تتفاقم الأوضاع الإنسانية غرب السودان، مع استمرار حصار الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، من قوات الدعم السريع، التي تحاول السيطرة على آخر ولاية في إقليم دارفور لم تسقط بعد تحت سيطرتها.
تزداد وسط المعارك في الفاشر المحاصرة منذ 10 مايو/أيار 2024، التحذيرات الدولية والأممية من مخاوف مجاعة في المدينة التي تمثل آخر معاقل الجيش السوداني والحركات المسلحة في إقليم دارفور، الذي يمثل ثلث مساحة السودان، ويضم مناطق غرب البلاد.
بحسب شهود عيان في الفاشر، لـ"عربي بوست"، فإن "الدعم السريع" تواصل تحشيد قواتها التي تحاصر المدينة من كافة الاتجاهات، لأكثر من 3 أسابيع، وتحظر وصول البضائع والمواد الإغاثية إليها.
ساهم ذلك "في زيادة التوترات الميدانية، وفاقم من أوضاع المدنيين بنقص السلع الغذائية والأدوية"، وفق قولهم.
تمثل مدينة الفاشر منطقة استراتيجية من كافة الجوانب التاريخية والحضارية للقبائل المختلفة الأعراق في دارفور، وسبق أن نشر "عربي بوست" تقريراً يتناول الأهمية الاستراتيجية لها.
عن تداعيات الأزمة ومخاوف الأهالي هناك، أفاد المواطنون في الفاشر في حديثهم لـ"عربي بوست"، بأنهم باتوا يعيشون يومياً تحت وطأة الخوف من تجدد الاشتباكات التي تستمر عادة لأيام داخل الولاية.
ودعوا الأطراف المتحاربة الجيش السوداني والدعم السريع والحركات المسلحة إلى إبعاد معاركهم عن المدينة، حفاظاً على حياة المدنيين.
وقالوا إنهم يعانون بسبب انقطاع الكهرباء، والمساعدات الإنسانية، وعدم قدرة المنظمات الدولية على إدخالها بسبب الحصار، وعدم تمكن المزارعين من الاستعداد لفصل الخريف بسبب الأوضاع الأمنية السيئة.
انعدام الدواء وتعطل المستشفيات
وأفاد السكان عن حصار الفاشر، بأن المستشفيات الرئيسية بالمدينة متوقفة تماماً، باستثناء مستشفى واحدة فقط للطوارئ، وهي "المستشفى الجنوبي"، بالإضافة إلى مركز بابكر نهار المخصص لعلاج الأطفال.
أوضحوا أن سبب ذلك يعود إلى أن بقية المستشفيات والمراكز الطبية تقع بالقرب من قيادة الجيش الفرقة السادسة مشاة ما يعني وقوعها في دائرة الاشتباكات.
يقول أطباء من المستشفى الجنوبي لـ"عربي بوست"، إن المستشفى مكتظ بالمرضى والجرحى، الذين يعانون من نقص المستلزمات الطبية من شاش وحقن التخدير.
يذكر أحد الأطباء، ممتنعاً عن ذكر اسمه، لـ"عربي بوست"، أنه "في العديد من المرات تصل حالات الجرحى بشكل عاجل، إلا أننا نعاني من عدم توفر التخدير، لذلك نلجأ إلى خياطة الجروح من دون بنج، الأمر الذي يكون صعباً على المريض، لكن لا خيار آخر أمامنا لإيقاف نزيف الدم".
أما عن الدواء، فقال إنه شحيح جداً وقابل للانعدام؛ بسبب منع الدعم السريع سيارات الشحن من دخول الفاشر.
حصار الفاشر ومنع البضائع من دخولها
يواصل العديد من التجار وسائقو الشاحنات الدخول في مفاوضات مع قيادات الدعم السريع، لإدخال بضائعهم إلى مدينة الفاشر، إلا أن سعيهم لم يكتب له النجاح حتى الآن.
وقال بعضهم لـ"عربي بوست" إن "الدعم السريع يمنع السيارات من الدخول إلى المدينة، ولكن بعضنا يبذل جهوداً كبيرة لإدخال بضاعته للفاشر، من خلال دفع إتاوات مالية كبيرة لعناصر الدعم السريع المتواجدين على نقاط التفتيش والبوابات المؤدية إلى الفاشر".
عن إدخال بعض البضائع بطرق أخرى، أضاف أن "البعض الآخر منا يخاطر بنفسه، ويبحث عن طريق بديلة لإدخال البضائع، وقد نجح العشرات منا في إدخال سياراتهم المحملة بالبضائع إلى الفاشر بسلام خلال الأيام الماضية، ما ساهم في انفراجة جزئية، بتوفير بعض السلع الأساسية للمواطنين بالأسواق".
في المقابل، تبرر قوات الدعم السريع حصارها المفروض على الفاشر، بأنه يهدف إلى منع إدخال السلاح، وقطع الطريق أمام وصول أي إمداد عسكري للجيش وقوات الحركات المسلحة المنحازة إلى جانبه في الحرب.
الوضع الميداني في الفاشر
لم تتوقف المعارك منذ بدء حصار الفاشر في 10 مايو/أيار 2024، إذ تشن قوات الدعم السريع هجمات متكررة على المدينة والقرى المجاورة لها، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى، وفرار الآلاف من المواطنين السودانيين إلى مواقع أخرى أكثر أمناً.
يشن كذلك طيران الجيش السوداني سلسلة من الغارات الجوية باستمرار، على عدد من مواقع قوات الدعم السريع شمال المدينة وشرقها وجنوبها.
ويقوم الجيش كذلك بعمليات إنزال جوية لقيادة الفرقة السادسة مشاة في الفاشر، لحصولها على المساعدات والمزيد من السلاح والذخائر.
بينما أعلن موسى هلال رئيس مجلس الصحوة الثوري، زعيم قبيلة المحاميد ذات الأصول العربية -أبناء عمومة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"- دعمه الكامل للجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.
وقال إن موقفه يأتي دعماً لجهود الجيش في "سحق" ما وصفها بـ"الميليشيات الأجنبية والغزاة في السودان"، في حين أطلقت قوات الدعم السريع تحذيرات وتهديدات له، بسبب قراره الأخير، لا سيما أنه تسبب بتراجع الكثيرين من أبناء قبيلته عن دعم قوات حميدتي، ورفضهم نداءه بالانشقاق والعودة للقتال إلى جانبه.
أفادت مصادر عسكرية محلية في دارفور بأن معركة حصار الفاشر تعود أهميتها إلى أنها تعد آخر معاقل الحركات المسلحة وعاصمتها الأساسية في إقليم دارفور، وكذلك آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم الذي يمثل غرب السودان، إلى جانب أنها تضم أكبر معسكرات للنازحين في نيفاشا وابوجا شمال المدينة، بالقرب من مناطق الاشتباكات.
وأكدت أن الفاشر تضم أكثر من 800 ألف مدني نزحوا من مناطق مختلفة في الإقليم، إثر سيطرة قوات الدعم السريع على بقية الولايات فيه.
قوات الدعم السريع تنفي تسببها بمأساة الفاشر
تحدث مستشار قائد قوات الدعم السريع، إبراهيم مخير، لـ"عربي بوست"، وقال إن عناصرها "لا تزال تقوم فقط بمهامها الأساسية في شمال دارفور، من حيث التصدي للفوضى والانتهاكات في القرى حول الفاشر، التي نظمتها الاستخبارات العسكرية، وأفراد الحركات المنشقة عن القوة المشتركة من حركتي مني أركو مناوي وجبريل".
وقال إن عناصر قوات الدعم السريع أزالوا كل نقاط التفتيش والجبايات العشوائية التي كانت الحركات المسلحة قد نصبتها من قبل، والتي تمركزت بين مليط والفاشر"، مضيفاً أن ذلك "سهّل انسياب البضائع والإغاثة في المنطقة"، على حد قوله.
عن حصار الفاشر الذي تفرضه قوات الدعم السريع، قال: "قواتنا تشل تماماً أي تحرك عسكري ذا مغزى للفرقة السادسة للجيش، وتتصدى بكل نجاح للعمليات العدائية التي يقومون بها مع عملائهم، من استهداف المواطنين العزل في تلك المنطقة، بغرض نشر الرعب والفوضى، واستدراراً لتعاطف المجتمع الدولي وتشتيتاً لانتباهه عن المجازر التي يقوم بها الطيران هناك".
وأكد مخير أن "محاولات فتح جبهات جديدة في دارفور لن تثنينا عن إحكام السيطرة علي ولاية الجزيرة أو بحر أبيض، أو تعقب المجرمين في سنار أو حتى شمال البلاد".
أفاد كذلك بأن "الدعم السريع لا يزال يقف على مبدأه في دعم المهام المشتركة لتشكيل قوات مشتركة مع الحركات المسلحة بقيادة الطاهر حجر والهادي إدريس وسليمان صندل والحافظ عبد النبي، بالتنسيق مع الدعم السريع والجيش متى ما توفرت النوايا الصادقة لحماية المدنيين، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية"، على حد قوله.
في المقابل، لم تعلق الحركات المسلحة على هذه الدعوة من قوات الدعم السريع، كما أنها لم ترد على محاولات "عربي بوست"، الحصول على تصريح منها.
لكن القوات المسلحة من القوة المشتركة سبق أن أعلنت قرارها بالانحياز الكامل إلى طرف الجيش السوداني في 11 أبريل/نيسان 2024، أي بعد مرور نحو عام على حرب السودان.
و"القوة المشتركة"، تتكون من حركات: تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، والتحالف السوداني بقيادة خميس عبد الله أبكر، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، وحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وهو عضو مجلس السيادة الذي أعفاه قائد الجيش من منصبه، لكنه أعلن رفضه للقرار.
وتقدر القوة المشتركة للحركات المسلحة، بنحو 5 آلاف مقاتل، يشكل مقاتلو حركة مناوي غالبية قوامها.
وكان الموقف السياسي المعلن منذ بداية الحرب بالنسبة لقوات الحركات المسلحة، هو الوقوف على حالة الحياد، وتأمين الفاشر من أي اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أنه بعد مرور عام على الحرب، أعلنت القوة المشتركة انحيازها لصالح الجيش.
خلال الأسبوعين الماضيين، شنت قوات الدعم السريع هجمات عسكرية متتالية على معسكرات وتجمعات الحركات المسلحة في مدينة الفاشر، في محاولة منها للتقدم والتوغل نحو المدينة، إلا أن القوة المشتركة بين الجيش والحركات المسلحة، تمكنت من طرد قواتها المهاجمة في المحورين الشمالي والغربي للولاية، بحسب ما أكده مراسل "عربي بوست".
وأفاد بأن الاشتباكات المسلحة تجددت بين الجيش والدعم السريع، خلال الأيام الماضية، ولكن هذه المرة باستخدام المدفعية، التي دكت الأحياء الشرقية للمدينة، في الصفا والمصانع وديم سلك، بسبب محاولات تقدم الدعم السريع في بعض المناطق الاستراتيجية.
في حين تصدت قوات الجيش مسنودة بضربات جوية، أدت إلى سقوط أكثر من 10 قتلى من المدنيين، وجرح العشرات، الذين تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.
من جانبها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من خطر يتهدد حياة ورفاه 750 ألف طفل في الفاشر، وربما ملايين آخرين، في حال شن هجوم عسكري وشيك على المدينة التي تؤوي ما لا يقل عن 500 ألف شخص نزحوا بسبب أعمال العنف في أماكن أخرى من البلاد.
المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، نبّهت في بيان صحفي، من أن الهجوم الوشيك يهدد بتصعيد كارثي، وضياع جيل في السودان بسبب سوء التغذية، داعيةً أطراف النزاع إلى التراجع بشكل عاجل عن مثل هذه المواجهة الخطيرة.
وقالت إن تصاعد القتال في ولاية شمال دارفور، تسبب في خسائر بشرية مميتة بين الأطفال، مشيرة إلى مقتل ما لا يقل عن 43 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، منذ تصاعد القتال في الفاشر، والمناطق المجاورة، قبل أكثر من أسبوعين.
حذّرت كذلك من أن استمرار الهجمات -بما في ذلك استخدام الأسلحة المتفجرة في الأحياء السكنية- يشكل خطورة خاصة على الأطفال، ولن يؤدي سوى إلى نزوح وقتل المزيد منهم.
يشار إلى أنه منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، خلّفت الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أكثر من 12 ألف قتيل، وما يزيد على 7 ملايين نازح ولاجئ، وفقاً للأمم المتحدة.
وأدت الحرب إلى حركة نزوح غير مسبوقة في البلاد، تقدر بنحو 8 ملايين شخص، بسبب انتشار رقعة المعارك وبوتيرة سريعة، لا سيما في شهري نوفمبر وديسمبر 2023.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.