يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً مائياً على الضفة الغربية، مستغلاً تحكمه بالنسبة الأكبر لمصادر المياه التي تصل إلى الفلسطينيين، ليستخدمها سلاحاً وعقاباً جماعياً ضدهم، في وقت تتصاعد فيه أعمال المقاومة منذ الحرب في غزة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الأمر ذاته في غزة، التي يحاصرها الاحتلال مائياً وغذائياً، ليتسبب بأزمة مجاعة لا سيما شمال القطاع، وسط استمرار عدوانه العسكري هناك، بالتزامن مع استكمال مشروعه الاستعماري في الضفة، المتمثل في التهجير القسري والاستيلاء على مزيد من الأراضي، لمحاربة الوجود الفلسطيني على الأرض، كما يؤكد أهلها.
فرض حصار مائي على الضفة
قلل الاحتلال حصص الفلسطينيين في مناطق الضفة بأكثر من الثلث، لا سيما في كل من الخليل ومناطق الأغوار، ليتأثر بذلك المواطنون والمزارعون ومربو الماشية.
يقول رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة، لـ"عربي بوست"، إن الاحتلال قلّص ما نسبته 35% من كميات المياه الواردة لمدينة الخليل وحدها، بحسب ما أبلغتنا به سلطة المياه الفلسطينية.
لكن بعد أيام، أوقف الاحتلال ضخ المياه بشكل كامل لساعات عن الخليل، بحسب قوله.
يتابع أبو سنينة بأن مدينة الخليل بحاجة إلى 45 ألف كوب يومياً، ولكن ما يصل إليها من مياه لا يتعدى 20 ألف كوب، قبل تقليص الكميات من الطرف الإسرائيلي، لكن بعد تخفيض كميات المياه، فإنه لا يصل من الاحتياج أكثر 12 ألف كوب.
عن أسباب ذلك، قال إن "الاحتلال يدعي أن هناك صيانة تارة، وأن هناك ديوناً تارة أخرى، وهذا غير صحيح"، مشيراً إلى أن "الاحتلال يمنع حفر آبار مياه، وحتى آبار جمع المياه، ويقوم بردمها في مناطق ج".
يشير كذلك إلى أن "الاحتلال يفتعل هذه الأزمة كل عام، مع بداية فصل الصيف، تحت حجج واهية، بينما يتم تزويد المستوطنين بكميات تزيد على 3 أضعاف لما يقدم للفلسطيني، مرجعاً سبب ذلك إلى سيطرة الاحتلال على مصادر المياه، منذ توقيع اتفاق أوسلو، الذي أجّل حسم قضية المياه إلى حين مناقشة قضايا الوضع النهائي".
حصة المستوطن 3 أضعاف الفلسطيني
يقول مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد أريج للدراسات التطبيقية سهيل خليلية، إن حصة الفرد الفلسطيني من المياه من 70- 80 لتراً للشخص يومياً بشكل عام، لكن في مناطق الأغوار الحصة قد تنخفض إلى 20 لتراً في اليوم، وهو أقل من المعدل الموصى به عالمياً والمقدر بنحو 100 لتر في اليوم.
يوضح أنه في المقابل، فإن الإسرائيلي يحصل على ما معدله 300 لتر للشخص، وقد تصل حصة المستوطن في بعض المستوطنات إلى 370 لتراً يومياً.
يؤكد خليلية أن هذا حصار مائي على الضفة، ما يُعدّ خرقاً للقانون الدولي، الذي ينص على أن للشعب الواقع تحت الاحتلال حقه في مصادره الطبيعية، مؤكداً أن ما يجري سياسة يتبعها الاحتلال بسبب سيطرته على مصادر المياه والثروات الطبيعية الفلسطينية.
يضيف أن هذه الإجراءات عنصرية، يقوم الاحتلال في كل صيف بإعطاء الأولوية للمستوطنين في الحصول على كميات أكبر مما تقدم للفلسطينيين، بل وقطعها عنهم.
ويؤكد أن "هذا شكل من أشكال العقاب الجماعي والتمييز العنصري، واستغلال الموارد الطبيعية، فالاحتلال ليس مسيطراً فقط على مصادر المياه، بل يعطيها لشركات خاصة".
السيطرة على مصادر المياه
رغم اعتراف الاحتلال بحسب اتفاقية أوسلو بحقوق الفلسطينيين بالمياه، إلا أنه لا يسلمهم حصصهم منها، بل يقوم ببيعها لهم من خلال "شركة ميكروت للاستخدام المنزلي".
حول كميات المياه المشتراة من الجانب الإسرائيلي، يشير خليلية إلى أن الجانب الفلسطيني يشتري بحسب اتفاق أوسلو ما بين 125-120 مليون متر مكعب، فيما يزيد عن ذلك كميات مشتراة من خارج هذا المعدل، ما بين 90 – 120 مليون متر مكعب، يتم شراؤها من الاحتلال بثمن باهظ.
يتابع خليلية بأن مناطق الأغوار تتعرض أيضاً لتضييق وحصار مائي، مع حاجة المزارعين للمياه، وتمسكهم بالبقاء في أرضهم.
مشكلة أكبر في مناطق الأغوار
يستهدق الاحتلال من خلال حصار مائي على الضفة، تهجير الفلسطينيين، لا سيما في مناطق الأغوار، حيث يعيش سكانها في تجمعات تعيش من تربية الماشية والزراعة.
يقول حسن مليحات مدير مؤسسة البيدر للدفاع عن حقوق البدو بالأغوار لـ"عربي بوست"، إن مشكلة المياه كبيرة جداً بالنسبة للتجمعات البدوية، خاصة في مناطق الأغوار، فالمستوطنون قطعوا عنهم خطوط المياه التي كانوا يحصلون عليها من الينابيع أو نبع العوجا.
حتى من كان يستخدم مياه الشركة الإسرائيلية ميكروت، ويدفع ثمنها، تم قطع خطوطها عنه من المستوطنين، وفق قوله.
يضيف مليحات أن من يريد شراء الصهاريج، يكون أمام معضلة ثمنها المرتفع، فبعض مربي الماشية يحتاج إلى صهريجي مياه يومياً، بما قد يصل ثمنه إلى 100 دولار يومياً، وهذا مبلغ كبير بالنسبة لأي مزارع.
يشير كذلك إلى أن "ما يثير القهر وشعور الحرمان في صورة من أبشع صور العنصرية، هو مرور أنابيب المياه من أسفل خيام الفلسطينيين، وتذهب لتغذي المستوطنات، بينما الفلسطيني ممنوع من استخدامها"، معتبراً ذلك "استهدافاً لصمود الفلسطيني، من خلال حرمانه من المياه، لترحيله عن أرضه".
الاحتلال الذي سيطر على مصادر المياه الفلسطينية، وسلمها لشركات خاصة، لم يكتفِ فقط باستهداف الأغوار، بل تعدى ذلك لتقليص الكميات القادمة لمدن في الضفة الغربية أبرزها الخليل وبيت لحم وحتى رام الله، في خطوة تعد عقاباً جماعياً بحق الفلسطينيين، وفق قوله.
استغلال أوسلو
يوضح الخبير الفلسطيني أن الاحتلال استغل اتفاقية أوسلو لسرقة المياه، إذ إن هناك نصاً واضحاً يقول بأن إسرائيل تعترف بالحقوق المائية للفلسطينيين، التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الحل الدائم.
لذلك استغل الاحتلال النص الذي يقول إن التفاوض على الحقوق المائية سيكون بمفاوضات الحل الدائم، ليقوم بعد التوقيع على الاتفاقية بتجاهل حقوق الفلسطينيين من المياه، لا سيما من نهر الأردن، وغيره من المصادر المائية، بحسب قوله.
يتابع بأن "إسرائيل بدأت تتعامل مع الفلسطينيين وفق مبدأ احتياجات وليس حقوقاً، أي أنها تبيع الفلسطينيين مياههم".
يشير كذلك إلى أن الاحتلال أصدر خلال الفترة الماضية، 53 أمراً عسكرياً في المناطق المصنفة (ج) لصالح تحكم المستوطنين بشبكات المياه في مناطق أ وب وج، وبكميات المياه التي تصل للفلسطينيين.
يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مياه نهر الأردن منذ عام 1967، التي تقدر بنحو 250 مليون متر مكعب.
لذلك، تعتمد المناطق الفلسطينية بشكل أساسي على المياه المستخرجة من المصادر الجوفية والسطحية، التي تبلغ نسبتها 76.4% من مجمل المياه المتاحة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وجاء في تقرير له عام 2022، أن ما نسبته 22% من المياه المتاحة في فلسطين يتم شراؤها من شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت".