ربما لن يغير الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية -أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة- يوم الجمعة 24 مايو/أيار 2024 مسار الحرب في قطاع غزة على الفور، حيث أمرت المحكمة إسرائيل بوقف هجومها العسكري في رفح جنوب قطاع غزة٬ لكنه ينضم إلى سلسلة متزايدة من الإجراءات الدولية التي تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب٬ كما يقول عاموس هرئيل، أبرز كتاب صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
ويرى هرئيل أن قرار العدل الدولية٬ إلى جانب طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي٬ إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت٬ يزيد من تعقيد موقف إسرائيل العالمي والدبلوماسي بشكل مثير للقلق ويضعها في موقف صعب٬ فيما لا تزال حماس لها اليد العليا في المفاوضات٬ ويبدو أنها ليست في عجلة من أمرها.
إسرائيل مأزومة وحماس ليست في عجلة من أمرها
وابتهج المسؤولون الإسرائيليون الأسبوع الماضي بما وصفوه "تخفيف حساسية الموقف الأمريكي تجاه عملية رفح"٬ بعد أن أدت تهديدات قوات الاحتلال إلى نزوح ما يقرب من مليون مدني فلسطيني محتشدين في المدينة بقية مناطق قطاع غزة المدمرة مثل خانيونس. وعدلت إدارة بايدن انتقاداتها العلنية للعملية واستبدلت الضوء الأحمر (الذي كان يتجاهله نتنياهو) بضوء أصفر٬ حيث توقعت إدارة بايدن أن تظهر إسرائيل الحذر وتتجنب سقوط أعداد كبيرة من المدنيين، بطريقة تشبه إلى حد ما الامتثال لقرار المحكمة٬ كما يقول هرئيل.
وتواصل واشنطن مراقبة التطورات العسكرية على مضض، وهي لا تتعجل في تجديد شحنات الأسلحة إلى إسرائيل التي أخّرتها في أوائل أيار/مايو بسبب عملية رفح. لكن هناك مشكلة أخرى تتعلق بقوافل المساعدات إلى قطاع غزة، وخاصة إلى منطقة رفح. لذلك يضغط بايدن بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية لغزة القادمة من مصر عبر معبر كرم أبو سالم٬ ووعد بدعم المباحثات المصرية الإسرائيلية لإعادة فتح معبر رفح الذي سيطرت عليه إسرائيل وأغلقته قبل نحو أسبوعين.
وشمل تكثيف الجهد العسكري الإسرائيلي خلال نهاية الأسبوع غارات واسعة النطاق في رفح وجباليا ووسط قطاع غزة. وفي حين لا توجد تحركات فورية دولية لكبح جماح الجيش الإسرائيلي، إلا أن هناك خطرين على المدى الطويل: إنهاء الحرب دون حل لأزمة الأسرى لدى حماس مع تعقيد وضع إسرائيل الدبلوماسي والعالمي، وإغفال اقتراح إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق أمريكي سعودي إسرائيلي شامل.
واجتمع مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون وقطريون في باريس يوم الجمعة لمناقشة احتمال استئناف المحادثات بشأن صفقة تبادل الأسرى. ويقول هرئيل٬ إنه بعدما تباطأت الحكومة الإسرائيلية لعدة أشهر وظنت أن لها اليد العليا إلى حد ما على حماس، انقلبت المواقف. والآن يبدو أن حماس ليست في عجلة من أمرها، وهي تضع شروطها في المفاوضات. ولكن بعيداً عن الخلاف حول عدد الرهائن الأحياء الذين سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة "الإنسانية" الأولى من الصفقة، فإن حماس لم تتزحزح عن مطلبها الأساسي: الالتزام الحاسم بإنهاء الحرب كشرط لإطلاق سراحهم والتفاوض.
ومن المحتمل أن تتقدم حماس بمزيد من المطالب في المستقبل، طالما أنها تشعر أن لديها الأفضلية، لكن هذا قد ينهي المحادثات. ويقول عدد متزايد من مسؤولي الحرب إن إسرائيل ليس أمامها حاليا سوى خيارين: التوصل إلى اتفاق أو استمرار الحرب. ليس هناك طريق ثالث.
وحتى الآن لا يزال هناك 125 رهينة في قطاع غزة. ووفقاً للأرقام الرسمية للجيش الإسرائيلي، تم الإعلان عن وفاة 39 منهم، ولكن من المفترض أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. وهناك العشرات من الرهائن الذين لم تصل إليهم أية إشارة للحياة منذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول.
"تعفن" في الحكومة الإسرائيلية ووحدات الجيش
في الوقت نفسه٬ يقول هرئيل إنه في نهاية هذا الأسبوع، ناضل "محاربو لوحة المفاتيح" الداعمون لنتنياهو -بمن فيهم الصحفي ينون ماجال ويائير نتنياهو- بقوة من أجل ضمان الانتشار الواسع لفيديو مثير للجدل٬ حيث زعم جندي يخفي وجهه أن جنود الاحتياط في الجيش وعددهم "100 ألف"، يعلنون الولاء لنتنياهو فقط ويهددون بأنهم سيرفضون مغادرة غزة إذا سلمت الحكومة السلطة في قطاع غزة إلى أي هيئة فلسطينية عندما تنتهي الحرب. كما هاجم ذلك الجندي الوزير يوآف غالانت ودعاه إلى الاستقالة.
رداً على ذلك، أمر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتزل هاليفي (الذي دعا الجندي في الفيديو إلى تجاهل أوامره) بإجراء "حوار نقاش على مستوى القيادة" مع وحدات الجيش حول ما قيل في الفيديو. لكن يبدو أن هاليفي والقيادة العسكرية العليا استيقظوا بعد فوات الأوان؛ حيث فقدت هيئة الأركان السيطرة على الوحدات، وخاصة الوحدات الاحتياطية، منذ أشهر٬ كما يقول عامول هرئيل.
وفي غزة والضفة الغربية وفي إسرائيل، يصور الجنود أنفسهم وهم يدمرون الممتلكات الفلسطينية والبنية التحتية المدنية، ويفجرون المنازل دون إذن، ويحرقون المكتبات والمساجد وغيرها٬ وينشرون رسائل سياسية مرتبطة باليمين المتطرف. ما يتم تصويره وتوزيعه ليس سوى غيض من فيض: فالغالبية العظمى من الجرائم ترتكب خارج نطاق الكاميرات، وفي الغالبية العظمى من هذه الحالات، يرد الجيش بشكل ضعيف، أو لا يرد على الإطلاق بحسب عامول هرئيل٬ وبعض هذه الحوادث أصبحت تخدم ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية لاهاي كدليل على الاتهامات الموجهة ضد إسرائيل. بالتالي وضعت إسرائيل نفسها في هذا المأزق ولا تزال دون رادع بسبب انتشار التعفن داخل الحكومة.