عرفت امتحانات الثانوية العامة في مصر هذه السنة بروز ظواهر جديدة كشف خباياها لـ"عربي بوست" عدد من المعلمين والمسؤولين، الذين تحدثوا عما يحدث داخل لجان الامتحانات تحديداً في المحافظات البعيدة عن العاصمة.
وكشفت مصادر "عربي بوست" أن حالات الغش الجماعي في امتحانات الثانوية العامة بمصر ترتفع في محافظات الصعيد التي تُعرف حالة تسيُّب استثنائية داخل اللجان، دون تدخُّل من وزارة التربية والتعليم ولا حتى السلطات المسؤولة.
في المقابل أعلنت وزارة التربية والتعليم خلال الامتحانات السابقة التي أداها الطلاب ضبط 16 حالة غش فقط في جميع اللجان على مستوى الجمهورية والتي يبلغ عددها 1,981 لجنة.
الأرقام المعلنة، مقارنة بحالات الغش التي تعرفها اللجان، تؤكد أن عدداً من الحالات التي يتم ضبطها لا تُوقَّع على العقوبات المفروضة، والتي يُحدِّدها قانون محاربة الغش في الامتحانات في مصر، حسب ما كشفته مصادر "عربي بوست".
شراء ذمم المراقبين بمحافظات الصعيد
وقال أحد رؤساء لجان المراقبة في محافظة سوهاج لـ"عربي بوست"، شريطة عدم ذكر اسمه إن امتحانات الثانوية العامة لهذه السنة في مصر تشهد حالة من التسيب والانفلات غير مسبوقة.
وكشف المتحدث أن عمليات الغش تتم من خلال تربيطات وتوصيات من جانب نواب البرلمان والنافذين بالمحافظة إلى جانب قيادات في حزب مستقبل وطن مع رؤساء اللجان الفرعية والمراقبين قبل ساعات من انطلاق الامتحانات.
وأضاف المصدر نفسه أن العديد من اللجان تتحول ليلة الامتحان إلى ما يشبه مكان الضيافة لاستقبال كبار العائلات وأصحاب المناصب الرفيعة، وهؤلاء تكون مهمتهم شراء ذمم المراقبين لضمان تسهيل عملية الغش.
وأضاف أن العام الجاري شهد ظاهرة هي الأولى من نوعها، إذ إن عدداً من القيادات الأمنية والسياسية النافذة في المحافظة قامت بشراء اللجان بمبالغ وصلت إلى 100,000 جنيه لرئيس اللجنة الواحدة.
ومقابل هذا المبلغ المالي، يقوم الطلاب بدخول الامتحان دون تفتيش أثناء دخولهم الامتحان، أو تفتيشهم شكلياً دون أن يؤثر ذلك على دخولهم اللجنة بالسماعات الصغيرة التي يتم غرسها في أذنهم.
وأشار المتحدث إلى أن وزارة التربية والتعليم غيرت عدداً من رؤساء اللجان المشبوهين دون نتيجة، وهو ما ساعد على استمرار الغش عبر الوسائط الإلكترونية مع تمسك جهات حكومية برفض التشويش على لجان الامتحانات، الأمر الذي يؤكد على وجود مستفيدين نافذين من عملية الغش.
وقال إن الغش في امتحانات الثانوية العامة في مصر بدأ منذ عدة أعوام والسنوات الماضية كانت شاهدة على وجود حالات غش جماعي داخل مدارس خاصة تعمدت على جذب الطلاب بـ100,000 جنيه في حين أن متوسط المصاريف يتراوح ما بين 15,000 إلى 25,000 جنيه.
وهؤلاء الطلاب كانوا يدفعون هذه المصروفات دون أن يذهبوا يومًا واحدًا إلى المدرسة، ويتم تسجيلهم في المدرسة رغم عدم وجود أماكن لهم داخل الفصول الدراسية، ويتم قبولهم بدءاً من الصف الأول الثانوي.
وكشف لـ"عربي بوست" عن أن طلاب هذه المدارس يتم إشراكهم داخل مجموعات "واتساب" مخصصة لعملية الغش أثناء الامتحان على أن يتولى أحد الإداريين داخل المدرسة مهمة شراء سماعات الغش المغناطيسية لهم والتي يتراوح ثمنها ما بين 3,000 جنيه إلى 5,000 آلاف جنيه.
كما أن قيمة الاشتراك في مجموعات "واتساب" تبلغ 2,000 جنيه للطلاب المسجلين بتلك المدارس ويتضاعف السعر بالنسبة لطلاب المدارس الأخرى، الأمر الذي يبرهن على وجود عصابات للغش معلومة للجميع دون أن يتدخل أحد للتعامل معها.
وذكر أن أصحاب تلك المدارس هم أعضاء في البرلمان المصري بينهم قيادي بارز بحزب مستقبل وطن في محافظة سوهاج وهو صاحب مدرسة، وكذلك نائب سابق بالبرلمان وهو أيضاً صاحب مجموعة مدارس.
بالإضافة إلى عددٍ من رجال الأعمال البارزين في المحافظة، وهؤلاء يستخدمون نفوذهم في تسجيل أعداد كبيرة من الطلاب في المرحلة الثانوية ويتلقون مبالغ طائلة من الطلاب نظير تسهيل عملية الغش لهم.
ولمحاربة عمليات الغش في محافظات الصعيد قررت وزارة التربية والتعليم الصيف الماضي وضع خمس_ مدارس خاصة تورطت في تسهيل الغش الجماعي وكان يطلق عليها "لجان أولاد الأكابر" في سوهاج تحت الإشراف المالي والإداري.
وهذه المدارس هي مدرسة النيل الخاصة، وابن عطاء الخاصة بمدينة دار السلام، ومدرسة المناهل الخاصة، ومدرسة دريم بإدارة أخميم التعليمية، ومدرسة ضيف الله الخاصة وقد منعت قبول أي طلاب جدد بتلك المدارس.
وفي ذلك الحين أكدت الوزارة المصرية أيضًا أنها منعت قبول التحويلات في أي من مدارس محافظة سوهاج وغيرها من المحافظات المعروفة بالغش مثل كفر الشيخ والشرقية وأسيوط وقنا.
قبل أن تعود لتعلن أنها قبلت تحويل 4,000 طالب من بين 12,000 طالب رغبوا في التحويل من مدارسهم في محافظات متعددة مشيرة إلى أنها رفضت تحويل 8,000 طالب وطالبة.
واتخذت وزارة التربية والتعليم عددًا من الخطوات لمنع الغش بامتحانات الثانوية العامة في محافظة سوهاج، منها تحجيم عمليات التحويل بين المدارس والإدارات التعليمية.
كما أنها وضعت كاميرات مراقبة داخل عدد من اللجان، واستدعاء ملاحظين ومراقبين من خارج المحافظة في تلك اللجان، كما نشرت قوات أمن إضافية داخل اللجان وأمامها بهدف تأمين خروج "المراقبين" و"الملاحظين" أثناء الدخول والخروج من اللجان.
غش جماعي ومحاضر صورية
يشير أحد المعلمين بمحافظة الشرقية، وهي التي تُعرف تسجيل حالات الغش الجماعي، إلى أن الغش هذا العام لم يعد مقتصراً على المدارس الخاصة التي يبحث عنها الطلاب لتسهيل عملية الغش بل انتقل الأمر إلى المدارس الحكومية أيضًا.
وأضاف المتحدث أن الأيام التي تسبق الامتحان تشهد عقد اجتماعات بين رؤساء اللجان وعدد من القيادات الأمنية والمستشارين دون أن يدري أحد أسباب هذه الاجتماعات التي تكون على الأغلب في أماكن اللجان الامتحانية التي يبيت فيها رؤساء اللجان لاستقبال أوراق الأسئلة في ساعة مبكرة من يوم الامتحان.
وشدد على أن عدم وجود رؤساء اللجان والمراقبين في الاستراحات المخصصة لهم أثار العديد من التساؤلات، ففي السابق كانت تجري ضيافة من يأتون لتولي مسؤولية ترأس اللجان والبعض كان يعتبر ذلك أحد أشكال الرشوة.
وأشار المتحدث إلى أن الوضع تبدل الآن وأضحت عملية دفع مبالغ مالية بعشرات الآلاف أكثر جدوى في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وأن ما يبرهن على وجود فساد من رؤساء اللجان أن قطاع كبير من المعلمين يتنافسون على هذا المنصب ليس حباً في الجنيهات التي تمنحها الوزارة مقابل عملهم أثناء الامتحان ولكن من أجل الحصول على أموال لا رقابة عليها من جهات نافذة.
وأوضح لـ"عربي بوست" أن عملية تسهيل الغش لا تقتصر فقط على تسهيل دخول الطلاب اللجان بالسماعات لكن أيضًا ضمان عدم تحرير محاضر الغش في حق من ثبت تورطه.
وأشار المتحدث في حديثه مع "عربي بوست" إلى أنه في الكثير من الأحيان يتم إرجاع السماعات التي يتم ضبطها داخل اللجان إلى الطلاب مرة أخرى عقب انتهاء اللجنة، كما أنه قد يتم تحرير محاضر صورية يتم إلغاؤها مباشرة عقب الامتحان، وبالتالي فإن الطلاب يكونون أمام محاولات عديدة للغش في مختلف مواد الامتحان لأنهم يدركون بأنهم سيتمكنون من الدخول بالسماعات إلى اللجان.
ولفت إلى أن عملية الغش الجماعي تتم على الأغلب من خلال شراء أو تأجير سماعات الغش إلى الطلاب على أن توفر إدارات المدارس معلمين لحل أسئلة الامتحان ونشرها على مجموعات "واتساب" التي يشترك فيها الطلاب.
ويتولى ولي الأمر أو أي شخص عملية إملاء الإجابات للطلاب داخل اللجنة دون أن تلاحظ كاميرات المراقبة التي تضعها وزارة التربية والتعليم في غالبية اللجان عملية الغش ويظهر مراقبو اللجان ورؤساؤها كأنهم يقومون بعملهم على أكمل وجه.
وأضاف أن أولياء الأمور والأهالي الذين رفضت وزارة التربية والتعليم تحويل أبنائهم هذا العام دخلوا في حالة تحدي مع الوزارة إذ أنهم نقلوا عملية الغش إلى المدارس الحكومية من خلال تدخل عدد من النافذين بالمحافظة.
وأشار إلى أن أولياء الأمور أنفسهم قاموا بجمع أموال من بعضهم البعض بدلاً من التي يدفعونها إلى المدارس الخاصة لدفعها إلى رؤساء اللجان الذين يشكلون أساس فساد عملية الامتحانات.
جدير بالذكر أن القانون المصري رقم 205 لسنة 2020 في شأن مواجهة الغش ينص على عقوبات بالحبس لمدة قد تصل إلى سبع سنوات، وغرامات تصل إلى 200,000 جنيه، في حالات الغش والإخلال بالنظام العام للامتحانات.
وكل ذلك يأتي كإجراءات رادعة للسيطرة على ظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة، والتي يشارك فيها الطلبة وعدد من أولياء الأمور في وقائع متكررة كل عام استوجبت تشديدات قانونية.
أولياء الأمور في مأزق
وخلال امتحان مادة التاريخ التي أداها الطلاب السبت الماضي، أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية ضبط طالب بإدارة الباجور بمحافظة المنوفية من خلال كاميرات المراقبة بغرفة العمليات المركزية خلال قيامه باستخدام جهاز هاتف محمول وسماعة أذن أثناء الغش الإلكتروني ونشر أحد أجزاء أسئلة الامتحان.
كما تم توقيف طالب آخر بلجنة بإدارة زفتى بمحافظة الغربية، وطالب آخر بلجنة بإدارة حدائق القبة بمحافظة القاهرة باستخدام جهاز هاتف محمول، ونشر أحد أجزاء أسئلة الامتحان.
وخلال الامتحان وبعد دقائق معدودة من بدئه، ظهرت على مجموعات الغش على تطبيق تيليجرام، صورة مثيرة للجدل حيث ظهر فيها أربع أيدٍ تتعاون في تصوير الامتحان وتقوم بإخفاء إطار ورقة الامتحان أملاً في محاولة إخفاء الباركود لتصعيب مهمة الضبط على فريق مكافحة الغش الإلكتروني بغرف عمليات وزارة التربية والتعليم، قبل أن تعلن وزارة التربية والتعليم عن ضبط من قاموا بتصويرها دون الإعلان عن العقوبات الموقعة عليهم بعد.
وشهدت إحدى لجان محافظة الدقهلية قيام واحدة من أولياء الأمور بتغشيش الطلاب خلال امتحان الكيمياء.
ويوضح خبير تربوي لـ"عربي بوست" أن انتشار عمليات الغش داخل بعض المدارس والتزام مدارس أخرى التي تشكل النسبة الأكبر يخلق حالة من الاحتقان المجتمعي، لأنه في كل عام تظهر نتيجة الامتحانات تفوق طلاب ليسوا معروفين بأنهم من أصحاب الإمكانيات الفكرية والعقلية الهائلة.
وأضاف المتحدث أن الثانوية العامة في مصر دائمًا ما تكون صعبة وتخاطب مهارات التفكير العليا، كما أن العديد من أولياء الأمور وجدوا أنفسهم في مأزق بين الاتجاه نحو التحويل إلى مدارس الغش والدخول في منظومة الغش أو رفض الانصياع وراء مغريات الحصول على مجموع مرتفع مقابل المال.
وأضاف أن ما ضاعف عملية التفرقة، أن بعض المدارس الخاصة نبهت على طلابها الذهاب إلى لجان الامتحان بالزي الرسمي للمدرسة لكي يتمكن أمن اللجنة من التعرف عليهم وسط عشرات الطلاب الآخرين ومن ثم يسمح لهم بدخول الامتحان دون تفتيش.
هذا الأمر أثار مشكلات مجتمعية وأمنية ما زالت حاضرة حتى الآن في امتحانات هذا العام، مشيراً إلى أن استمرار منظومة تقويم الثانوية العامة على نظامها الحالي أضحى مستحيلاً بعد أن فشلت الجهات الحكومية في السيطرة على اللجان.
وشدد على أن امتحانات "البابل شيت" ذات الأسئلة الموضوعية تسمح بتسهيل عملية الغش لأنها تقوم على أسئلة الاختيار من متعدد وليس هناك قدرة على اكتشاف قدرات الطلاب من خلال عملية الكتابة أو قياس قدرتهم على اتخاذ خطوات الحل السليمة كما هو الحل في الأسئلة المقالية التي تشكل نسبة لا تتجاوز 10% من إجمالي أسئلة الامتحان.
وبالتالي فإنه من المتوقع أن يكون هناك مطالبات بإدخال تعديلات على طريقة التقويم بعد أن تمكن الطلاب أو المراقبين من تصوير جميع أوراق البابل شيت ونشرها على المنصات الرقمية بعد فترة وجيزة من بدء الامتحانات السابقة، وأن هذا حدث العام الحالي وكذلك الأعوام السابقة.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”