في عسكرة مستمرة وخطيرة للفضاء قد تؤدي إلى مواجهة مستقبلية، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية في 21 مايو/أيار 2024 أن روسيا وضعت قمراً صناعياً كسلاح يعتقد أنه يتمتع بقدرة مضادة للأقمار الصناعية (ASAT) في مدار أرضي منخفض (LEO) في نفس مدار قمر صناعي أمريكي.
ومع تزايد التنافس على الفضاء والمدار الأرضي المنخفض وكونهما جزءاً حيوياً من البنية التحتية العسكرية من خلال أقمار الاتصالات والمراقبة، يتزايد خطر تحول الفضاء إلى جزء من صراع مستقبلي بين القوتين النوويتين، كما يقول موقع airforce-technology الأمريكي.
ما هي القدرات النووية الروسية في الفضاء؟
في عام 2007، أجرت الصين اختباراً لسلاح مضاد للأقمار الصناعية لتدمير أحد أقمارها الصناعية باستخدام مركبة قتل حركية، ما أدى إلى تحطيم المنصات وتناثر الآلاف من قطع الحطام في مدارات فوضوية جديدة.
واختبرت روسيا أيضاً أنظمة أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وكان آخرها في عام 2021 عندما دمرت إحدى منصاتها المتوقفة عن المدار الأرضي المنخفض، حيث أدت سحابة الحطام إلى تلوث البيئة المدارية المعقدة بالفعل حول الأرض ونثر الحطام.
وفي إشارة أخرى إلى طبيعة المدار الأرضي المنخفض المتنازع عليه عسكرياً، أكد متحدث باسم البنتاغون، في 21 مايو 2024، أن روسيا وضعت قمراً صناعياً في نفس مدار منصة أمريكية، معتبراً أنه سلاح يمتلك قدرة مضادة للأقمار الصناعية.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية: "ما أتتبعه هنا هو أنه في 16 مايو/أيار 2024 أطلقت روسيا قمراً صناعياً إلى مدار أرضي منخفض، ونعتقد أنه من المحتمل أن يكون سلاحاً مضاداً للفضاء قادراً على مهاجمة أقمار صناعية أخرى في مدار أرضي منخفض".
وأضاف: "نشرت روسيا هذا السلاح الجديد المضاد للفضاء في نفس مدار قمر صناعي تابع للحكومة الأمريكية، وتشير التقييمات أيضاً إلى خصائص تشبه الحمولات الفضائية المضادة التي تم نشرها مسبقاً في عامي 2019 و2022".
المتحدث الأمريكي صرح بأن البنتاغون "سيواصل مراقبة" الوضع لكنه لم ينكر أن المنصة الروسية يمكن أن تشكل تهديداً للأقمار الصناعية الأمريكية. وقال: "إنه سلاح مضاد للفضاء في نفس مدار قمر صناعي حكومي أمريكي".
أمريكا: روسيا تطور قدرات نووية في الفضاء
في أبريل/نيسان 2024، استخدمت روسيا أيضاً حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو الدول الأعضاء إلى عدم نشر أسلحة الدمار الشامل (الأسلحة النووية) في الفضاء. إن أي نشر للأسلحة النووية في المدار الأرضي المنخفض سيكون له تأثير كبير على أمن الفضاء وتضاؤل الأمل في استبعاد المجال من التهديدات التي تشكلها الأرض.
وفي رد بتاريخ 6 مايو/أيار حذر الممثل الأمريكي البديل للشؤون السياسية الخاصة لدى الأمم المتحدة روبرت وود من أن روسيا لديها بالفعل "عدة أسلحة مضادة للأقمار الصناعية" موجودة بالفعل في المدار، وأن موسكو "هددت مراراً وتكراراً" باستهداف الأقمار الصناعية بالأسلحة، بما في ذلك المنصات الفضائية التجارية.
يقول الأمريكيون إن هناك معلومات موثوقة تفيد بأن روسيا تعمل على تطوير قمر صناعي جديد يحمل جهازاً نووياً. وسبق أن قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علانية إن روسيا ليس لديها أي نية لنشر أسلحة نووية في الفضاء. لو كان الأمر كذلك، لما استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد هذا القرار.
أمريكا تستعد لأسوأ السيناريوهات
في عام 2021، غيّر حلف شمال الأطلسي صياغة المادة 5، التي بموجبها يؤدي الهجوم على أحد الأعضاء إلى إثارة رد فعل تلقائي من قبل جميع الأعضاء الآخرين، لتشمل الأنشطة في المجال الفضائي.
في السنوات الأخيرة، أنشأت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة هياكل القيادة الفضائية الخاصة بها لتوفير المزيد من التركيز الاستراتيجي على مجال الفضاء.
وفي منتصف مايو/أيار، دعا مايك تورنر (رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب) البيتَ الأبيض لرفع السرية عن المعلومات الاستخبارية المتعلقة "بتهديد خطير للأمن القومي" وقالت محطات إذاعية وصحف إن الأمر يتعلق بنظام نووي روسي فضائي، لم يتم نشره بعد، مشيرة إلى أنه يمكن أن يعرض الأقمار الصناعية لأميركا وحلفائها للخطر.
وتقول مجلة إيكونوميست البريطانية إن الكثير من التقارير حول القدرات النووية الروسية في الفضاء متناقضة، ولكن هناك 3 احتمالات أمريكية: أولها هو أن روسيا تمتلك سلاحاً نووياً "منبثقاً" مصمماً لتدمير الأقمار الصناعية سيتم وضعه على الأرض ولا يطلق إلا عندما يكون استخدامه وشيكاً، وربما لديها سلاح نووي يتمركز في المدار، وربما تمتلك قمر صناعي يعمل بالطاقة النووية وهو ليس قنبلة في حد ذاته، ولكنه يستخدم الطاقة النووية لتشغيل نوع آخر من الأجهزة.
وأشارت المجلة في تقرير سابق إلى أن تخطيط روسيا لنشر سلاح نووي في مدار كامل، بدلاً من نطاق "جزئي" لا يكون الدوران فيه حول الأرض بالكامل، ينتهك معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، كما أن التفجيرات النووية في الفضاء محظورة بموجب معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية التي وقعت عليها روسيا عام 1963.
وفكرة استخدام مفاعل نووي لتشغيل القمر الصناعي قديمة، إذ وضعت واشنطن مفاعلاً نووياً في المدار عام 1965، ثم أرسل الاتحاد السوفييتي (السابق) أكثر من 40 قمراً صناعياً من هذا النوع، وقد سمح ذلك للأقمار الصناعية بحمل رادارات أكثر قوة، واليوم سُيسمح للأنظمة الروسية بحمل أجهزة تشويش أكثر قوة.
وبغض النظر عن الشرعية، فإن هذا السلاح سيكون مدمراً وعشوائياً؛ لأن الإشعاع الشديد الناتج عن الانفجار النووي لا يؤدي على الأرض إلى إتلاف نفسه فحسب، بل يخلف أيضاً موجة انفجارية ضخمة، ويخلف دماراً هائلاً. أما في الفضاء فيمكن أن يؤدي النبض الكهرومغناطيسي الناتج عن انفجار مداري إلى إتلاف الأجهزة الإلكترونية الموجودة على الأقمار الصناعية في جزء كبير من الفضاء.