ليس فقط الاحتجاجات، ولكن استطلاعات الرأي الكثيرة تظهر تحولاً جذرياً فيما يتعلق بالموقف الشعبي الأمريكي من إسرائيل، وخصوصاً من أبناء "جيل زد"٬ وذلك بعيداً عن الدعم غير المشروط من الإدارة الأمريكية لإسرائيل. فهل سيغير "الجيل زد" سياسة أمريكا الخارجية تجاه إسرائيل؟
مناهضة إسرائيل لدى جيل زد الأمريكي.. "مؤشرات مثيرة للقلق"
يقول جيمس دورسو، الباحث بمعهد واشنطن وضابط البحرية الأمريكي السابق٬ في مقالة تحليلية له بموقع responsible statecraft الأمريكي٬ إن امتلاك الأمريكيين من جيل زد لآراء فريدة في السياسة الخارجية ليس بالأمر الجديد، لكن الاحتجاجات الأخيرة التي قادها الطلاب بشأن الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة٬ سلطت الضوء على الاختلافات بين الأجيال في هذا البلد وقد تنذر بإبعاد سياسي مستقبلي للولايات المتحدة في سياستها طويلة الأمد٬ عن حليفتها إسرائيل.
وبحسب دورسو٬ قد تكون بعض المؤشرات مثيرة للقلق. بصرف النظر عن إظهار المزيد من الدعم لوقف إطلاق النار ومعاقبة إسرائيل مقارنة بفئاتهم الأكبر سناً، فإن أغلبية من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً٬ بحسب استطلاع للرأي أجرته جامعة هارفارد / هاريس الذي أجري في ديسمبر/كانون الأول الماضي٬ يعتقدون أن اليهود "كطبقة" هم مضطّهِدون (بنسبة 67٪)، وأن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول مبرَّر بسبب مظالم الفلسطينيين (بنسبة 60%). ولكن بعد ذلك، وجد الاستطلاع أيضاً أن 78% من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً يعتقدون أن لإسرائيل الحق في الوجود٬ أي بعد توسيع شريحة الأعمار.
%20 من أبناء جيل زد الأمريكي يؤيدون توفير الأسلحة للفلسطينيين
في الوقت نفسه، وجد استطلاع للرأي أجرته POLITICO-Morning Consult في أبريل/نيسان الماضي٬ أن "15% فقط من جيل زد قالوا إنهم أكثر تعاطفاً تجاه الإسرائيليين، مقارنة بـ 40% من جيل طفرة المواليد" (الذين وُلدوا بين عامي 1946 و 1964 ويسمون Baby boomers)، وقال 24% من جيل زد إن هذه قضية رئيسية من شأنها أن تؤثر على أصواتهم٬ مقابل 11% للناخبين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً.
كما يؤيد حوالي 20% من أبناء جيل زد الأمريكي توفير الأسلحة للفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم٬ مقابل 2% من المشاركين بالاستطلاع الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً.
وفي أبريل/نيسان، أفاد مركز بيو للأبحاث بأن "ثلث البالغين تحت سن 30 عامًا يقولون إن تعاطفهم إما كليًا أو معظمه مع الشعب الفلسطيني، بينما يقول 14% إن تعاطفهم يكمن كليًا أو معظمه مع الشعب الإسرائيلي. ومن المرجح أن تتعاطف الفئة الأكبر سناً مع الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين.
في نوفمبر/تشرين الثاني، أفاد معهد بروكينغز بأنه "حتى قبل عملية حماس في السابع من أكتوبر، كانت هناك اختلافات واضحة بين الأجيال في مواقف الأمريكيين تجاه إسرائيل"، مضيفًا أن 41% فقط من أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه إسرائيل، مقارنة بـ 69% من الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر.
كيف حدث هذا التحول عند جيل زد الأمريكي؟
جيمس دورسو أن هذا الأمر لم يأتِ من فراغ٬ مضيفاً أن وسائل الإعلام الجديدة قد استفادت، وهي في الوقت نفسه تتغذى على هذه الأصوات الشابة وعاداتهم الاستهلاكية. ولم تعد إسرائيل قادرة على التحكم في تدفق المعلومات والرسائل.
حيث إن القبلية الشبكية، "تتجاوز وسائل الإعلام التقليدية من خلال تقديم المعلومات والإطار الأخلاقي مباشرة للأشخاص الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية". على سبيل المثال٬ في تطبيق TikTok، يحتوي هاشتاغ #freepalestine على 31 مليار مشاركة مقارنة بـ 590 مليون مشاركة لـ #standwithisrael، مما دفع صحفاً مثل "العربي الجديد" إلى القول إن "التضامن مع فلسطين فاز بالإنترنت".
بالمناسبة، الولايات المتحدة لديها أكبر عدد من مستخدمي تيك توك٬ 116.5 مليون مستخدم؛ وأفاد استطلاع أجراه مركز بيو أواخر العام الماضي بأن حوالي ثلث الشباب الأمريكيين يحصلون على أخبارهم من تطبيق TikTok.
في الآونة الأخيرة، تحدث السيناتور الأمريكي ميت رومني (جمهوري من ولاية يوتا) ووزير الخارجية توني بلينكن بشأن "التأثير السلبي" لوسائل التواصل الاجتماعي على استدامة الخطاب المؤيد لإسرائيل؛ حيث تطوع رومني لقيادة حملة تصويت في الكونغرس على حظر تطبيق TikTok.
ويقول دورسو إن هؤلاء السياسيين لا يحبون حقيقة أن 50% من الشباب الأمريكيين يثقون في الأخبار الواردة من وسائل التواصل الاجتماعي بقدر ما يثقون في وسائل الإعلام القديمة، وأن المزيد من الطلاب المحتجين يعتمدون على وسائل الإعلام الأجنبية مثل قناة الجزيرة، التي تنفرد في تغطية الأوضاع على الأرض٬ حتى منعت إسرائيل الشبكة من العمل هناك في أوائل شهر مايو/أيار.
الشباب الأمريكيون اكتشفوا أن إسرائيل "غير مستضعفة" في الشرق الأوسط
لا يمكن النظر إلى الجيل زد باعتباره كتلة واحدة، ولكن إذا جمعنا استطلاعات الرأي معاً، يبدو أن الأمريكيين الأصغر سناً يتساءلون أكثر عن سبب وجود علاقة غير مشروطة مع إسرائيل. وقد يكونون، الذين نشأوا في ظل حربي العراق وأفغانستان، أكثر تشككاً بشأن احتمال حدوث حملة أخرى لمكافحة التمرد على حساب المدنيين، أو الأضرار الجانبية، وهو ما أصبح المصطلح الفني خلال سنوات الحرب العالمية على "الإرهاب".
تساور الشكوك الشباب الأمريكيين عن حق عندما يرون ضباط الجيش المتقاعدين – نفس الأشخاص الذين قادوا إلى إخفاقات العراق وأفغانستان – على شاشة التلفزيون وهم يدعمون 175 مليار دولار لأوكرانيا لدورها كوكيل للولايات المتحدة في الحرب بين الناتو وروسيا، وأكثر من 300 مليار دولار لإسرائيل.
وهذه الأموال يعتقد الشباب الأمريكي أنه ينبغي إنفاقها على "بناء الأمة هنا في الوطن". ونظراً لتوافر المعلومات اليوم، لا يمكن للشباب الأمريكيين أن يجهلوا حقيقة أن إسرائيل أبعد ما تكون عن كونها مستضعفة في المنطقة كما يتم تصويرها، فهي تمتلك أسلحة نووية، وهي أحدث جيش في المنطقة، وتحصل على تفويض مطلق من واشنطن عبر ما يقرب من 4 مليارات دولار من المساعدات العسكرية كل عام.
الحقائق وواقع "الجيل زد" قد يغيران سياسة أمريكا الخارجية تجاه إسرائيل
أضف هذا إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها هؤلاء الشباب في حياتهم اليومية: يعاني الجيل زد الأمريكي من مستويات عالية من الاكتئاب والقلق٬ حيث إنهم يشعرون أن فرص عملهم محدودة، وأن الحلم الأمريكي أصبح بعيد المنال.
ولكن هناك المزيد من الأخبار القاتمة: تبلغ ديون أمريكا ما يقرب من 35 تريليون دولار، أي أكثر من 100 ألف دولار لكل مواطن؛ وتم مؤخراً خفض تصنيف سنداتها إلى AA+؛ وترتفع تكاليف الاقتراض، وتضاعفت تكاليف الفائدة على الديون تقريباً لتصل إلى 659 مليار دولار على مدى عامين. وبالإضافة إلى ذلك، يتحمل الضمان الاجتماعي التزامات غير ممولة تبلغ ما يقرب من 66 تريليون دولار أمريكي، وهو يقترب من الإفلاس، وربما يستنزف احتياطياته بحلول عام 2033. وتبدو الأمور قاتمة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي ككل.
ثم هناك ديون القروض الطلابية بقيمة 1.75 تريليون دولار (بما في ذلك القروض الفيدرالية والخاصة)، أي 28.950 دولاراً مستحقاً لكل مقترض في المتوسط.
وسيكون من الحكمة أن يعيد كل من الجمهوريين والديمقراطيين التفكير في دعمهم غير المشروط لإسرائيل، لأن دعم هذه الفئة السكانية لها لم يعد أمراً مسلماً به٬ بحسب دروسو.
وجزء كبير منها أيضاً هو الفجوة الواضحة بين مُثُل إسرائيل المعلنة و"الحقائق على الأرض". ووفقاً لرشيد الخالدي من جامعة كولومبيا، يشعر العديد من الطلاب "بالواجب الأخلاقي" لدعم الفلسطينيين وقد لا يكون من السهل ردعهم. وجناحهم الأيسر محمي بينما يتظاهر المزيد من اليهود الأمريكيين ويطالبون بوقف إطلاق النار في غزة.
وعندما يبدأ أفراد جيل زد في الترشح لمناصب سياسية ويصوّتون بقوة أكبر، فقد يشرعون في مهمة لتجديد شباب أمريكا من خلال الاستجابة أولاً لتحذير جورج واشنطن والتخلص من "الارتباط العاطفي" بأمة أخرى "تنتج مجموعة متنوعة من الشرور". ومن الممكن أن يعرضوا أمريكا للخطر من خلال خلق "وهم المصلحة المشتركة… حيث لا توجد مصلحة مشتركة"٬ بحسب تعبير الكاتب الأمريكي.