تُعرف القنابل الذكية بأنها "أسلحة ذاتية التوجيه"، وهي نوع من الذخائر التي تم تصميمها لتحديد أهدافها بدقة عالية باستخدام أنظمة توجيه متقدمة؛ مثل أنظمة التوجيه البصري أو الأقمار الصناعية أو الليزر. وهذه القنابل تختلف عن القنابل "الغبية" التقليدية التي تسقط بشكل عشوائي دون توجيه دقيق.
كما صُمّمت هذه القنابل لتقليل عدد الذخائر المطلوبة في الحروب؛ نظراً لدقتها، حيث يمكن أن تحتاج العمليات العسكرية إلى عدد أقل من القنابل لتحقيق الأهداف؛ ما يقلل من التكاليف ويزيد من الكفاءة.
وعلى الرغم من أن "القنابل الذكية" تطورت بشكل كبير خلال العقود الأخيرة لتصبح أكثر دقة وفعالية، لتصبح هذه التكنولوجيا جزءاً أساسياً من الترسانة العسكرية الحديثة للعديد من الدول حول العالم، إلا أنها تقتل المزيد من المدنيين والأبرياء بشكل عشوائي، حيث يقول خبراء إن "القنابل الذكية" ليست فعالة في الحد من "الأضرار الجانبية" كما يعتقد على نطاق واسع.
هل القنابل الذكية فعالة حقاً؟
يرى المقدم المتقاعد بالجيش الأمريكي آموس فوكس، أن الضربات الدقيقة، على الرغم من دقتها، قد لا تحقق أهدافها؛ ما يستلزم ضربات إضافية وربما عمليات برية لدى الجيوش. وهذا يمكن أن يؤدي إلى أضرار جانبية كبيرة مما لو تم استخدام الأسلحة التقليدية في البداية.
ويؤكد فوكس أن ما يُعرف بـ"القنابل الذكية" لا يمكن أن تحل محل فعالية القوات البرية، مشيراً إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية تفضل وتعتمد على "الضربات الدقيقة" لتقليل عدد القوات على الأرض، بشكل أساسي.
ولا يعتقد فوكس أن القنابل الذكية فعالة، وفي كتابته لـ"المعهد الملكي للخدمات المتحدة"، أكد فوكس على مفهوم "مفارقة الدقة"، الذي يكشف هشاشة نظرية الضربة الدقيقة. وبعبارة أخرى، يعتقد فوكس أنه على الرغم من مدى حماسة دعم الأسلحة الدقيقة من قبل المشرعين الأمريكيين، فإن الأسلحة الدقيقة لا تزال تسبب أضراراً جانبية واسعة؛ ما يجعل الضرر أسوأ في بعض الأحيان من استخدام "القنابل الغبية".
ومنذ وقت طويل، روّجت الولايات المتحدة الأمريكية للقنابل الذكية على أنها الأداة الأكثر فعالية في الحروب، فبدلاً من أن يضطر سلاح الجو إلى إسقاط العشرات أو حتى المئات من "القنابل الغبية" لضرب هدف ما بشكل فعال ودقيق، فإن واحدة من القنابل الذكية قد تؤدي هذا الغرض.
وتوصف القنابل غير الموجهة بـ"الغبية" لأنها تسقط دون أن توجه نفسها إلى هدف محدد بشكل فعال، حيث تسقط حيثما يأخذها زخمها والرياح، فإذا أُسقطت من ارتفاع عالٍ بواسطة طائرات تحلق على مستوى عالٍ، فإن دقتها تكون منخفضة جداً، وفي هجمات الحرب العالمية الثانية ضد مدن في أوروبا، كانت القنابل تسقط على مسافة 1000 قدم من الهدف، ولكن إذا أُسقطت من ارتفاع منخفض بواسطة طائرات تغوص نحو الهدف، فإن دقتها يمكن أن تكون أعلى بكثير.
لماذا تحب أمريكا "القنابل الذكية"؟
يقول موقع business insider الأمريكي إن أمريكا تحب "القنابل الذكية". فمنذ الحرب العالمية الثانية، استغلت أمريكا ما تعتبره نقاط قوتها: التكنولوجيا العالية، والكفاءة، والقدرة على ضرب أعدائها بأكبر دقة ممكنة.
وترتبط الحرب الدقيقة اليوم بالصواريخ الموجهة، ولكن المفهوم يعود إلى ثلاثينيات القرن العشرين، عندما بدأت الولايات المتحدة في تبني القصف النهاري على ارتفاعات عالية بواسطة قاذفات ثقيلة مثل الطائرة بي-17. لقد كان المخططون الأمريكيون مقتنعين، تحت تأثير مُنظّر القوة الجوية الضابط الإيطالي جوليو دوهيت، بأنهم قادرون على شل حركة العدو بقصف مصانعه، من دون الحاجة إلى حرب برية مكلفة.
وكان هذا يتناقض مع استراتيجية القصف الليلي التي انتهجتها بريطانيا في الحرب العالمية الثانية والتي استهدفت مدناً ألمانية بأكملها. وحتى لو لم تُضرب المصانع، فإن الأحياء السكنية سوف تُدمر وسوف "يُطرد العمال"، وهو ما كان من المتوقع أن يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية العامة للألمان.
وفي الممارسة العملية، ثبت أن التمييز بين القصف الدقيق والقصف الشامل غير واضح: فالقصف كان يتم عبر سماء أوروبا الملبدة بالغيوم التي حجبت الأهداف، في حين كان الهجوم بالمقاتلات والصواريخ المضادة للطائرات والاعتماد على التخطيطات الملاحية البسيطة والمشاهد البدائية للقنابل يعني أن أغلب القنابل الأمريكية فشلت في إصابة أهدافها.
وكان من المفترض أن تحل القنابل دقيقة التوجيه هذه المشكلة؛ لذلك يرى الجنرال فوكس عدة عيوب في نظرية الضربات الدقيقة الحديثة. أولاً، لم تنجح الضربات "بقطع الرأس" التي كانت تهدف إلى هزيمة العدو من خلال القضاء على قادته ومراكز قيادته. ولكن فوكس لا يعتقد أيضاً أن استراتيجية الضربات الدقيقة نجحت بالفعل في تقصير أمد الحروب.
"القنابل الذكية" وحرب الإبادة في غزة
يرى فوكس أن هذا قد يؤدي في الواقع إلى خسائر بشرية أعلى من تلك التي قد تنتج إذا تم استخدام الأسلحة التقليدية في المقام الأول لأن ذلك يتطلب هجمات متكررة. ويشير فوكس إلى الاستخدام المكثف للصواريخ الدقيقة الأمريكية خلال المعارك الشرسة في الرقة والموصل في عامي 2016 و2017. في محاولة لاستئصال مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" المحصنة بشدة في الأحياء المدنية، لكن تم تدمير العديد من المباني وقتل الآلاف. وتواجه إسرائيل وضعاً مماثلاً اليوم في غزة، حيث تقول إنها تريد تدمير البنى التحتية لحركة حماس، لكنها تدمر غزة كلها، وتلاحقها الآن التهم بارتكاب حرب إبادة جماعية.
قد يكون الصاروخ الدقيق الفردي أكثر دقة من القنبلة الغبية. ولكن إذا فشل الصاروخ الدقيق في ضرب هدف -سواء بسبب ضعف الاستخبارات أو الصدفة المحضة التي تسود ساحات القتال- فيجب إطلاق المزيد من الأسلحة الموجهة، وبالتالي يسقط الغرض كله من الدقة.
يقول فوكس لموقع بيزنيس إنسايدر: "الضربات الدقيقة لا تعني بالضرورة أنها فعالة. في المجمل، إذا لم يكن الصاروخ دقيق التوجيه فعالاً بنسبة 100%، فقد يؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج مماثلة للمدفعية الباليستية، أو استخدام الذخيرة غير الدقيقة الأخرى، حيث يتم تدمير كل شيء".
وفي أوكرانيا، يستخدم كلا الجانبين أعداداً هائلة من الأسلحة الموجهة، بمعدل يستنزف المخزونات والقدرة الإنتاجية للمصانع، ومع ذلك لم يتمكن أي من الجانبين من تحقيق نتائج حاسمة. أما في غزة، فقد نفذت إسرائيل ضربات ضد 29.000 هدف في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب، غالباً بأسلحة موجهة أمريكية جي بي يو، لكن ذلك فشل حتى الآن في تدمير حماس أو جعلها تتراجع.
يقول فوكس: "الدرس الذي لم تفهمه إسرائيل هو أن حماس قوة برية، إن الحقيقة غير المريحة لإسرائيل بشأن الحرب، هي أنها لا تزال تتطلب قوة برية كبيرة لهزيمة قوة برية أخرى. والحرب الدقيقة، التي ليست شيئاً حقيقياً، تعمل على تعزيز قوة برية في هزيمة قوة برية أخرى، لكن لا تحل محلها".
استخدام إسرائيل لقنابل "جي بي يو" الأمريكية
تقوم إسرائيل بنشر قنابل "جي بي يو" الأمريكية منذ عام 2008، وتستخدمها في غزة وسوريا ولبنان. وسلمت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 10.000 قنبلة من هذا الطراز إلى إسرائيل منذ عام 2012، بما في ذلك ألف منها تم شحنها في الخريف الماضي خلال الحرب.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن خبراء أسلحة أن إسرائيل زادت استخدام القنابل الأمريكية الموجهة من طراز "جي بي يو-39" (GBU-39) في الغارات الجوية على غزة، منذ بداية العام الجاري، مقارنة بالأيام الأولى للحرب، والتي أسفرت عن استشهاد الآلاف من الفلسطينيين.
وأضاف الخبراء أن هذا النوع من القنابل الموجهة الصغيرة نسبياً والتي تزن الواحدة منها 250 رطلاً، تلحق خسائر فادحة وجسيمة بالمدنيين. فيما أكدت تقارير عديدة استخدام إسرائيل للأنواع الأضخم من صواريخ "جي بي يو" الأمريكية مثل GBU- 31/32/38 فائقة التدمير.
في مطلع مايو/أيار 2024 تم العثور على قنبلة من الطراز ذاته غير منفجرة في مدرسة في جباليا شمالي قطاع غزة، كما ظهرت الزعنفة الخلفية المميزة لنفس النوع من القنابل في مكان غارة أخرى يوم 13 مايو/أيار بمدرسة في النصيرات، وأسفرت عن استشهاد 30 شخصاً على الأقل.
وقال محللون إن بقايا قنابل "جي بي يو-39" ظهرت خارج المنازل السكنية التي تعرضت لضربات جوية إسرائيلية مميتة في رفح جنوبي قطاع غزة في أبريل/نيسان 2024، وفي مكان آخر في مدينة غزة في مارس/آذار 2024، وفي تل السلطان في يناير/كانون الثاني 2024.
لا تمثل هذه الأمثلة على استخدام إسرائيل لهذه قنابل سوى جزء بسيط مما يقدره الخبراء بشكل عام، لكن العديد من المحللين أوضحوا أن الحطام الذي يتم العثور عليه في أعقاب الغارات الجوية وطلبات تجديد المخزون الإسرائيلي من الأمريكيين٬ يشير إلى أن إسرائيل كثفت بوضوح استخدامها لهذه القنابل لتدمير المنازل والأحياء السكنية في غزة وقتلت آلاف المدنيين.