قالت هيئة الدفاع عن المعتقلين بـ"ملف التآمر على أمن الدولة" بتونس، في تصريحات لـ"عربي بوست"، إن "تلاعباً بالإجراءات جرى، للإبقاء على احتجازهم لدى السلطات بطريقة غير قانونية"، في آخر تطور لقضيتهم.
يأتي ذلك بعد تصريحات في ليلة الإثنين 15 أبريل/نيسان 2024، رأى فيها الرئيس التونسي قيس سعيد قضية التآمر، أنها تشهد ما سماه "التمطيط" بالإجراءات القانونية في قضايا المعتقلين فيها".
يرى قيس سعيد قضية التآمر تعاني من "المماطلة"
في اجتماع لمجلس الأمن القومي التونسي، رأى قيس سعيد قضية التآمر، تعاني "التمطيط"، وأنه "آن الأوان لمحاكمة المتآمرين محاكمة عادلة"، وإنه "تم احترام الإجراءات، لكن التمطيط فيها يجعل من هؤلاء يتآمرون حتى من وراء القضبان مرة أخرى على أمن الدولة"، على حد تعبيره.
وتعتقل السلطات بملف "التآمر" عدداً من السياسيين المعارضين لسعيد، من بينهم قيادات حزبية، ووزراء ونواب سابقون.
أفادت هيئة الدفاع في تصريحاتها لـ"عربي بوست"، بأن "جميع المعتقلين في ملف التآمر كان يجب إطلاق سراحهم وجوباً، بداية من الخميس القادم 18 أبريل/نيسان، وحتى منتصف ليلة الجمعة، وأن عدم السراح يُعد احتجازاً قسرياً لهم"، على حد وصفها.
عن الطريقة التي جرى استمرار احتجاز المتهمين فيها، أوضحت عضوة فريق الدفاع، المحامية إسلام حمزة، لـ"عربي بوست"، أنها من خلال "ختم البحث في القضية"، أي إنهاء التحقيقات في الملف، تمهيداً لبدء جلسات المحاكمة.
لكنها أوضحت أن "ختم البحث جرى بطريقة غير قانونية، من خلال التلاعب بالإجراءات، وهو الأمر الذي تأكد لنا حصوله، وأن ختم قاضي التحقيق للبحث الإثنين الماضي (15 أبريل/نيسان) كان بطريقة غير قانونية".
بناء على ما سبق، اعتبرت حمزة أنه "بكل وضوح، فإن السلطة السياسية هي من تحتجز موكلينا، من خلال نزع الغطاء القضائي عن الملف، وكل الإجراءات، منذ لحظة الإيقاف، حتى ختم البحث بطريقة غير قانونية".
بما يتعلق باستخدام الختم القضائي والتلاعب بالإجراءات، قالت إنه يتلخص باستخدام الختم بعيداً عن الإجراءات السليمة، التي تقتضي بحسب القانون الاحتجاز لمدة 14 شهراً ثم إطلاق السراح وجوباً، طالما لم يطرأ أي جديد على ملف القضية، إلا أن السلطات استعجلت ختم البحث قبل انتهاء المدة بيوم واحد فقط، وذلك لإبقاء المعتقلين بحالة احتجاز تمهيداً لمحاكمتهم، دون الإفراج عنهم، ما يُعدّ "احتجازاً تعسفياً".
معتقلو قضية التآمر
المعتقلون المشمولون في قضية "التآمر على أمن الدولة"، هم: السياسي عبد الحميد الجلاصي (قيادي سابق بالنهضة)، وعصام الشابي (أمين عام الحزب الجمهوري)، وجوهر بن مبارك، وغازي الشواشي (القيادي بجبهة الخلاص)، ورضا بالحاج (حزب التحرير تونس)، وكمال اللطيف (رجل أعمال تونسي)، وخيام التركي (ناشط سياسي وحزبي).
من المتهمين أيضاً، أسماء عدة أخرى في الملف أيضاً، ولكن يصفهم القضاء بأنهم في "حالة فرار"، وهم أكثر من 17 شخصاً، بالإضافة إلى معتقلين آخرين في ملفات أخرى، من بينهم الوزير السابق والمحامي نور الدين البحيري، الذي جرت إحالته على الدائرة الجنائية الثلاثاء 16 أبريل/نيسان 2024، بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
في حين جرى إطلاق سراح كل من الناشطة شيماء عيسى، والمحامي الأزهر العكرمي، بعد 5 أشهر من السجن في قضية "التآمر" ذاتها.
بعد "ختم البحث".. تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام
كشفت العضو بهيئة الدفاع، المحامية دليلة مصدق، أنه بعد قرار ختم البحث في ملف "التآمر"، تم توجيه تهمة "تكوين وفاق إرهابي، والتآمر على أمن الدولة، وارتكاب أمر موحش في حق رئيس الدولة"، لكلّ من الناشط السياسي خيام التركي، ورجل الأعمال كمال اللطيف.
أضافت مصدق في حديثها مع "عربي بوست" أنه "تم توجيه التهمة ذاتها أيضاً إلى وزير العدل السابق والمحامي نور الدين البحيري، وهو محال في قضية التآمر ولكن في حالة سراح".
والبحيري مودع بالسجن منذ أكثر من سنة على ذمة ملف آخر، يتعلق بتدوينة على "فيسبوك"، دعا فيها إلى النزول إلى الشارع في ذكرى ثورة يناير 2011، في وقت يؤكد فيه فريق الدفاع عنه، أنها "تدوينة خيالية، ولا وجود لها"، وفق تعبيره.
إلى جانب ذلك، تمّ توجيه "تهمة الانضمام إلى وفاق إرهابي، وعدم الإشعار بجريمة إرهابية، والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وارتكاب أمر موحش في حق رئيس الجمهورية" إلى المحامي والأمين العام السابق لحزب التيار غازي الشواشي.
ووجهت تهمة مماثلة بـ"الانضمام إلى وفاق إرهابي، وعدم الإشعار بجرائم إرهابية، والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي"، ضد كل من السياسي عصام الشابي والمفكر والكاتب والقيادي السابق في النهضة عبد الحميد الجلاصي، وأستاذ القانون جوهر بن مبارك، و17 آخرين يصفهم القضاء بأنهم "في حالة فرار"، بسبب تواجدهم خارج تونس.
التوجه للمحاكم الدولية
وحذّر فريق الدفاع من عدم الإفراج عن المعتقلين خلال الخميس والجمعة القادمين، مشدداً على أن "كل دقيقة في السجن للمعتقلين بعد انتهاء الاحتفاظ الوجوبي، تتحمل مسؤوليتها السلطة السياسية".
وقالت العضو في هيئة الدفاع منية بوعلي لـ"عربي بوست": "يعتبر المعتقلون في حالة احتجاز قسري بانتهاء فترة الاحتفاظ القانوني، وكفريق دفاع لن نصمت".
وتابعت بشأن ما يراه قيس سعيد قضية التآمر تعاني من "المماطلة"، أن "رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يتوانى في كلمة مرة، بالتدخل في الشأن القضائي، ويعطي سقفاً له، بالقول إن من يبرّأهم (المعتقلين) فهو شريك لهم، ما يعني أن القضاة في هذا الملف لا يجب أن يصرّحوا بغير الإدانة".
التوجه إلى الأمم المتحدة والمحكمة الأفريقية
المحامية دليلة مصدق، كشفت من جانبها أنه "إن لم يتم الإفراج عن المعتقلين سنتوجه لمحكمة الأمم المتحدة وهياكل قضائية دولية والمحكمة الأفريقية، وسنخوض كل الأشكال النضالية المتاحة قانونا".
وقالت: "سنحاسب كل مسؤول عن تواصل سجن موكلينا بعد منتصف ليل الجمعة القادم، ولو بدقيقة واحدة".
بدورها، أكدت تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين، رفضها لما اعتبرته "إجراءات غير قانونية في ختم البحث في ملف التآمر"، مشددة على "جهوزيتها لخوض جميع الأشكال النضالية، دفاعاً عن المعتقلين".
من جانبها، قالت النائبة السابقة منية إبراهيم، زوجة السياسي عبد الحميد الجلاصي، لـ"عربي بوست": "لا نعترف بالإجراءات غير القانونية في ختم البحث، ونعتبر ذلك حيلة وتلاعباً من السلطة السياسية".
وأضافت في تصريحها لـ"عربي بوست": "ستكون لنا قريباً جملة من التحركات، تعبيراً عن رفضنا لما يحصل، ونؤكد أن أزواجنا رهائن في يد السلطة التنفيذية".
يذكر أن ملف "التآمر" برز بشكل لافت في تونس منذ عام 2023، لا سيما عقب اعتقال عشرات القادة السياسيين ورجال أعمال في داخل تونس، وتوجيه اتهامات لآخرين منهم خارج البلاد، في وقت تؤكد فيه هيئة الدفاع عن المعتقلين، أن "الملف سياسي، وأن السلطة تسجن كل معارضيها بغطاء قضائي".
ويقول الرئيس التونسي قيس سعيد، إن القضاء مستقل، وإنه لا يتدخل في عمله، بينما يتهمه المعارضون باستخدامه لملاحقتهم، بسبب رفضهم لما يسميه هو "إجراءات استثنائية" بدأ بفرضها في 25 يوليو/تموز 2021، وتؤكد المعارضة أنها "انقلاب على ديمقراطية البلاد".
من بين الإجراءات التي قام بها سعيّد، حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.