استقلالية دفاعية أم استعداد لمواجهة “خطر محدق”.. تفاصيل مشاريع عسكرية مغربية بدعم أمريكي وافق عليها الملك

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/13 الساعة 06:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/13 الساعة 06:30 بتوقيت غرينتش
ملك المغرب محمد السادس (Getty image)

لم يخض الجيش المغربي معركة منذ مدة طويلة، لكن المغرب حريص على تجديد وتطوير ترسانته العسكرية بالاعتماد على القدرات الذاتية، من خلال المضي بشكل مستعجل في تأسيس صناعة دفاعية وعسكرية مغربية.

وأعلنت المملكة المغربية، يوم السبت 1 يونيو/حزيران 2024 عزمها إنشاء منطقتين صناعيتين في مجال الدفاع للاهتمام بمعدات وآليات الأمن وأنظمة الأسلحة، وذلك خلال مجلس وزاري صادق على 4 مشاريع تتعلق بالمجال العسكري.

ومن شأن إرساء أسس صناعة دفاعية متطورة في المغرب، أن تلعب دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية والتجارية، وتحقيق استقلالية المملكة تدريجياً في مجال الصناعة الدفاعية.

استقلالية دفاعية أم مواجهة التهديدات؟

يذهب الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، الشرقاوي الروداني، إلى أن هذه "خطوة متقدمة نحو الاستقلالية الاستراتيجية من خلال توطين الصناعة العسكرية الدفاعية، ويؤشر على طموح كبير للمغرب لخلق منظومة عسكرية دفاعية عالية المستوى وقادرة على مواكبة التحديات التي تقتضي تقوية محددات استقلالية القوات المسلحة الملكية".

وأضاف الشرقاوي في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "رؤية الدفاع كفلسفة وأسلوب مرتبط بالعقيدة العسكرية المغربية، المتمثلة في الانتقال إلى قوة متكاملة ومركزة؛ ومن ثم فإن صناعة الدفاع ضرورية لتحقيق هذه الرؤية العسكرية الاستراتيجية".

ووفق موازنة المغرب لعام 2024، فقد تم رفع ميزانية الدفاع إلى 124.7 مليار درهم (12.47 مليار دولار)، مقارنة مع 120 مليار درهم في العام الماضي.

لكن هذه الميزانيات المرصودة للدفاع، لم تثنِ إدارة الدفاع من الإقرار بضعفها في عدد من المناسبات، إذ سبق للوزير المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، أن صرح أمام البرلمانيين، أن الميزانية المرصودة للدفاع غير كافية في ظل التهديدات الأمنية التي تشهدها المنطقة.

وفي هذا الصدد يقول محلل الشؤون الدفاعية والأمنية نزار الدردابي إن  "إنشاء صناعة دفاعية وطنية هو قبل كل شيء وسيلة لتعزيز السيادة الدفاعية للبلد؛ لأنه من الضروري أن يكون البلد قادراً على إنتاج أسلحته ومعداته العسكرية، ولو جزئياً على الأقل، إذا ما أراد الدفاع عن سلامته الإقليمية".

وأوضح الدردابي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "البلدان التي لا تنتج الأسلحة تعتمد على البلدان الأخرى في إمداداتها من الأسلحة والذخائر، في سياق سياسي واقتصادي دولي تأثر فيه العالم بسلسلة من الأزمات والصراعات المتكررة في السنوات الأخيرة".

استكمال الإطار التشريعي

وقبل الخطوة الجديدة التي اتخذت في المجلس الوزاري الأخير، مهّد المغرب لهذه الصناعة الاستراتيجية والدفاعية منذ سنوات، إذ أقرت قانوناً يسمح بتوفير الترسانة القانونية المسطرة لصناعة الدفاع في 2021، وهو مشروع مرسوم يحدد كيفيات ممارسة أنشطة تصنيع العتاد والتجهيزات المرتبطة بالمجال العسكري، وعمليات الاستيراد والتصدير والنقل المتعلقة بها.

ويعكس هذا القانون بشكل نسبي، أن المملكة ستتيح تراخيص تسمح بتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية المستخدمة من طرف الجيش وقوات الأمن على التراب المغربي، مع إمكانية تصديرها إلى دول أخرى.

ويرى الأكاديمي الباحث في السياسات الأمنية للمغرب، إسماعيل حمودي، أن المرسوم الجديد الذي تحدث عن إحداث منطقتين صناعيتين للدفاع، "يعد خطوة ذات طابع إجرائي تندرج ضمن مسار استكمال الإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بصناعة الدفاع، والتي يعتبر القانون رقم 20.10 عمادها الرئيس".

وقال حمودي لـ"عربي بوست": "من خلال الخطوات التي جرت سابقاً؛ أقصد الاتفاقيات التي وقعت مثلاً بين الوزارة المُكلفة بالدفاع الوطني وشركة لوكهيد مارتن الأمريكية، واتفاقية مماثلة بين الوزارة نفسها وشركة بلوبيري Blueberry، يتوقع أن تكون المنطقتان  في بنسليمان والنواصر (ضواحي الدار البيضاء غرب)، لكونها المناطق التي تتواجد بها حالياً ورش لبناء وحدات صناعية عسكرية".

شُركاء واتفاقيات عسكرية

اللافت في اتفاقيات التعاون العسكري التي وقعها المغرب في العقدين الأخيرين، إدراج الصناعات العسكرية ضمن مجالات التعاون الثنائي. وتبرز إسرائيل باعتبارها من الدول التي تسعى إلى انتزاع مكانة لها في منظومة الصناعة الدفاعية المغربية، خصوصا بعد التوقيع على اتفاق ثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل.

ومهد هذا الاتفاق لعدة خطوات شملت صناعة الدفاع كذلك، خصوصا بعد زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي في نونبر 2021 إلى المغرب، حيث وقع مع نظيره المغربي على مذكرة تعاون أمني وعسكري وُصفت بـ"غير المسبوقة"، إذ تسمح بعقد صفقات وبيع معدات أمنية وإجراء تداريب عسكرية مشتركة.

وكانت مصادر إعلامية، أفادت بأن المغرب سيحظى بإمكانية تصنيع طائرات درون على أراضيه، قابلة للاستخدام العسكري، في إطار تعاون مع شركة إسرائيلية رائدة في هذا المجال الذي يعد حكرا على بعض دول العالم.

آخر تطورات هذا التعاون خرجت إلى العلن، عندما صرح الرئيس التنفيذي لشركة "بلو بيرد إيرو سيستم" الإسرائيلية، رونين نادر، لموقع "زونا ميليتار" الإسباني، أن شركته الرائدة في مجال إنتاج الطائرات دون طيار ذات الاستخدام العسكري، أنشأت فعلا في المغرب وحدة إنتاج خاصة بهذه الصناعة التي تعتمد على التكنولوجيا العسكرية الفائقة.

بيئة صناعية عسكرية آمنة

يسارع المغرب الخطى اليوم، للانتقال إلى المرحلة المقبلة الهادفة إلى التشغيل الفعلي لهذه الوحدات الصناعية الاستراتيجية الوطنية المخصصة للمنظومة الدفاعية والعسكرية.

وتراعي المملكة في ذلك، "تمكين مصنعي الأسلحة والمعدات الدفاعية في المستقبل من الإنتاج في بيئة محمية وآمنة، بعيداً عن أي خطر من الأعمال الكيدية أو التجسس الصناعي، مع الاستفادة من البنى التحتية للنقل عالية الأداء وسلسلة التوريد التي ستمكنهم من المنافسة"، حسب تأكيد محلل الشؤون الدفاعية والأمنية نزار الدردابي.

ويتوقع المتحدث نفسه، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن يتم تصنيع "ذخائر ومركبات شبه مدرعة ومعدات رؤية لإطلاق النار من الأسلحة التي تقوم مؤسسات القوات المسلحة الملكية بإصلاحها بالفعل في ورشاتها".

وأضاف، أنه يقيناً ستتم صناعة الطائرات القتالية من دون طيار، التي أعلن عنها مؤخراً الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع في المغرب.

حماية الحدود وتسويق خارجي

لا يبدو أن المغرب يسعى للمضي في مشاريع الصناعات الدفاعية والعسكرية من أجل السوق الوطنية وحسب، بل يجتهد في أن يكون مُسوّقاً لهذه المنتجات الاستراتيجية في محيطه القريب على الأقل، والذي يشهد عدة توترات وتحديات أمنية، خصوصاً في الساحل والصحراء.

يلفت الباحث في السياسات الأمنية، إسماعيل حمودي، إلى أن "الاتفاقيات والشراكات التي أبرمها المغرب ودول حليفة من جهة، أو التي أبرمتها الوزارة المكلفة بالدفاع مع شركات متخصصة من جهة ثانية، لا تقتصر على الإنتاج لفائدة السوق الوطنية، بل تتعدى ذلك نحو أسواق أخرى في مختلف مناطق العالم".

واعتبر حمودي في اتصاله بـ"عربي بوست"، أن "المغرب يريد وضع نفسه كمركز إقليمي في صناعة الدفاع، والاستفادة من موقعه الجيوستراتيجي لخدمة السوق الأفريقية، وأيضاً الأسواق الشرق أوسطية والأوروبية".

من جهته، يرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، الشرقاوي الروداني، أن "انتشار الجماعات الجهادية في دول غرب أفريقيا ووجود كيانات غير دولتية؛ كلها تحديات كبرى تتطلب الكثير من اليقظة والقوة لمجابهتها"، مضيفاً أنه "على مستوى شمال أفريقيا ، فالمغرب يعد ركيزة أساسية في الحفاظ على المنطقة الجنوبية لدول حلف شمال الأطلسي".

وخلص الروداني في تصريحه لـ"عربي بوست"، إلى أن "المنهجية التي اتّبعتها الرباط في توطين الصناعات العسكرية الدفاعية قامت بقراءة الوضع الراهن ومتطلبات المستقبل وهي كثيرة، وكلها محددات يمكن أن تجعل الصناعة العسكرية الدفاعية المغربية قادرة على الوصول إلى أسواق عالمية".

تحميل المزيد