تل أبيب يجدد المخاوف بشأن عودة العمليات الاستشهادية بالداخل الإسرائيلي، وذلك بعد سنوات عدة من تلك التي شهدتها إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية.
وأشارت إلى أن هذه المخاوف بدأت تتجسد مع التسلسل غير المعتاد لمثل هذه العمليات، فقد التحق هجوم الأحد في تل أبيب، إلى هجمات سابقة منها انفجار حديقة "اليركون" في تل أبيب ليلة رأس السنة العبرية الجديدة يوم 15 سبتمبر/أيلول 2023، وانفجار عبوة ناسفة عند مفترق مجدو جنوب حيفا يوم 13 مارس/آذار 2023.
كما أنها تأتي في ظل التزايد المطرد من الهجمات التفجيرية بالعبوات الناسفة في الضفة الغربية، مما يزيد القلق من احتمال انتقال الهجمات إلى المدن في وسط إسرائيل، بحسب الصحيفة.
وفي نهاية يونيو/حزيران وبداية يوليو/تموز الماضي، قتل جنديان إسرائيليان جراء استخدام المتفجرات في أثناء عمليات للجيش في مخيمات اللاجئين في طولكرم وجنين.
والشهر الماضي، انفجرت ثلاث عبوات ناسفة أخرى قرب السياج الأمني في منطقة جلبوع، ما أسفر عن إصابة اثنين من موظفي وزارة الجيش الإسرائيلية.
الصحيفة الإسرائيلية نقلت عن مصدر أن الخطر المتزايد من انتشار الهجمات الاستشهادية يأتي في سياق تاريخي مرتبط بالتوترات المستمرة في المنطقة، وبالتحديد اللجوء إلى المتفجرات في الهجمات، الأمر الذي يثير القلق بشأن "أمان المناطق المدنية في إسرائيل".
وتتهم الصحيفة حركة حماس وإيران، بتغذية العمليات التفجيرية، كما تعتقد أنهما يحاولان إدخال أسلحة متنوعة إلى الضفة الغربية، وخاصة عبر الحدود الشرقية مع الأردن.
"أسلحة قادرة على تغيير قواعد اللعبة" بالضفة
وقد أعربت وزارة الجيش الإسرائيلية، مؤخرًا عن قلقها إزاء محاولات إيران أو حماس إدخال "أسلحة قادرة على تغيير قواعد اللعبة" إلى الضفة الغربية.
ومؤخرًا اتخذ الجيش الإسرائيلي إجراءات مباشرة ضد الفلسطينيين الذين يصنعون العبوات الناسفة، ولكن الوقاية ليست مضمونة، ففي الأشهر الأخيرة حذرت الأجهزة الأمنية أيضًا من احتمال تصاعد محاولات تنفيذ هجمات تفجيرية إذا انهارت السلطة الفلسطينية، كما أن الجرائم ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية تزيد من المخاوف بشأن التصعيد هناك.
الصحفي الإسرائيلي رون بن يشاي، في تقرير على صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أشار إلى أن شعبة الاستخبارات أرسلت تقييماً تحذيرياً، يتوقع فيه تصعيدًا في إسرائيل يشمل هجمات بالقنابل والعمليات الاستشهادية، يصل إلى انتفاضة فلسطينية.
حيث أوضح أن انفجار تل أبيب يعتبر علامة جديدة من علامات كثيرة، على أن التحذير من التصعيد المسلح المتوقع في الضفة الغربية يجب أن يؤخذ على محمل الجد.
وفي عامي 2022 و2023، وقعت تفجيرات نفذها فلسطينيون داخل "الخط الأخضر"، لكن القنبلة التي انفجرت الأحد تحمل بصمات بوادر عمليات في المناطق التي صدر تحذير بشأنها.
وأوضح الكاتب الإسرائيلي أن القنبلة التي انفجرت في تل أبيب، ربما تكون من النوع الذي استخدمه الاستشهاديون في الانتفاضة الثانية، كما ينحدر المنفذ من شمالي الضفة الغربية التي أصبحت مركزا للتصعيد المسلح.
وبخلاف الانتفاضات السابقة، الناجمة عن انفجار شعبي عفوي من الفلسطينيين، يبدو أن التصعيد الحالي يتطور تدريجياً ويضاف إليه عناصر جديدة تدفع باستمراريته، فمنذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن الاستخدام المكثف للمتفجرات قد تزايدت، كما أن هناك زيادة في دافعية الشباب في المخيمات، بسبب الحرب.
الحرب على غزة تزيد من دافعية الشبان بالضفة الغربية
ويرى الكاتب أن الدافع المتزايد ينبع من حقيقة أن كل عائلة فلسطينية تقريباً بالضفة الغربية، لديها أقارب في غزة، وهذا محفز لا ينبغي تجاهله في الاعتبارات المتعلقة باستمرار الحرب، وتوزيع قوة الجيش الإسرائيلي بين مختلف الساحات.
الكاتب الإسرائيلي لم يغفل، تصاعد "الإرهاب اليهودي" في الضفة الغربية، الذي يتسبب في زيادة تنظيم الجماعات الفلسطينية المسلحة.
وقبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فقد كانت المجموعات الفلسطينية المسلحة موجودة بشكل رئيسي في مخيم جنين للاجئين، وبعد ذلك انتشرت الظاهرة لتشمل نور شمس قرب طولكرم، ولكن الآن يوجد حوالي 20 مجموعة مسلحة على الأقل منتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية، بحسب الكاتب الإسرائيلي الذي أوضح أنه "من الممكن رؤية انتشار الظاهرة الآن في كل من غور الأردن ووسط الضفة الغربية".
بحسب الكاتب الإسرائيلي فإن المخاوف الملموسة لدى الأجهزة الأمنية تتعلق بانتفاضة شاملة قد لا تصل مستواها للانتفاضتين الأولى والثانية، لكن سيكون فيها انتشار المواجهة بالنار، لاسيما مع توفر الأسلحة بشكل أكبر بكثير الآن، ومضاعفة عمليات التهريب من الأردن.
سيناريو هجوم منظم للكتائب الفلسطينية شمالي الضفة
والسيناريو الذي يربك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو هجوم منظم للكتائب الفلسطينية في شمالي الضفة الغربية على مستوطنات أو مزارع إسرائيلية.
وتبين المؤشرات أن إسرائيل قد تجد نفسها قريباً على جبهة معركة كاملة أخرى، بحسب الكاتب الإسرائيلي الذي أشار إلى أن الجيش الذي يأخذ بعين الاعتبار اضطراره إلى القتال بقوة ضد لبنان أو إيران، يريد الحفاظ في الوقت ذاته على قتال متوسط الشدة في غزة والضفة الغربية.
إسرائيل على بُعد خطوة من العودة إلى العمليات الاستشهادية
بدوره قال المسؤول السابق في الشاباك، شالوم بن حنان، إن إسرائيل على بُعد خطوة من العودة إلى العمليات الاستشهادية في مراكز المدن.
المسؤول السابق في الشاباك، أعرب لراديو "أف أم 103"، أن انفجار تل أبيب ليس مجرد مؤشر، مشيرًا إلى أنه خلال عام 2023 كانت الهجمات الأكثر صعوبة منذ نهاية الانتفاضة الثانية.
فيما رأى أن تزايد مثل هذه العمليات يعزز المخاوف من تصاعد الوضع الأمني في المنطقة بشكل أكبر، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية تواجه تحديات معقدة، مما يستدعي تكثيف الجهود لمواجهة هذا الوضع غير المستقر.