أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح الثلاثاء 7 مايو/أيار 2024 سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الواقع على الحدود مع مصر في جنوب قطاع غزة، في وقت أظهرت فيه صور وفيديوهات تواجد آليات الاحتلال داخل المعبر، حيث توقفت حركة السفر وإدخال المساعدات. سبق هذا الاجتياح للمعبر قصف عنيف في محيطه طوال ليلة الثلاثاء سمع دويه على الجانب المصري، بينما سُمعت أصوات اشتباكات بين قوات الاحتلال ومقاومين فلسطينيين، بحسب ما ذكرته وكالة الأناضول.
سبق ذلك تواصل من قبل مسؤولين إسرائيليين مع نظرائهم المصريين٬ أبلغوهم فيه ببدء عملية إخلاء الفلسطينيين من المناطق الشرقية لرفح، بحسب إذاعة جيش الاحتلال، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي من القاهرة حول ذلك.
لماذا يعد اقتحام جيش الاحتلال لمعبر رفح خرقاً لبنود اتفاقية "كامب ديفيد" مع مصر؟
في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي كشفت وسائل إعلام إسرائيلية وفلسطينية أن جيش الاحتلال الاسرائيلي أبلغ مصر نيته احتلال منطقة "محور فيلادلفيا" الحدودية بين قطاع غزة ومصر، والواقع ضمنها معبر رفح٬ وبدء عملية عسكرية هناك.
ونقلت حينها "شبكة قدس" الفلسطينية عن مصادر قولها إن الاحتلال الإسرائيلي أبلغ مصر نيته احتلال منطقة الحدود في محور "فيلادلفيا" على الحدود بين رفح وقطاع غزة، وطلب من الجنود المصريين إخلاء الحدود. وأضافت الشبكة أن الاحتلال أخبر مصر بأنه "غير مسؤول عن سلامة أي جندي مصري خلال محاولته احتلال الحدود معها، وأن العملية العسكرية في المنطقة مستمرة سواء قبلت مصر أو رفضت".
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، كشف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال حديثه عن "خطته لمستقبل غزة" بعد الحرب، عن نيته "السيطرة على محور فيلادلفيا الفاصل بين غزة والحدود المصرية"٬ وكرر نتنياهو ذلك في تصريحات أخرى بعد 5 أيام٬ رغم تحذيرات القاهرة السابقة من تنفيذ أي عمليات أو أنشطة عسكرية في هذه المنطقة العازلة.
ويعد محور فيلادلفيا (أو صلاح الدين) شريطاً حدودياً ضيقاً داخل أراضي قطاع غزة، يمتد المحور بطول 14 كم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر من معبر كرم أبو سالم مروراً بمعبر رفح وحتى البحر الأبيض المتوسط.
ووفقاً لأحكام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، تم الاتفاق بين مصر و"إسرائيل" على اعتبار هذا المحور منطقة عازلة، كان يخضع لسيطرة وحراسة "إسرائيل" قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة في عام 2005.
وفي العام نفسه وقعت "إسرائيل" مع مصر بروتوكول "فيلادلفيا" الذي سمح للقاهرة بنشر مئات الجنود لتأمين هذه المنطقة٬ كقوة شرطية خفيفة التسليح "لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود".
وكان أحد الأهداف الرئيسية من هذه الاتفاقية منع تهريب المواد غير المشروعة (وضمن ذلك الأسلحة والذخائر للمقاومة في غزة)، وأيضاً منع الهجرة بين المنطقتين. وتتكون القوات المصرية الموجودة بموجب الاتفاق على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، من نحو 750 جندياً "متخصصين في مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب".
وبعد انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة في عام 2005 أصبح المحور خاضعاً للجانب الفلسطيني، وهو الوضع الذي يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى تغييره في الحرب الحالية، ضمن خطة يسعى خلالها للسيطرة على جميع المعابر البرية الخاصة بقطاع غزة.
على ماذا تنص اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل حيال رفح؟
بحسب البروتوكول الملحق بالاتفاقية، فقد تم رسم الحدود بين الطرفين٬ وقسمها إلى أربع مناطق رئيسية منزوعة السلاح أو خفيفة التسليح بدرجات متفاوتة، تقع ثلاث منها في شبه جزيرة سيناء بالأراضي المصرية تمثل كافة مساحة شبه الجزيرة.
والمنطقة المصرية الملاصقة لحدود إسرائيل وغزة، وفقاً للاتفاق هي المنطقة "ج"، ولقد حظر الاتفاق الأصلي في عام 1979 انتشار قوات عسكرية مصرية في المنطقة "ج"، وحصر الوجود الأمني فيها بالقوات متعددة الجنسيات والمراقبين وعناصر الشرطة المدنية المصرية المسلحة بأسلحة خفيفة، ولكن تم تعديلها جزئياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لإتاحة الفرصة لمصر لـ"مواجهة الإرهاب بسيناء".
أما المنطقة "د"، فهي الشريط الضيق الذي يقع في الأراضي المحتلة وقطاع غزة على طول الحدود المصرية وهو محور فيلادلفيا، وهو شريط حدودي عرضه مئات الأمتار وطوله 14 كلم من البحر المتوسط شمالاً وحتى معبر كرم أبو سالم جنوباً، وكان بمثابة منطقة عازلة تسيطر عليها إسرائيل قبل انسحابها من غزة.
وتتيح بنود اتفاقية كامب ديفيد تواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة لا يتجاوز عدد جنودها 4 آلاف، في المنطقة "د"، وتحصينات ميدانية محدودة، فضلاً عن مراقبين من الأمم المتحدة. ولا تتضمن القوة الإسرائيلية في هذه المنطقة أي دبابات أو مدفعية أو صواريخ فيما عدا صواريخ فردية أرض/جو.
بالتالي٬ ينظر إلى الهجوم الإسرائيلي على رفح من خلال الحشود الضخمة التي سيستخدمها على أنه بمثابة انتهاك لهذا البند؛ لأن رفح ملاصقة للحدود المصرية، كما ترفض مصر دخول إسرائيل لمحور فيلادلفيا.
لماذا يريد الاحتلال اجتياح محور فيلادلفيا منذ وقت طويل؟
بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، أصبح المحور خاضعاً لها من الجانب الفلسطيني، وهو الوضع الذي يرفضه الاحتلال الإسرائيلي. ومنذ حرب عام 2008/2009 على قطاع غزة، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عزمه اجتياح محور فيلادلفيا، وذلك بهدف تدمير الأنفاق الممتدة بين رفح الفلسطينية والمصرية، لمنع تدفق الأسلحة.
ورغم الإجراءات التي اتخذها النظام المصري بعد عام 2013، والتي شملت إنشاء منطقة عازلة، وإزالة المنطقة السكنية بمدينة رفح المصرية، وتدمير عدد كبير من الأنفاق، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يزعم وجود أنفاق عسكرية للمقاومة الفلسطينية، ما زالت تنشط بتهريب الأسلحة، الأمر الذي تنفيه القاهرة.
ويشكل اجتياح محور فيلادلفيا المحتمل تعدياً أمنياً على مصر واتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، ولذلك تكثفت الاتصالات بين الجانبين للتوصل إلى تنسيق مشترك بينهما بشأن مستقبل السيطرة على المحور.