بلغت تعديلات مدونة الأسرة في المغرب مراحلها النهائية، بعدما أمر العاهل المغربي، الملك محمد السادس، المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة دينية رسمية تعنى بالإفتاء)، قصد دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة ورفع فتوى بشأنها.
وتفاعلت هيئة مراجعة المدونة، مع 1500 مذكرة تشمل مقترحات جمعيات مدنية وأحزاب سياسية ومؤسسات رسمية وهيئات حقوقية، وهي المقترحات التي تسلمها رئيس الحكومة من أعضاء الهيئة، ثم رفعها إلى نظر الملك محمد السادس.
وتأتي إحالة الملك المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بعد انتهاء هذه الهيئة من مهامها داخل الأجل الذي حُدِّد لها، ورفع مقترحاتها إلى نظر العاهل المغربي، ما اقتضى، بالنظر إلى تعلُّق بعض المقترحات بنصوص دينية، إحالة الأمر إلى المجلس العلمي الأعلى، الذي جعله الفصل 41 من الدستور المغربي، الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسميا في المملكة المغربية.
وجاء في بيان الديوان الملكي، أن الملك محمد السادس دعا المجلس العلمي الأعلى، وهو يُفتي في ما هو معروض عليه من مقترحات، إلى استحضار مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، الداعية إلى اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء، في ظل الضابط الذي طالما عبر عنه، من عدم السماح بتحليل ما هو حرام ولا بتحريم ما هو حلال.
وكان العاهل المغربي، قال في رسالته لرئيس الحكومة، "إننا واثقون بأن إعمال فضيلة الاجتهاد البناء هو السبيل الواجب سلوكه لتحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية ومقاصدها المثلى، وبين المستجدات الحقوقية المتفق عليها عالميا".
الحسم للعلماء
يؤكد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة محمد الخامس بالرِّباط، عبد الرزاق الجاي، أن "هذه المراجعة تحتاج إلى تأكيد وإلى زيادة تزكية، والملك بصفته رئيسًا للمجلس العلمي الأعلى، كلف علماء هذا المجلس واللجنة المكلفة بالفتوى بالخصوص؛ لأنه المرجع، والذي يصدر الفتاوى حسب الدستور، وخاصة الفصل 41".
وقال الجاي في حديثه لـ"عربي بوست": "هذا نوع من الحسم بمباركة أمير المؤمنين؛ لأنه لن يتم إصدار الفتوى في كل مضامين المدونة، ولكن في بعض البنود المتعلقة ببعض النصوص الدينية، في إطار ما يسمى بجلب المصالح ودرء المفاسد".
لهذا، سيكون هذا التمحيص الفقهي لعلماء المجلس العلمي الأعلى، "في إطار اجتهاد مبنيٍّ على الوسطية والاعتدال، وملاحظة الواقع المعيش المتطور، والنوازل المتجددة؛ خصوصًا أن التكليف مؤسس على قاعدة أصدرها أمير المؤمنين منذ مدة في خطاباته حول المدونة، أنه لا يمكن أن يحرّم حلالًا أو يحلّل حرامًا"، يردف المتحدث.
دعم باب الاجتهاد
من شأن استشارة المجلس العلمي الأعلى في المقتضيات الدينية المرتبطة بمدونة الأسرة، أن تعزز المقترحات التي رفعتها الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة إلى الملك، وتدعم كذلك باب الاجتهاد لاستنباط مصلحة الأسرة من تعاليم الدين الإسلامي.
واعتبرت الأكاديمية وعضو المجلس العلمي المحلي بالصخيرات، خديجة أبو زيد، أنه "بالنسبة للتعديل الأخير الذي أمر به أمير المؤمنين، يقتضي النظر في بعض مقتضيات ومواد مدونة الأسرة من حيث المبادئ الشرعية والمقاصد المرعية، باعتبار المدونة لكل الأسرة وليست للرجل أو للمرأة".
لهذا، يأتي "النظر الشرعي ومراعاة هذا الجانب في مدونة الأسرة، لأجل استقرار الأسرة ولضمان هذه الحياة الكريمة التي تربط بين أفرادها؛ فالمدونة تسعى إلى بناء أسرة سوية سليمة، والأصل فيها مراعاة حقوق الأطفال بغرض بناء جيل ينفع المجتمع"، توضح أبو زيد لـ"عربي بوست".
انتظار تجاوب العلماء
تشدد رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة (غير حكومية)، بشرى عبدو، "على ضرورة القراءة المستنيرة والمتنورة، اعتمادًا وإعمالا لفضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء".
وأكدت عبدو في حديثها لـ"عربي بوست"، على "الضرورة القصوى لتجاوب المجلس العلمي الأعلى، كما هو مشهود له، بالاعتدال والاجتهاد المتنور والمنفتح والبناء، في ضوء المتغيرات الناشئة عن تطور المجتمع المغربي، وقدرة الأحكام الشرعية على التكيف مع واقع المجتمع وحاجياته".
ولفتت الفاعلة الحقوقية، أن المغرب "يكرس بشكل واضح لدولة القانون والمؤسسات بتكليف المجلس العلمي الأعلى، وهو الجهة المختصة والمؤهلة لإصدار الفتوى، من أجل إغلاق الباب على كل المزايدات السياسوية التي يتم تغليفها بالدين؛ وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا النساء".