بعد أشهر من إعلان إسرائيل أنها فكَّكت هيكل قيادة وكتائب حماس في شمال غزة، استؤنف القتال في الأيام الأخيرة في مخيم جباليا للاجئين وحي الزيتون بمدينة غزة بشمال القطاع، فيما يمثل ضربة لادعاءات جيش الاحتلال المتكررة بتفكيكه لقوات حماس في معظم القطاع ما عدا رفح.
وعادت المعارك لمناطق واسعة في القطاع، حيث يدور القتال في الوقت الحالي في قطاع غزة، في ثلاث جبهات؛ حيث تقع جبهتان في الشمال، في جباليا والزيتون. والثالثة في رفح، وسط معلومات عن أن حماس أعادت سيطرتها على نحو 90% من غزة بعد مرور سبعة أشهر من الحرب حسبما ورد في تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
وجاء هجوم الجيش الإسرائيلي على جباليا بشمال مدينة غزة، بعد أشهر من إعلانه هزيمة كتائب حماس فيها، وأنه لم يعُد للحركة أي إطار عسكري في المنطقة.
وبالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي على جباليا أعلنت حماس أنها أطلقت صواريخ من المخيم على مدينة عسقلان.
وأعلن الجيش الإسرائيلي عن إصابة 50 من جنوده خلال الأربع والعشرين ساعة، كما أُعلن عن إصابة نائب رئيس نظام المراقبة الإسرائيلي وهو أعلى ضابط إسرائيلي يصاب منذ بداية الحرب.
غارات إسرائيلية في مناطق متعددة ومعارك في جباليا والزيتون وبيت حانون
وقال مراسلو وكالة فرانس برس وشهود ومسعفون إن غارات جوية إسرائيلية قصفت أجزاء من شمال ووسط وجنوب قطاع غزة خلال الليل وحتى صباح الأحد.
وقالت قوات الاحتلال الإسرائيلي إنها "كثفت" نشاطها في منطقة الزيتون بوسط غزة أيضاً، وأفاد مراسلو وكالة فرانس برس باشتباكات عنيفة وإطلاق نار كثيف من مروحيات إسرائيلية في منطقة الزيتون فجر الأحد.
وأمر جيش الاحتلال السكان والنازحين الفلسطينيين في مناطق شمال غزة بالمغادرة، بينما ينفذ غارات هناك. وقالت العائلات التي فرت من المنطقة: "لا يوجد مكان آمن" لهم للذهاب إليه، حسبما ورد في تقرير لشبكة "CNN" الأمريكية.
وفي الساعات الأولى من صباح الأحد، نشرت القوات الإسرائيلية دباباتها في منطقة جباليا الشرقية شمال قطاع غزة، وجاءت هذه الخطوة بعد ليلة من القصف الجوي والبري المكثف من قبل إسرائيل.
ووفقاً للجيش الإسرائيلي، فإن العملية تهدف إلى تعطيل جهود حماس لإعادة تجميع صفوفها وإعادة بناء قدراتها العسكرية في تلك المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة.
وفي أماكن أخرى شمال غزة، تبادلت القوات الإسرائيلية النيران مع مسلحي حماس في بيت لاهيا وبيت حانون والزيتون. وقال بعض السكان إن حماس والجهاد الإسلامي تقاتلان القوات البرية الإسرائيلية بالصواريخ المضادة للدبابات وقذائف الهاون ونيران القناصة، حسبما ورد في تقرير لموقع "Israel Hayom".
وقالت وسائل إعلام فلسطينية إن الطيران الإسرائيلي شن أكثر من 100 غارة في أجواء مخيم جباليا خلال الساعات الماضية مع استمرار التحليق المكثف والمنخفض لطائرات الاستطلاع.
كما استهدفت غارات إسرائيلية عنيفة المخيم الجديد في النصيرات وسط قطاع غزة.
من جانبها، أعلنت كتائب عز الدين القسّام الجناح العسكري لحركة حماس أنها تخوض اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال في محور التقدّم شرق مخيم جباليا، حيث يتواصل القصف المدفعي الإسرائيلي على المباني السكنية في المخيم، وأشارت إلى أنّ مقاتليها أسقطوا قذيفة مضادة للدروع بطائرة مسيرة على دبابة ميركافا شرق مخيم جباليا، ونشرت فيديو للعملية.
إضافة لاستهداف سبع دبابات بقذائف ياسين 105، واستهدف ناقلة جند بقذيفة تاندوم، حيث وقع الجنود بين قتيل وجريح، كما استهدفت القسام دبابة ميركافا في موقع المبحوح بمخيم جباليا، وعقب هروب جنودها إلى منزل مفخخ مسبقاً وقعوا بين قتل وجريح.
والأكثر إثارة لقلق إسرائيل، كان انطلاق صفارات إنذار في مدينة عسقلان بإسرائيل اليوم الأحد، نتيجة إطلاق صواريخ من غزة، مما يشير إلى أن المقاومين الفلسطينيين هناك ما زالوا قادرين على شن هجمات صاروخية بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على بداية الحرب.
وقالت قناة الأقصى التابعة لحركة حماس عبر تليغرام إن الصواريخ انطلقت من جباليا، رغم التوغل الجاري لجيش الاحتلال.
ىسكان جباليا ينزحون مجدداً
وصباح السبت، أمر جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 150 ألفاً من السكان بأن يخلوا منازلهم في جباليا ويتجهوا جنوباً.
وجاء في المنشورات التي أسقطها جيش الاحتلال في المدينة وفي بيت لاهيا المجاورة: "أنتم في منطقة حرب خطيرة، حماس تحاول إعادة بناء قوتها، وبالتالي فإن الجيش سيتحرك بقوة ضد المنظمات الإرهابية في المنطقة، حسب وصفه، كل من يبقى سيكون هناك في خطر"، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وقال سائد (45 عاماً) من سكان جباليا: "القصف من الجو ومن الأرض ما وقفش من امبارح. كانوا بيقصفوا في كل (مكان) وجنب المدارس اللي فيها نازحين من الناس اللي فقدوا دورهم".
وأضاف لرويترز عبر تطبيق للتراسل: "وكأنه الحرب في جباليا بترجع من تاني، هيك اللي بيصير".
يأتي ذلك فيما تحدت إسرائيل المعارضة الدولية هذا الأسبوع، وأرسلت دبابات وجنوداً إلى شرق رفح، مما أدى فعلياً إلى إغلاق معبر رفح الذي يعد المنفذ الرئيسي للمساعدات وأدى ذلك إلى بدء حركة نزوح ضخمة يعتقد أن حجمها سيصل إلى نحو 800 ألف لاجئ من المدينة المكدسة أصلاً بالنازخين من مناطق أخرى.
لماذا عاد الجيش الإسرائيلي لجباليا بعد ما أعلن الانتصار في المنطقة قبل ثلاثة أشهر؟
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي في القتال في غزة إن جيش الاحتلال هزم الفرقة الشمالية لحماس، بما في ذلك كتيبة جباليا. وتعد المدينة من أولى الأماكن التي خاضت فيها إسرائيل القتال عندما غزت قطاع غزة، بعد أسبوعين من 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وكانت معظم قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي قد غادرت قطاع غزة قبل نحو شهر، وتمركزت منذ ذلك الحين فقط على طول الطريق الممتد من شمال القطاع إلى جنوبه.
وادعى الجيش الإسرائيلي، بشكل غير رسمي، أن غياب عملية دبلوماسية واضحة بالتزامن مع القتال وعدم وجود أهداف محددة يؤثران على الإنجازات العسكرية للحرب، حسبما ورد في تقرير صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وأفادت الإذاعة الإسرائيلية باستقالة المسؤول عن رسم الشؤون الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يورام حامو بسبب عدم اتخاذ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قرارات بشأن اليوم التالي للحرب وعودة العمليات شمال غزة.
ووفقاً لمصادر الجيش الإسرائيلي، بعد انسحاب القوات من غزة الشهر الماضي، أعادت حماس تنظيم وإعادة بناء قواتها في المنطقة الشمالية.
حماس تعود عبر تكتيكات حرب العصابات
وقالت مصادر فلسطينية في غزة لصحيفة "هآرتس" إن حماس وفصائل أخرى تحاول تكثيف القتال في شمال القطاع وفي مدينة غزة بشكل خاص من خلال تكتيكات حرب العصابات، في محاولة لإيصال رسالة بأن الحركة لا تزال تعمل وتسيطر على ما يحدث في القطاع.
وبحسب المصادر، تسعى قيادة حماس إلى توصيل رسالة مفادها إلى أنه حتى السيطرة المحتملة على رفح لن تنهي الحرب.
وفي يوم الجمعة الماضي، قُتل أربعة جنود إسرائيليين في انفجار وقع في حي الزيتون في غزة، وتم إطلاق صواريخ على مدينة بئر السبع بجنوب إسرائيل للمرة الأولى منذ خمسة أشهر.
وفي الوقت نفسه، يتواصل القتال في رفح بالجنوب.
وقد أثبتت حماس حتى الآن أنها قادرة على الصمود أمام سبعة أشهر من الحرب والعودة للسيطرة على ما يقرب من 90% من غزة، فضلاً عن إعادة بناء قدراتها، حسبما ورد في تقرير صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية اليمينية.
على سبيل المثال، أطلقت حماس صواريخ على بئر السبع وعسقلان مرتين في الأيام القليلة الماضية. كما أنها استهدفت معبر كرم أبو سالم بشكل منهجي منذ الخامس من مايو/أيار.
ويقول التقرير إنه في المقابل زادت إسرائيل من تعمق قواتها بالقطاع ودعت إلى إخلاء المزيد من الناس من غزة.
ويضيف التقرير أنه ربما تقوم كتائب حماس بإخلاء قواتها من رفح والعودة نحو خان يونس، ويزعم التقرير أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من خان يونس في أبريل/نيسان قد سمح لحماس بالعودة إلى هناك.
ويقول التقرير إنه وربما تكون حماس قد استفادت من غياب الضغط حول رفح، لكن سيتعين عليها أيضاً أن تحاول التعامل مع توغلات جيش الدفاع الإسرائيلي في جباليا والزيتون.
بالنسبة لحماس، التي شعرت أنها تنتصر في الحرب، فإن الجبهات المتعددة التي تواجهها الآن الجيش الإسرائيلي قد تشكل تحدياً، حسب الصحيفة.
وتقول حماس إنها تواصل قتال جيش الاحتلال الإسرائيلي في الزيتون وجباليا وإنها تنسق مع جماعات أخرى مثل حركة الجهاد الإسلامي. كما قالت الحركة إنها تعمل مع عدة مجموعات أخرى في غزة لاستهداف قوات الجيش الإسرائيلي في ممر نتساريم الذي أسسته قوات الاحتلال للفصل بين شمال وجنوب قطاع، ولكنه أصبح هدفاً مفضلاً لهجمات مدافع الهاون التابعة للمقاومة الفلسطينية.
كيف نجت حماس من الهجمات الإسرائيلية على مدار ستة أشهر؟
ورغم إعلان إسرائيل مراراً عن تفكيك كتائب حماس في كل غزة، ما عدا رفح، فلقد نجت قوات حماس من الهجمات الإسرائيلية الضارية من خلال تكتيك، يتمثل في تفريق رجالها والانتظار حتى يغادر جيش الاحتلال الإسرائيلي ثم العودة إلى الظهور، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
كما تؤشر التقارير الإسرائيلية والأمريكية إلى أن جيش الاحتلال لم يكتشف بعد نسبة كبيرة من أنفاق حماس، فعلى سبيل المثال، نقلت مصادر إسرائيلية عن تقارير استخباراتية حديثة أنه محتمل أن يكون قائد حماس في غز يحي السنوار مختبئاً في الأنفاق تحت الأرض في منطقة خان يونس، على الرغم من كل القصف الذي تعرضت له المدينة. كما تفضل الحركة شن الهجمات المفاجئة وإعداد الكمائن عندما يعود جيش الاحتلال إلى أي منطقة.
كما أعادت حماس بناء الكتائب من خلال إعادة إشغال رتب القادة الذين استشهدوا.
ويقول تقرير صحيفة Jerusalem Post تعليقاً على توغل الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا إن حماس تنتظر انسحاب الجيش الإسرائيلي وستعود. لقد اعتادت على هذا النوع من لعبة "القط والفأر" في غزة، إنها تتكيف مع أساليب القتال الجديدة.
ويضيف التقرير: "إن مستقبل الوضع في غزة سيعتمد على ما إذا كانت حماس قادرة على إعادة تشكيل نفسها في خان يونس وكيف ستسعى للرد على فتح جبهات جديدة في شمال غزة. ولكن حماس أظهرت بالفعل أنها قادرة على الرد بإطلاق الصواريخ".
على الجانب الإسرائيلي يبدو أن هناك خلافاً داخلياً حول تفسير هذا الإخفاق العسكري الذي أدى لعودة حماس في المناطق التي ادعت إسرائيل أنها هزمت المقاومة بها.
فقادة جيش الاحتلال يسربون تقارير عن أن السبب في هذا الإخفاق، هو غياب خطة سياسية لدى نتنياهو، ورفضه لوضع سيناريو ما بعد حماس في إشارة لما يراه الجيش الإسرائيلي من حاجة لتسليم السلطة لقوى بديلة لحماس مثل وجهاء العشائر أو السلطة الفلسطينية، ولكن السؤال الذي يتجاهله من يتبنى هذا السيناريو، من سيقبل من الفلسطينيين أن يأتي على دبابات الاحتلال، وإذا قبلت قلة بذلك، كيف ستستطيع هذه القوة هزيمة المقاومة التي أخفق الجيش الإسرائيلي بقدراته الهائلة في تدميرها.
على الجانب الآخر، فإن اليمين الإسرائيلي مثل صحيفة Jerusalem Post اليمينية يحاول تبرير هذا الإخفاق، بأنه يرجع إلى عدم بقاء وحدات الجيش الإسرائيلي في المناطق التي سبقت أن اجتاحتها، وتتجاهل هذه الآراء أن وجود الجنود الإسرائيليين في المدن الفلسطينية المدمرة في قطاع غزة، سيجعلهم صيداً سهلاً للمقاومة الفلسطينية.
ما يتجاهله الطرفان أن الحل ليس عسكرياً، وأن محاولة القضاء على حماس قد تنتهي بحرب عصابات طويلة الأمد، ومحاولة إيجاد بديل قد تنتهي بفشل ذريع.
ويبدو أنه ليس أمام إسرائيل إلا التفاوض مع حماس على وقف إطلاق نار.