البندقية التي استخدمت في محاولة اغتيال دونالد ترامب نصف آلية من طراز AR-15، فما قصة هذا السلاح الناري الذي تم رفع حظر امتلاكه منذ 20 عاماً ليتصدر مشاهد إطلاق النار القاتلة في أمريكا؟
كان جهاز الخدمة السرية قد أعلن أن أفراداً تابعين له قتلوا منفذ الهجوم الذي استهدف ترامب، السبت 13 يوليو/ تموز، بعد أن فتح النار من على سطح مبنى يبعد نحو 140 متراً عن المنصة التي يقف عليها ترامب، وتسنى العثور على بندقية شبه آلية من طراز إيه آر 15 بالقرب من الجثة.
هذه المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس السابق والمرشح الجمهوري المحتمل في الانتخابات الأمريكية المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني تسلط الضوء على تاريخالاغتيالات السياسية الممتد في الولايات المتحدة، كما تعيد إلى الأضواء الجدل المحيط بهذه البندقية تحديداً، وإليكم تفاصيل هذا الجدل.
البندقية AR-15 كانت محظورة
تمثل مسألة حيازة الأسلحة النارية في الولايات المتحدة أحد الملفات الجدلية طوال الوقت؛ فالجماعات المناهضة لامتلاك الأسلحة النارية تريد وضع قواعد صارمة تطبق على من يشتري سلاحاً نارياً، لكن جماعات الضغط المؤيدة ترى أن امتلاك السلاح الناري حق دستوري لأي مواطن أمريكي لا يجوز وضع ضوابط تحد منه هذا الحق.
ثم تراجع الجدل بشأن وضع قيود على حيازة السلاح بشكل عام إلى مطالبات بوضع قيود على بيع بندقية AR-15 شبه الآلية، وهي السلاح المستخدم في كثير من حوادث "إطلاق النار الجماعي" في أمريكا، وهو المصطلح الذي يتم استخدامه عندما يفتح شخص ما النار بطريقة عشوائية، فيقتل أو يصيب 4 أشخاص على الأقل، دون أن يكون مرتكب الجريمة من بين القتلى أو المصابين.
ومن المؤكد أن يعود هذ الجدل للأضواء مرة أخرى كون البندقية القاتلة هي السلاح المستخدم في محاولة اغتيال ترامب، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، يرصد كيف أصبحت النسخة شبه الآلية من البندقية M-16 العسكرية رمزاً بارزاً في الجدل حول السيطرة على حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة.
وكانت صحيفة The Independent البريطانية قد نشرت، قبل عامين، تقريراً عنوانه "صعود بندقية AR-15: لماذا تدافع أمريكا عن سلاح حرب؟"، رصد كيف عاد الجدل بشأن الأسلحة الشبيهة ببندقية AR-15 إلى دائرة الضوء بعد نحو عقدين من رفع الحظر عن بيعها.
إذ كانت هذه البندقية بالتحديد قد تعرضت للحظر من جانب إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 1994، حين اتحد المشرعون في الكونغرس مع الرئيسٍ اديمقراطي لحظر عدد من النماذج الشبيهة ببندقية AR-15 من السوق.
واستمر هذا الحظر حتى عام 2004، حين انتهى في غمار موجة من المشاعر المتصاعدة بخصوص حقوق السلاح بتحفيز من "الرابطة الوطنية للسلاح" وغيرها من القوى السياسية والثقافية.
كم قطعة سلاح من هذا النوع القاتل؟
وفقاً لدراسة تعود لعام 2020 أعدَّتها "مؤسسة رياضات الرماية الوطنية"، وهي مجموعة تجارية في مجال السلاح، يوجد الآن قرابة 20 مليون من هذه الأسلحة في الولايات المتحدة، وهذا يعتبر عدد ضخم بالنسبة لسلاح استخدم آلاف المرات في حوادث إطلاق نار جماعي قاتلة.
لكن عندما يتعلق الأمر بثقافة حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة، وهي ثقافة منتشرة للغاية، لم ينتشر أي سلاح في كل مكان ولم يصبح مثيراً للجدل كما هو الحال مع بندقية AR-15، فهو السلاح الذي تتم الإشارة إليه على أنه "البندقية الأمريكية"، وفي الوقت نفسه يتم التشهير به باعتباره السلاح المفضل لمرتكبي جرائم القتل الجماعي، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وتم تطوير AR-15 لأول مرة كبندقية شبه آلية للمدنيين في الخمسينيات من القرن الماضي بواسطة شركة Armalite، وهي شركة أمريكية سُميت باسم "AR"، وفي عام 1959، تم بيع تصميم السلاح لشركة أخرى، هي شركة كولت، والتي سرعان ما حولته إلى نسخة عسكرية أوتوماتيكية بالكامل وهي البندقية الهجومية الأولى للجيش الأمريكي، إم-16.
وتتسم البندقية AR-15 باستخدام واسع النطاق في رياضات الرماية من جانب عشاق الأسلحة النارية الذين يستمتعون بالتصميم شبه الآلي لهذا النموذج وقابليته العالية للتعديل.
وتُستخدَم البندقية في أنحاء جنوب وجنوب غرب الولايات المتحدة لمكافحة الحيوانات، في مواجهة تهديدات مثل الذئاب والخنازير البرية، وتُستخدَم أيضاً في الكثير من المناطق كسلاح للصيد.
وتُوصَف بندقية AR-15 نفسها بأنَّها سهلة التلقيم والإطلاق والتحكم بها بشكل عام مقارنةً بتصميمات أخرى، ولهذه الأسباب غالباً ما تجد قوات إنفاذ القانون وعشاق الأسلحة هذه البندقية ملائمة لاحتياجاتهم.
ولعل هذه البندقية هي النموذج الأشهر من الناحية الثقافية في أرجاء أمريكا، وتتمتع بمستويات دعم كبيرة في المجتمعات الريفية والمناطق المحافظة عموماً في أرجاء الولايات المتحدة.
صراع بين مؤيد ومعارض
ترى مجموعات مراقبة الأسلحة منذ فترة طويلة أن البندقية، التي كادت أن تودي بحياة ترامب، لا مكان لها في أيدي المدنيين. ليندسي نيكولز، مديرة السياسات في مركز جيفوردز القانوني، الذي يضغط من أجل فرض ضوابط تتعلق بالأسلحة، قالت لشبكة NBC العام الماضي: "إنه سلاح حرب لا يناسب سوى الجنود في منطقة القتال. إن قدرتها على قتل الكثير من الناس بسرعة هي السبب وراء رغبتنا في حظرها."
لكن على الجانب الآخر تحولت البندقية إيه آر-15 إلى رمز للحق في حمل السلاح من جانب الكثيرين. ففي فبراير/شباط من العام الماضي، قام عضو الكونغرس الجمهوري أندرو كلايد، الذي يمتلك متجر أسلحة، بتوزيع دبابيس على شكل بنادق AR-15.
وقال في مقطع فيديو في ذلك الوقت: "سمعت أن هذا الدبوس الصغير الذي كنت أعطيه في قاعة مجلس النواب أثار غضب بعض زملائي الديمقراطيين. حسنًا، أقدمها لتذكير الناس بالتعديل الثاني للدستور ومدى أهميته في الحفاظ على حرياتنا."
والتعديل الثاني في الدستور الأمريكي ينص على الحق في حيازة الأسلحة النارية لمواطني الولايات المتحدة الأمريكية. وقال كاميرون ماكويرتر، الصحفي والمؤلف المشارك لكتاب American Gun: The True Story of the AR-15، للغارديان إن البندقية أصبحت تحتل مكانة قوية في الوعي الشعبي للولايات المتحدة: "لقد أصبح هذا السلاح رمزًا يركز عليه الناس".
محاولة اغتيال ترامب
لكن المعارضين لحيازة الأسلحة الهجومية، وبخاصة التصاميم المشابهة للبندقية إيه آر-15 يطالبون بإجراء فحوصات خلفية لمشتري الأسلحة عند نقطة البيع في الولايات. ففي ولاية بنسلفانيا وحدها، يوجد أكثر من 2500 متجر لبيع الأسلحة النارية حاصلة على تراخيص فيدرالية.
وتسمح ولاية بنسلفانيا عموماً بحمل الأسلحة النارية في الهواء الطلق دون تصريح، ولكن يتعين على الشخص الذي يحمل سلاحاً نارياً في السيارة أن يكون لديه ترخيص لحمل سلاح بصورة مخفية.
وفي أبريل/ نيسان من هذا العام، تحركت إدارة بايدن لإغلاق ما يسمى بـ "ثغرة عرض الأسلحة" التي تسمح للأشخاص بشراء أسلحة من تجار غير مرخصين في المعارض، وعلى الإنترنت وفي المنازل الخاصة، دون الحاجة إلى فحص الخلفية.
وذكرت صحيفة ووول ستريت جورنال نقلاً عن مصادر أن والد الشاب الذي حاول اغتيال ترامب كان قد اشترى السلاح الناري بشكل قانوني. وأصبح تورط السلاح المستخدم في محاولة الاغتيال في هجمات إطلاق النار الجماعي عنصراً أساسياً في النقاش بشأن حيازة الأسلحة منذ انتهاء الحظر.
إذ استُخدِمَت بندقية AR-15 في العديد من عمليات إطلاق النار الجماعية التي أوقعت حصيلة كبيرة من الضحايا، بما في ذلك الحوادث الأخيرة في مدن أوفالدي وبافالو وتولسا، فضلاً عن حوادث أخرى في السنوات الماضية، بما في ذلك المذبحة في مدينة لاس فيغاس، وحادث إطلاق النار في أحد متاجر Walmart بولاية تكساس عام 2019، بالإضافة إلى هجوم مدرسة سان هوك الابتدائية، وهجوم مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس العليا في مدينة باركلاند بولاية فلوريدا. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى.
ويتساءل بعض المنتقدين: لماذا تكون بندقية شبه آلية مهمة للصيد أو رياضات الرماية الأخرى؟ ويقولون إنَّه يجب سحبها من السوق لصالح بدائل لتلك الاستخدامات لا يمكن استخدامها لإيقاع ضحايا جماعيين خلال مثل هذا الوقت القصير مثلما يمكن لبندقية AR-15.
هل يعود الحديث عن حظرها؟
تحتل الأسلحة المُصمَّمة على غرار نموذج البندقية AR-15 مكانة فريدة في الثقافة الأمريكية وفي سوق الأسلحة النارية بشكل عام؛ ففي التاريخ الأمريكي، قليلةٌ هي المنتجات التي تحولت من حالة عدم شرعية شبه كاملة إلى سوق متخمة خلال مثل هذه الفترة القصيرة، وشهدت شعبية البنادق الشبيهة ببندقية AR-15 طفرة كبيرة في الولايات المتحدة في السنوات التي تلت انتهاء الحظر على بيعها، وساعدت "الحرب على الإرهاب" ووسائل الإعلام في جزء كبير من ذلك.
وأصبح اسم السلاح نفسه "ميم إنترنت" بين أنصار ضبط السلاح على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد انتهى الحظر المفروض على الأسلحة الهجومية، بما في ذلك بندقية AR-15 عام 2004، خلال ذروة المشاعر الشعبية حيال الجهود العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان، حيث أدَّى الغزوان إلى رواج الأسلحة عسكرية الطراز والمعدات العسكرية التكتيكية وكذلك التمويه الصحراوي.
هل يمكن فعلاً التخلص من أدوات القتل تلك؟
كانت تلك هي الفترة التي شهدت زيادة شعبية بندقية AR-15 أيضاً، ويعود ذلك في جزء ليس بالصغير إلى الجهود التسويقية الثورية لصانعي الأسلحة النارية، الذين اغتنموا الفرصة للاستفادة من حملات أمريكا العسكرية المترامية في الشرق الأوسط.
كانت شركة Daniel Defense في مقدمة هذا الجهد التسويقي، وكانت الشركة، وهي مُصنِّع أسلحة نارية مقره الولايات المتحدة ومسؤولاً عن بندقية DDM4 المُصمَّمة على نموذج بندقية AR-15 في صدارة التحول الذي شهدته صناعة السلاح على مدار العقود القليلة الماضية نحو التسويق للشبان الأصغر، بما في ذلك المراهقون.
عرضت الشركة علامتها التجارية وأسلحتها في إصدار عام 2019 من اللعبة واسعة الشهرة "Call of Duty"، الذي يتناول "الحرب الحديثة" (Modern War)، وكثيراً ما تكون إعلانات الشركة مُصمَّمة لجذب الجمهور الأصغر.
والآن بعد استخدام الأسلحة في عدد من حوادث إطلاق النار الجماعي التي أسفرت عن عدد صادم للغاية من الضحايا، ثم محاولة اغتيال ترامب، من المرجح أن تعود الدعوات مجدداً في الكونغرس لسحب بنادق AR-15 وغيرها من الأسلحة الهجومية من السوق.
ففي السنوات الأخيرة، حظيت هذه المشاعر بتأييد سياسيين أمثال بيتو أورورك، الديمقراطي من ولاية تكساس، والذي قال، خلال ملف ترشحه للرئاسة عام 2020: "نعم"، الديمقراطيون يهدفون لمصادرة الأسلحة الهجومية الموجودة حالياً في أيدي الملاك الخاصين. ودعا آخرون إلى منع بيع هذه الأسلحة من الآن فصاعداً. غرَّد السيناتور بيرني ساندرز عن ولاية فيرمونت، قبل 4 سنوات، قائلاً: "لا يجب أن يهم كم عمرك. لا أحد يحتاج إلى بندقية AR-15 أو أي سلاح هجومي آخر مُصمَّم لقتل الناس. حين كان لدينا حظر على الأسلحة الهجومية من 1994-2004، تراجعت حوادث إطلاق النار الجماعي 43%. وبعد انتهاء الحظر، تضاعفت حوادث إطلاق النار الجماعية 3 مرات. أنهوا المماطلة التشريعية. احظروا الأسلحة الهجومية".