عمل الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، على تهجير تجمعات سكانية بأكملها في الضفة الغربية، مهدداً بذلك بدء مخطط ضم مناطق ج بشكل فعلي، لا سيما بعد قرار إلغاء قانون "فك الارتباط".
يسمح قرار إلغاء قانون فك الارتباط، لحكومة الاحتلال ويمينها المتطرف، بالشروع بتوسيع الاستيطان، وإعادة الاعتراف بمستوطنات شمال الضفة، التي تم إفراغها عام 2005، والقضاء على جهود إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967؛ ما يعني إنهاءً لخيار حل الدولتين من جانب واحد، وفق تقرير سابق لـ"عربي بوست".
في هذا التقرير، توضح مصادر أهلية لـ"عربي بوست"، تفاصيل عن بدء الاحتلال مخطط تهجير عائلات فلسطينية بأكملها من مناطق "ج" في الضفة الغربية، منذ بداية حرب غزة وحتى الآن، بعد محاصرتها، وخنق أهلها، من وصول أي من مقومات العيش لهم، من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال.
قبل ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه وفق اتفاقية أوسلو الثانية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في 1995، تم تقسيم الضفة الغربية إلى 3 مناطق، هي:
– المنطقة "أ" تمثل 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً.
– المنطقة "ب" تمثل 21% من مساحة الضفة وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.
– المنطقة "ج" التي تمثل نحو 61% من مساحة الضفة، تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.
تهجير 18 تجمعاً سكانياً فلسطينياً
بلغ عدد التجمعات السكانية التي تم طردها وتهجيرها في كل من الأغوار الشمالية وشرق رام الله وجنوب الخليل نحو 18 تجمعاً، بحسب مركز "بتسليم" الحقوقي الإسرائيلي.
وأكد أن عشرات التجمعات الأخرى تواجه تهديدات بالتهجير القسري كذلك في أية لحظة، في المناطق المصنفة "ج".
التجمعات الـ18 كانت في كل من: خلة الحمرا، خربة عين الرشاش، وادي السيق، مليحات، جنوب الناصرية، خربة جبعت، مجاور لتقوع، خربة الطيبة، عتيرية، مقتل مسلم، خربة الرظيم، خربة الرظيم، خربة زنوتة، عنيزان، القانوب، برية حزما، خربة طانا، عين السخن، وادي عبيات.
وأكد المركز وجود مخطط لحكومة الاحتلال، يهدف إلى تهجير الرعاة الفلسطينيين من أراضيهم بالضفة الغربية، بالتعاون مع جماعات من المستوطنين، واصفاً ذلك بأن يمثل جزءاً من نظام الأبارتهايد (الفصل العنصري) الإسرائيلي.
لفت كذلك في تقريره، إلى أن "إسرائيل تسعى لتهجير تجمعات الرعاة الفلسطينيين من مواقع إقامتها بالضفة بغية الاستيلاء على هذه المواقع، التي تشمل أراضيهم الزراعية وأراضي المراعي التي يستخدمونها".
محاصرة العائلات الفلسطينية وإكراهها على الهجرة
حصل "عربي بوست" على شهادات فلسطينية تؤكد ما نشره المركز سابق الذكر، من بينها ما حصل مع 40 عائلة فلسطينية هُجّرت من تجمع وادي السيق شرق مدينة رام الله، وباتت تعيش ظروفاً إنسانية ومعيشية صعبة.
تعرّضت العائلات الفلسطينية هذه لهجمات متكررة من المستوطنين وقوات الاحتلال على حد سواء؛ ما دفعها إلى الهجرة عنوة من تجمعهم، بحثاً عن مكان لا تصلهم فيه اعتداءات المستوطنين، ممن يسمون "فتية التلال" و"تدفيع الثمن"، وغيرهما من المنظمات الاستيطانية المتطرفة، والمتهمة بممارسات إرهابية ضد الفلسطينيين.
عبد الرحمن كعابنة، أحد سكان التجمع، قال لـ"عربي بوست": "نحن نازحون حتى الآن، ننتظر مصيرنا، ولا نعرف ما الذي ينتظرنا بعد أن هُجّرنا".
تابع بأن هناك تجمعات أخرى نزحت، وأخرى ما زالت تتعرض لضغوط كي تَرحل، وأنه ليس هناك من وجهة تتماشى مع ظروف معيشة التجمعات السكانية هذه، التي تعتمد على تربية الماشية والزراعة.
أوضح أن التجمعات التي لم ترحل بعد، أصبحت محاصرة في بيوتها، ولا يسمح لها بإخراج ماشيتها ورعيها، إلى جانب أنها تُمنع أيضاً من الزراعة، ويمنعها المستوطنون وجيش الاحتلال من التزود بالمياه.
بحسب كعابنة، فإن ما يجري هو مخطط لتفريغ المناطق المصنفة "ج" من سكانها الفلسطينيين، وطرد كل التجمعات السكانية هناك، في حين يتم جلب المستوطنين إلى الأراضي التي يهاجر الفلسطينيون قسراً منها، حيث أصبحت معظم أراضي الأغوار وشرق القدس وصولاً إلى جنوب الخليل مسيطراً عليها من المستوطنين.
أشار كذلك إلى أن هناك ضغوطاً تصل إلى حد منع سكان التجمعات من التواصل مع أقاربهم من مناطق أخرى، وبات من يريد لقاء أقاربه، أن يضطر إلى ذلك خارج التجمعات المحاصرة.
5 بؤر استيطانية تسيطر على 85% من الأغوار الشمالية
من جانبه، قال مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس، معتز بشارات، لـ"عربي بوست"، إن الحكومة الإسرائيلية أعطت ضوءاً أخضر للمستوطنين بالاستيلاء على الأغوار وطرد السكان من التجمعات السكانية.
أوضح بشارات أن سياسة إقامة بؤر استيطانية جديدة تنتشر في مناطق الأغوار "تهدف للسيطرة على الأراضي الفلسطينية هناك، حيث تقام بالقرب من التجمعات السكانية، وينابيع المياه التي تمت السيطرة عليها بشكل كامل سابقاً".
أشار أيضاً إلى أن هناك نحو 13 عين مياه أصبحت تحت سيطرة المستوطنين، وأقاموا عليها بنية تحتية لاستقبال وفود مستوطنين كسائحين، من أجل تشجيعهم للاستيطان في المنطقة.
وفقاً لبشارات، فإن الاحتلال يقوم على تنفيذ سياسات ضاغطة عدة على التجمعات السكانية، إلى جانب السيطرة على الأراضي وينابيع المياه، تتمثل بإعلان مساحات واسعة كمحميات طبيعية، ممنوع على الفلسطيني التواجد فيها، بينما أقيمت عليها بؤر استيطانية جديدة.
وأكد أن مساحة الأراضي المسيطر عليها تحت حجة محميات طبيعية، تُقدّر بنحو 85 ألف دونم من أراضي الأغوار.
إلى جانب ذلك، أضاف بشارات أن المستوطنين أطلق الاحتلال يدهم للاستيلاء على معدات وآليات المواطنين الفلسطينيين ومصادرتها في مناطق "ج"، من خلال ما تسمى شرطة المستوطنين، التي تم تشكيلها من مجلس المستوطنات.
هذا إلى جانب تشكيل لجنة من عصابات المستوطنين لمراقبة البناء في مناطق "ج" لمنع إقامة أي خيمة أو حظيرة أغنام، بحسب بشارات.
وأكد أن هناك أيضاً سياسة مصادرة المواشي، وفرض غرامات مالية كبيرة على مالكيها، من أجل استعادتها، بحجة رعيها في بعض المناطق، وتدمير المحاصيل الزراعية وإحراقها من المستوطنين.
مستوطن واحد يسيطر على 12 ألف دونم
يستعرض بشارات ما تقوم به قوات الاحتلال من تسهيل استيلاء المستوطنين على الأراضي، حيث تسمح لمستوطن واحد بالسيطرة على ما يقارب من 12 ألف دونم من أراضي السكان، وتوفير كل مقومات البقاء لهذا المستوطن من توفير خدمات ومياه وكهرباء.
أفاد كذلك بأن الاحتلال يقدم شهرياً 135 مليون شيكل لصالح البؤر الاستيطانية في الأغوار، منها تقريباً 30 لمراقبة البناء الفلسطيني ومنع أي إضافة لهم، إلى جانب مصادرة 86 ألف دونم من الأراضي الزراعية، بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة.
تابع بأن هذه الأراضي أقيمت عليها البؤر الاستيطانية لاحقاً، فيما يؤكد أن الجيش الإسرائيلي يتخذ هذه الحجة لمصادرة الأراضي، وتسليمها لاحقاً للمستوطنين، الذين تم وضع خيام وحظائر ماشية لهم، كما تم استخدام حجة مناطق أثرية يمنع السكان الوصول إليها، وتسلم أيضاً للمستوطنين.
أكد بشارات أن المستوطنين تسببوا بتهجير 6 تجمعات في الأغوار الشمالية، بينما هجرت عائلات عدة بشكل فردي، بعد تعرّضهم للضغط من المستوطنين، سواء بالهجوم عليهم، وسرقة ماشيتهم، أو تدمير ممتلكاتهم.
وقال إنه عندما يأتي الجيش الإسرائيلي بعدها، يطالب السكان بالمغادرة والذهاب إلى مناطق بعيدة بدلاً من لجم المستوطنين.
مجلس المستوطنات
بحسب بشارات، فإن المستوطنين لا يعملون بشكل منفرد، بل إن هناك هجوماً بشكل يومي على التجمعات الفلسطينية، وطردها من مساكنها، في ساعات الليل المتأخرة، أمام جيش الاحتلال وشرطته، التي تتواجد من أجل ترهيب العائلات، وتوفير كل الإمكانيات لعصابات المستوطنين.
وقال إنه بات واضحاً جداً، أن ما تقوم به عصابات المستوطنين ومؤسسات الاحتلال بتسليم زمام الأمور وإعطاء مجلس المستوطنات الضوء الأخضر للسيطرة على الأغوار، وأن من يقوم بهذه العمليات من تسليم إخطارات للسكان هو هذا المجلس.
أضاف أنه بات المواطن الفلسطيني عندما يتم مصادرة ممتلكاته أو ماشيته يذهب إلى مجلس المستوطنات؛ ما يعني أنه عملية ضم فعلية للأغوار إلى الاحتلال.
جنوب الخليل في عاصفة الترحيل
في السياق ذاته، أكد منسق لجان المقاومة في جنوب الخليل راتب الجبور، أن مناطق جنوب الخليل التي تضم 16 تجمعاً سكانياً معرضة للتهجير من عصابات المستوطنين، إذ تصاعدت الهجمة منذ حرب غزة.
أوضح الجبور أن الاحتلال، من خلال عصابات المستوطنين، رحّل 6 تجمعات سكانية، بعد تعرضها لاعتداءات وضغوط من المستوطنين، بحماية جيش الاحتلال، بعد أن أقيمت 11 بؤرة استيطانية جديدة.
تابع الجبور أن إقامة البؤر الزراعية والرعوية هي إحدى وسائل المستوطنين وجيش الاحتلال للاستيلاء على الأراضي، من خلال اعتداء على السكان سرقة مواشيهم وحجز الأهالي ومحاصرتهم بمنع مواشيهم من الخروج من الحظائر.
كذلك هجّر الاحتلال 6 تجمعات في مناطق جنوب الخليل، بحجة أن الأراضي مناطق عسكرية، وإطلاق نار ومحاصرتها بجدار الفصل العنصري، ناهيك عن انتشار أمراض خطيرة في مواشي المستوطنين أدت إلى نفوق آلاف المواشي للفلسطينيين.
بحسب إحصاءات وزارة الزراعة الفلسطينية، كان يقتني الفلسطينيون في مسافر يطا نحو 45 ألف رأس من الماشية، والآن تقلص العدد إلى أقل من 12 ألف رأس، بسبب قتل بعضها من المستوطنين، أو سرقتها، وانتشار الأمراض.
مخطط ضم مناطق ج
بدوره، أكد رئيس مؤسسة البيدر، حسن مليحات، أنه بات من الملموس والفعلي أن الاحتلال أخذ قراره بالسيطرة على مناطق "ج" وضمّها، من خلال تهجير السكان، وإفراغها، مقابل زيادة عدد المستوطنين في الأراضي.
أشار مليحات، في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أنه بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق عن الضم منذ عام 2019، بدأت الهجمة تشتد على التجمعات السكانية التي باتت ترتفع وتيرتها الآن ليعيش الفلسطيني أبشع فصول التهجير والتطهير العرقي أكثر مما عاشته جنوب أفريقيا.
وأوضح أن هناك تصعيداً في الاعتداءات الاستيطانية بهدف الضغط على التجمعات السكانية الفلسطينية؛ إذ وثقت المؤسسات الحقوقية أكثر من 700 اعتداء خلال الثلث الأول من العام الحالي 2024.
إعادة إنتاج لعصابات الهاغانا
تابع مليحات بأن نوعية الاعتداءات والجرائم التي ينفذها المستوطنون هي إعادة إنتاج لعصابات الهاغانا، التي نشطت في عام 1948 ضد الفلسطينيين، حيث يقيم المستوطنون كمائن في ساعات الفجر ويقومون بالهجوم على السكان أو ماشيتهم.
وقال إن "العائلات الفلسطينية لا تستطيع النوم، لأنه إذا كانت هناك غفلة قد يفيق الأهالي على جرائم قتل أو إحراق أو سرقة ماشيتهم أو قتلها، بالتالي يقضون الليل مستيقظين".
كما أن المستوطنين بعد رصد وتوثيق، تبين أنهم يتدربون ويتعلمون على كيفية ترحيل السكان، والاعتداء عليهم وعلى أطفالهم.
يستغل المستوطنون الظروف الحالية في الضغط على السكان الفلسطينيين في مناطق "ج"، حيث برزت سياسات تنتهجها تلك العصابات من خلال محاصرة البدو الذي يعيشون على تربية الماشية، ومن يقوم منهم بإخراج ماشيته يتم مصادرتها، وتغريم صاحبها بمبالغ طائلة، إذ غُرّم أحد السكان بمبلغ 40 ألف دولار، وهذا مبلغ لا يملكه أي منهم، بحسب ما أكده السكان لـ"عربي بوست".
أضاف مليحات أن من يصدر الغرامات والملاحقات هو مجلس المستوطنات، بمعنى أن حكومة الاحتلال أعطت الضوء الأخضر للمستوطنين لتفريغ التجمعات والاستيلاء عليها.
شدد كذلك على أن المستوطنين يقومون بهذا الدور نيابة عن أجهزة الحكومة الإسرائيلية، لترفع عنها الحرج أمام المجتمع الدولي.
بحسب مليحات، تسعى حكومة الاحتلال لضم الأغوار والسيطرة عليها؛ نظراً لأهميتها الاستراتيجية، والبُعد الاقتصادي الهام، كونها مناطق زراعية خصبة ومساحتها الواسعة، في حرب ديموغرافية تصبح فيها الغلبة لوجود المستوطنين على حساب الفلسطينيين.