اتخذت تركيا خطوة استراتيجية للانضمام إلى كتلة البريكس الاقتصادية في وقت سابق من عام 2024، حسبما صرح مسؤولين أتراك مطلعين على الأمر لموقع ميدل إيست آي البريطاني. ويرى مراقبون أن مجموعة بريكس، وهي اختصار لأعضائها الأوائل ــ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ــ سوف تهيمن على الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة على الأرجح.
مجموعة بريكس.. تكتل قد ينهي الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي
يعتبر مصطلح بريكس (BRICS) اختصاراً يشير إلى الأحرف الأولى من أسماء البلدان هذه على التوالي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، الدول التي تعتبر صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي دول في مرحلة مماثلة من التنمية الاقتصادية المتقدمة حديثاً، وفي طريقها إلى أن تصبح دولاً متقدمة.
ويُنظر إلى مجموعة البريكس على أنها بديل لمجموعة السبع، التي تقودها الدول الغربية في المقام الأول، وتمثل تحولاً كبيراً في ديناميكيات القوة العالمية. وإذا نجحت محاولة تركيا فإنها ستصبح أول حليف في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينضم إلى الكتلة التي تقودها عليها روسيا والصين.
تشكّل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض، وتمتلك 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حالياً، حسب مجموعة غولدمان ساكس البنكية العالمية، كما تسعى هذه الدول لتشكيل حلف أو نادٍ سياسي فيما بينها مستقبلاً.
وذكر الكرملين أن انضمام تركيا إلى المجموعة ستكون موضوع نقاش في قمة البريكس التي ترأسها روسيا هذا الأسبوع في مدينة "نيجني نوفغورود". ومع ذلك، حذرت موسكو من أنه من غير المرجح أن تقبل المنظمة كل طلبات العضوية التي تقدمت بها دول عديدة من بينها دول عربية. فيما أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان حضوره القمة.
وفي أغسطس/آب الماضي، أعلنت البريكس عن خطط لمضاعفة عضويتها، ووجهت الدعوات إلى المملكة العربية السعودية ومصر وإيران والإمارات العربية المتحدة، من بين دول أخرى. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعرب في السابق عن اهتمامه بالانضمام إلى البريكس، لكن المناقشات الرسمية لم تنتهِ حتى الآن.
لماذا تريد تركيا الانضمام إلى مجموعة "بريكس" الاقتصادية؟
في أعقاب قرار البريكس بالتوسع، بدأت وزارة الخارجية التركية في تقييم الفوائد والتكاليف المحتملة للعضوية، وفقاً لمسؤول تركي تحدث إلى موقع Middle East Eye البريطاني.
أثار اهتمام تركيا بمنصة اقتصادية تقودها الصين وروسيا الدهشة في العواصم الأوروبية. وقال مسؤول تركي ثانٍ للموقع إن تركيا تنجذب إلى دول البريكس لأنها لا تتطلب التزامات أو اتفاقيات سياسية أو اقتصادية. وقال المسؤول: "لا نرى البريكس بديلاً لحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن عملية الانضمام المتوقفة إلى الاتحاد الأوروبي تشجعنا على استكشاف منصات اقتصادية عالمية أخرى".
وأضاف المسؤول أن حلفاء تركيا "على الورق" في الغرب غالباً ما يتجاهلون مخاوف أنقرة الأمنية ويحرمونها من الأسلحة المتقدمة. وأوضح المسؤول: "نود أن نكون جزءاً من كل منصة متعددة الأطراف، حتى لو كانت هناك فرصة ضئيلة لمنفعتنا".
خطوة اقتصادية لأهداف سياسية
يقول حياتي أونلو، الأكاديمي في جامعة الدفاع الوطني التركية، إن اهتمام تركيا بدول البريكس لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه محور كامل بعيداً عن الغرب. وأضاف أن "تركيا تريد تطوير شبكة علاقات مكملة لعلاقاتها مع الغرب للتغلب على الصعوبات الاقتصادية".
وأشار أونلو إلى أن المؤسسات العالمية التقليدية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، يُنظر إليها على نحو متزايد على أنها عفا عليها الزمن، ما يؤدي إلى ظهور منصات بديلة مثل الرباعية (حوار أمني يشمل أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة) أو دول البريكس المتوسعة، والمعروفة باسم البريكس بلس.
وقال ليون روزمارين، الخبير في الشؤون الروسية في جامعة نورث إيسترن في الولايات المتحدة: "بالنسبة لتركيا، من الأفضل تناول الطعام في كلا الإناءين، إذا جاز التعبير. ومن خلال بناء التعاون مع كل من الغرب والدول والهياكل الرئيسية في بقية العالم، تهدف أنقرة إلى القيام بدور فريد لا تستطيع كل دولة تحقيقه".
وقال روزمارين إن سعي تركيا للانضمام إلى مجموعة البريكس يتماشى مع سياستها المتمثلة في الحفاظ على العلاقات التجارية مع روسيا، حتى بعد غزو أوكرانيا عام 2022. وقال: "إذا انضمت تركيا إلى بريكس، فلن يكون ذلك بالضرورة تحركاً مناهضاً للغرب؛ لأن الهند والبرازيل انضمتا إلى هذه المنظمة منذ البداية".
نظام عالمي متعدد الأقطاب
مع ذلك، أعرب مسؤول تركي آخر عن شكوكه حول جدوى عضوية البريكس، بالنظر إلى تركيز الكتلة مؤخراً على إلغاء الدولار واتفاقيات أنقرة مع دول المنطقة لإنشاء آليات تسوية بالعملات المحلية.
وقال المسؤول: "ليست لدينا تجارة كبيرة مع دول البريكس، باستثناء الصين"، مشيراً إلى أن تركيا لا تزال تجري أكثر من نصف تجارتها السنوية مع الاتحاد الأوروبي.
وشكك المسؤول أيضاً في النفوذ السياسي لبريكس، مشيراً إلى أن تأثير الكتلة لا يزال محدوداً. وعلق المسؤول قائلاً: "يمكن أن تكون البريكس أكثر أهمية في المستقبل إذا أصبحت أكثر أهمية من الناحية السياسية وحظيت بصدى لدى الرأي العام الدولي".
من جهته يعتقد أونلو أن مشاركة القوى المتوسطة مثل تركيا يمكن أن تعزز أهمية البريكس، حيث تسعى هذه الدول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب لا تهيمن عليه القوى العظمى.