بعد هبوط طائرة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في إسرائيل بعد ظهر الأحد 28 يونيو/تموز 2024، بدأت جولة من المناقشات الأمنية حول "رد إسرائيل" على الهجوم الصاروخي الذي وقع مساء السبت على قرية "مجدل شمس" في مرتفعات الجولان، والذي أسفر عن مقتل 11 شخصاً وإصابة العشرات٬ حيث اتهمت حكومة الاحتلال حزب الله بشن هذا الهجوم٬ فيما نفى الحزب بشكل قاطع مسؤوليته٬ وقال إن صاروخاً اعتراضياً إسرائيلياً تسبب بهذا الحادث.
وتقول حكومة الاحتلال وقادة الجيش إنه "لا يمكن لمثل هذا الحادث الخطير أن يمر دون رد قاس". ووفق محللين عسكريين إسرائيليين، تخطط تل أبيب لشن هجوم كبير، ولكن بما لا يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة، وفي الوقت نفسه تستعد لرد كبير من "حزب الله".
إسرائيل تناقش "مدى قوة" الهجوم على لبنان
يقول عاموس هرئيل من صحيفة "هآرتس" العبرية إن المناقشات الإسرائيلية ركزت على مدى قوة الهجوم على لبنان بالضبط، فضلاً عن الجهود المبذولة للتنبؤ بكيفية رد حزب الله عليه. وسيحدد تبادل الضربات القادم ما إذا كانت نقطة تحول في الحرب قد حدثت، حيث تنتقل الجبهة الشمالية إلى مركز الصدارة، أو ما إذا كان هذا مجرد تصعيد آخر يمكن احتواؤه دون تغيير كبير في الاتجاه العام.
ومنذ أن ضرب الصاروخ ملعب كرة القدم في مجدل شمس، حاول حزب الله إنكار مسؤوليته عنه٬ وتقول صحيفة "هآرتس" إنه من المفترض أن حزب الله أراد أن يسقط الصاروخ ليس في مجدل شمس، بل على موقع عسكري إسرائيلي على جبل الشيخ أو بالقرب من جبل دوف في الجولان.
ويقول هرئيل إنه منذ بداية الحرب، أطلق حزب الله مئات الصواريخ على جبل الشيخ، فضلاً عن ذلك، بمجرد أن أدرك حزب الله أن المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود الشمالية تم إخلاؤها، بدأ في استهداف تلك المستوطنات عمداً، على افتراض أنه سيصيب الجنود المتبقين هناك بشكل أساسي.
والآن٬ تمارس أميركا ضغوطًا شديدة على إسرائيل حتى لا تهاجم لبنان بقوة٬ ويخشى الأمريكيون من حرب إقليمية قد تؤثر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني. ويخشى المجتمع الدولي من حرب تسيطر على الأجندة الدولية وتفجر المنطقة برمتها.
وحول إيران، يرى هرئيل أن "اعتبارات طهران معقدة. فحرب الاستنزاف مع إسرائيل تخدم المصالح الإيرانية، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت حرب إقليمية شاملة ستفعل ذلك الآن".
جبهة غزة وحسابات توسيع الحرب إقليمياً
يرى هرئيل إن ما يحدث على الحدود اللبنانية يؤثر ويتأثر بالحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة٬ وكذلك المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى٬ مشيراً إلى أن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، لديه مصلحة حالياً في الانتظار بدلاً من المضي قدماً على الفور في الصفقة، لأنه إذا كانت هناك أي فرصة لجر إسرائيل إلى حرب إقليمية تتضمن مشاركة مباشرة من حزب الله ومشاركة غير مباشرة من إيران، فإن ذلك سيكون ربحاً خالصاً له٬ على حد تعبير الكاتب الإسرائيلي.
يستدرك هرئيل: لكن في كل الأحوال، تشير كل الدلائل إلى أن نتنياهو يؤخر التقدم في الصفقة. يتضمن أحدث رد إسرائيلي على الوسطاء يوم السبت تصلباً كبيراً في مواقف حكومة نتنياهو٬ وتقول مصادر أمنية مطلعة على المفاوضات إن فرص استجابة حماس بشكل إيجابي كانت ضئيلة حتى قبل التصعيد في الشمال.
ردود إسرائيل في لبنان ستكون مقيّدة
وهدد عدد من المسؤولين الإسرائيليين٬ رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، ووزير الخارجية، وعدد قليل من الوزراء الآخرين الذين يفتقرون إلى أي نفوذ حقيقي على السياسة -بحسب هرئيل- على مدى الأيام القليلة الماضية بأن "حزب الله سوف يدفع ثمناً باهظاً لما فعله".
ولكن العديد من الأشخاص الذين يدلون بهذه التصريحات يدركون تمام الإدراك القيود التي قد تواجه أي تحرك من جانب الجيش الإسرائيلي٬ مثل تأخير شحنات الأسلحة الدقيقة من الولايات المتحدة؛ والعبء الثقيل بالفعل على الجنود المقاتلين، سواء من المجندين أو الاحتياطيين؛ والصعوبات التي قد تترتب على التوغل البري في جنوب لبنان.
ويقترح بعض الإسرائيليين "حلاً سحرياً" آخر، وهو قصف البنية الأساسية المدنية في لبنان. ولكن هذا الحل من غير المرجح أن يساعد، لأن الحكومة اللبنانية لا تملك أي نفوذ تقريباً على قرارات حزب الله٬ وسيدفع هذا الهجوم حزب الله إلى شن رد عنيف على إسرائيل.
من جهته٬ كتب المحلل العسكري في موقع "واينت" الإخباري الإسرائيلي يوآف زيتون الإثنين 29 يونيو/تموز 2024 إن "القيادة الإسرائيلية قررت بالفعل الهدف المحتمل مهاجمته، وتم تقديمه للتصديق عليه (الأحد) في الكابينت". وأضاف: "قدرت مصادر أمنية أنه هدف محدود، ولكنه مهم"، دون تفاصيل. وتابع: "قدر مسؤولون كبار أنه في حين أن الكابينت سيوافق على رد قوي، فلن يجر إسرائيل إلى حرب شاملة".
زيتون أردف: "تقول إسرائيل إنه رغم أننا قد ندخل بضعة أيام من القتال، إلا أنها ستكون مجرد خطوة محدودة حتى لو انحرفت عما عرفناه حتى الآن في الحرب الحالية بلبنان". واستطرد: "لدى إسرائيل بنك أهداف واسع في الأراضي اللبنانية ويمكنها أن تختار من بين أمور أخرى مهاجمة مستودعات الأسلحة الاستراتيجية، حيث يتم تخزين الصواريخ الدقيقة، واغتيال شخصيات بارزة أخرى (بحزب الله)". واعتبر أنه "حتى لو استهدف الهجوم أبعد نقطة حتى الآن، فلا معنى له ما لم يكن في بيروت".
وأضاف: "يحتل حزب الله مناطق مدنية كبيرة ببيروت، مثل الميناء البحري الرئيس بالمدينة، ويمكن للجيش الإسرائيلي تنفيذ هجوم دقيق يُسمع في جميع أنحاء بيروت وليس فقط في حي الضاحية معقل حزب الله"، حسب زيتون.
ونقل عن مصدر إسرائيلي رفيع لم يسمه: "على الرغم من أن الرد سيكون قاسيا، إلا أنه لن تندلع حرب شاملة. ومن المتوقع أن يُقابل الهجوم الإسرائيلي برد أقسى من المعتاد من حزب الله".
سيناريوهات "متنوعة"
وفق المحلل العسكري في موقع "واللا" العبري أمير بوخبوط، فإن القيادة الشمالية بالجيش الإسرائيلي بدأت الأحد استعدادات لسيناريوهات متنوعة، وذلك بتنسيق من مديرية العمليات بهيئة الأركان العامة والقوات الجوية والبحرية".
وكتب بوخبوط الاثنين: "من بين الخيارات، شن هجوم واسع على أهداف لحزب الله أكثر من الوضع الراهن، وفي الوقت نفسه الدفاع ضد هجوم واسع متوقع من الحزب على الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الأرض والجو".
وحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، الاثنين، فإن تفويض الكابينت لنتنياهو وغالانت يرجح احتمال توجيه "ضربة كبيرة" لـ"حزب الله، لكن ليس ضربة تؤدي إلى حرب". وأعلن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، الأحد، أن بلاده تلقت تطمينات من "دول معنية" بأن الضربة الإسرائيلية "ستكون محدودة" وكذلك رد "حزب الله" عليها، دون تفاصيل.
هل يكبح القلق الأمريكي جماح إسرائيل؟
بحسب التسريبات الإعلامية الإسرائيلية٬ فإن واشنطن لا تعارض توجيه تل أبيب ضربة قوية لـ"حزب الله"، ولكنها لا تريد أن يطال الهجوم بنى تحتية مدنية أو العاصمة بيروت.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) الاثنين عن مصدر إسرائيلي مطلع لم تسمه إن "الولايات المتحدة قلقة من احتمال شن إسرائيل هجوم في بيروت". والأحد، كتب السفير الأمريكي لدى تل أبيب جاك ليو، عبر منصة "إكس": "يتعين علينا جميعا أن نجدد التزامنا بمسار دبلوماسي يسمح بعودة السلام والأمن".
ويعكس هذا التصريح موقف واشنطن الرسمي الداعي إلى حل دبلوماسي على طرفي الحدود الإسرائيلية واللبنانية، وهو ما تعتقد أنه سيكون ممكنا حال التوصل لوقف إطلاق نار بغزة، كما يؤكد مسؤولون أمريكيون منذ أشهر.