زيادة منتظرة بالأسعار، والتجار عادوا لتفعيل “الأوفر برايس”.. مصادر تكشف لـ”عربي بوست” تفاصيل أزمة السيارات في مصر 

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/30 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/30 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
الجنيه المصري/getty İmages

بدأت بوادر أزمة جديدة لسوق السيارات في مصر تظهر مع تعطل منظومة الاستيراد من الخارج، دون تبرير من الحكومة، وسط مخاوف من وجود تضييق على عملية الشراء بالدولار من الخارج، في الوقت الذي ما زالت فيه البلاد تعاني أزمة العملة.

وتتكدس في الموانئ المصرية ما بين 10 إلى 13 ألف سيارة مختلفة، نتيجة تعطيل تسجيلها على المنصات الخاصة بالحجز، ويتطلب الأمر الحصول على الموافقات المسبقة عبر النافذة الجمركية لإتمام عمليات شحن المركبات من الخارج.

الحكومة الحالية هي لتسيير الأعمال فقط

وقال عضو بشعبة صناعة السيارات، تحدث لـ"عربي بوست" شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، إن الأزمة اندلعت منتصف مايو/أيار 2024، حين تعطلت المنصة الخاصة بالتسجيل المسبق للشاحنات، ومع التواصل مع وزارة المالية قالت إن هناك عطلاً يجري إصلاحه.

وأضاف المتحدث أن العطل لم يتم إصلاحه، وجرى التواصل مرة أخرى مع الوزارة لكنها أكدت هذه المرة وجود مراجعة لآليات الاستيراد والدخول الجمركي للسيارات، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين الوكلاء وأصحاب المصانع والشركات.

وكشف المصدر أن "الشعبة استفسرت من الحكومة بشأن وجود قرار وقف استيراد السيارات لكنها نفت الأمر أيضاً"، وحاولنا لقاء وزير المالية محمد معيط غير أن الرد جاء بأن "الحكومة الحالية هي لتسيير الأعمال فقط".

وأشار المصدر نفسه إلى أنه طلب منهم التواصل عقب الإعلان عن الحكومة الجديدة، وهو ما يعني أن الأزمة قد تطول وسيترتب عليها ارتفاع أسعار السيارات لا محالة بسبب قلة المعروض.

وأشار المصدر ذاته إلى أن تأثر الأسعار بوقف الاستيراد ما زال محدوداً حتى الآن وقد لا تصل الزيادة إلى 5% مقارنة بأسعار الشهر الماضي، وأن تراجع الطلب أيضاً يساهم في هدوء الأسعار حتى الآن.

لافتاً إلى أن تعطل منصة الجمارك أمر غير منطقي؛ لأن هناك آلية تسعير واضحة للسيارات وهناك نسب محددة للجمارك عليها، ويبقى تحديد الأسعار بين التجار أو الوكلاء وفي حال كان هناك زيادة في تلك الآليات فإن ذلك يتطلب إجراءات تشريعية لم يتم التطرق إليها من الأساس، ما يجعل هناك هواجس من إمكانية اتخاذ القرار لتخفيف الطلب على الدولار.

وتبلغ ضريبة الجمارك في مصر على سيارات الركوب المزوّدة بمحرّك احتراق داخلي (أي العاملة بالوقود) 135% من قيمة شراء السيارة في الخارج، بجانب ضريبة الجدول 15%، وضريبة القيمة المضافة 14%.

بينما تنخفض بالنسبة للسيارات الهجينة المستوردة من خارج الاتحاد الأوروبي، لتتراوح ما بين 30% و100% ضريبة جمارك، ومن 15% إلى 30% كضريبة جدول، و14% ضريبة قيمة مضافة، في حين أنَّ السيارات الكهربائية معفاة من كافة الجمارك والرسوم عدا القيمة المضافة.

قرارات الحكومة تساعد على عدم استقرار السوق

وأكد أحد تجار السيارات، في حديثه مع "عربي بوست" أن قطاع السيارات يحاول منذ مارس/آذار 2024 أن يصل إلى مرحلة الاستقرار التي تساعد على عودة عمليات البيع والشراء إلى سابق عهدها.

ورغم أن صغار التجار الذين يعملون في السيارات المستعملة تعرضوا لخسائر كبيرة جراء انخفاض الأسعار مباشرة عقب تحرير سعر الصرف، غير أن ذلك لم يمنع من وجود رغبة جماعية في أن يستعيد القطاع قوته، لكن الحكومة يبدو أن لها رأياً آخر.

وحسب المتحدث، فإن قرارات تساعد على استمرار حالة الارتباك التي قد تترك تأثيرات سلبية على جذب الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع بخاصة، وأن هناك خطة حكومية نحو الاعتماد على التصنيع والتجميع في الداخل.

وأوضح لـ"عربي بوست" أن تعطل منصة التسجيل المسبق للشحنات قاد إلى توقف استيراد جميع أنواع السيارات، ويمكن القول بأنه لن تدخل سيارة جديدة البلاد إلا في حالة عودة عملها، وهو أمر يترك تأثيراته على ارتفاع الأسعار مجدداً.

وأشار المتحدث إلى أن التجار واجهوا خسائر جراء دفع إيجار يومي للسيارات المكدسة في الجمارك قبل الإفراج عن بعضها الجمعة، رغم أنهم ليس لديهم دخل في الأزمة الحالية، والمشكلة تكمن في مصلحة الجمارك الحكومية، وفي الوقت ذاته، فإن العديد من الموردين قد يرفضون التعامل مع الوكلاء في مصر نتيجة عدم استقرار السوق.

وأشار إلى أن الحكومة تعهدت باستقرار السوق خلال فترة لن تقل عن عامين، وهناك وكلاء يحاولون تحسين الصورة الذهنية السيئة التي ترتب على تكدس السيارات من قبل بالجمارك لعدة أشهر دون أن يكون لديهم قدرة على دفع تكاليف تلك الشحنات مع صعوبة تحويل الدولار عبر البنوك واللجوء إلى طرق ملتوية عبر السوق السوداء.

وشدد على أن الأزمة الراهنة لم تظهر نتيجتها على السوق بعد، لأن هناك مخزوناً لدى وكلاء السيارات لكن مع معرفة المواطنين بوجود أزمة في الاستيراد قد يتسبب في ارتفاع أسعار السيارات، وبالفعل شهد السوق ارتفاعاً طفيفاً في الطلب.

وحسب المتحدث، عاد عدد الوكلاء إلى فرض "أوفر برايس" بمعنى سعر إضافي على سعر السيارة تحسباً لارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة، تحديداً في الموديلات التي تشهد زيادة في الإقبال، وفي مقدمتها السيارات الياباني الصنع والسيارات الصينية والإنجليزية.

يُذكر أنه في نهاية مايو/أيار 2024، نفت وزارة التجارة والصناعة المصرية ما تردد في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول صدور قرار وزاري بشأن وقف الإفراج عن السيارات الواردة للاستعمال الشخصي لمدة ثلاثة أشهر.

وتأتي الأزمة الراهنة بعد أن توقعت مؤسسة "بي إم آي" التابعة لــفيتش سوليوشنز أن يحقق سوق السيارات المصري نمواً بقيمة 22% تقريباً خلال عام 2024 بمبيعات تزيد عن 121 ألف سيارة، مؤكداً أن النمو المتوقع يعود لحدوث استقرار في سعر الصرف بمصر.

لكن التقرير أوضح في الوقت ذاته أن التضخم لم يتوقف ومتواجد، وأن زيادات الأجور لا تتناسب مع قيمة التضخم، وبالتالي ارتفاع مقدرة شراء السيارات ستظل متأثرة بصورة كبيرة بسبب الضغط المالي على قدرات المشترين.

وأشار التقرير إلى أن مبيعات السيارات تراجعت في مصر 33% في عام 2022 وبلغت أكثر من 192 ألف سيارة ثم انخفضت 49% تقريباً في 2023 ووصلت إلى 99 ألف سيارة فقط، موضحاً أن هناك تفاؤلاً بمبيعات سوق السيارات، ولكنه تفاؤل حذر مع تعافٍ بطيء للمبيعات بسبب الالتزامات المالية الكبيرة على المشترين وصعوبة شراء سيارات جديدة بسبب تكلفتها المرتفعة.

البنية التحتية غير مهيَّأة للصناعة المحلية

يؤكد نائب برلماني في حديثه مع "عربي بوست" أن الحكومة المصرية بإمكانها حل أزمة السيارات المفتعلة إن أرادت ذلك، لأن بعض الشحنات جاءت إلى الموانئ بالفعل دون أن يتم إدراجها في منظومة التسجيل المعطلة.

وبالتالي هناك فرصة للإفراج عنها مقابل وقف التصدير لحين إصلاح العطل أو إدخال التعديلات الحكومية على منظومة الاستيراد، لكنها رفضت جميع المحاولات للإفراج عن السيارات بل طالبت بإعادتها مرة أخرى أو فرض غرامات يومية عليها.

وأضاف المتحدث أن احتجازها في الموانئ دون مبرر مع التأكيد على عدم وجود أزمة دولار تفرض عدم استيرادها سيؤدي إلى خسائر فادحة لأصحاب هذه السيارات، وفي النهاية، فإن المواطن المصري سيكون خاسراً لأنه سيجد أسعاراً غير منطقية للسيارات رغم عدم وجود تحرك ملحوظ في سعر الدولار.

مشيراً إلى أن الحكومة ذهبت إلى تعطيل المنصة بهدف تخفيف الضغط على الدولار قبل إجازة عيد الأضحى، وقد تعمل على فتح عملية الاستيراد بالأسس المتبعة مع إدخال تعديلات طفيفة لتجد المبرر الذي تسوقه للرأي العام.

وأكد أن توقف الاستيراد لما يقرب من شهر ونصف ستكون له تأثيراته السلبية على سوق السيارات خلال الأيام المقبلة، لأن الأسعار سوف تشهد ارتفاعاً قد يصل إلى 30% أو أكثر.

كما أن الحديث عن دعم وقف الاستيراد لصالح دعم الصناعة المحلية في غير محله، لأن البنية التحتية في مصر ما زالت غير مهيَّأة لذلك، كما أن استيراد قطع الغيار وأدوات الإنتاج يأتي في الأغلب من الخارج، وأن دعم الصناعة المحلية بحاجة إلى خطة واضحة بعيداً عن العشوائية الحالية.

وأفادت وكالة فوكاس تو موف "F2M" الأمريكية المتخصصة في أبحاث أسواق السيارات، أن سوق السيارات المصري الذي كان قبل سنوات قليلة واحداً من أكبر وأهم أسواق القارة الأفريقية، لا يزال يعاني بسبب تراجع القدرة الشرائية وتباطؤ عمليات الاستيراد منذ أكثر من عامين.

مشيرة إلى أن الصدمات العالمية المتعددة تسببت في أزمة صرف أجنبي وتضخم تاريخي، ما فاقم الأزمة الاقتصادية على الصعيد المحلي، وانعكست سلباً على سوق تجارة السيارات.

بالنظر إلى البيانات التراكمية المسجلة في الربع الأول من العام الحالي، تظل شيري الصينية في المركز الأول بمبيعات 2.621 وحدة بنسبة تراجع 3.9%، تليها نيسان اليابانية بـ2.599 وحدة بنسبة نمو 0.7%، وثالثاً إم جي الصينية بـ2.458 وحدة بنسبة انخفاض 3.8%.

الحكومة تتحسب لأزمة قد تتفجر بسبب الدولار

وبحسب خبير اقتصادي، فإن الحكومة المصرية تستهدف الحفاظ على آليات العرض والطلب على الدولار، بحيث يسهل التحكم في مدى ارتفاعه أو انخفاضه مقابل الجنيه، وأن وجود أولويات نحو توفير أكثر من مليار دولار لاستيراد الغاز المستخدم في محطات الكهرباء من الخارج إثر أزمة الانقطاعات الأخيرة.

بالإضافة إلى الإجازة الطويلة للبنوك خلال إجازة عيد الأضحى، والتي تركت تأثيرات سلبية بشأن الضغط على الدولار، وكلها عوامل تساهم في أن تكون الحكومة مستفيدة من تعطل استيراد السيارات بشكل مؤقت، دون وجود دلائل وبراهين على تورطها في مسألة تعطيل منظومة الاستيراد.

وأوضح أن الدولار حقق زيادة طفيفة خلال الأيام الماضية سرعان ما تراجعت بعد أيام العمل الأولى عقب إجازة عيد الأضحى، وهو ما يبرهن على وجود سيولة دولارية وعدم وجود مشكلات شح دولار مقارنة بما كان عليه الوضع قبل تعويم الجنيه وقبل صفقة رأس الحكمة وإتمام قرض صندوق النقد الدولي.

لكن في الوقت ذاته، فإن الحكومة تتحسب لأزمة قد تتفجر بسبب الدولار حال استمرت عوائد قناة السويس في التراجع لفترات طويلة باعتبارها مورداً مهماً من موارد النقد الأجنبي، إلى جانب عدم تحقيق التطور المطلوب في السياحة، وبالتالي تحاول أن تسير على أشواك ضبط أسعار الصرف.

وشدد على أن الحكومة تنوي اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تستهدف عملية استيراد السيارات من الخارج، وقد يكون ذلك سبباً إضافياً أو رئيسياً في تعطل منظومة الاستيراد، إذ إنها حظرت قبل ثلاثة أشهر تقريباً دخول السيارات في حال جرى تسجيلها على بنود جمركية مخالفة لما يتم تسجيلها عليها داخل البلاد، ورغم اكتفائها بالغرامة في السابق، لكنها أوقفت عملية دخول السيارات المخالفة بشكل نهائي.

وتلقت مصر تدفقات دولارية ضخمة خلال الشهور الأخيرة، منها 35 مليار دولار من صفقة تطوير مدينة رأس الحكمة، وتنازل الإمارات عن ودائع دولارية بقيمة 11 مليار دولار، وزيادة حصيلة التخلي عن النقد الأجنبي بعد تحرير سعر الصرف، إضافة إلى ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وزاد الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر لأعلى مستوياته على الإطلاق خلال مايو/أيار الماضي ليتجاوز 46 مليار دولار بزيادة 11.465 مليار دولار خلال عام، وذلك وفق بيانات البنك المركزي المصري.

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

تحميل المزيد