عادت وزارة الكهرباء المصرية إلى خطة تخفيف الأحمال على مستوى المحافظات المختلفة بدءاً من 21 أبريل/نيسان 2024، ما يتسبب يومياً في انقطاع الكهرباء عن المواطنين مدة تتراوح ما بين ساعة إلى ساعتين، بعد أن توقفت عملية الانقطاع بشكل كامل خلال شهر رمضان.
يطرح ذلك تساؤلات عدة حول أسباب أزمة الكهرباء بمصر، وعودتها، رغم أن البلاد تلقت دعماً دولارياً ضخماً عبر الصفقات الاستثمارية في منطقة رأس الحكمة، إلى جانب التوقيع على اتفاق جديد مع صندوق النقد، ومع الحديث عن توالي وصول المساعدات الأوروبية.
أسباب أزمة الكهرباء بمصر
استخدمت الحكومة المصرية مبررات سابقة لانقطاع الكهرباء، وقالت إنها ترغب في توفير كميات الغاز الطبيعي المستخدمة في تشغيل محطات الكهرباء بمصر، من ثم توفير النقد الأجنبي للبلاد، جراء أزمة نقص العملة الصعبة على مدى العامين الماضيين.
لكن مصدراً مطلعاً بوزارة الكهرباء المصرية، كشف لـ"عربي بوست" عن أسبابٍ تقود لاستمرار خطط تخفيف الأحمال، مشيراً إلى أن توفير العملة الصعبة المطلوبة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي من احتياج محطات الكهرباء بمصر، "لم يتم بعد".
وقال إن "النقاشات خلال الفترة الماضية كانت تدور حول قيمة الدعم بالجنيه المصري، وكيفية احتسابه، مع انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار من 30 جنيهاً إلى ما يقرب من 50 جنيهاً، بالتالي فإن الحكومة تخشى أن تجد نفسها أمام مشاكل في شح الغاز الطبيعي، يترتب عليها انقطاع الكهرباء لساعات طويلة خلال أشهر الصيف".
لذلك، فإن "الحكومة تحاول في هذا التوقيت توفير ما يمكنها من كميات، انتظاراً لوضوح الرؤية، بالنسبة لمدى قدرتها على إنهاء أزمة شح العملة الصعبة من عدمه".
أوضح كذلك أن الحكومة كانت تستورد الغاز الطبيعي بقيمة 400 مليون دولار شهرياً، لسد عجز محطات الكهرباء، بما يضمن عدم انقطاع الكهرباء بمصر في جميع الأوقات، لكنها مع وجود أزمة في العملة الصعبة، وجهت تلك الأموال لاستيراد سلع استراتيجية أهم.
في المقابل، عمدت الحكومة إلى توفير ما يقرب من 100 مليون دولار من تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج شهرياً، وهي الخطة التي ستكون قابلة للتغير خلال الفترة المقبلة، وفق ما أعلنته، لأنه لن يكون هناك تصدير من الإنتاج المحلي المسال.
لكن المصدر أشار إلى أن "المشكلة تتمثل في مدى قدرة الحكومة على تحمل استيراد الغاز بما يقرب من 500 مليون دولار، في ظل تعدد احتياجات العملة الصعبة، وارتفاع أسعار الوقود عالمياً، بخاصة أنها في طريقها لسداد أجزاء من فوائد الديون خلال الأشهر المقبلة".
تراجع توليد الطاقة من السد العالي
أشار كذلك إلى أن الكهرباء بمصر التي يتم توليدها من خزان السد العالي، وكانت تساهم في عدم الحاجة للجوء إلى تخفيف الأحمال تراجعت منذ العام الماضي 2023، جرّاء تأثر السد بملء سد النهضة.
بناء على ما سبق، أوضح المصدر ذاته أن الحكومة أضحت أمام مأزق جديد يتعلق بتوفير بدائل جديدة.
كما أن استهلاك المصريين للكهرباء زاد بنسبة تصل إلى 20% خلال السنوات الثلاث الماضية، مع زيادة المساحة العمرانية، وبناء المدن الجديدة، مثل العاصمة الإدارية والمدن الساحلية التي تضاعفت خلال الخمس سنوات الماضية.
إلى جانب زيادة أعداد المصريين واللاجئين، ما أفضى لوجود أزمة مركبة تتعلق بزيادة الاستهلاك دون وجود وفرة في الغاز الطبيعي، بحسب المصدر ذاته.
من جانبها، قررت وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر، وقف تصدير شحنات الغاز الطبيعي المسال للخارج، اعتباراً من شهر مايو/أيار 2024، وذلك بغية تلبية احتياجات محطات الكهرباء من الوقود، وسط ارتفاع الاستهلاك خلال أشهر الصيف، بهدف تفادي حدوث نقص في الوقود خلال صيف 2024.
تراجع صادرات الغاز ونقص الوقود
يُشار إلى أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كشف مؤخراً أن صادرات مصر من الغاز الطبيعي تراجعت بواقع 7.2 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 74%، لتسجل في العام 2023 مستوى 2.5 مليار دولار مقابل 9.8 مليار دولار في العام 2022.
وشدد مصدر آخر في وزارة الكهرباء على أن محطات إنتاج الكهرباء تعمل بكفاءة، وليس بها مشكلات تتعلق بالصيانات أو القدرة على الوصول إلى كافة المناطق العمرانية الحديثة، لكن الأزمة تتمثل في نقص الوقود المورد إلى محطات الإنتاج، وتحديداً المازوت وإمداد الغاز الطبيعي.
وقال إن "الحكومة حينما كانت لديها الرغبة في أن تتوقف عن إجراء تخفيف الأحمال، فعلت ذلك دون وجود مشاكل في محطات الكهرباء بمصر"، مشيراً إلى أن "التوسع العمراني يستهلك بالطبع كهرباء إضافية، والمشكلة في قدرة الحكومة على توفير الوقود اللازم لها".
التوسع العمراني
منذ أيام، كشف المتحدث باسم مجلس الوزراء محمد الحمصاني، لوسائل إعلام محلية، عن أن "الدولة بالفعل تستورد الوقود، لكن المشروعات القومية الكبرى والتوسع العمراني يتطلب استيراد المزيد من الوقود".
في حين أكد المصدر لـ"عربي بوست"، أن الدعم الموجّه للكهرباء من جانب الحكومة في الموازنة الجديدة، لا يكفي للحصول على كميات الغاز التي تحتاجها المحطات، التي ستكون بحاجة لاستيراد كميات كبيرة من الخارج، بحسب معدلات الاستهلاك.
ورغم أنها أقرت أخيراً زيادة في شرائح الكهرباء، أي أنها حمّلت المواطنين المصريين المزيد من أسعار الخدمة، لكن ذلك واكبه أيضاً انخفاض في قيمة الجنيه أمام الدولار، لتظل مشكلة انخفاض أسعار الشرائح سائدة، وتعد أحد الأسباب التي تدفع الحكومة لقطع الكهرباء بمصر، لكي لا ترفع فاتورة الدعم الموجه إليه، وفق المصدر الذي يعمل في وزارة الكهرباء.
ولفت المصدر إلى أن كميات المازوت والغاز الطبيعي الموجهة إلى محطات الكهرباء بمصر تبقى متغيرة، وليست ثابتة، وعلى أساسها يتم تحديد فترة انقطاع الكهرباء وتوقيتها، مشيراً إلى أن التأثير يبقى واضحاً في المناطق المكتظة بالسكان، التي كان فيها وحدات سكنية شاغرة.
لكنه أضاف أنه "بوصول أعداد كبيرة من اللاجئين، تم تسكين تلك الوحدات، وأضحى الاستهلاك مرتفعاً، وهو ما تأثر به المواطنون خلال أشهر الصيف الماضي، ومن المتوقع أن يستمر هذا العام 2024".
من جانبه، قال مسؤول سابق في وزارة البترول لـ"عربي بوست"، إن محطات الكهرباء بمصر تنتج 48 ألف ميغاوات سنوياً، وهو ما يكفي الاستهلاك المصري ويفيض للتصدير، لكن المشكلة في تشغيل هذه المحطات التي بحاجة إلى كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، في حين أن الحكومة تستهدف بالأساس توفير الغاز للتصدير، من أجل توفير الدولار، رغم أنها تستمر في إنجاز مشروعات أخرى ذات مدفوعات دولارية ضخمة، مثل العاصمة الإدارية والمدن الجديدة، وقطار المونوريل.
انتقد المصدر التوسع العمراني، وقال إنه يأتي رغم أن هناك أزمة اقتصادية وحروباً دولية، وهو ما يشير إلى أن المشكلة تبقى في الأولويات، وفق تعبيره.
وقال إن "الحكومة لا تضع في اعتباراتها أن انقطاع الكهرباء بمصر يشكل عامل نكد وضيق للشعب المصري بأكمله، لذلك هي بحاجة للتعامل مع الأزمة بمنظور سياسي واقتصادي أيضاً".
ولفت إلى أن مصر أمام فصل صيف سيكون صعباً، فرغم أن الدولة حصلت على منح وقروض واستثمارات بقيمة 60 مليار دولار خلال الأشهر الماضية، لكنها ليست كافية لضمان سد العجز في كميات الغاز التي تحتاجها محطات الكهرباء.
عبر أيضاً عن عدم تشاؤمه من إمكانية حل المشكلة بوقت قريب، قائلاً: "الأزمة على المدى الطويل ستتفاقم بسبب التوسع العمراني، لأن المناطق الجديدة لم ينتقل إليها المواطنون بعد، بالتالي سيزيد الضغط ويزيد الاستهلاك".
وأكد المصدر لـ"عربي بوست" أن "الحكومة مطالبة بالاستجابة لمطالب المصريين بوقف تخفيف الأحمال، لأن هناك مستشفيات وجهات استثمارية تتضرر، ولابد من الإعلان عن خطط لتقليل أوقات انقطاع الكهرباء، وصولاً إلى التشغيل الكامل".
وأوضح أن الحكومة تساهم في مفاقمة الأزمة خلال شهر الصيف، بعدما أصرت على موقفها بشأن العودة إلى التوقيت الصيفي، لأنه سيساهم في زيادة معدلات الاستهلاك بسبب طول فترات النهار مقارنة بالليل، وسيترتب على القرار الذي تم تطبيقه في 26 إبريل/نيسان 2024، زيادة ساعات العمل خلال الفترة الصباحية في المصانع والشركات، وذلك يعني مضاعفة معدل استهلاك الطاقة.
في يوليو/تموز 2023، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أن مصر سوف تستورد شحنات إضافية من المازوت لتشغيل محطات توليد الكهرباء، للتغلب على مشكلة انقطاع التيار.
وقدر مدبولي، حينها، قيمة شحنات المازوت التي سيتم استيرادها في شهر أغسطس/آب 2023 من أجل تلبية احتياجات توليد الكهرباء بين 250 و300 مليون دولار.
وتعتمد البلاد على الوقود الأحفوري في تشغيل محطات الكهرباء بمصر بنسبة 85%، وفق تصريحات سابقة لرئيس الحكومة، إذ يتم استخدام مزيج بين الغاز الطبيعي والمازوت الذي يستخدم لتشغيل الجزء الأكبر من المحطات، إلى جانب الطاقة الجديدة والمتجددة، التي ترتبط بالسد العالي، ومشروعات الطاقة المتجددة من الشمس والرياح التي تتوسع الدولة المصرية في تنفيذها، بحسب مدبولي.
قطع متعمد لتوفير مليار دولار سنوياً
مؤخراً كشف محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، أن الهدف الذي تسعى إليه الدولة هو "وقف تخفيف الأحمال نهائياً، وأن تصبح شبكة الكهرباء الحالية قادرة على توفير احتياجات مصر من الكهرباء"، لكنه أشار إلى أن "هناك ضغطاً في توفير احتياجات محطات الكهرباء بمصر من الوقود الذي يحتاج إلى سيولة دولارية، وأن قطع الكهرباء يوفر مليار دولار سنوياً".
وأوضح أنه رغم النجاح في توفير سيولة دولارية كبيرة، فإن الدولة تعمل على ترشيد إنفاقها، لوجود عديد من المتطلبات، مثل استيراد الأدوية والأغذية والأعلاف ومستلزمات الإنتاج بخلاف الوقود، مضيفاً: "من الممكن أن نتجاوز تخفيف الأحمال، لكن لا نستطيع أن نستغني عن الدواء والغذاء".
✅ الحقائق:
— صحيح مصر (@SaheehMasr) April 20, 2024
✅ تصريحات محمد الحمصاني مُضللة وغير دقيقة، إذ انطوت على ثلاثة أخطاء:
1️⃣ الخطأ الأول، قال المتحدث باسم مجلس الوزراء: "أغلبية تكلفة الكهرباء اللي بتصل للمواطن جزء كبير منها الدولة بتدعمه، بمعنى إن الدولة حتى هذه اللحظة لا زالت تدعم بدرجة كبيرة جدًا الكهرباء التي يتم… pic.twitter.com/FfJWEJ2u4U
أزمة حقل ظهر
وأشار المسؤول السابق في وزارة البترول لـ"عربي بوست"، إلى أن أزمة الكهرباء بمصر مرتبطة أيضاً بالاستفادة من حقل ظهر (حقل للغاز الطبيعي في مصر)، الذي كان يشكل ما يقرب من 40% من الاستهلاك المحلي.
وقال إن "العديد من خبراء الطاقة يرون أنه حصل هناك إنهاك للحقل من فرط الاستخدام خلال السنوات الأولى من التشغيل، بسبب تعجل الحكومة في الإعلان عن ضخ كميات كبيرة من الغاز الطبيعي دون دراسة وافية".
اعتبر كذلك أن "الأزمة الأكبر أن مصر لن تشهد دخول حقول جديدة للغاز خلال العامين المقبلين، ما يشير إلى إمكانية استمرار الأزمة طيلة هذه الفترة".
في سبتمبر/أيلول 2018، أعلنت مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، لكن بحساب كلفة الفرصة البديلة، أي إمكانية تصدير الغاز بدلاً من توريده لمحطات الكهرباء، أصبح من المكلف الاستمرار في توليد الكهرباء بالمعدلات السابقة ذاتها.
دفع ذلك الحكومة في أغسطس/آب 2022 إلى تنفيذ خطة لترشيد الاستهلاك الكهربائي، واستغلال الغاز في التصدير لتلبية الطلب العالمي المرتفع عالمياً، في أعقاب الحرب الروسية- الأوكرانية؛ ما أسفر عن نمو قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي بنسبة 171%، لتصل إلى 8 ملايين طن بقيمة 8.4 مليار دولار خلال عام 2022.
ارتفعت بذلك واردات الوقود لحساب وزارة البترول، خلال الربع الأول من 2024، إلى 3.3 مليارات دولار بزيادة 6% عن الفترة ذاتها من عام 2023، التي بلغت 3.1 مليارات دولار، لتستحوذ على نحو 70% من فاتورة الاستيراد، خلال أشهر يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط ومارس/ آذار 2024.