"الأسرى في أخطر مرحلة تمر عليهم منذ عقود"، بهذه الجملة عبّر مدير عام نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري، في حديثه لـ"عربي بوست"، عن أوالأسضاعهم المأساوية في سجون الاحتلال، مشيراً إلى أن هناك سياسة ممنهجة لتتسب بإصابة الأسرى بأمراض خطيرة وشديدة العدوى.
أشار كذلك إلى أن هذه السياسة تصاعدت منذ حرب غزة، إذ إن هناك تعمداً من إدارات السجون الإسرائيلية بخلق ظروف غير صحية لهم، بهدف إصابة الأسرى بالأمراض المختلفة الخطيرة، لا سيما الجلدية، إلى جانب عدم إعطاء الأسرى المرضى أي علاجات طبية، والتأخر في عزلهم، ما يسبب إصابات بأعداد أكبر بينهم.
وكان الاحتلال أفرج عن الأسير الصحفي معاذ عمارنة، قبل أيام، وظهر وهو يمنع أقاربه وحتى والدته من السلام عليه، خشية عليهم من الإصابة بعدوى مرض جلدي أصيب به فترة سجنه.
واكتفى بالقول: "لا أستطيع السلام على أحد، فلست أعلم ما هو المرض المصاب به".
هذا ما أكده أيضاً الأسير المفرج عنه حديثاً، معزز عبيات (35 عاماً) من بيت لحم جنوب الضفة الغربية، قائلاً لـ"عربي بوست": "خرجت من السجن وأنا أحمل مجموعة من الأمراض، وهناك أمراض مستشرية بين الأسرى المرضى في سجن النقب حيث كنت".
وشدد على أن الأسرى المرضى في سجن النقب حيث كان، "لا يتلقون أي علاجات طبية، ويتم عزلهم فقط عندما تتفاقم خطورة أوضاعهم الصحية".
وسبق أن ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو للأسير عبيات بعد الإفراج عنه، يظهر فيها لا يقدر على المشي الطبيعي، وفي حالة هزال ومرض شديد، بعد أن كان يتمتع بصحة عالية، وبجسم رياضي، ليتحول من ملاكم ضخم إلى جسد هزيل.
إحصائيات بأعداد الأسرى المرضى
بحسب ما أكده نادي الأسير لـ"عربي بوست"، فإن أعداد المرضى بين الأسرى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان 700 حالة، بينها 20 حالة بالسرطان.
أما الآن، فإن العدد بات يبلغ 2000 حالة مرضية، خاصة مع انتشار الجرب بسجني النقب ومجدو.
أوضح مدير عام نادي الأسير عبد الله الزغاري أن "هناك 18 أسيراً استشهدوا داخل سجون الاحتلال، بعد إصابتهم بالأمراض، وهذا الرقم هو للأسرى الذين نعلم أسماؤهم".
لكنه قال لـ"عربي بوست": "هناك نحو 37 أسيراً استشهدوا في معسكر سدي تيمان، ولا نعلم بعد هويتهم".
وأضاف الزغاري أن التعذيب الذي يتعرض له الأسرى في السجون أدى لارتفاع كبير في أعداد الأسرى المرضى المصابين، خاصة مع انتشار الأمراض في صفوفهم، بالجروح تسهل نقل العدوى بينهم.
ولا تتوفر المزيد من الإحصائيات في سجون الاحتلال عن الأمراض المنتشرة فيها، لا سيما مع التضييق على عمل المحامين، ومنع الزيارات.
أمراض جلدية خطيرة ومعدية
وفقاً لكل من هيئة الأسرى ونادي الأسير، اللذين تواصل معهما "عربي بوست"، فإن أكثر الأمراض المتفشية في سجون الاحتلال، هي مرض الجرب (سكايبوس)، وأمراض جلدية أخرى لم يستطع الأسرى المرضى تشخصيها بعد، لا سيما أنهم لا يعرضون على طبيب، أو يتلقون أي أدوية.
وتفشى مرض الجرب (سكايبوس) بين صفوف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وتحديداً في سجني "النقب" و"مجدو"، وذلك "نتيجة لمجموعة من الإجراءات التي نفذتها إدارة السجون وساهمت في انتشار المرض بشكل كبير بين صفوفهم"، بحسب نادي الأسير.
وأوضح أن مختلف الشهادات التي حصل عليها من الأسرى المرضى، الذين أصيبوا بمرض الجرب، تؤكد تعمد إدارة السّجون التسبب بانتشاره بين الأسرى.
وقال: "استخدمت إدارات السجون الإسرائيلية مرض الجرب أداة لتعذيب الأسرى والتنكيل بهم، في حين أنه يشكّل أحد أخطر الأمراض الجلدية المعدية، إلى جانب إصابتهم بأمراض جلدية أخرى لم يتمكن الأسرى من تشخيصها".
الأسير عبيات أنموذجاً
أفاد والد الأسير عبيات، بأن نجله تعرض لعمليات تعذيب قاسية ومحاولة إعدام منذ لحظة اعتقاله، فيما عانى من المرض والجوع والضرب المتواصل، حتى لحظة الإفراج عنه من سجون الاحتلال.
ويرقد الأسير عبيات في مستشفى الجمعية العربية بمدينة بيت جالا، وتُجرى له فحوصات طبية لتقديم العلاج اللازم له.
من على سرير شفائه، قال عبيات لـ"عربي بوست"، إن الأسرى المرضى يتعرضون لتعذيب شديد ويعانون من حرب التجويع والإهمال الطبي.
بهذا الخصوص، قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، إن إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي تمارس إهمالاً طبياً متعمداً بحق المعتقلين المرضى، بينهم بهاء دراج (33 عاماً) من بلدة خربثا غرب رام الله، ومحمد شماسنة (26 عاماً) من بلدة قطنة شمال غرب القدس.
كما أكدت الهيئة أن سلطات الاحتلال تواصل الجرائم الطبية بحق المعتقلين والمعتقلات، وأن هناك المئات والآلاف منهم يعانون من أمراض مزمنة، وإصابات خطيرة جرّاء إطلاق النار عليهم عند اعتقالهم، الأمر الذي يهدد بقاءهم على قيد الحياة بشكل حقيقي.
من جانبه، أكد المختص بشؤون الأسرى حسن عبد ربه، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن الأسير عبيات مصاب بصدمة عصبية ونفسية عميقة جداً أدت إلى نوع من التأثير على الذاكرة، بسبب عدم تلقيه العلاج داخل المعتقل رغم حاجته، بعد تعرضه للاعتداء بالضرب، وكسور في قدمه ويده، مع الضرب والتنكيل خلال الافراج عنه.
وأكد أن حالته نموذج للمئات إن لم يكن أكثر، للأسرى الذين تعرضوا لاعتداءات وانتهاكات، وهذا ترك آثاراً صحية ونفسية وعصبية.
الزغاري بدوره، قال عن حالة الأسير عبيات، إن ما ظهر به من حالة صعبة وخطيرة، تجسد ما يتعرض له مئات الأسرى لحجم غير مسبوق من الاعتداءات داخل السجون، من شتى أنواع التعذيب الذي يفوق العقل البشري، وفق تعبيره.
وأضاف أن الأسير عبيات خرج بعد أقل من 9 أشهر، ويتحدث عن حجم الجرائم ومحاولة اغتياله، ووضعه بأحد الأكياس، وهذا يشكل حالة غير مسبوقة في عقلية الانتقام التي يمارس الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين، مؤكداً أن الأسرى يمرون بأخطر مرحلة منذ عقود.
وقال إن مئات الحالات المرضية التي وصلت السجون من الأسرى، هي للذين أصيبوا بكسور أثناء اعتقالهم أو بجروح، وبقوا دون علاجات طبية، إضافة إلى سياسة التجويع التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال بحقهم، ما رفع أعداد الأسرى المرضى.
يُشار إلى أنّ حصيلة الاعتقالات بحق الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بلغت في مناطق الضفة الغربية أكثر من 9610 أسيراً.
تشمل الحصيلة من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتجزوا رهائن لدى الاحتلال.