سببان وراء تأجيل صفقة “رأس جميلة”.. العرض مقدم من شركة سعودية خاصة، ومصر تأمل في جذب استثمارات رسمية 

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/15 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/15 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش
صورة أقمار صناعية لمنطقة رأس جميلة/ Google earth

يتزايد الجدل في مصر حول صفقة رأس جميلة، الصفقة الاستثمارية المتوقعة في منطقة "رأس جميلة" بمدينة شرم الشيخ في محافظة جنوب سيناء، وذلك بعد أن تعثرت مسألة إتمامها، رغم الحديث عن وجود عرض سعودي، وذلك منذ إتمام صفقة مماثلة مع دولة الإمارات العربية المتحدة في منطقة "رأس الحكمة" على ساحل البحر المتوسط.

هذا الأمر أثار تساؤلات عديدة حول أسباب تأجيل الصفقة وعدم الوصول إلى تفاهمات بين الجانبين المصري والسعودي في وقت تسعى فيه القاهرة للاستفادة من التدفقات الدولارية إليها لحل أزمتها الاقتصادية الراهنة، بالإضافة إلى تفاصيل العرض المقدم بالفعل للحكومة المصرية والجهات التي تقف وراءه.

"عربي بوست" حاول الوصول إلى أكبر كم ممكن من الإجابات حول هذه التساؤلات عبر الوصول لمصادر حكومية مطلعة على مسار الصفقة، لمعرفة آخر المستجدات وطبيعة العرض المقدم.

الفرق بين صفقة رأس جميلة ورأس الحكمة

قال مصدر حكومي مطلع، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، إن ملابسات صفقة رأس جميلة تختلف عن الشراكة بين الحكومتين المصرية والإماراتية في منطقة "رأس الحكمة"، وإن التفاوض يجري الآن بين وزارة قطاع الأعمال العام المصرية، وبين شركة خاصة سعودية، وإن مفهوم "الشراكة" قد لا يكون موجوداً في الصفقة المأمولة على ساحل البحر الأحمر، وإن القطاع الخاص السعودي يسعى لشراء أراض لاستثمارها كمشروعات سياحية متنوعة دون أن تحصل الحكومة المصرية على عوائد مستقبلية.

وأضاف المصدر ذاته أن دولة الإمارات حينما تفاوضت مع مصر كان ذلك من خلال صندوقها السيادي وهو ما جعل المحادثات تأخذ الطابع الرسمي على نحو أكبر، وأن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قام بزيارة لدولة الإمارات قبل أسبوعين تقريباً من توقيع الصفقة بحضور عدد من رجال الأعمال المصريين وجرى هندسة الصفقة بشكل سلس.

وأشار إلى أن العوامل السياسية ساعدت في ذلك الحين على تمرير الصفقة في ظل مساعٍ للتقارب بين الإمارات ومصر إثر خلافات سابقة نشبت بفعل الموقف من الحرب الدائرة الآن في السودان.

مصر والإمارات وقعتا مشروعا لتطوير منطقة "رأس الحكمة"

وشدد المصدر ذاته على أن الصفقة الحالية مع المملكة العربية السعودية قد تتعثر في أي لحظة أو يجري إرجاؤها لحين التوافق بين الطرفين، مشيراً إلى أن مجموعة "عجلان وإخوانه" القابضة، التي صنفتها فوربس مؤخراً في المرتبة 32 ضمن أقوى 100 شركة عائلية عربية في هذا العام هي من تخاطب الحكومة المصرية ممثلة في وزارة قطاع الأعمال العام، وهو ما يجعل المفاوضات شاقة وصعبة، خاصة أن الجانب السعودي يرى أن الحكومة المصرية بحاجة إلى مليارات الدولارات لسداد جزء من ديونها هذا العام بقيمة قد تتجاوز 21 مليار دولار.

تأسست مجموعة عجلان وإخوانه عام 1979، حيث أطلقت أعمالها في مجال الأقمشة والمنسوجات في المملكة العربية السعودية بداية بمحل تجاري في سوق الديرة بالرياض، وتم تأسيس شركة أبناء عبد العزيز العجلان للاستثمار التجاري والعقاري (عجلان وإخوانه) عام 2000 وتمتلك واحدة من أكبر المحافظ العقارية في المملكة بأصول تتجاوز 10 مليار دولار أمريكي، كما عملت الشركة العقارية كذراع استثمارية دولية لتصل محفظة استثماراتها إلى 3 مليارات دولار أمريكي في آسيا، وأوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية.

سببان وراء التأجيل

وأكد المصدر الحكومي المطلع أن تأجيل صفقة رأس جميلة جاء لسببين، الأول عدم التوافق على المقابل المالي من جانب، والثاني سعي القاهرة لأحد أشكال الشراكة وعدم البيع دون وجود استفادة مستقبلية.

وذكر أن عدداً من "مؤسسات الدولة المصرية ترفض مسألة البيع الخالص لمنطقة جغرافية كبيرة لأحد المستثمرين"، وهناك رغبة في السير على طريق الصناديق السيادية في جميع دول العالم، والتي تستهدف الحفاظ على ممتلكات الدولة للأجيال القادمة والاستثمار فيها وليس بيعها لسداد جزء من الديون، وتوجه الدفة باتجاه التوسع في الصفقات الاستثمارية التي تجذب رؤوس الأموال الأجنبية مع أهمية التمثيل الحكومي.

كما أن عمليات البيع المباشر تظهر الدولة المصرية في موقف ضعيف وهناك مساعٍ لخلق صورة تبدو فيها الدولة أنها قادرة على التعامل مع المشكلات الاقتصادية الراهنة.

لا تنازل عن الودائع السعودية

واستبعد المصدر ذاته أن تكون المملكة العربية السعودية قد عرضت على مصر التنازل عن ودائعها في البنك المركزي مقابل الاستحواذ على عدد من الشركات الحكومية لإتمام "صفقة رأس جميلة"، مشيراً إلى أن طلب الاستثمار في المنطقة جاء بخطاب من إحدى شركات القطاع الخاص وليس من الحكومة السعودية.

تمتلك السعودية ودائع بالبنك المركزي، وصلت قيمتها لنحو 10.3 مليار دولار، تتوزع بين 5.3 مليار دولار ودائع متوسطة وطويلة الأجل، و5 مليارات دولار ودائع قصيرة الأجل.

وكانت تقارير إخبارية قد أشارت إلى أن المملكة عرضت التنازل عن تلك الودائع في مقابل إتمام الصفقة، وهو ما نفاه المصدر، إلى جانب الاستحواذ على شركة "سيرا" للتعليم، وهي شركة متخصصة في قطاع الخدمات التعليمية في مصر، تقوم بتشغيل 27 مدرسة مملوكة لها، إضافة إلى نحو 5 شركات أخرى في قطاعات مختلفة مثل التطوير العقاري والصحة والطاقة والكهرباء والخدمات المالية والأغذية.

وشدد مستشار اقتصادي مطلع في الحكومة على أن دخول دولة الإمارات بشكل مباشر على خط صفقة رأس الحكمة سهل عملية تحويل ودائعها إلى قيمة مالية ضمن الصفقة، وهو أمر لا يتوفر في "صفقة رأس جميلة"، مشيراً إلى أن اعتماد الحكومة المصرية على وزير قطاع الأعمال من خلال شركة قابضة للتفاوض مع الجانب السعودي أكبر دليل على كونها لم تخرج من إطار المستثمرين السعوديين والذين يمثلون القطاع الخاص.

اللعب على عامل الوقت

وأوضح المصدر الحكومي المطلع ذاته أن القاهرة تراهن على عامل الوقت للوصول إلى مبتغاها وتسعى للحصول على استثمارات بقيمة 15 مليار دولار في تلك المنطقة، وهو الأمر ذاته التي تلعب عليه المجموعة السعودية التي تنتظر إقدام الحكومة على سداد ديونها ومن ثم تحرك سعر الصرف في السوق وحدوث انخفاض جديد في قيمة الجنيه، وفي ذلك الحين يمكن أن تُملي شروطها وتدرك بأن القاهرة قد تقبل في ذلك الحين للحفاظ على قدر من الاستقرار في قيمة العملة وضمان عدم حدوث اضطرابات جديدة في الأسواق.

فيما ذكر المستشار الاقتصادي الحكومي إلى أن مصر قد تلجأ إلى إرجاء صفقة رأس جميلة إذا أنهت مفاوضاتها التي تجريها حالياً مع صندوق الثروة السيادي القطري بشأن الاستثمار في مناطق سياحية أخرى أيضاً بالقرب من منتجع شرم الشيخ، وأن الصفقة قد تشمل أيضاً الاستحواذ على الحصة المصرية في شركة فودافون للاتصالات، ولم يتم تحديد قيمة الصفقة التي ما زالت في طور التفاوض، ويعد ذلك وسيلة ضغط أخرى على المستثمرين السعوديين من جانب الحكومة المصرية.

رأس جميلة
منطقة رأس جميلة مواجهة لجزيرة تيران/ Google earth

وتقع رأس جميلة على ساحل البحر الأحمر ضمن امتداد مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، وتبلغ مساحة المنطقة نحو 860 ألف متر، وتتميز بقربها من مطار شرم الشيخ الدولي، وتطل على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، التي تنازلت عنهما مصر للسعودية عام 2016 بمقتضى اتفاق أقره البرلمان أثار ردود فعل شعبية كبيرة، وتقع بالقرب أيضاً من موقع سيقام فيه جسر عبر البحر الأحمر، وهي فكرة كشفها ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز،  خلال زيارة إلى القاهرة، في عام 2016.

وكان وزير قطاع الأعمال العام المصري، محمود عصمت، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن الوزارة تخطط لطرح أرض رأس جميلة للاستثمار، لإقامة مشروع فندقي على نسبة 50% من مساحة الأرض من خلال شراكة مع الجانب السعودي لتطوير وتنمية رأس جميلة، مقابل حق انتفاع لأرض المنطقة على أن تقدّم الحكومة المصرية كافة التسهيلات الممكنة للجانب السعودي، عبر تهيئة البنية التحتية والطرق الموصلة للمنطقة.

هدف الصفقة: وقف ارتفاع الدولار أمام الجنيه

وقال مصدر مسؤول بوزارة قطاع الأعمال إن الأعمال التحضيرية لإنجاز "صفقة رأس جميلة" ما زالت مستمرة وهناك إمكانية لإتمامها خلال الفترة المقبلة بشكل يشبه ما حدث في "رأس الحكمة" وإن الأجواء السياسية والاقتصادية ممهدة لذلك.

لكنه أوضح أيضاً أنه ما زالت هناك تفاصيل غائبة ومبهمة بالنسبة لهم، لم يفصح عنها، مكتفياً بالقول إن احتياج مصر لتثبيت تصنيفها الائتماني والحفاظ على سعر ثابت للعملة المحلية يوقف ارتفاع الدولار أمام الجنيه يدفع نحو إتمام الصفقة.

وأشار إلى أن الأهداف المصرية من الصفقة تتمثل في "فرملة" تراجع الجنيه أمام الدولار، ومنح القدرة على إنشاء مشروعات صناعية وزراعية تدر عوائد دولارية مستقبلية للدولة المصرية وتحسن من المؤشرات الإنتاجية، وفي حال جرى توظيف الأموال في تلك المسارات بالصورة السليمة، فإن تلك الصفقة وغيرها من الصفقات الاستثمارية سيكون لديها مردود إيجابي وفي حال جرى بعثرة الأموال في مشروعات لا تدر عوائد سريعة، فإن الأزمة الاقتصادية ستكون مرشحة للتفاقم بقوة مستقبلاً.

ولفت إلى أن نجاح الحكومة الحالية في تخفيف الضغط على الدولار وإحداث تحول جذري في هيكل الاقتصاد المصري يعد مقياساَ على نجاح صفقات الاستثمار السياحي من عدمه، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية لديها محظورات تتعلق بالتواجد الأجنبي لمستثمرين في مناطق تشكل أهمية استراتيجية، ويعد ذلك أحد الأسباب التي تجعل تريث في إتمام أي صفقة.

وذكر أن منطقة رأس جميلة مؤهلة لأن تصبح إحدى أبرز الوجهات السياحية في المنطقة، وأن العرض الذي تقدمت به المجموعة السعودية تعريف بنوعية الاستثمارات في تلك المنطقة، وأن الاستعانة المصرية بمكتب استشاري عالمي لوضع التصميم اللازم لطرح المنطقة جاءت بفعل تنوع الخدمات والمشروعات التي يمكن إقامتها في تلك المنطقة.

وقال منصور عبد الغني، المتحدث باسم وزارة قطاع الأعمال، في تصريحات تلفزيونية، إن هناك رؤية استراتيجية للوزارة أهم بنودها تعظيم الاستفادة من الأصول المملوكة للشركات التابعة لها، بحسن استغلالها وإدارتها بالشكل الأمثل، مشيراً إلى أن أرض رأس جميلة تدخل ضمن هذه الأصول، مشيراً إلى تشكيل لجنة بقرار من مجلس الوزراء لبحث طرح وإعداد رؤية استراتيجية لاستغلالها، وقد عقدت أول اجتماع نهاية الأسبوع الماضي.

وتمتلك شركتا "المنتزه للسياحة والاستثمار" التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، وشركة "إيماك العقبة" التابعة لوزارة الطيران المدني، أرض "رأس جميلة"، وتتمثل خطط الحكومة المعلنة من قبل لتطوير المنطقة تستهدف إقامة مشروع سياحي فندقي بالمنطقة عبر طرح المشروع للشراكة مع القطاع الخاص بما يتضمن بناء فندق 5 نجوم يقدم غرفاً وشققاً وخدمات عالمية المستوى بأعلى المعايير الدولية، وتم تقييم الأرض من جهات متخصصة لتحديد حصة الشركتين المالكتين في 2021.

وقالت شركة المنتزه على موقعها الإلكتروني إنها نفذت أعمال البنية التحتية للمرحلة الأولى وجزء من المرحلة الثانية من المشروع من أجل توفير الشبكات اللازمة لتنشيط المشروع بشكل أكبر. والشبكات المكتملة هي: شبكة الطرق، وشبكة الكهرباء، وشبكة المياه، وشبكة الصرف الصحي، وشبكة مياه الري، وشبكة الهاتف، وشبكة الإضاءة.

وسبق أن تفاوضت الحكومة مع مجموعة وادي دجلة للاستثمار العقاري، بالإضافة إلى مجموعتي الفطيم السعودية، وإعمار الإماراتية في عام 2016، لكن لم تتوصل الأطراف لاتفاق وقتها، بحسب تقارير صحفية محلية، وكانت الشركة القابضة للسياحة والفنادق قدرت استثمارات المشروع في عام 2020 بنحو 3 مليارات جنيه.

تحميل المزيد