لأول مرة تشن طائرات الاحتلال الإسرائيلي هجوماً على اليمن، استهدف يوم السبت 20 يوليو/تموز 2024 ميناء الحديدة وخزانات الوقود فيه، ومحطة الكهرباء٬ مما أوقع دماراً وحرائق كبيرة٬ حيث قالت وزارة الصحة والسكان في حكومة جماعة "أنصار الله" إن "حصيلة العدوان الإسرائيلي على الحديدة ارتفعت إلى 3 شهداء و 87 مصاباً". فيما قال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، إنه الهجوم جاء رداً على استهداف تل أبيب بطائرة مسيرة، أسفر عن مقتل إسرائيلي وإصابة 10 آخرين.
وبعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة٬ أعلن جيش الاحتلال، اعتراض صواريخ قرب إيلات على البحر الأحمر٬ أطلقت من اليمن، فيما قالت جماعة "أنصار الله" إنها نفذت "عملية عسكرية نوعية" استهدفت منطقة حيوية في المدينة.
وجيش الاحتلال قال في بيان، إن منظومة "حيتس 3" الدفاعية الجوية اعترضت صاروخ أرض- أرض، زاعماً أنه لم يدخل أجواء فلسطين المحتلة. فيما أشار إلى أنه أطلق صفارات الإنذار في مدينة إيلات خشية سقوط شظايا الصواريخ الاعتراضية، على حد قوله. ودفع إطلاق صفارات الإنذار السكان في إيلات إلى الفرار نحو الملاجئ، بحسب وكالة رويترز. والليلة الماضية، أفادت تقارير بسماع انفجارات في إيلات، فيما أعلن جيش الاحتلال لاحقاً عدم وقوع أي حادث أمني بالمدينة.
إسرائيل تقصف اليمن لأول مرة.. هل تتسع دائرة الحرب؟
تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن ارتفاع وتيرة المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل٬ يوسع نطاق التهديدات التي تحتاج إسرائيل إلى احتوائها، خصيصاً أن جيشها منهك بالفعل بسبب الحرب ضد حركة حماس، والمواجهة مع حزب الله على الحدود مع لبنان، والاضطرابات في الضفة الغربية.
ورغم أن ضربة الحوثيين بعيدة المدى من اليمن لتل أبيب قد يكون من الصعب تكرارها، فإنها تعطي الزخم للحوثيين في وقت يشعر فيه المسؤولون الغربيون بالقلق إزاء طموحات الجماعة وقدرتها على إحداث الضرر وكذلك حجم تنسيقها وعلاقاتها مع إيران .
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت جماعة "أنصار الله" بانتظام صواريخ وطائرات بدون طيار وأسلحة أخرى على السفن التجارية والسفن الحربية في البحر الأحمر. وأدت هجماتهم إلى غرق سفينتين وردع السفن عن المرور عبر أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم، والذي يربط آسيا بأوروبا وما وراءها٬ عبر قناة السويس في مصر.
وفي السنوات الأخيرة، شن الحوثيون أيضًا هجمات على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهي علامة على التهديد المتنامي الذي تشكله الجماعة في الشرق الأوسط والذي يجب أن تخشاه إسرائيل الآن بعد توجيهها ضربة قاسية للميناء الحيوي الذي تعتمد عليه الجماعة.
وقال أندرو تابلر، المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض٬ لصحيفة "وول ستريت جورنال": "بدأ الحوثيون من قاعدة منخفضة ولكن كانت لديهم طموحات إقليمية وحتى عالمية". وأشار إلى أن هجوم الطائرات بدون طيار في تل أبيب يمثل إنجازًا كبيرًا للجماعة حيث تواصل استهداف أعدائها.
ولم تسقط إسرائيل الطائرة بدون طيار التي أطلق عليها الحوثيون اسم "يافا"٬ ولم يتم تفعيل صفارات الإنذار قبل الانفجار. وقال الجيش الإسرائيلي إن الطائرة بدون طيار اقتربت من هدفها من اتجاه البحر الأبيض المتوسط وتم رصدها ولكن لم يتم اعتراضها بسبب "خطأ بشري"٬ على حد زعمه.
الهجوم الإسرائيلي ينذر بتوسيع الحرب
في السياق٬ تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق يوم السبت على اليمن٬ ينذر بتوسيع نطاق الحرب في غزة، ويخلق ديناميكية جديدة متقلبة لما أصبح صراعاً إقليميا متزايداً في المنطقة.
وحذر القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط مؤخرا في رسالة سرية إلى وزير الدفاع لويد أوستن من أن العمليات العسكرية في المنطقة فشلت في ردع هجمات الحوثيين٬ وأن هناك حاجة إلى نهج أكثر صرامة٬ على حد تعبيره.
ومع تزايد قوة الحوثيين في العالم العربي وقدرتهم على ضرب تل أبيب، وتحولهم من جماعة مسلحة محلية إلى تهديد دولي للمصالح الغربية والإسرائيلية، بدأ حلفاء إيرانيون آخرون في التنسيق معهم بشكل أوثق.
وفي الأسابيع الأخيرة، زعم الحوثيون والميليشيات الموالية لإيران في العراق أنهم عملوا معاً في إطلاق سلسلة من الهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ ضد الموانئ والسفن الإسرائيلية، وفقاً لبيانات هذه الجماعات.
وقال الجيش الإسرائيلي، الجمعة، إنه اعترض طائرة بدون طيار إضافية على طول الحدود الشرقية٬ في نفس الوقت تقريباً لهجوم تل أبيب، وأنه يحقق في الصلة بين الحادثين. وتتعاون الجماعات اليمنية والعراقية بشكل وثيق منذ هجوم إسرائيل على غزة في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول. والآن يخشى الإسرائيليون وحلفائهم الأمريكيين من اتساع رقعة الحرب إقليمياً بسبب الهجوم الإسرائيلي المدمر على ميناء الحديدية.
الانتقال إلى مرحلة جديدة من التهديد
صحيفة هآرتس الإسرائيلية٬ ترى أن "النتيجة الناجحة للضربة على اليمن٬ على بعد حوالي 1700 كيلومتر من إسرائيل٬ تبعث برسالة حول القدرات العسكرية بعيدة المدى للقوات الجوية الإسرائيلية إلى المنطقة بأكملها وخاصة إلى إيران، التي تسلح وتمول الحوثيين"٬ كما قال نتنياهو. ومع ذلك، فمن المتوقع أيضاً أن يؤدي ذلك إلى محاولات انتقامية للحوثيين ضد أهداف إسرائيلية بشكل خطير٬ وقد تزيد هذه الاشتباكات من خطر اندلاع حرب متعددة الجبهات وأكثر حدّة في المنطقة برمتها.
ونفت الولايات المتحدة التقارير التي تفيد بأن إسرائيل نسقت معهم قبل الضربة على ميناء الحديدة، لكنها قالت إنها كانت على اتصال منتظم مع إسرائيل منذ غارة الطائرات بدون طيار في تل أبيب. وأضاف البيت الأبيض أنهم "يعترفون بالكامل بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس"٬ على حد تعبيرهم.
بحسب هآرتس٬ سبقت الضربات الإسرائيلية في اليمن استعدادات مطولة من قبل القوات الجوية الإسرائيلية، التي استعدت لاحتمال ضرب اليمن منذ أن أطلق الحوثيون لأول مرة طائرات بدون طيار وصواريخ على إسرائيل في بداية الحرب.
وتقول الصحيفة إن إسرائيل تتوقع أن ينتقم الحوثيون بمحاولة إطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار على جنوب وربما وسط إسرائيل. وسيتطلب هذا التهديد المتزايد من الجنوب المزيد من التغييرات والتحسينات في أنظمة الدفاع الإسرائيلية ضد الطائرات بدون طيار. وحتى يومنا هذا، يبدو أن هذه هي نقطة ضعف سلاح الجو الإسرائيلي خلال الحرب، لكن الفجوات تتعلق بشكل خاص بإطلاق طائرات بدون طيار قصيرة ومتوسطة المدى من الحدود اللبنانية إلى منطقة الجليل شمال إسرائيل.
من جانبها٬ تدرك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن فرص ردع الحوثيين عن شن المزيد من الهجمات منخفضة. ففي السنوات الأخيرة، شن الحوثيون حرباً أهلية شرسة ضد السعودية والإمارات والحكومة اليمنية٬ كما شنوا هجمات منهجية على مصافي النفط السعودية والإماراتية، وحاول بعدها البلدان تأمين وقف إطلاق النار مع الحوثيين.
لكن السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو كيف سيؤثر الهجوم الحوثي على تل أبيب على حزب الله، الذي امتنع حتى الآن عن عبور "الخط الأحمر"٬ بمهاجمة وسط إسرائيل٬ وهي خطوة قد تؤدي إلى انتقام إسرائيلي في بيروت. وصعد الحوثيون من هجماتهم فيما ظل زعيم حزب الله حسن نصر الله حذراً حتى الآن٬ كما تقول هآرتس.
ويأتي تبادل الضربات بين إسرائيل والحوثيين وسط قلق متزايد في الغرب وفي إسرائيل بشأن المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الجمعة إن الوقت اللازم لدى إيران لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية٬ هو "على الأرجح أسبوع أو أسبوعين". وهذا هو التقييم الأكثر إثارة للقلق الذي أصدرته الولايات المتحدة على الإطلاق، على الرغم من أن إيران ستحتاج أيضاً إلى تكثيف برنامجها للأسلحة (أي تركيب رأس حربي نووي على صاروخ باليستي) للحصول على سلاح نووي قابل للتطبيق.