يبدو أن تحقيق الصين للأفضلية في البحار لا يزال يثير غضب الأمريكيين، خاصة حاملة الطائرات "فوجيان"، فهل "سرقت" بكين تصميماتها البالغة قيمتها 13 مليار دولار فعلاً كما تزعم واشنطن؟
مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية رصدت هذه القصة في تقرير عنوانه "سرقة قيمتها 13 تريليون دولار"، يلقي الضوء على أوجه التشابه بين حاملة الطائرات الصينية ونظيرتها الأمريكية فئة "فورد"، فما مدى قوة المزاعم الأمريكية؟
والواضح أن هناك اعترافاً أمريكياً بأن الصين قد أصبحت بالفعل القوة البحرية الأولى على مستوى العالم، بحسب ما حذر منه رئيس القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مؤخراَ، بل تبدو الصين في طريقها لامتلاك أكبر قوة جوية في العالم قريباً.
إذ قال الأدميرال البحري جون أكويلينو رئيس القايدة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في 21 مارس/آذار 2024: "إن أكبر قوة بحرية في العالم، سرعان ما ستصبح قريباً أكبر قوة جوية في العالم"، متحدثاً عن الصين.
"سرقة" قيمتها 13 مليار دولار؟
يذكر تقرير ناشيونال إنتريست أن التوسع البحري الصيني الأخير، وفي القلب منه حاملة الطائرات "فوجيان"، إدى إلى زيادة الشكوك حول أن الصين ربما تكون قد سرقت مخططات أو بيانات أساسية لحاملات الطائرات من طراز فورد التابعة للبحرية الأمريكية.
لكن التقرير نفسه يؤكد أن فوجيان، وعلى الرغم من التحسن في تكنولوجيا المحركات الخاصة بها، لا تزال أقل من فئة فورد من حيث الحجم والقدرات. ويبدو أن رقم 13 مليار دولار في العنوان يشير إلى قيمة التصميمات الأساسية لحاملات الطائرات الأمريكية من طراز فورد.
كما يشير تقرير المجلة الأمريكية إلى أنه على الرغم من أن "السرقة" لا تزال غير مؤكدة، فإن تاريخ الصين في الاستيلاء على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، مثل حالة المقاتلة الشبحية J-20 التي تشبه الطائرة الشبحية إف-35، ربما يغذي هذه المخاوف.
وتاريخياً تتهم واشنطن بكين بأنها لا تحترم حقوق الملكية الفكرية وتقوم بتقليد المنتجات وأنظمة التسليح الخاصة بالدول الأخرى، وبخاصة الغربية، بينما تنفي الصين هذه الاتهامات. وفي الوقت نفسه لم تقدم الولايات المتحدة أدلة ملموسة تدعم تلك الاتهامات.
مقارنة بين حاملات الطائرات "فوجيان" و"فورد"!
تتميز حاملة الطائرات الصينية فوجيان بنظام منجنيق كهرومغناطيسي مشابه لنظام EMALS الخاص بحاملات الطائرات الأمريكية فئة فورد. كما تحمل فوجيان بعض التشابه التكنولوجي مع فئة فورد، وتمثل حاملة الطائرات الصينية قفزة لافتة للغاية في القدرات التكنولوجية لبكين.
وبشكل عام تمثل فوجيان تحسناً ملحوظاً في تكنولوجيا المحركات الصينية، لكنها لا تزال أقل بكثير من أن تكون في نفس مستوى فئة فورد، بحسب ناشيونال إنتريست.
سام روجيفين من برنامج الأمن الدولي التابع لمعهد لوي قال لمجلة نيوزويك: "فوجيان أصغر حجماً – حوالي 80 ألف طن مقابل 100 ألف طن لفئة فورد – مما يعني أن السفينة الصينية قادرة على حمل عدد أقل من الطائرات".
"كما أن حاملات الطائرات الأمريكية من فئة فورد تعمل بالطاقة النووية، بينما فوجيان ليست كذلك، مما يعني أن فوجيان سيكون لديها قدرة أقل على التحمل ومساحة أقل على متنها لوقود الطائرات.، بحسب روجيفين.
ووجه التشابه بينهما فهو نظام المنجنيق الكهرومغناطيسي في فوجيان، وهو مطابق تماماً لفئة فورد. كان EMALS، كما يُعرف النظام في فورد، تصميماً ثورياً حل محل أنظمة المنجنيق التقليدية التي تعمل بطاقة البخار، الموجودة في حاملات الطائرات فئة نيميز والفئات الأخرى السابقة عليها.
ومن الناحية النظرية، يقدم نظام EMALS القدرة على إطلاق الطائرات بوتيرة أعلى، مع ضغط أقل على هياكل الطائرات التي يتم إطلاقها وصيانة أقل للنظام.
والسؤال الرئيس هنا هو هل كان الصينيون قادرون على تطوير نظام شبيه بنظام EMALS الأمريكي الذي يوصف بأنه قفزة ثورية في هذه التكنولوجيا؟ من الصعب الإجابة بشكل حازم، بحسب تقرير ناشيونال إنتريست، لكن توقيت ظهور فوجيان أثار الدهشة في واشنطن. رغم أن الصين لا تزال ليست على مستوى الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب البحرية بشكل عام.
هل تفوقت الصين على أمريكا بحرياً؟
بحسب روجيفين، لا تزال "الصين تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتشغيل فوجيان بعيداً عن الوطن لفترات طويلة. فليس لديها سوى أسطول صغير من سفن الإمداد من النوع الذي يصاحب عادةً أسطول حاملات الطائرات ويبقيه مليئاً بالوقود والذخائر والمخازن. وليس لدى الصين ما يضاهي شبكة الموانئ والقواعد العالمية الواسعة التي تمتلكها الولايات المتحدة، حيث يمكن تجديد حاملات الطائرات، ويمكن لأطقم الطائرات أن تستريح".
لكن رغم ذلك تظل الولايات المتحدة في وضع المراقب المتحفز للقدرات البحرية الصينية التي تتوسع باستمرار وبوتيرة متسارعة للغاية، إضافة إلى ما تقول واشنطن إنها "طموحات لدى الرئيس الصيني شي جين بينغ" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقبل أربع سنوات، كشفت واشنطن عن استراتيجية جديدة تعمل من خلالها بكين على بناء مدمرات وسفن حربية برمائية وحاملات وغواصات مُسلَّحة نووياً وقوارب هجوم سريع، إضافة إلى العديد من المنصات البحرية الأخرى ضمن جهد واضح لفرض هيمنتها إقليمياً وعلى البحار الدولية، وكذلك "استبدال الولايات المتحدة، الشريك المفضل لعدد من الدول في أنحاء العالم"، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وفي مواجهة ذلك، وضعت البحرية وقوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) وخفر السواحل وثيقة استراتيجية جديدة تسمى Advantage at Sea (الأفضلية في البحر). تتبنًى تلك الاستراتيجية موقفاً شديد الحزم من التوسع الصيني، وتسرد تفاصيل عددٍ مما تصفه بالطموحات الصينية العدوانية الهادفة إلى "تقويض الحوكمة البحرية الدولية، ومنع الوصول إلى المحاور اللوجيستية التقليدية، وإعاقة حرية البحار، والسيطرة على استخدام المضايق الرئيسية، وعرقلة انخراط الولايات المتحدة في الخلافات الإقليمية".
"بارانويا" أمريكية تجاه الصين!
هناك حالة من الشك والارتياب الأمريكي تجاه الصين، تصل إلى حد "البارانويا" بحسب وصف ناشيونال إنتريست، وهي حالة يبررها الأمريكيون بأنها نابعة من "سوابق" بكين في "تقليد" الأسلحة الأمريكية، أو "سرقة التكنولوجيا العسكرية الأمريكية".
فطائرة تشينغدو جيه-20 الشبحية، أول مقاتلة من الجيل الخامس تنتجها الصين، تشبه إلى حد كبير مقاتلة الإف-35 الشبحية الأمريكية التي تنتجها شركة لوكهيد-مارتن. كما كانت تقارير أمريكية قد أفادت أنه عندما تحطمت طائرة بلاك هوك سرية للغاية في باكستان أثناء الغارة على المجمع الذي كان يقيم فيه أسامة بن لادن، قامت باكستان ببيع حطام الطائرة إلى الصين، الأمر الذي سمح لنظام شي جين بينغ بفهم تكنولوجيا التخفي الأميركية بشكل أفضل.
لكن بكين تنفي تلك الاتهامات أو المزاعم الأمريكية بطبيعة الحال.
ماذا لو كان ذلك صحيحاً؟
لكن حتى إذا ما كانت اتهامات واشنطن لبكين تحمل قدراً ما من الصحة، فإن سلوك الصين هذا لا يعتبر غير عادي، ولا حتى سلوك خبيث. فالدول تفعل كل ما في وسعها للحصول على ميزة على الدول الأخرى. بل إن عدم محاولة القيادة الصينية جمع كل المزايا التكنولوجية الممكنة سيكون بمثابة الإهمال، بحسب تقرير ناشيونال إنتريست.
وتاريخياً تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالشيء نفسه وربما بطريقة فجة يراها كثيرون منافية للقانون الأخلاقي وحتى الدولي. فخلال الحرب العالمية الثانية، قامت واشنطن بتهريب مجموعة من العلماء الألمان النازيين (بعضهم من مجرمي الحرب) إلى أمريكا، حيث واصلوا عملهم في تصنيع القنبلة الذرية، دون أي عواقب على ما اقترفوه من خطايا، وهو ما ساهم في إعطاء النمو التكنولوجي الأمريكي أسبقية ضخمة على باقي الدول، وحتى الحلفاء.
النقطة المهمة هنا هي أن الصين تحاول بالتأكيد الحصول على أسرار التكنولوجيا العسكرية الأمريكية. والسؤال هو إلى أي مدى نجح الصينيون، وفي هذه الحالة تحديداً، ما إذا كانوا قد وصلوا إلى المخططات الخاصة بفئة فورد؟ هذه المخططات تزيد قيمتها على أكثر من 13 مليار دولار.
على أية حال، إذا كانت قد بنت إلى حد كبير قدراتها التكنولوجية عبر التجسس على برامج الولايات المتحدة، بحسب الادعاءات الأمريكية، فإن الأمور الآن اختلفت تماماً وباتت الصين قوة عظمى ذات إمكانيات متطورة، وتسعى بكين الآن إلى تحقيق الأفضلية الجوية بعد أن حققت ذلك في المجال البحري بالفعل، بحسب التقارير الغربية. وبينما تواجه مشاريع التطوير الأمريكية تحديات تهدد بوقفها، تنطلق الصين بطاقتها القصوى دون معوقات تقريباً.
فالطائرة الصينية جيه-31 أو إف سي-31، وهي مقاتلة شبح من الجيل الخامس طورتها شركة شنيانغ للطائرات الصينية، تهدف بالأساس إلى منافسة الطائرة الأمريكية الإف-35، مما يعني أن شكوى واشنطن من أن المقاتلة جيه-20 الصينية تقليد للإف-35 قد لا يكون دقيقاً. إذ تتميز هذه المقاتلة، التي يطلق عليها جيرفالكون، بإلكترونيات طيران متقدمة للغاية وأجهزة استشعار هي الأحدث، إضافة إلى قدرتها على حمل مجموعة متنوعة من الأسلحة، ومن المتوقع أن تحل هذه المقاتلة محل أساطيل الصين الجوية الأقدم من طرازات جيه-10 وجيه-11، بحسب تقرير لموقع ناشيونال إنتريست الأمريكي.