جاء الإنذار الذي وجهه الوزير الإسرائيلي بيني غانتس لنتنياهو لكي يضع خططاً لما بعد الحرب في غزة، مع المضي قدماً في صفقة لإطلاق الأسرى، ليثير تساؤلات حول مدى فاعلية تهديدات غانتس، وهل يستطيع أن يوجه ضربة قاضية لحكومة نتتياهو، وما هي فرص استمرار أو انهيار هذه الحكومة.
وهدد بيني غانتس، رئيس حزب الوحدة في مؤتمر صحفي، عقده أمس السبت بترك حزبه للحكومة حال لم تتم بلورة خطة واضحة وشاملة حتى 8 يونيو/حزيران القادم لتحقيق ما وصفه بـ"الانتصار في الحرب، مع تقويض حكم حركة حماس في غزة، وإعادة الأسرى المحتجزين بغزة"، واصفاً مقترح الصفقة الأخيرة أنه متوازن وقابل للتطوير، ثم زعم أن زعيم حماس في غزة يحيي السنوار هو الذي عرقله، متجاهلاً أن حماس وافقت عليه بينما رفضته إسرائيل رغم أن المقترح في الأصل إسرائيلي أمريكي.
وتدعو خطة غانتس، إلى إقامة إدارة عربية أوروبية فلسطينية لقطاع غزة، بسيطرة أمنية إسرائيلية، كما تشمل الخطة، ضمان إعادة سكان شمالي إسرائيل على الحدود اللبنانية إلى منازلهم بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، وتعزيز التطبيع مع الدول العربية، في إطار جهد شامل لخلق تحالف ضد إيران بالمنطقة، واعتماد مخطط الخدمة العسكرية الذي يتضمن تجنيد المتدينين.
ودعا يائير لابيد زعيم المعارضة الإسرائيلية غانتس وحليفه غادي آيزنكوت إلى الانسحاب فوراً من الحكومة معتبراً أن بقاءهما فيها سبب لاستمرارها، في المقابل هاجم نتنياهو تصريحات غانتس، عبر بيان أصدره مكتبه قائلاً: "بينما يقاتل جنودنا لتدمير كتائب حماس في رفح (جنوب قطاع غزة)، يختار غانتس إصدار إنذار نهائي لرئيس الوزراء بدلاً من إصدار إنذار نهائي لحماس". واصفاً "الشروط التي وضعها غانتس بأنها كلمات معسولة ومعناها واضح: نهاية الحرب وهزيمة إسرائيل، وإطلاق سراح معظم الأسرى، وترك حماس سليمة، وإقامة دولة فلسطينية".
كما دعا حليف نتنياهو المتطرف وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، اليوم الأحد 19 مايو/أيار 2024، إلى إقالة وزير الجيش يوآف غالانت، والوزير بمجلس الحرب بيني غانتس.
إنذار بيني غانتس جاء بعد انتقادات حادة من وزير دفاع نتنياهو
ويأتي إنذار بيني غانتس بعد ثلاثة أيام فقط من انتقاد علني نادر من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عضو الليكود البارز لخطط خطط لاحتلال غزة وحكمها بشكل مباشر، محذراً من أنها ستكون دموية بالنسبة لإسرائيل، داعياً إلى إيجاد حكم فلسطيني غير معاد لإسرائيل في غزة، حسب وصفه.
تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو سبق أن عزل غالانت من حقيبة الدفاع بسبب انتقاداته للتعديلات القضائية التي نفذتها حكومته وتحذيره من تأثيرها على الجيش الإسرائيلي، قبل أن يعيده إليها بسبب الانتقادات الحادة لقراره.
وتعني هذه المواقف أن زملاء نتنياهو في حكومة الحرب المكونة من ثلاثة وزراء أقوياء (غانتس وغالانت وآيزنكوت) قد أبلغوا الجمهور الإسرائيلي أن رئيس وزراءهم يقود الدولة إلى كارثة، حسبما ورد في تقرير لموقع The Times of Israel.
ويأتي كل ذلك على وقع مظاهرات واسعة يقودها أهلى الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، والتي بدأ بعضها يطالب بإسقاط نتنياهو.
وبيني غانتس الذي يتزعم حزب الوحدة الوطنية هو رئيس سابق لأركان الجيش الإسرائيلي وكان معارضاً لنتنياهو وفشل في هزيمته مراراً في الانتخابات خلال السنوات الماضية، ولكنه انضم إلى حكومة نتنياهو عبر تحالف طارئ تشكل بعد عملية طوفان الأقصى، ولعب دوراً عبر عضويته في مجلس الحرب في توجيه العمليات العسكرية في غزة.
ولكن بيني غانتس قال في إنذاره لنتنياهو إن فوائد تلك الشراكة تبددت منذ فترة طويلة. والآن يفشل نتنياهو في تنفيذ "أعمال القيادة اللازمة لضمان النصر"، حسب تعبير غانتس.
وسبق أن دخل بيني غانتس في تحالف مع نتنياهو قبل سنوات على أساس أن يتناوبا رئاسة الحكومة ولكن الأخير أخل بالاتفاق.
منذ بداية الحرب والمحللون يتوقعون قرب نهاية حياة نتنياهو السياسية
ومنذ أشهر كانت هناك مطالبات لغانتس بالخروج، رغم أن خروجه لن يؤدي لسقوطه بشكل آلي، لأن غانس وآيزنكوت قد انضما لحكومة طوارئ كوزيرين بلا حقائب وزارية ولكن كعضوين في مجلس الحرب، ولكن الحكومة قبل انضمامهما كان لديها أغلبية برلمانية ما زالت تدعمها.
ونتنياهو هو أطول رئيس وزراء حكم إسرائيل، حيث بقي في المنصب بين عامي 1996 و1999، ثم قاد إسرائيل مرة أخرى منذ عام 2009 حتى اليوم باستثناء عام واحد.
ومنذ بداية الحرب كان هناك شعور عام بين المحللين الإسرائيليين بأن نتنياهو يقترب من نهاية حياته السياسية. فالناخبون الإسرائيليون لا يغفرون ولا ينسون الإخفاقات الأمنية – وهذا هو الإخفاق الأكبر في تاريخ البلاد، مع وجود دليل مهم على مسؤوليته الشخصية، كما أن هناك انتقادات لمعالجته لأزمة النازحين الإسرائيليين جراء الحرب.
لكن الحرب تدخل في شهرها الثامن، وما زال نتنياهو يحكم إسرائيل وهناك يكاد يكون شبه اتفاق على أنه يطيل أمد الحرب ويفشل التفاوض حول صفقة للأسرى ووقف إطلاق النار من أجل الاستمرار في السلطة لأطول فترة ممكنة، خوفاً من محاكمته المحتملة لو فقد السلطة.
إليك سيناريوهات احتمال انهيار حكومة نتنياهو
رغم هذا الإحساس فإن لا حد يعرف وكيف متى يمكن أن تسقط حكومة نتنياهو أو على الأقل أن يخرج السلطة كما يقول منافسوه.
وتستند حكومة نتنياهو قبل أن ينضم لها حزب غانتس، إلى ائتلاف غير مسبوق في تطرفه، له 64 نائباً من بين 120 نائباً بالكنيست، وبالتالي لكي تتم إقالة نتنياهو فسيتعين على حلفائه السياسيين إجباره على التنحي.
فالطريقة الوحيدة المعقولة لرؤية تغيير في الحكومة تتلخص في تصويت خمسة أعضاء على الأقل من الائتلاف الحاكم الذي كان يتزعمه نتتياهو قبل الحرب ضده في الكنيست، أي يعتمد الأمر على قرارات عدد قليل من المشرعين الذين لن يتحدثوا علناً قبل أن يتصرفوا.
لهذه الأسباب تبدو مسالة إقالة نتنياهو ليست سهلة
وبالتالي يمكن لنتنياهو ببساطة في حالة عدم حدوث هذا السيناريو أن يتجاهل غانتس ويعود إلى ائتلافه الأساسي الذي يضم 64 عضواً قبل الحرب، وهي أغلبية برلمانية مريحة بالمعايير الإسرائيلية، كما أنها أقل تنافراً من الناحية الأيدولوجية لأنها كلها تجنح لليمين المتطرف، بل الأقل تطرفاً بها هو حزب الليكود.
كما أن بعض أحزاب هذه الحكومة قد تراجعت شعبيتها بشدة، مثل حزب البيت اليهودي الذي يتزعمه وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الأمر الذي يجعلها تتجنب مخاطرة إسقاط الحكومة والذهاب للانتخابات؛ حيث يقال إن هذا الحزب لن يدخل الكنيست لو أجريت الانتخابات في الوقت الحالي.
ومن غير المقرر إجراء الانتخابات الإسرائيلية المقبلة قبل عامين ونصف، وليس هناك سوى احتمالات ضئيلة بأن يستقيل نتنياهو بمحض إرادته قبل ذلك الوقت، حسبما ورد في تقرير لموقع Vox الأمريكي.
ويضم ائتلاف نتنياهو الحاكم الذي تشكل قبل الحرب وهو يتألف من حزب الليكود اليميني، وقائمة الصهيونية الدينية اليمينية المتطرفة، وحزبين متشددين دينيين (شاس ويهدوت هتوراة).
في ظل الظروف العادية، سيكون من الصعب تصور تفكك هذا الائتلاف.
ولكن ينظر البعض إلى الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة مثل (شاس ويهدوت هتوراة)، التي تمكنها مواقفها السياسية المرنة بشأن العديد من القضايا غير الدينية من الانضمام إلى حكومات أكثر وسطية، على أنها الفصائل الأكثر احتمالاً لدعم حملة لإجراء تصويت بحجب الثقة عن نتنياهو.
"وقد ينضم وزراء ونواب من حزب الليكود إلى مثل هذه المبادرة. لكن مفتاح نجاحها يقع على عاتق الأرثوذكس المتطرفين"، حسبما قال وزير رفض الإفصاح عن هويته لصحيفة هآرتس في نهاية أكتوبر/تشرين الأول.
وأضاف "أعضاء الليكود لن ينضموا إلى اليسار فقط للإطاحة بنتنياهو؛ إنهم بحاجة إلى انضمام حزب آخر من الائتلاف الحاكم إليهم".
ولكن هذا الخيار، يعترضه إشكاليات منها أن الأحزاب الدينية المتطرفة مثل (شاس ويهدوت هتوراة)، إضافة للخلافات السياسية، فإنها قلقة من تركيز غانتس على تجنيد المتطرفين دينياً.
هل يتمرد الليكود ضد نتنياهو؟
إن احتمال تمرد الليكود ضد نتنياهو ما زال يبدو ضئيلاً، حتى مع مشاغبات غالانت معه، ولقد صمد نتنياهو على رأس الليكود حتى عندما خرج الحزب لفترة قصيرة من الحكومة (خلال عهد حكومة نفتالي بينت)، كما صمد نتنياهو أمام احتجاجات ما يعرف بالانقلاب القضائي التي كانت الأكبر في تاريخ إسرائيل.
ولسنوات تعمّد نتنياهو، إضعاف فرص خلق قيادة بديلة له في حزب الليكود، فمنذ أن أصبح رئيساً للوزراء للمرة الثانية في عام 2009، لم يقم مطلقاً بتعيين نائب دائم يتولى قيادة البلاد تلقائياً إذا تم عزله بشكل غير متوقع أو عزله من منصبه عن طريق عزله. وبدلاً من ذلك، في كل مرة يسافر فيها إلى الخارج أو يخضع لإجراء طبي تحت التخدير، يعين نتنياهو وزيراً كبيراً مختلفاً من حزب الليكود ليكون بديلاً مؤقتاً له.
وسبق أن قال جوناثان رينهولد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، إن مثل هذه الخطوة يمكن أن تصم المتمردين المحتملين بالخائن، حسبما نقلت عنه صحيفة The Times of Israel.
وأضاف: "لا أحد يريد أن يكون مايكل هيسلتاين"، في إشارة إلى السياسي البريطاني الذي تحدى مارغريت تاتشر عام 1990 على زعامة حزب المحافظين. بدأ هيسلتاين سلسلة الأحداث التي أطاحت بالمرأة الحديدية بعد 11 عاماً، لكنه خسر السباق اللاحق على زعامة الحزب أمام جون ميجور.
أولئك الذين يفكرون في الترشح في نهاية المطاف للقيادة يفضلون أن يلعب مرشح آخر دور هيسلتين ويتحمل المسؤولية، ويمهد طريقهم إلى القمة.
كما أن وزير الدفاع يوآف غالانت يبدو منشقاً ومتمرداً على نتنياهو أكثر منه منافساً على زعامة الليكود، خاصة أن خطابه بات أقرب للوسط الذي يقوده بيني غانتس، سواء فيما يتعلق بدعوته لحكم فلسطيني لغزة (في إشارة لفتح) أو موقفه الداعي لتجنيد اليهود المتطرفين.
وتقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن غالانت أصبح يتصرف وكأنه أخرج مستقبله السياسي من المعادلة.
وإضافة إلى أن سيطرة نتنياهو على الليكود، فإن الحزب نفسه تراجعت شعبيته بمعدل كبير بعد طوفان الأقصى، لصالح حزب غانتس، وبالتالي، قد يخشى أعضاء الحزب إن فككوا الحكومة وذهبوا لانتخابات أن يتعرض لهزيمة كبيرة، في ظل غياب زعامة نتنياهو القوية، وهم يراهنون هم ونتنياهو على أنه كلما زاد الشقة الزمنية بين الانتخابات وبين هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قل كلما تأثيرها الانتخابي، وهو ما ظهر في ارتفاع في شعبية الليكود وتراجع شعبية حزب غانتس مؤخراً، لأول مرة أمام الليكود بعدما كانت بلغت معدلات قياسية، ويبدو أن هذا التراجع نفسه أحد دوافع غانتس للتحرك (مقابل ازدياد شعبية زعيم المعارضة يائير لابيد الذي نأى بنفسه عن نتنياهو).
ووفقاً لاستطلاع جديد أجرته "القناة 14" الإسرائيلية، فإنه لو أجريت انتخابات حالياً فإن كتلة اليمين، التي تشكل الحكومة الحالية ستحصل على 58 مقعداً (مقارنة بـ64 مقعداً حالياً)، فيما سيحصل يمين الوسط بقيادة غانتس ولابيد على 52 مقعداً، والقوى العربية على 10 مقاعد.
ولكن كيف ستصل إسرائيل إلى سيناريو إجراء انتخابات قبل موعدها، هذا هو السؤال.
ويبقى خيار اللجوء للشارع لإجبار نتنياهو للاستقالة، فهو لم يحقق نجاحاً في أزمة الانقلاب القضائي، رغم أنها كانت أكثر إثارة للانقسام.
يعني كل ما سبق أنه رغم أن إنذار غانتس قد يمثل مشكلة لنتنياهو ويضعف شرعية حكومته خاصة في ضوء ثقة الإسرائيليين الكبيرة في غانتس وآيزنكوت عضوي مجلس الحرب في المجال العسكري، ولكن هذا لا يعني بالضرورة إن ذلك قد يؤدي لإقالة نتنياهو من الحكم، فهذا الخيار يستلزم على الأغلب تمرداً داخل ائتلافه ضده.