بعد ساعات من إطلاق إيران وابلاً من الطائرات المُسيَّرة والصواريخ ضد إسرائيل، أعلن قادة الجيش الإيراني أن "المهمة أُنجزَت"، نظراً لأنهم نفذوا تغييراً في التكتيكات يهدف إلى استعادة قوة الردع للجمهورية الإسلامية.
من خلال شن أول هجوم مباشر لها ضد عدوها القديم، قصدت طهران أن يكون الهجوم بمثابة استعراض قوة عضلي -إذا أُوصِل بوضوح- يجلب حرب الظل الطويلة الأمد مع إسرائيل إلى العلن، كما تقول صحيفة The Financial Times البريطانية.
"نحن أجنّ مما تظنون والكيل قد طفح"
يقول أحد المطلعين على قرارات النظام الإيراني للصحيفة البريطانية: "كانت رسالة إيران واضحة: نحن أجن مما تظنون، ونحن على استعداد لتحمل عواقب الحرب إذا لزم الأمر. والمقصود من هذا هو أن يكون رادعاً وإشارة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأنَّ الكيل قد طفح".
كان قرار شن هجوم مباشر على إسرائيل بمثابة مقامرة سياسية كبيرة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي اتبع تقليدياً سياسة "الصبر الاستراتيجي" في الرد على أعداء مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.
وهذا يعني أنَّ صانع القرار النهائي في الجمهورية لطالما سعى إلى تجنب الصراع المباشر، حتى بعد أن اتهم إسرائيل باغتيال علماء نوويين إيرانيين ومسؤولين أمنيين داخل الجمهورية قبل سنوات طويلة. واعتمد، في المقابل، على الحرب غير المتكافئة واستخدام وكلاء إقليميين، مثل حزب الله أيضاً والميليشيات في العراق وسوريا لاستهداف إسرائيل.
انتهاء مرحلة "الصبر الاستراتيجي"
وقال أحمد دستمالشيان، سفير إيران السابق لدى لبنان لصحيفة فايننشيال تايمز، إنَّ "الهجوم على إسرائيل فتح فصلاً جديداً في سياسة إيران الدفاعية، ويمثل نقلة نوعية من الصبر الاستراتيجي إلى الدفاع متعدد الطبقات".
وشنت طهران هذا الهجوم رداً على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق التي أسفرت عن مقتل 7 من أعضاء الحرس الثوري، من بينهم 2 من كبار الضباط.
ومنذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول والحرب التابعة على غزة، شنت إسرائيل سلسلة من الضربات ضد أهداف إيرانية في سوريا، ما تسبب في موجة من الأعمال العدائية في المنطقة التي شاركت فيها جماعات مسلحة مدعومة من إيران ضد إسرائيل.
وقُتِل ما لا يقل عن 18 من أفراد الحرس الثوري في سوريا، في حين تسببت الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان في مقتل أكثر من 250 مقاتلاً من حزب الله، الحليف الأقوى والأهم لإيران. وطوال ذلك الوقت، ظل المسؤولون الإيرانيون يرددون أنَّ الجمهورية الإسلامية تريد تجنب حرب إقليمية أوسع أو صراع مباشر مع إسرائيل.
كان يجب على إيران رد الصفعة لإسرائيل
ومع ذلك، وفقاً للمصادر المطلعة في الحكومة الإيرانية، ترى طهران أنَّ الضربة الأخيرة في دمشق قد تجاوزت الخط الأحمر، وشعرت بالقلق من أنَّ عدم الرد "لن يؤدي إلا إلى تشجيع المزيد من التهديدات الإسرائيلية وتصوير إيران على أنها ضعيفة".
وقال حامد رضا تراغي، وهو سياسي إيراني محافظ: "صحيح أنَّ إسرائيل اعترضت عدداً كبيراً من طائرات الكاميكازي المُسيَّرة. لكن من خلال إطلاق وابل من هذه الطائرات، استهدفت إيران التغلب على الدفاع الجوي الإسرائيلي متعدد الطبقات حتى تتمكن صواريخها من اختراق النظام. الجمهورية الإسلامية تمكنت من ضرب قاعدة عسكرية رئيسية في الجنوب بسبعة صواريخ".
وصرح قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، بأنَّ الهجوم الإيراني "كان من الممكن أن يكون أكبر بكثير لكننا قصرناه على استهداف المنشآت التي استخدمها النظام الإسرائيلي لمهاجمة القنصلية فقط".
إضافة إلى ذلك، قال حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، إنَّ طهران أعطت "أصدقاءنا" في المنطقة تحذيراً قبل 72 ساعة من شن الهجوم.
وأضاف أنَّ طهران أرسلت رسالة إلى واشنطن، يوم الأحد 14 أبريل/نيسان، مفادها أنَّ "عمليتها ستكون محدودة بهدف الدفاع المشروع ومعاقبة إسرائيل"؛ ما يشير إلى الرغبة في تجنب أي تصعيد مع الولايات المتحدة.
وأعرب الإيرانيون، الذين لجأوا إلى الشبكات الاجتماعية، عن وجهات نظر مختلفة؛ ما يعكس استقطاباً متزايداً في الدولة. إذ دافع البعض عن الهجوم قائلين إنه أحيا شعورهم بالفخر الوطني وعاقب إسرائيل. فيما يعتقد آخرون أنه كان من الخطأ تقريب البلاد من حرب شاملة، وأعربوا عن قلقهم بشأن الرد الإسرائيلي المتوقع.
وعلى الرغم من مخاطر الانتقام الإسرائيلي ضد طهران، بدا المسؤولون الإيرانيون، ظاهرياً على الأقل، واثقين من أنَّ إسرائيل لن ترد رداً مباشراً، مراهنين على أنَّ مقامرة خامنئي ستؤتي ثمارها.
وقال داستمالشيان، السفير السابق: "كان هذا عملاً عقابياً وانتهى الآن. وإذا ارتكبت إسرائيل خطأً آخر، فسوف ترد إيران على نطاق أوسع بكثير. لكننا نعتقد أنه لا الأمريكيون ولا الأطراف الأخرى لديهم أية مصلحة في توسيع الصراع".
الضربات الإيرانية هزّت افتراضات إسرائيل بشأن طهران
وترى صحيفة The New York Times أنَّ الضربات الإيرانية غير المسبوقة على إسرائيل هزّت افتراضات إسرائيل بشأن عدوها؛ ما قوض حساباتها التي طال أمدها بأنَّ إيران سيكون من الأفضل ردعها عن طريق عدوان إسرائيلي أكبر.
ومع ذلك، استطردت الصحيفة أنَّ هذه الضربات الإيرانية من الممكن احتواؤها اعتماداً على كيفية رد إسرائيل، رغم أنها تحوِّل حرب الظل التي دامت بين البلدين لسنوات إلى مواجهة مباشرة. وقد أثبتت إيران أنَّ لديها قوة نيران كبيرة لا يمكن صدها إلا بدعم مكثف من حلفاء إسرائيل، مثل الولايات المتحدة؛ ما يسلط الضوء على حجم الضرر الذي يمكن أن تلحقه دون هذه الحماية.
وقالت الرئيسة السابقة للأبحاث في وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) سيما شاين، حسب ما نقلت عنها صحيفة The New York Times: "أعتقد أننا أخطأنا في الحسابات".
وأضافت شاين: "الخبرة المتراكمة لدى إسرائيل هي أنَّ إيران لا تملك وسائل جيدة للرد. وكان هناك شعور قوي بأنها لا تريد التورط في الحرب". وتابعت شاين أنَّ إيران خلقت، بدلاً من ذلك، "نموذجاً جديداً تماماً".
من جانبه، برّر علي فايز، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية -وهي مجموعة بحثية مقرها بروكسل- الهجوم بأنَّ إيران كانت بحاجة إلى أن تُظهر لوكلاء مثل حزب الله أنها تستطيع الدفاع عن نفسها. وقال: "ظهور إيران بمظهر الخائف للغاية من الرد على مثل هذا الهجوم الوقح على منشآتها الدبلوماسية في دمشق، كان من شأنه إلحاق ضرر كبير بعلاقات إيران ومصداقيتها في نظر شركائها الإقليميين".