يحذر مراقبون من خطورة ما ينتظر المسجد الأقصى خلال "عيد الفصح اليهودي"، على ضوء الدعوات والتهديدات باقتحامه وذبح القرابين بداخله، حيث تصر جماعات الهيكل المتطرفة على ربط هذا العيد باقتحامات المسجد الأقصى المبارك، وتحشد أنصارها كل عام لتنفيذ اقتحامات جماعية لساحاته وتقديم مكافآت لمن ينجح في ذبح قرابين بداخله، في وقت يعيش فيه فلسطينيو القدس أياماً عصيبة على وقع معركة طوفان الأقصى واجتياح الاحتلال لقطاع غزة واستمرار عملياته العسكرية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.
ما هو عيد الفصح اليهودي؟
عيد الفصح أو (بيسح) في الديانة اليهودية هو عيد رئيسي يرمز إلى الفترة التي خرج فيها بنو إسرائيل من مصر هرباً من فرعون بقيادة النبي موسى، عليه الصلاة والسلام، وتقول روايتهم إنهم صنعوا خلال خروجهم، وعلى مدى 8 أيام، فطيراً من دون خميرة بأمر من الله وبمثابة شكر له على إنقاذهم من فرعون.
وتعني كلمة (بيسح) "العبور" بالعربية، وهو يمتد 7 أيام. ويوافق عيد الفصح اليهودي 22 من أبريل/نيسان 2023، ويختلف كل عام حسب التقويم العبري، ويحظر دينياً العمل في اليوم الأول والأخير من العيد.
ولهذا يعدّ هذا العيد من أكثر المناسبات أهمية لدى اليهود لارتباطه بما يسمونها قرابين "الشكر لله" على إنقاذ بني إسرائيل، حسب تفسيرهم. ومن المظاهر والطقوس التي يقرها الحاخامات اليهود في هذا العيد، الصوم اختيارياً اليوم الذي يسبق عيد الفصح، وتسمى عشية العيد باسم ليلة المنهاج (ليل هسيدر).
ويمتنع اليهود في هذا العيد عن أكل الخبز أو أي طعام مصنوع من الخبز المختمر، ويكتفون بتناول فطيرة "ماتساه"، كرمز لاستعجال اليهود بالخروج من مصر وعدم انتظار انتفاخ العجين. ومن المظاهر الأخرى شرب 4 كؤوس من الخمر خلال قراءة نصوص كتاب "الهجداه"، وهو من أكثر الكتب التقليدية انتشاراً عند اليهود.
ما خطورة عيد الفصح اليهودي على المسجد الأقصى؟
قدمت منظمة "عائدون إلى جبل الهيكل" طلباً رسمياً للشرطة الإسرائيلية للسماح لها بذبح "قُربان الفصح" داخل المسجد الأقصى المبارك بعد الانطلاق من ساحة البراق نحوه. وفي الطلب قالت المنظمة المتطرفة إنها تريد ذبح القربان عند قبة السلسلة في صحن مصلى قبة الصخرة المشرفة أو على مقربة منها.
وبعد أيام من تقديمها هذا الطلب، دعت المنظمة أنصارها للتجهز لذبح القربان في الأقصى يوم الإثنين 22 إبريل/نيسان 2024 الذي يعتبر عشية العيد، وقالت إن الذبيحة يجب أن يكون عمرها أقل من عام واحد.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قدمت المنظمة إغراءات بمنح مكافآت مالية ضخمة لمن ينجح من المستوطنين في تهريب وذبح القرابين داخل الأقصى خلال عيد الفصح، وتصل قيمة المكافأة إلى أكثر من 13 ألف دولار أمريكي، بالإضافة لمكافآت مالية أقل قيمة لمن يحاول من المستوطنين تهريب قربان الفصح الحيواني ويفشل في ذلك.
وصباح يوم الإثنين، قالت شرطة الاحتلال إنها اعتقلت ستة من نشطاء حركة "العودة إلى الجبل" وهم في طريقهم إلى الحرم القدسي الشريف لمحاولة تقديم ذبيحة عيد الفصح والحصول على المكافآت، حيث كان بحوزتهم ثلاثة من الماعز.
منظمة أخرى تدعى "جبل الهيكل بأيدينا"، لم تتوقف منذ أسابيع عن نشر إعلانات تحث فيها المتطرفين على الاقتحام خلال عيد الفصح. وجاء في الإعلانات أن وسائل النقل ستكون مدعومة، وأن اقتحاماتهم للمسجد الأقصى ستكون مؤمنة من الشرطة الإسرائيلية، ووعدتهم بأن تكون جولاتهم بداخله مثيرة، ودعتهم لتنفيذها دون ارتداء أحذية جلدية "لقداسة المكان" بالنسبة لليهود، وفق زعمها.
ونشرت المنظمة برنامج عيد الفصح وجولاتها التي أدرجتها تحت عنوان "الحج إلى جبل الهيكل مع أفضل المرشدين"، ووضعت في تصميم الإعلان صورة كأس نبيذ أمام مصلى قبة الصخرة المشرفة.
المتحدث باسم منظمات الهيكل المتطرفة آساف فريد كتب على صفحته في موقع فيسبوك "على الجميع الصعود إلى جبل الهيكل ومن دون حذاء جلدي.. سيادتنا على جبل الهيكل أول مكان يجب إصلاحه، والأمر بين أيدينا في عيد الفصح لتخليصه".
الاحتلال يستنفر قواته، والمقدسيون يواجهون أياماً قاسية في "الفصح"
ومع بدء الاحتفالات الإسرائيلية لما يسمى "بعيد الفصح" اليهودي، صباح الإثنين 22 أبريل/نيسان 2024، نشرت شرطة الاحتلال الآلاف من عناصرها في أنحاء مدينة القدس، تزامناً مع اقتحام مستوطنين لباحات المسجد الأقصى، ومحاولات ذبح القرابين، وسط تحذيرات فلسطينية.
وجاء "عيد الفصح" في وقت تخشى فيه فتح جبهة المسجد الأقصى الآن، لأن الاعتداء عليه كان سبباً رئيسياً في معركة سيف القدس عام 2021، وشكلت معركة طوفان الأقصى عامل ردع لأي تحرك إسرائيلي استراتيجي تغييري تجاه المسجد الأقصى.
تركزت قوات الشرطة الإسرائيلية على مدينة القدس، وخاصة الأماكن المزدحمة "والأماكن المقدسة حفاظاً على أمن وسلامة المصلين وجميع سكان المدينة والوافدين إلى بواباتها"، بحسب ما أفاد موقع هيئة البث الإسرائيلي. الموقع أشار إلى أن الشرطة تعمل بقوات متزايدة في غربي وشرقي المدينة، وفي أزقة البلدة القديمة بهدف "إتاحة ضمان حرية العبادة للمصلين الذين يتوافدون إلى الأماكن المقدسة".
وقررت شرطة الاحتلال نشر 3 آلاف عنصر بشكل يومي في مدينة القدس، وفرضت تشديدات على دخول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، ما يشكل عيد الفصح الذي يستمر أسبوعاً، كابوساً على المقدسيين بسبب القيود والإجراءات المشددة.
الخطورة على المسجد الأقصى من "عيد الفصح" تزداد عاماً بعد عام
لكن خلال الأعوام الأخيرة، لم يمر عيد الفصح اليهودي هادئاً في ساحات ومصليات أولى القبلتين خاصة أنه تزامن مع شهر رمضان المبارك. وفي عام 2023 اقتحم المسجد الأقصى خلاله 3430 متطرفاً ومتطرفة خلال الفصح أدوا طقوساً وصلوات تلمودية، وارتدى كثيرون منهم الملابس التوراتية البيضاء.
ونفذت جماعات الهيكل المتطرفة طقوس ذبح القربان على السور الجنوبي للمسجد، ونشرت "6 حقائق" للتحريض على ذبحه في الأقصى قائلة إن "دمه هو رابطة عهدنا مع الرب، وإذا أتيتم بالآلاف إلى أبواب الأقصى ستمكّننا الحكومة من فرض القربان".
وفي عام 2022 اقتحم ساحات الأقصى 3670 متطرفاً ومتطرفة خلال العيد، وضُبطت نحو 15 محاولة تهريب للقرابين الحيوانية إلى المسجد قُبيل الفصح وخلاله.
ولا يمكن ذكر عيد الفصح في رمضان 2022 دون التطرق إلى الاقتحام الأعنف الذي نفذته قوات الاحتلال للمسجد الأقصى بُعيد صلاة فجر الجمعة الموافق 15 أبريل/نيسان، واعتدت على 30 ألف مصلّ بشكل وحشي؛ ما أسفر عن وقوع 158 إصابة واعتقال 476 من المعتكفين داخل المصلى القبلي بعد اقتحامه، وتسلم جميع هؤلاء أوامر بالإبعاد عن المسجد المقدس لفترات متفاوتة.
وحذرت محافظة القدس من مغبة إقدام الجمعيات الاستعمارية المدعومة من حكومة نتنياهو المتطرفة، ومن المتطرف إيتمار بن غفير، على اقتحام المسجد الأقصى المبارك، وإدخال قرابين حيوانية، وذبحها في ساحاته، خلال الأيام القادمة، لمناسبة أعياد الفصح اليهودية.
المحافظة قالت، في بيان الإثنين 22 إبريل/نيسان، "إن حكومة نتنياهو المتطرفة تسعى منذ وقت طويل إلى خلق وضع قائم جديد في القدس بشكل عام، وفي المسجد الأقصى المبارك، بشكل خاص".
البيان أضاف أن "دعوات الجمعيات الاستعمارية تأتي لجموع المستعمرين إلى اقتحام المسجد الأقصى وذبح القرابين الحيوانية فيه لتؤكد نوايا الاحتلال بالسيطرة على المسجد الأقصى وتقسيمه مكانياً والسماح للمتطرفين باقتحامه طيلة أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة".
وأكدت المحافظة، في بيانها، أن انشغال المجتمع الدولي بالعدوان الغاشم على أهلنا في غزة أعطى فرصة سانحة لحكومة الاحتلال، وقطعان المستعمرين، وجمعياتهم الاستعمارية، لزيادة أعداد المقتحمين التي ستبلغ الآلاف، إذا ما استطاعت هذه الجمعيات تنفيذ مخططاتها وذبح قرابينها المزعومة (البقرات الحمراء)، والتي جلبتها من الولايات المتحدة الأمريكية في المسجد الأقصى وتطهير آلاف اليهود مما يسمونه دنس الأموات حسب معتقداتهم.
ما هي جماعات الهيكل الصهيونية المتطرفة التي تنادي بإحياء طقوس "الفصح" في المسجد الأقصى؟
ظهرت أولى مجموعات ما يعرف بـ "جماعات الهيكل" الصهيونية المتطرفة في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد احتلال جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس في عام 1967، والتي تدعى "جماعة أمناء جبل الهيكل"، وهي أبرز "جماعات الهيكل" المنتشرة اليوم في إسرائيل التي يصل تعدادها إلى العشرات.
و"أمناء جبل الهيكل" هي حركة يهودية أرثوذكسية متطرفة مقرها القدس، وهدفها الأساسي بناء ما يسمى بـ"معبد هيكل سليمان" مكان المسجد الأقصى وإعادة معهد ممارسة التضحية الطقوسية. وتأسست الحركة عام 1967 على يد غيرشون سالمون، وهو ضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أعضاؤها يدعون علناً إلى هدم المسجد الأقصى، إضافة إلى طرد جميع المسلمين والمسيحيين مما يسمونه "أرض إسرائيل".
وخلال العقود الماضي، نشأت وتطورت العديد من جماعات الهيكل الصهيونية، وخصيصاً بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، وبشكل عام، تعتبر هذه الجماعات أن إقامة ما يعرف بـ"هيكل سليمان" المزعوم مكان المسجد الأقصى بمثابة جوهر الوجود الصهيوني على أرض فلسطين.
ومنذ عام 2003، وهو العام الذي بدأ فيه اقتحام اليهود المتطرفين للمسجد الأقصى بقرار قضائي، أصبحت هذه المنظمات تمتلك نفوذاً كبيراً داخل مؤسسات دولة الاحتلال وحصة متنامية داخل الكنيست الإسرائيلي، لتحدد السياسات العامة في الدولة وتحقق العديد من المكاسب في تهويد القدس.
وتعمل الجماعات على بناء سياسات بهدف طرد الفلسطينيين من أرضهم والنيل من صمودهم عن طريق اتباع كافة السبل التي تهدد حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم؛ وذلك بدعم المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وحتى التشريعية في دولة الاحتلال، كما يقول مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
وتبرز العشرات من الجماعات الصهيونية المتطرفة، لتشكل كتلة داخل اليمين الإسرائيلي وتشارك في تكوين الحكومات اليمينية المتعاقبة، وتضم أتباع التيار القومي الديني الذي يقوم على مزج مبدئي القومية والدينية اليهودية.
إلى جانب حركة أمناء الهيكل، التي تتخذ من مدينة القدس المحتلة مقراً لها، ولها فرع في الولايات المتحدة يقوم من خلاله مسيحيون صهاينة من كاليفورنيا بدعمها مالياً.
فيما يلي أبرز المنظمات والجماعات الصهيونية التي تستهدف على وجه الخصوص مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، وتسعى لإقامة الهيكل المزعوم، وعددها يتجاوز الـ60 جماعة، بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني:
1- منظمة "إحياء الهيكل": وهي جماعة يهودية تعتبر من أكثر الجماعات تطرفاً، وتسعى لضم الجماعات اليهودية المهتمة بهدم الأقصى في جماعة واحدة، وتمثل الإطار العام لمعظم المنظمات المعنية بما يدعونه "جبل الهيكل"، ويتزعمها الحاخام "هليل وايز".
2- جماعات "حراس الهيكل": وتضم عدة منظمات صهيونية أبرزها "معهد الهيكل" التي تأسست عام 1983 على يد الحاخام "يسرائيل أرييل" في الحي اليهودي بالقدس، ويؤمن قادتها بأن بناء "الهيكل" لن يتم عن طريق المعجزات بل من خلال مبادرات عملية فعالة. وتتلقى هذه المنظمة دعماً من الحكومة الإسرائيلية وبعض المنظمات الصهيونية القومية؛ إضافة إلى بعض الجماعات المسيحية الأصولية. واشتهر الحاخام أرييل بفتاواه التي تبرر تدمير ممتلكات العرب وإبادتهم وتصفية وجودهم في فلسطين المحتلة في الثمانينيات.
3- جمعية "الاستيلاء على الأقصى": أعضاؤها يدعون علناً إلى هدم المسجد الأقصى، إضافة إلى طرد جميع المسلمين مما يسمونه "أرض إسرائيل"، ومن أهداف هذه الحركة أيضاً تهويد مدينة الخليل، والاستيلاء على المسجد الإبراهيمي الذي أطلقوا عليه اسم "كنيس ماكفير"، ومن أبرز رموزها: يسرائيل أرييل، والحاخام كورن الذي يعد المرشد الروحي لعدد من اليهود الذين قاموا بالاعتداء على المسجد الأقصى عام 1986.
4- جمعية "صندوق تراث جبل الهيكل": وهي جمعية مسجلة أسسها الحاخام المعروف "يهودا جليك" عام 2012 وسجلت كجمعية رسمية عام 2013. ومن أهدافها الرئيسية "تقوية الترابط بين الشعب الإسرائيلي و"جبل الهيكل"، وكذلك تقوية التوعية بمركزية ومحورية "جبل الهيكل" في التراث الإسرائيلي، وتشجيع الصعود إلى "جبل الهيكل" بحسب الشريعة اليهودية.
5- متطوعون من أجل تشجيع الصعود إلى جبل الهيكل (يرائيه): نشط وظهر اسم هذا التنظيم عام 2015، ويقوم بتشغيل متطوعين يستقبلون ويرشدون المقتحمين للأقصى، كما يقومون برصد الاقتحامات ونشر أخبارها وتعميم الفتاوى والشعائر المتعلقة بـ"الصعود إلى جبل الهيكل"، وتنظيم اقتحام دوري يقوده الحاخامات.
6- مجلس "السنهدرين الجديد": أو "مجلس اليهود الكبير"، حيث ينظر إليه على أنه محكمة عليا للأمة اليهودية، والذي أسسه مجموعة من حاخامات التيار القومي-الديني بقصد إحياء الهيكل المزعوم وإقامته في مكان المسجد الأقصى، وإحياء كامل عباداته التوراتية، ومن أبرز مؤسسيه الحاخام "أرييه ليبو"، والحاخام يهوذا كروز.