يمثل إعلان القاهرة الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية مستوى جديداً من الخلاف بين مصر وإسرائيل، فكيف يمكن أن ينعكس هذا المستوى الجديد من التوتر على الحرب على غزة؟
كانت مصر قد أعلنت، الأحد 12 مايو/أيار 2024، أنها تعتزم التدخل رسمياً لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وتسلط هذه وهي خطوة تسلط الضوء على زيادة حدة التوتر بين البلدين.
لماذا خرج التوتر بين مصر وإسرائيل للعلن؟
بيان وزارة الخارجية المصرية بشأن الانضمام إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرئيل يحمل في طياته إجابة مباشرة عن السبب: "التقدم بإعلان التدخل في الدعوى المشار إليها يأتي في ظل تفاقم حدة ونطاق الاعتداءات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة" دون أن تحدد طبيعة التدخل، علماً بأن مصر كانت قد قدمت في السابق مرافعات في الدعوى.
وكانت جنوب أفريقيا قد طلبت من محكمة العدل الدولية، الجمعة 10 مايو/أيار، أن تأمر إسرائيل بالانسحاب من رفح في إطار إجراءات الطوارئ الإضافية في دعوى مستمرة تتهم إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
في الإطار نفسه، نقلت رويترز عن مصادر أمنية مصرية قولها إن المسؤولين المصريين أبلغوا إسرائيل بأنهم يعتبرون أفعالها السبب في توتر العلاقات الثنائية وانهيار محادثات وقف إطلاق النار التي عقدت في القاهرة بمشاركة وفود من حماس وإسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر.
ماذا عن تأثير "رفح" على عملية السلام؟
كانت مصر أول دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979، ثم وقع البلدان عام 2005، إضافة إلى أطراف أخرى، اتفاقية خاصة بالحدود بين مصر وقطاع غزة – وإدارة معبر رفح – يرى كثير من الخبراء القانونيين أن إسرائيل انتهكتها عندما دخلت بدباباتها وسيطرت على معبر رفح من الجانب الفلسطيني الأسبوع الماضي.
وبالتالي فإن مصير اتفاقية السلام بين البلدين يبدو على المحك، وهو ما مثّل أبرز المخاوف التي عبرت عنها وسائل الإعلام العبرية هذه الأيام. ومن ثم، وجّه الصحفيون أسئلة مباشرة عن اتفاقية السلام بين البلدين في ضوء عملية رفح، رد عليها وزير الخارجية المصري سامح شكري الأحد بالقول إن اتفاقية السلام "تعد ركيزة رئيسية في المنطقة لتحقيق السلام والأمن. الاتفاقية لها آلياتها التي يتم تفعيلها لتناول أي مخالفات قد تكون قد تمت ولها آليات خاصة بالتعامل مع هذه المخالفات إذا وجدت".
لكن الإعلام الإسرائيلي عبر بوضوح عن مخاطر هذا التصعيد في التوتر مع القاهرة، وعبر مقال في صحيفة معاريف عن هذه المخاوف بوضوح، إذ جاء العنوان: "على طريق إلغاء اتفاقية السلام مع مصر؟".
كيف ترى إسرائيل الموقف المصري؟
من وجهة النظر المصرية، يهدف الإعلان الآن عن الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا -ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية- إلى زيادة الضغوط الدولية على الدولة العبرية كي لا توسع عمليتها البرية في رفح، وأن توصل رسالة واضحة للرأي العام المصري والعربي مفادها أن القاهرة ليست شريكاً لجيش الاحتلال.
إضافة لذلك كله، تهدف مصر إلى أن توضح لإسرائيل بشكل لا يحتمل الغموض أن استمرار الأعمال العسكرية في رفح سيكون له ثمن باهظ على العلاقات الثنائية بين تل أبيب والقاهرة، بحسب مقال معاريف. وكلما ازداد أمد العملية في رفح دون موافقة مصر والتنسيق معها، حتى لو كانت تلك العملية غير صاخبة ولا مكثفة، قد تلجأ القاهرة إلى إجراءات إضافية.
مقال معاريف رصد أيضاً ارتفاع حدة الخطاب ونبرة التهديدات في الإعلام المصري هذه الأيام، على لسان إعلاميين وباحثين مقربين من النظام في مصر (حسب وصف الإعلام العبري)، والمطالبة بتعليق أو إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل.
"من البديهي أن مصر (شأنها شأن إسرائيل) سوف تخسر الكثير إذا ما انسحبت من اتفاقية السلام، لكن هذه التهديدات -حتى وإن لم تكن حقيقية- قد تشعل الرأي العام المصري وتخلق مساراً خطيراً في فترة حساسة"، بحسب مقال معاريف.
هل تفاجأت إسرائيل بالموقف المصري؟
ألقى تقرير لصحيفة هآرتس الضوء على اتساع الخلاف بين مصر وإسرائيل، وكيف يمكن أن ينعكس هذا الخلاف على المشهد في غزة ككل وليس فقط على مسار ما تصفه تل أبيب بالعملية في رفح.
فإلى جانب الإعلان عن اعتزام القاهرة الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا، أعلنت القاهرة أيضاً رفض التنسيق مع الجانب الإسرائيلي لإدخال قوافل المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح.
صحيح أن هذا الإعلان لم يصدر بشكل رسمي عن وزارة الخارجية، لكن قناة "القاهرة الإخبارية"، المملوكة للمخابرات المصرية بحسب تقرير هآرتس، نشرت الخبر، ما يعني أنه لا يندرج في إطار التسريبات أو التخمينات.
الموقف المصري، الذي ظل طيّ الكتمان لعدة أيام في محاولة لمنع تدهور العلاقات إلى درجة الإضرار باتفاقيات كامب ديفيد، بات الآن هو الموقف الرسمي والعلني، ولم يفاجئ الغضب المصري الولايات المتحدة، ولا ينبغي له أن يفاجئ إسرائيل، بحسب تقرير هآرتس. فعلى مدى أسابيع عديدة، أصدرت القاهرة تحذيرات طالبت فيها بشدة، من واشنطن بشكل رئيسي، بكبح نية إسرائيل اجتياح رفح واحتلال المعبر الحدودي.
وفي الوقت نفسه لا يعتبر الرفض المصري لتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء موقفاً جديداً، فقد حذرت مصر من هذا الأمر منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، دون أن يمنعها ذلك من مواصلة التنسيق مع إسرائيل فيما يتعلق بمرور المساعدات الإنسانية. وخلافاً للأردن وتركيا، لم تعيد مصر سفيرها من تل أبيب، وحافظت المخابرات المصرية على علاقات وثيقة مع رؤساء المخابرات والجيش في إسرائيل حتى عندما كان خط الاتصال المباشر مع مكتب رئيس الوزراء مسدوداً، بحسب هآرتس.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أوضح، منذ بداية الحرب، أن اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل ليست قابلة للاختبار أو المناقشة، وتحت هذا التوضيح تم ضبط الخطاب الإعلامي في البلاد، لكن في الأسبوع الماضي كانت هناك نقطة تحول خطيرة لدرجة أن مسؤولين مصريين سابقين بدأوا يتحدثون عن "احتمال حدوث مواجهة عسكرية مع إسرائيل" إذا عبر جيش الاحتلال الحدود إلى سيناء، وأن مصر لن تتمكن من الانتقال إلى جدول الأعمال إذا انتهكت إسرائيل سيادتها، هكذا رصد تقرير الصحيفة العبرية الموقف.
كيف قد يؤثر التوتر في الحرب على غزة؟
لكن النقطة الأخطر بالنسبة لإسرائيل الآن تتمثل في وقف القاهرة التنسيق مع تل أبيب فيما يتعلق بمسألة المساعدات الإنسانية، فهو لا يشكل سابقة فحسب، بل يشير أيضا إلى استعداد القاهرة لاتخاذ إجراءات جذرية يمكن أن تسبب صراعا سياسيا، وهو ما يكشف عن مدى عمق الأزمة الحالية.
فقد التزمت مصر، منذ اللحظة الأولى، بالتنسيق الكامل مع إسرائيل، رغم أنه كان بإمكانها فتح معبر رفح بحرية والسماح لقوافل المساعدات بالدخول إلى غزة دون قيود، كما تقول هآرتس، لكن مطار العريش أصبح مركزًا لتجمع وإعداد المساعدات من العديد من دول العالم، وتمت مراعاة إجراءات التفتيش والنقل التي حددتها إسرائيل بعناية.
لكن سيطرة إسرائيل على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، فقد المعبر من الجانب المصري أهميته بعد أن كان الوسيلة التي تستخدمها مصر للضغط على إسرائيل بهدف وقف العملية المستمرة في رفح وإعادة معبر رفح إلى وضعه السابق.
بحسب هآرتس، فإن الافتراض المصري الآن يقوم على أن الضغوط الدولية المتوقعة، وخاصة الأمريكية، ستجبر إسرائيل على إعادة النظر في اجتياح رفح. ومن الناحية النظرية، يمكن لإسرائيل أن تفتح جميع المعابر الحدودية بينها وبين قطاع غزة من أجل القضاء على أهمية معبر رفح، لكنها قد تجد نفسها بعد ذلك أمام جبهة موحدة من جميع الدول التي تتعاون معها، العربية والغربية، والتي قد ترفض التعاون مع مثل هذه الخطوة.
النتيجة الآن، كما تقول هآرتس، هي أن الخطوة المصرية والتهديد الأمريكي بتأخير شحنات الأسلحة جعلا هاتين الدولتين صاحبتي القدرة على رسم الخطوط العريضة للحرب على قطاع غزة. وبالتالي فإن هذا الموقف يعيد إلى قمة ترتيب الأولويات الضرورة الاستراتيجية لاتخاذ قرار بشأن نظام إداري فلسطيني يبدأ عمله الآن، دون حتى الانتظار لتحقيق ذلك الشعار المسمى "اليوم التالي للحرب".
هل "تنقذ" السلطة الفلسطينية الموقف؟
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن عن صيغة لتنفيذ هذه الاستراتيجية قال فيها إنه بموجبها "يجب أن تكون لدينا حكومة مدنية هناك، في أيدي الفلسطينيين الذين ليسوا ملتزمين بتدميرنا. وآمل أن يحدث ذلك بمساعدة دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية"، فكيف تم استقابل هذه الصيغة؟
وزير خارجية دولة الإمارات عبدالله بن زايد قال: "ندين تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن دعوة الدولة للمشاركة في الإدارة المدنية لقطاع غزة الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتؤكد دولة الإمارات العربية المتحدة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يفتقر إلى أي أهلية قانونية لاتخاذ مثل هذه الخطوة. كما أن الدولة ترفض الانجرار وراء أي خطة تهدف إلى توفير غطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة."
البديل الذي قد يلجأ إليه نتنياهو وحكومته قد يكون السلطة الفلسطينية، بحسب هآرتس، وقد أبدى رئيس السلطة محمود عباس بالفعل استعداده لتولي المسؤولية عن إدارة غزة، لكنه وضع شرطاً أساسياًوهو أن يتم ذلك كجزء من صفقة سياسية واسعة تضمن حلاً سياسياً للمشكلة الفلسطينية.
لكن حتى هذه الخطة البديلة، التي لا يزال نتنياهو يرفضها، تحمل في طياتها عددا لا نهائي من الألغام السياسة منها الفساد والترهل الإداري في السلطة الفلسطينية، بحسب الأمريكيين والغرب وحتى الإسرائيليين، إضافة إلى أن جيش الاحتلال لم يسيطر أصلا على أية بقعة في القطاع بشكل كامل بعد أكثر من 7 أشهر من الحرب.
على أية حال، لن تكون السلطة الفلسطينية مطالبة "بخوض معارك ضد حماس" في غزة، وقد يتولى الأمر جيش الاحتلال نفسه أو قوة دولية قد تأتي إلى القطاع إذا ما تم التوصل لصيغة ما تتولى بموجبها السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، لكن حتى هذا الطرح يثير عددا من الأسئلة.
فهل توافق إسرائيل على مثل هذا الترتيب؟ وهل ستفرج عن كل أموال الضرائب التي تصل إلى السلطة، بما في ذلك حصة غزة المجمدة حاليا في حساب في النرويج؟ الجواب على ذلك هو في يد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، باعتباره المسؤول أيضا عن موازنة السلطة الفلسطينية، أكثر مما هو في يد نتنياهو. ولا داعي لتخمين موقف سموتريتش، بحسب هآرتس، في إشارة إلى الرفض المتوقع من الوزير اليميني المتطرف.
الخلاصة هنا هي أن وصول التوتر بين مصر وإسرائيل إلى مستوى غير مسبوق منذ بدأت الحرب على غزة يعقد الموقف أكثر بالنسبة لنتنياهو وحلفائه المتطرفين، في ظل غياب أي حلول للمعضلة التي يواجهها الاحتلال، خصوصا بعد عودة الحرب إلى "المربع صفر" خلال الأيام القليلة الماضية.