الساعة تشير إلى العاشرة والنصف مساءً، عندما وقفنا وسط ميدان الجيزة بالعاصمة المصرية القاهرة، نعاين تطبيق قرار إغلاق المحلات التجارية قبل العاشرة والنصف، حسب القرار الحكومي الذي تم إعلانه.
وحسب ما عاين "عربي بوست" من وسط ميدان الجيزة، وقف أمين شرطة بزيه الأبيض المعروف وسط الميدان الشهير ورفع موبايله وبدأ بتصوير المحلات التي لم تستجب لقرار الإغلاق على الساعة 10.30 ترشيداً للكهرباء.
وفي أحد المحلات التجارية، ارتفع صوت مالكه وهو يطلب من جميع الزبائن المغادرة قائلاً: "أرجو من الجميع أن يخرج من المحل حالاً…"، مضيفاً: "يُرضي من هذا أن أخرج رزقي من داخل المحل"؟
وعند الساعة الـ10.30 مساء حضرت سيارات الحي مع حملة أمنية كبرى، وقد أصبح الميدان مليئا بالعائلات التي تبحث عن محلات تشتري منها، والجميع أصبح مغلقا.
وقد وافق رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، على أن توقيت غلق المحلات والمولات التجارية ابتداءً من أول يوليو/ حزيران 2024 حتى 26 سبتمبر/ أيلول 2024، على الساعة 10 مساء.
أما أيام الإجازات والأعياد الرسمية، فسوف تغلق على الساعة الحادية عشرة مساء وبذلك يكون التخفيض ساعة واحدة فقط عن المواعيد الصيفية المعمول بها.
وتضمن القرار استثناء بعض المحلات، فمنها من يغلق مبكراً على الساعة السابعة مساءً كمحلات الورش، ومحال الأعمال الحرفية، أما المولات التجارية فتغلق على الساعة 12 بعد منتصف الليل.
أما محلات البقالة والسوبر ماركت والمخازن والأفران، ومحلات بيع الفواكه والخضروات ومحلات الدواجن وأسواق الجملة والصيدليات، مراعاة للخدمات المهمة التي تقدم للمواطنين فيمكنها أن تغلق متأخرة.
خسارة 50% من الشغل
وتحديداً في الساعة 9:33 مساءً، كان أذان العشاء يرتفع من المساجد القريبة من الميدان، وهنا بدأ حسين، عامل بأحد المحلات، حديثه مع "عربي بوست"، وذلك قبل بدء حملة الغلق.
وقال: "الآن يعتبر بداية اليوم بالنسبة لنا، فالناس في مصر يخرجون بعد صلاة العشاء لشراء احتياجاتهم، وتقريباً مع هذا الغلق نتعرض لخسارة أكثر من 50% من حجم مبيعاتنا، وهذه كارثة."
وبعد مرور "عربي بوست" على أكثر من 15 محل تقريباً، كانت الكلمات واحدة، والتعليق على القرار متشابه، حيث اتفقوا أن قرار الإغلاق سيدمر شغلهم، وهم عاجزون عن إيجاد الحل.
وحسب ما استقصاه "عربي بوست" من مجموعة من التجار، فإن المحلات التجارية في منطقة الجيزة لا تغلق قبل الواحدة صباحاً، بل والكثير منها خصوصاً في فصل الصيف تعمل حتى الثالثة فجراً، لأن البيع في مصر صيفاً يبدأ بعد العشاء.
التقى "عربي بوست" مع مجموعة من التجار في منطقة ميدان الجيزة، والذين أجمعوا على أنهم يقترحون إغلاق محلاتهم طوال النهار بشرط تركهم يعملون ساعات ما بعد العشاء.
يقول الحاج مصطفى، صاحب إحدى المحلات التجارية بميدان الجيزة: "لا يوجد شغل بالنهار في الصيف، من ينزل في هذه الحرارة الشديدة للشوارع لشراء أي شيء؟"
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن جميع المواطنين ينتظرون المساء حتى يخرجوا للتسوق، ولو طُلب منا أن نفتح محلاتنا بعد العصر لن نعترض، ولكن من سوف يسمع صوتنا؟"
في حين أظهر بعض التجار تفاؤلاً بأن القرار سيتم التراجع عنه، بعد أسبوع أو أكثر بقليل، وسيعاودون فتح محلاتهم بشكل اعتيادي إلى وقت متأخر، مؤكدين أن قرارات الحكومة هي "بروباغندا" للتغطية على مشكل نقص الكهرباء.
توقيت منطقة "الأمريكانا" بـ 6 أكتوبر مختلف
وإذا كانت السلطات في ميدان الجيزة أمرت بإغلاق المحلات التجارية على الساعة العاشرة والنصف، ففي منطقة "الأمريكانا" الشهيرة بمدينة 6 أكتوبر، بدأت السلطات تنفيذ قرار الغلق على الساعة 12 ليلاً، أي بعد ساعتين من الموعد المحدد رسميًا للإغلاق.
ويروي عبد الباسط محمد، صاحب أحد المحلات بالمنطقة: "مع حلول الساعة 11:45 مساءً، حضرت حملة أمنية مشتركة بين الأمن وعناصر الحي، وطلبوا من أصحاب المحلات الغلق في أسرع وقت، باستثناء المطاعم والصيدليات."
وأضاف التاجر في حديثه مع "عربي بوست" أن الشرطة حرصت على عدم الصدام مع أي صاحب محل، والتنبيهات منذ الأمس كان لها دور كبير في تفهم أصحاب المحلات للقرار الوزاري، الذي يهدف إلى ترشيد الكهرباء.
وحسب المتحدث، فإن عناصر الشرطة حذرت 24 ساعة قبل تنفيذ القرار، من أن أي محل سيتم تصويره بعد قرار الغلق سوف يتعرض لعقوبة، الأمر الذي جعل الجميع يلتزم خوفاً من دفع أي غرامة أو تعرضه للاعتقال.
من جهته، وصف محمد علام، وهو ميكانيكي يعمل في مدينة 6 أكتوبر، أن قرار إغلاق المحلات مبكراً يعتبر خراب بيوت بالنسبة له، مؤكداً أن القرار تسبب في أزمة عمالية ومالية.
وقال المتحدث الذي التقاه "عربي بوست" إن الورشة تعمل ورديتين صباحية ومسائية على مدار 24 ساعة، وغلقها على الساعة السابعة مساءً حسب القرار الحكومي يعني غلق باب رزق على العمال.
ويضيف علام، في حديثه مع "عربي بوست"، أن القرار سيكون له تأثير كارثي على عدد العملاء الذين ستقل أعدادهم، كما أن مكاسب الورشة بشكل عام ستقل، لأنني كنت أصلح في اليوم 10 سيارات بينما حالياً لا تتعدى 6.
وأشار صاحب الورشة إلى أنه لم يكن هناك مراقبة شديدة على مواعيد الغلق، ولكن بعد حديث رئيس الوزراء عن القرارات الجديدة المنتظرة، وجدنا حملات من الحي تراقب تنفيذ الغلق الصيفي تمهيداً لمواعيد الغلق الجديدة التي كان متوقع تنفيذها بداية من أول يوليو.
أزمة اقتصادية وجحود قانوني
الخبير الاقتصادي أحمد خطاب قال إن الجانب السلبي في قرار الإغلاق المبكر للمحلات هو أكبر من الجانب الإيجابي، خصوصاً أن المواطنين ومع ارتفاع درجات الحرارة يخرجون من بيوتهم بعد غروب الشمس.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن القرار لن يترك للمواطنين فرصة للتخفيف من حر الصيف الاستثنائي هذه السنة، ولا المحلات ستقدر على بيع سلعها، وهؤلاء هم الفئة الأكثر تضرراً.
وأكد الخبير الاقتصادي أنه "من الأفضل عدم غلق المحلات التجارية بعد الساعة العاشرة، لأن الضرر أكبر من استمرارها حيث قد يفقد الكثير أعمالهم وتجارتهم طوال هذا الصيف."
وطالب الخبير الاقتصادي الحكومة المصرية بالتراجع عن قرار غلق المحلات في العاشرة مساءً لمنع حدوث أزمة اقتصادية داخلية، والبحث عن بدائل أخرى.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إلهامي الميرغني أن الأزمة الحقيقية في مصر هي القرارات العشوائية وغير المدروسة التي تصدر لعلاج أزمة محددة فتسبب في عشرات الأزمات والكوارث الاقتصادية.
وعن حجم أضرار القرار، يوضح الميرغني في تصريحات لـ"عربي بوست"، أن الأزمة تطول أكثر من 5 ملايين عامل يعملون بالقطاع حسب إحصاء أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2021، فيما بلغت مبيعاته في 2020/2021 حوالي 53 مليار جنيه، وفق نفس الإحصاء.
وهو ما يعني، حسب المتحدث، أن قرار غلق المحال التجارية الساعة العاشرة مساءً سيتسبب في تخفيض 15% من يوم العمل، وهو ما يعادل خسارة أولية تتجاوز ثمانية مليارات جنيه، وهو ما يدعونا للتساؤل عن حجم التوفير الذي سيتم بتخفيض مبيعات المحلات التجارية بأكثر من 15%.
وتابع: "للأسف القرار سيصيب السوق المصري بمزيد من الركود، وهو ما يفاقم خسائر القطاع التجاري الذي يلتزم بالإيجارات والأجور وكافة المصروفات الأخرى بغض النظر عن عدد ساعات التشغيل، بخلاف تطبيق التوقيت الصيفي بحجة ترشيد استهلاك الكهرباء رغم أن هذه الساعة لا توفر أكثر من 1.4% فقط من الطاقة المستهلكة في شهور الصيف وفقاً لدراسة سابقة أعدتها وزارة الكهرباء."
فيما اعتبر المحامي الحقوقي مالك عدلي أن قرار غلق المحلات التجارية في العاشرة مساءً، يزيد من الأعباء على العمال خاصة غير الموظفين، لافتاً إلى أنهم لا يكلفون الدولة رواتب بل يخففون العبء عليها بتجارتهم الحرة.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" وقال عدلي إن إجراء الحكومة بغلق المحلات التجارية في العاشرة مساءً هو ضد حقوق العمال، إذ يحرمهم من حق ممارسة العمل بإجبارهم على الإغلاق خاصة وأن أغلب المحلات التجارية تعمل ليلاً.
ويضيف عدلي أن قرار غلق المحلات يمثل تقويضاً للحقوق الاقتصادية للمواطنين، وغير منطقي وغير متوافق مع فكرة تخفيف الأحمال، وقد عبر عن اندهاشه من إعلان رئيس الوزراء القرار بحالة من التفاؤل، وكأنه سوف يحل الأزمة رغم أن الحكومة صرحت قبل ذلك أن الأحمال على شبكة الكهرباء تزيد نهاراً وليس ليلاً."
وينص قانون عقوبات مخالفي مواعيد غلق المحلات على فرض عقوبات تبدأ بغرامة من 300 جنيه إلى 4 آلاف جنيه وتصل إلى الحبس والأشغال الشاقة لمخالفي القرارات وتجاوز الميعاد المحدد.
ونظمت اللائحة التنفيذية لقانون المحال العامة عقوبات غير الملتزمين، والتي جاءت كالتالي: من يخالف القرار تتم متابعته لمدة 15 يوماً، وفي حال تكرار المخالفة يتم توقيع عقوبة الغلق لمدة شهر وعدم فتح المحل أو المقهى إلا بتصريح كتابي من المركز التكنولوجي للتراخيص، وأخيرًا عند مخالفة المواعيد المقررة للفتح والغلق يتم إلغاء الترخيص.
وقالت وزارة التنمية المحلية، إن العقوبات التي يتم توقيعها على المخالفين لمواعيد الغلق، عند رصد مخالفة أحد المحلات للمواعيد المقررة لغلق المحلات، يتم إرسال إنذار كتابي للمخالف ويتم مراجعته خلال 15 يوماً لإزالة المخالفة والالتزام بالمواعيد المقررة، وفي حالة الاستمرار على المخالفة يتم غلق المحل لمدة شهر ولا يجوز له فتح المحل إلا بعد مراجعة مركز التراخيص ليسمح له بالفتح مرة أخرى.
شماعة الكهرباء
فيما انتقد النائب ضياء الدين داوود، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، أداء الحكومة بشأن إدارة ملف الكهرباء، مؤكداً أن الحكومة اعتادت واستسهلت الكذب على المصريين وتضليلهم بمعطيات غير صحيحة.
وتساءل داوود: "أليست هذه هي الحكومة التي أعلنت منذ سنوات أننا أصبحنا نمتلك أكبر حقل لإنتاج الغاز في شرق المتوسط؟ وأن لديها خططاً طموحة لتوفير احتياجات السوق المحلي والصناعة والمتطلبات المنزلية؟ وأننا سيكون لدينا فائض نصدره للخارج؟ أليست هذه هي الحكومة التي ذهبت للتعاقد على أكبر محطات لإنتاج الكهرباء بالغاز من شركة سيمنز؟"
وأضاف: "من الذي أعلن بيانات حقل ظهر؟ ومن الذي تعاقد؟ ومن الذي قال خلال هذه السنوات؟ ومن الذي يواصل الكذب على الشعب المصري، وجعل حياة الناس ناراً في ظل موجات حرارة شديدة لم تعتد عليها مصر؟ والتساؤل الأهم هو ما جدوى خطوة إعادة تكليف الدكتور مصطفى مدبولي بتشكيل الحكومة الجديدة، في ظل تراكم المشكلات؟"
وأوضح: "الدكتور مصطفى مدبولي هو من صرح في عام 2023 أن مصر ستصل للاكتفاء الذاتي من المحروقات، وهو من وصل بدين مصر إلى تريليونات بين ديون داخلية وخارجية، ثم يجدد تكليفه مرة ثانية! ماذا سنحصل على نتائج بعد هذا، ما هي الفائدة من تكليف الدكتور مصطفى مدبولي وهو يعجز هو وحكومته عن حل أي من المشكلات المتعلقة بحياة المصريين؟"
واستشهد بمعاناة المواطنين من انقطاع الكهرباء قائلاً: "المصريون يستغيثون بنا ليل نهار، والمرضى على أسرتهم غير قادرين على الحصول على الأكسجين، وطلبة الثانوية العامة مش عارفين يذاكروا وعندهم امتحانات يومية، أي بلد يقول هذا! من المسؤول عن ذلك؟ هذه الحكومة التعيسة أتعست المصريين ومررت عليهم حياتهم، الحل أن ترحل هذه الحكومة وتأتي حكومة كفاءات وتكلف ناس قادرة على حماية هذا البلد."