"احنا بنحب المدرسة، بنحب نكون مثل أطفال العالم"، بهذه الكلمات عبرت الطفلة نور سعيد في حديثها لـ"عربي بوست"، عن سعادتها لعودتها إلى مقاعد الدراسة، بعد إطلاق أول مشروع تعليمي في غزة، لاستئناف تعليم الطلاب بعد انقطاع دام لسبعة أشهر بسبب العدوان الإسرائيلي.
استطاعت الطفلة نور كما الكثيرين من أصدقائها العودة إلى أجواء الدراسة والتعليم، بفعل مبادرة أطلقها فريق شبابي تطوعي في شمال غزة، هي الأولى من نوعها في القطاع من بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، للتغلب على تعطل الحياة التعليمية في غزة، وابتعاد الطلاب عن مقاعد الدراسة لسبعة أشهر متواصلة حتى الآن، في مشروع تعليمي في غزة يتحدى العدوان والدمار.
حضر "عربي بوست" افتتاح المشروع التعليمي، الذي انطلق داخل مركز النزوح المقام في مدرسة خليفة بن زايد، قرب مخيم جباليا، وهو الأمر الذي يتميز به المشروع، إذ إنه انطلق في شمال القطاع؛ حيث لا يزال السكان صامدين فيه رغم الدمار الهائل في البنية التحتية، ورغم عمليات النزوح الكبيرة منه إلى جنوب غزة.
مشروع تعليمي في غزة يتحدى الحرب
يشرف على المشروع التعليمي في غزة "فريق غوث غزة"، وهو فريق شبابي تطوعي من شمال غزة، أطلق المبادرة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في غزة.
هدف المشروع هو "إخراج الأطفال من الضغط النفسي الناجم عن الحرب ومحاولة إدماجهم في عملية التعليم"، بحسب الناشطة الاجتماعية ومنسقة المشروع التعليمي هالة شحادة.
أوضحت هالة في حديثها لـ"عربي بوست": "نحن في حالة حرب منذ 7 أشهر، والأطفال يعيشون ما بين القتل والقصف والنزوح والمجاعة، فكان لا بد من مساعدتهم ولو بجزء بسيط، تحديداً في شمال قطاع غزة".
يستفيد من المشروع بحسب القائمين عليه، 114 طفلاً وطفلة حتى الآن، من المرحلة الأساسية، بمشاركة 4 معلمين و4 معلمات.
مع الأيام الأولى للحرب، نزحت أعداد كبيرة من العائلات إلى مرافق عامة أبرزها المدارس؛ جراء تدمير قوات الاحتلال مربعات سكنية بكاملها في القطاع.
رغم ذلك، لم تسلم المدارس من القذائف والصواريخ الإسرائيلية؛ إذ تعرضت العشرات منها إلى الاستهداف بشكل مباشر؛ ما أدى لتدميرها (كلياً أو جزئياً).
وقام "عربي بوست" برصد الدمار الهائل في القطاع التعليمي والبنية التحتية في غزة منذ بداية الحرب في تقرير سابق.
بحسب تقرير أممي في أبريل/نيسان 2024، فإن غزة شهدت "إبادة تعليمية متعمدة"، عقب تدمير أكثر من 80% من المدارس فيه على مدار نصف عام من الحرب المدمرة على القطاع.
أورد أيضاً أنه في بيان مشترك، قال 19 خبيراً ومقرراً أممياً مستقلاً، إنه مع تضرر أو تدمير أكثر من 80% من مدارس غزة، قد يكون التساؤل معقولاً عما إذا كان هناك جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو عمل يعرف باسم "الإبادة التعليمية".
يذكر أن العديد من التصريحات الأممية، حذرت من "الإبادة التعليمية" في غزة، وهو مصطلح يشير إلى المحو الممنهج للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين، وتدمير البنية التحتية التعليمية.
تفاصيل عن المبادرة التعليمية
عن جهودها لإنضاج المشروع، تشير هالة شحادة إلى أنها جلست مع الأهالي في مركز الإيواء بمدرسة خليفة بن زايد، ولاقت قبولاً ودعماً من الجميع للمبادرة.
كما رحبت وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة غزة بالفكرة، وعملت على دعمها ورعايتها، بحسب شحادة.
وأكدت أن السعادة غمرتها عندما شاهدت فرحة الأطفال بعودتهم إلى مقاعد الدراسة في اليوم التدريسي الأول.
عن تفاصيل المبادرة، قالت إن "المشروع يستهدف طلبة المرحلة الأساسية، لأننا نستطيع التعامل مع الطفل بالأساسيات"، لافتة إلى أن المرحلة الإعدادية تحتاج جهداً أكبر وبرنامجاً تدريسياً مختلفاً".
أما بشأن الأطفال المشاركين في المشروع، فقالت: "سيمنحون شهادات مدرسية موقعة من وزارة التربية والتعليم، تفيد باجتيازهم الصف الدراسي، أملاً في تدارك نصف عام ضاع من مسيرتهم التعليمية بسبب الحرب".
أضافت كذلك أن افتتاح المشروع، ونجاح الفكرة، سيعطيان الفرصة لتنفيذها في مناطق أخرى، واستهداف عدد أكبر من الأطفال، مؤكدة أنها تلقت اتصالات لتنفيذ الفكرة في مراكز إيواء أخرى، مشيرة إلى أن "المشروع لخدمة الأطفال، وليس لديه أي ميول سياسية".
وشددت شحادة على ضرورة وقف الحرب بشكل كامل، معتبرة ذلك "ركيزة أساسية للاستمرار في هذه المشاريع وتوسيعها والعودة إلى الحياة التعليمية قدر المستطاع".
وقالت: "من الصعب أن يتعايش الإنسان والطفل تحديداً مع حالة الحرب، وأن يواصل تلقي تعليمه تحت أصوات القصف والرعب".
شهادات للطلاب واعتراف بالمشروع
رامز الزعانين الذي يعمل في دائرة التخطيط والتطوير المدرسي في وزارة التربية والتعليم، أكد لـ"عربي بوست"، أن البرنامج سيستمر يومياً ما عدا الجمعة، من الساعة الثامنة حتى الحادية عشرة صباحاً، بواقع 4 حصص دراسية.
وقال إن المشروع يستهدف طلاب المرحلة الأساسية من الصف الأول وحتى الخامس.
وعبر عن سعادته بأنه "خلال أيام قليلة، ستصلنا نشرة من وزارة التربية والتعليم باعتماد مرحلة الصف الأول".
عرضة للاستهداف
لكنه أشار إلى صعوبات جمة تواجههم، أبرزها أن المشروع ينفذ في مركز إيواء يقع ضمن منطقة صفراء (معرضة للاستهداف الإسرائيلي) وتتساقط القذائف حولها يومياً.
شكى أيضاً من قلة المدرسين، جراء نزوح عدد كبير من سكان شمال قطاع غزة إلى جنوبه، فضلاً عن عدم وجود غرف صفية بشكل كاف لامتلائها بالنازحين.
مدرسة اللغة العربية في البرنامج ليلى جبر، قالت لـ"عربي بوست"، إن المشروع بدأ رغم استمرار الحرب، وقصف المدارس في شمال القطاع، "إيماناً منّا كمعلمين بأهمية العلم والتعلم لطلابنا".
وأضافت أن "الاحتلال الإسرائيلي تعمّد قصف المدارس؛ لأنه يعتمد سياسة التجهيل ضد الفلسطينيين، ولا يريد جيلاً متعلماً".
تابعت بأن "الحرب أثّرت بشكل كبير على طلابنا، وتركتهم في حالة نفسية مضطربة، لذلك نمارس معهم تفريغاً نفسياً لإخراجهم من جو الخوف والرعب".
وقالت: "نحن نعرف مصلحة طلابنا جيداً، وسنواصل مسيرة العلم رغم القصف والحصار والقتل".
يشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تشن عدوانها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، راح ضحيته أكثر من 34 ألف شهيد، ونحو 77 ألف مصاب، بحسب آخر إحصائية أصدرتها وزارة الصحة الفلسطينية.
ويواصل الاحتلال الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فوراً، ومثوله أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".