تداولت مواقع التواصل الاجتماعي السبت 20 يوليو/تموز 2024، بشكل لافت اسم الملياردير الفرنسي، بيير إدوارد ستيرين، بعد أن كشفت وسائل إعلام فرنسية عن تفاصيل ما وصفته بـ"مشروع بيريكليس" الذي يهدف من خلاله ستيرين لمساعدة اليمين المتطرف الفرنسي على الوصول إلى السلطة، وهو الأمر الذي لم يتسنَّ له خلال الانتخابات البرلمانية الفرنسية الأخيرة.
مشروع "بيريكليس" يعود تاريخه إلى عام 2023 وفق الوثيقة التي تم الكشف عن تفاصيلها في وسائل إعلام فرنسية وأكدها مكتب الملياردير الفرنسي ستيرين، ومن بين أهدافه تعزيز قيم اليمين المتطرف السياسية والدينية، وأيضا "محاربة الإسلام" واليسار الفرنسي ووضع حد للهجرة والمهاجرين، في حال تمكن اليمين المتطرف من السيطرة على الحكم.
الكشف عن هذا المشروع اليميني المتطرف يأتي بعد أيام من فشل التجمع الوطني بقيادة، جوردان بارديلا، في الحفاظ على التفوق الذي حققه خلال الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، وانهزم في الجولة الثانية لصالح الجبهة الوطنية الجديدة. فما هي تفاصيل هذه الوثيقة السرية التي يمولها بيير إدوارد ستيرين؟
مشروع على مدى 10 سنوات
وصفت وسائل إعلام فرنسية الملياردير الفرنسي بيير إدوارد ستيرين، بأنه "كاثوليكي متحمس"، اختار المنفى الضريبي في بلجيكا، وقالت إن أنشطته جاوزت الإشراف على الشركات التي يملكها أو لديه أسهم فيها.
فقد قام مساعدوه بوضع خطة منظمة لتعزيز "قيمه السياسية والدينية المحافظة، عبر وسائل الإعلام ودعم الشخصيات السياسية من اليمين واليمين المتطرف". هذا المشروع، الذي أطلق عليه اسم "بيريكليس"، يتم تقديمه بالتفصيل في وثيقة تعود إلى عام 2023.
تم الكشف عن تفاصيل المشروع من خلال صحف فرنسية معروفة بقربها من اليسار الفرنسي وأخرى مستقلة، وأكد مقربون من الملياردير الفرنسي صحة ما جاء في الوثيقة التي وصفت بأنها استراتيجية لـ"معركة ثقافية" يقودها الملياردير الفرنسي بيير إدوارد ستيرين.
صحيفة "Le Monde" الفرنسية قالت إن الوثيقة السرية، المؤرخة في خريف 2023، تنص على استثمار 150 مليون يورو على مدى عشر سنوات، "لتمكين الانتصار الأيديولوجي والانتخابي والسياسي" لليمين واليمين المتطرف.
الترويج لمشروع بيير إدوارد ستيرين
في الوثيقة، يتم تقديم مشروع "بيريكليس" (الذي يرمز إلى "الوطنيين، المتجذرين، المقاومين، الهويين، المسيحيين، الليبراليين، الأوروبيين، السياديين") على أنه مؤسس ومدار من قبل بيير إدوارد ستيرين واثنين من المقربين منه.
ويتعلق الأمر بكل من فرانسوا دورفي، المدير العام لصندوق "أوتيوم كابيتال"، وألبان دو روستو، المدير العام لصندوق الممتلكات العامة.
وتعود هاتان الهيئتان الماليتان إلى الملياردير، الذي تم تصنيفه عدة مرات في قمة ترتيب المستثمرين الفرنسيين المتخصصين في الشركات المبتكرة، والذي يبرز منذ عدة سنوات تبرعاته لجمعيات تحمل قيمه.
وتهدف استراتيجيتهم إلى "تمكين الانتصار الأيديولوجي، الانتخابي والسياسي" لمجموعة من "القيم الأساسية"، من بينها، قيم ليبرالية مثل "الحرية الفردية وحرية المبادرة"، وأخرى أكثر محافظة أو تقليدية، مثل تقديم "العائلة" كـ"أساس المجتمع"، والمطالبة بـ"مكانة خاصة للمسيحية" أو "الفخر بتاريخنا، هويتنا، ثقافتنا".
يتم وضع هذه الأفكار في معارضة "الاتجاهات" التي يقدمها مؤلفو الوثيقة على أنها "الأمراض الرئيسية لبلدنا"، والتي تشمل عشوائياً "الاشتراكية، الإسلاموية، الهجرة" أو "العلمانية العدوانية".
مراحل تنفيذ الخطة "السرية"
لتنزيل هذا المشروع على أرض الواقع، يخطط مصممو "بيريكليس" لاستراتيجية عمل على جميع المستويات المجتمعية والقانونية، وعلى المستوى الإعلامي والسياسي والإداري.
في المرحلة الأولى، يخطط المشروع لـ"حرب قانونية" ضد "الإسلاموية، الهجرة، الهجوم على حرية التعبير، نظرية النوع الاجتماعي (…) بهدف تغيير وجهة الخوف، تطبيق القانون والدفاع عن الهجمات المضادة، تطوير القانون".
وهو مشروع تم إطلاقه جزئياً بالفعل، من خلال إنشاء جماعة جستيتيا في مايو/أيار 2023 بالتعاون مع مركز الفكر المحافظ معهد توماس مور، وفق ما ذكره موقع "france tv info".
ويعتزم بيير إدوارد ستيرين "فرض موضوعاته ومعالجتها بالطريقة التي يفضلها لا عبر وسائل الإعلام، وسائل التواصل الاجتماعي و"الإنتاج الفكري".
لتحقيق ذلك، يعتمد المشروع في عام 2024 على إنتاج "مقاييس" حول "الإسلام والأمن"، "الهجرة" أو "اليسار المتطرف"، بالشراكة مع وسائل الإعلام المسؤولة عن نشر "نتائجها بشكل واسع للوصول إلى جميع السكان الفرنسيين".
على المدى الطويل، يطمح مؤلفو خطة بيريكليس إلى نشر أفكارهم المحافظة من خلال إنشاء "أول مركز أبحاث يميني في فرنسا لجمع الخبراء الرئيسيين في المواضيع السيادية"، وبالتالي "التأثير على المجال السياسي، الإعلامي والفكري، إعداد التدابير السياسية والإصلاحات".
دعم التجمع الوطني اليميني المتطرف
على مستوى المؤسسات السياسية، تكشف الوثيقة عن رغبة الملياردير الفرنسي بيير إدوارد ستيرين، في "تحديد الانتخابات ذات الأولوية" و"تدريب المرشحين المتوافقين" مع هذا المشروع الأيديولوجي الذين لديهم "أفضل فرص للفوز".
لتحقيق ذلك، يعتمد فريق الملياردير، على سبيل المثال، على إنشاء "مدرسة رؤساء البلديات المستقبليين" التي ستقدم اعتباراً من سبتمبر/أيلول 2024 تدريباً نظرياً وعملياً للمرشحين "الذين يشاركون قيمهم"، بهدف جعلهم يفوزون في الانتخابات البلدية في حوالي 1000 "مجتمع صغير ومتوسط الحجم".
يدعي أصحاب مشروع "بيريكليس" أنهم يهدفون إلى "انتصار" التجمع الوطني اليميني المتطرف في الانتخابات البلدية لعام 2026، من خلال مساعدة الحزب بخطة منظمة وفريق إقليمي مكلف بـ"تحديد المرشحين" المحتملين، بهدف "الفوز بـ300 مدينة على الأقل".
يدافع مؤلفو الوثيقة عن أنفسهم من رغبتهم في مساعدة "التجمع الوطني" حصرياً، ويخططون لـ"إطلاق مهمات مماثلة في الأشهر القادمة تلبي احتياجات كل حزب (على سبيل المثال، تجنيد مرشحين لحزب الجمهوريين)".
كما يوصون "ببناء وجود قريب من قادة الغد" في اليمين، خاصة لدى الجمهوريين، والتجمع الوطني. من بين أهدافهم ذات الأولوية: جوردان بارديللا ومارين لوبان، الذين يقولون إنهم يتمتعون بالفعل بـ"علاقة ثقة" و"تأثير حقيقي" مع الملياردير الفرنسي.
على المدى الأطول، تعتزم خطة "بيريكليس" التحضير "مسبقاً للانتخابات الرئاسية" لعام 2027 "احتياطياً من 1000 شخص (تكنوقراط، محترفي السياسة، خبراء المواضيع)" متوافقين مع أفكارهم و"يمكن وضعهم في المناصب الرئيسية (المكاتب، الهياكل شبه العامة، الإدارة العليا)".