- مصر تنضم لدعوى العدل الدولية وعلاقتها مع إسرائيل تصل لأدنى مستوى منذ 20 عاماً بسبب هجوم رفح
- قطر تتهم إسرائيل بإفساد التفاوض بسبب هجوم رفح وتشير إلى بقاء مكتب حماس لديها
- مواقف الإدارة الأمريكية متقلبة ولكنها أصبحت أكثر انتقاداً لإسرائيل
- إسرائيل تخسر الحلفاء والوسطاء وتعود لنقطة الصفر ميدانياً
- والأمريكيون يقولون لنتنياهو: هدف القضاء على حماس غير واقعي
- الصورة بعيدة تماماً عن النصر الذي وعد به نتنياهو
يبدو أن إسرائيل تخسر دعم أكبر حلفائها أمريكا، ولو جزئياً، كما تثير سخط أبرز وسيطين بينها وبين حماس؛ وهما مصر وقطر؛ بسبب سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الرامية لاستمرار الحرب عبر شن هجوم رفح للحفاظ على مستقبله السياسي دون أي تحقيق هدف عسكري أو سياسي واضح.
فلقد تنصل نتنياهو من صفقة وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى التي وافقت عليها حماس، رغم أن الاتفاق صيغ في البداية بشكل كبير عبر دور أمريكي وإسرائيلي كما وصف وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن الصفقة بـ"العرض السخي المقدم من إسرائيل لحماس"، ولكن حكومة الاحتلال فاجأت العالم بالرد على موافقة حماس بقرارها الهجوم على رفح رغم الاعتراضات الأمريكية.
والنتيجة، قرار الإدارة الأمريكية تعليق شحنات قنابل ضخمة لإسرائيل، لأول مرة منذ بداية الحرب ومراجعة صفقات أسلحة أخرى، في ظل مخاوف من استخدام هذه القنابل في هجوم رفح
مصر تنضم لدعوى العدل الدولية وعلاقتها مع إسرائيل تصل لأدنى مستوى منذ 20 عاماً بسبب هجوم رفح
كما أن الوسطاء أيضاً قرروا التعبير عن غضبهم، فمصر التي حملت الصفقة الأخيرة لحماس والتي مثل الرفض الإسرائيلي لها ضربة لدورها كوسيط إضافة إلى أن هجوم رفح يمس أمنها القومي، اتخذت خطوة غير مسبوقة؛ إذ أعلنت في بيان صادر عن وزارة خارجيتها أمس الأول الأحد، عن اعتزامها التدخل رسمياً لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية للنظر في انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة.
كما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، السبت، عن مسؤولين مصريين أن القاهرة وجهت تحذيراتها إلى تل أبيب من أي هجمات على محور صلاح الدين، ومن حدوث أي موجات نزوح للفلسطينيين جراء هجوم رفح.
وذكرت أن القاهرة بحثت بشكل جدي سحب سفيرها من تل أبيب، كما أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفض عدة محاولات من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتحدث معه.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مصريين أن القاهرة وجهت تحذيراتها إلى تل أبيب من أي هجمات على محور صلاح الدين، ومن حدوث أي موجات نزوح للفلسطينيين.
وقالت الصحيفة إن العلاقات المصرية الإسرائيلية، في أدنى مستوياتها منذ عقدين من الزمن.
قطر تتهم إسرائيل بإفساد التفاوض بسبب هجوم رفح وتشير إلى بقاء مكتب حماس لديها
واليوم الثلاثاء، أعلنت دولة قطر بدورها مواقف كاشفة للتعنت الإسرائيلي، وذلك بعد أن أحبطت إسرائيل مساعيها السابقة للوساطة وشنّت ضدها حملة دعاية تدعوها لإنهاء تواجد قيادة حماس لديها، وحرضت فيها بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي.
إذ قال رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الثلاثاء 14 مايو/أيار 2024، إن مباحثات وقف إطلاق النار في حالة جمود، وإن "هجوم رفح أعاد الأمور للوراء"، بعدما كانت شهدت زخماً متزايداً في الأسابيع القليلة الماضية.
وأوضح رئيس وزراء قطر، خلال منتدى الدوحة أن بلاده، ستستمر في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، وأنها لم توقف التفاوض رغم التحديات التي يواجهونها.
وشدد رئيس وزراء قطر أن مكتب حماس في الدوحة سيظل مفتوحاً طالما استمرت الحرب وهناك حاجة للتواصل مع الحركة، لافتاً إلى أنه يتعين أن تكون هناك حكومة فلسطينية واحدة في كل من الضفة الغربية وغزة بناء على توافق فلسطيني.
كما أكد على وجوب التوصل إلى وقف إطلاق النار بغزة، ووضع حد للفظائع التي ترتكب بحق الفلسطينيين، لكنه أكد أن الجانب الإسرائيلي لديه عدم وضوح بشأن طريقة وقفها.
مواقف الإدارة الأمريكية متقلبة ولكنها أصبحت أكثر انتقاداً لإسرائيل
ورغم تقلبات الإدارة الأمريكية في مواقفها تجاه التعنت الإسرائيلي، حيث خرج تصريح غريب من الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ إذ قال، يوم السبت، إنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار غداً الأحد إذا أطلقت حماس سراح الأسرى، متجاهلاً مسار التفاوض حول صفقة الأسرى التي وافقت عليها حماس والتي أبرمت بإشراف أمريكي كامل، حيث كان مدير المخابرات الأمريكية المركزية ويليام بيرنز موجوداً في المنطقة خلال الصياغة النهائية للمقترح وتقديمه لحماس من قبل الجانب المصري لحماس.
ولكن رغم ذلك يبدو أن الشقة بلغت حجماً غير مسبوق بين واشنطن وتل أبيب منذ بداية الحرب؛ حيث سبق هذا التصريح تلويح آخر من قبل بايدن بإمكانية فرض مزيد من التعليق لصفقات السلاح على إسرائيل إذا تواصلت عملية رفح، التي يؤكد المسؤولون الأمريكيون أنهم يعترضون على تنفيذها بحجم كبير، ولا يرون أي خطة إسرائيلية مقبولة لتقليل الخسائر بين المدنيين والسماح لها بالنزوح واستمرار وصول المساعدات لهم.
كما اعترف بايدن قبل أيام بأن الاحتلال الإسرائيلي قتل مدنيين في غزة باستخدام قنابل زودتها بها الولايات المتحدة، وهو ما يمثل أول اعتراف من هذا القبيل من قبل أي مسؤول أمريكي منذ بدء الحرب على غزة.
اللافت أن ألمانيا الحليف الأكثر ولاءً لإسرائيل لوّحت أيضاً باتخاذ إجراءات مماثلة لواشنطن فيما يتعلق بصفقات السلاح لإسرائيل.
وفي غضون ذلك، أعلنت محكمة العدل الدولية، الثلاثاء، أنها ستعقد جلسات استماع يومي الخميس والجمعة لبحث إجراءات طوارئ جديدة طلبت جنوب إفريقيا فرضها بسبب الهجمات الإسرائيلية على مدينة رفح في قطاع غزة، وتخشى إسرائيل من أن تصدر محكمة العدل الدولية خلال الأيام المقبلة أمراً بوقف العملية في رفح، وذلك سيكون عكس أمرها السابق الذي لم يتضمن دعوة صريحة لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة.
إسرائيل تخسر الحلفاء والوسطاء وتعود لنقطة الصفر ميدانياً
في مقابل، هذا التخبط السياسي الإسرائيلي الذي يبدو أنه يحرق الجسور مع الحليف الكبير والوسيطين الوحيدين، فإن الأداء العسكري الإسرائيلي يبدو بدوره متخبطاً.
فقلد صاحب هجوم رفح اشتعال المعارك في أنحاء متعددة في قطاع غزة، منها مناطق في أقصى الشمال كانت إسرائيل قد زعمت أنها قضت على وجود حماس بها منذ أشهر، مثل بيت حانون وبيت لاهيا وحي الزيتون.
والأكثر إثارة للدهشة المعارك الضارية في جباليا حيث تشن المقاومة الفلسطينية هجمات عنيفة على جيش الاحتلال في المخيم الذي قالت إسرائيل أنها قضت على حماس به.
ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي في القتال في غزة إن جيش الاحتلال هزم الفرقة الشمالية لحماس، بما في ذلك كتيبة جباليا. وتعد المدينة من أولى الأماكن التي خاضت فيها إسرائيل القتال عندما غزت قطاع غزة، بعد أسبوعين من 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وتشن المقاومة الفلسطينية هجمات نوعية في محاور عدة منها جباليا في الشمال ورفح في أقصى الجنوب، بما في ذلك إسقاط قنبلة على دبابة من مسيرة، وكمين المبحوح المزدوج الذي نفذ أمس الأول؛ حيث هاجمت المقاومة دبابة إسرائيلية وعندما فر جنودها إلى بيت مجاور تبين لهم أنه مفخخ، وكثير من هذه العمليات يتم تصويره بجودة عالية بطريقة تعيد للأذهان سير المعارك في الأشهر الأولى.
وفي الوقت ذاته، بدأت حركات المقاومة الفلسطينية في غزة تستأنف إطلاق الصواريخ على غلاف غزة بما في ذلك مدينة عسقلان الرئيسية، وقالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إنها أطلقت صواريخاً من جباليا بالتزامن اجتياح الجيش الإسرائيلي لها.
ويبدو أن إسرائيل تعود لنقطة الصفر في غزة، باستثناء هدف واحد عادت فيه لما تحت الصفر وهو ملف الأسرى، حيث بات يقترب من الاستحالة إعادة الأسرى أحياء، إذ أدت المعارك لمقتل عدد كبير منهم.
والأمريكيون يقولون لنتنياهو: هدف القضاء على حماس غير واقعي
ويصر نتنياهو "إسرائيل" على أن غزو رفح، التي لجأ إليها أكثر من مليون شخص، من مناطق أخرى، هو السبيل الوحيد لتحقيق هدفه المعلن في الحرب المتمثل في "القضاء" على وجود حماس وإطلاق الأسرى.
في المقابل، يحذر مسؤولون أمريكيون من أن هدف إسرائيل بالقضاء على حماس غير واقعي وأن الحركة تعود للقتال في كل مرة تقول إسرائيل أنها قضت عليها في منطقة ما.
وفي هذا السياق، حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمس الأول الأحد من أنه حتى الهجوم البري واسع النطاق على رفح لن يحقق هدف القضاء على حماس، بل قد يؤدي إلى ما وصفه بـ"تمرد" تقوده قوات حماس المسلحة، أو إذا انسحبت إسرائيل، وتركت فراغاً مليئاً بالفوضى، وربما يعاد ملؤه من قبل حماس".
وأضاف أنه حتى بعد غزو رفح "سيظل هناك آلاف من مسلحي حماس"، مضيفاً: "لقد رأينا، في المناطق التي طهرتها إسرائيل في الشمال، حتى في خان يونس، عودة حماس"، وانتقد "الخسائر الفادحة في أرواح المدنيين الأبرياء".
وترى صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الوضع في غزة بالنسبة لإسرائيل يشبه الحال قبل نحو 20 عاماً، عندما كان قطاع غزة لا يزال يشهد مقاومة عنيفة ومكلفة للغاية لجيش الاحتلال. على إثر تلك "التكلفة البشرية"، اتخذ رئيس وزراء إسرائيل وقتها، أرييل شارون، قراراً بالانسحاب من القطاع بشكل نهائي.
وعلى الحدود الشمالية مع لبنان، تخوض إسرائيل حرباً منخفضة الكثافة مع حزب الله، ورغم وجود قواعد اشتباك محددة بين الطرفين، إلا أنه من وقت لآخر يسقط قتلى إسرائيليون، كما يبدو عودة سكان شمال إسرائيل مستبعدة في أي وقت قريب لدرجة أن قادة المنطقة أطلقوا دعوة رمزية للاستقلال عن إسرائيل.
الصورة بعيدة تماماً عن النصر الذي وعد به نتنياهو
هذه الصورة للحرب الأطول على الإطلاق في تاريخ الدولة العبرية، "دون أن تكون هناك أي بوادر على قرب انتهاء هذه الحرب، تبدو بعيدة تماماً عن وعد النصر الساحق الذي تعهد به نتنياهو، واستغله لإفشال المفاوضات وأغضب الحلفاء والوسطاء، كما تفقد الحرب الإجماع السابق في إسرائيل.
كل ذلك من أجل الهدف الذي يعلمه الجميع هو البقاء في السلطة.
على جانب آخر، يتوقع أن تتدهور الحالة الإنسانية في غزة بشكل كبير، جراء اضطرار مئات الآلاف للنزوح من مدينة رفح وإغلاق معبرها، الأمر الذي سيشكل أزمة دبلوماسية كبيرة لتل أبيب والإدارة الأمريكية التي تدخل انتخابات صعبة، تحتاج فيها لأصوات المسلمين والأقليات والشباب والتقدميين الذين بات الكثير منهم على استعداد للامتناع عن التصويت وإنجاح اليميني ترامب، عقاباً لبايدن.
ومع اقتراب الانتخابات في ظل استمرار الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية، يصبح السؤال الرئيسي: هل يواصل بايدن ترك نتنياهو ينفذ مخططه للبقاء في السلطة، رغم أن هذا المخطط يهدد وجوده هو نفسه في البيت الأبيض؟