يعتلي طفل فلسطيني شرفة منزله في شمال قطاع غزة، عند موعد كل صلاة، صادحاً بالأذان الغائب صداه عن المنطقة التي يعيش فيها؛ جرّاء تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي جميع المساجد فيها، وسط الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يامن المقيد، أو "مؤذن غزة الصغير" -كما يصفه جيرانه- طفل يعيش في بلدة بيت لاهيا شمالي غزة، وهي من أولى المناطق التي بدأ الاحتلال عدوانه المدمر عليها بالقطاع، يقوم يومياً بالأذان بحسب مواقيت الصلاة، ليحاول تعويض أهل المنطقة غياب صوت المساجد المدمرة بالكامل في هذه المنطقة.
التقى "عربي بوست" الطفل يامن، الذي لم يتجاوز عمره بعد ثماني سنوات، معبراً في حديثه عن شعوره بالفخر؛ كونه الوحيد الذي يرفع الأذان في الحي، مذكراً جيرانه بمواقيت الصلاة.
يامن المقيد مؤذن غزة الصغير
يقوم يامن خلال أيام عيد الفطر، وقبلها في شهر رمضان، نظراً لخصوصية موعدي الإمساك والإفطار، بتنبيه جيرانه وأهل منطقته بموعدهما من خلال الأذان.
رغم صغر سنه، إلا أن يامن تكفل بأداء هذه المهمة، وسط انقطاع الكهرباء والإنترنت ومعظم وسائل الاتصال عن الناس، ما يجعل معرفة أوقات الصلاة أصعب في ظل هذه الظروف.
يقول يامن لـ"عربي بوست"، إن الفكرة تولّدت لديه عندما قصف الاحتلال جميع المساجد في منطقة سكنه، ولاحظ غياب صوت الأذان؛ وبات الكثيرون يسألون عن مواقيت الصلاة.
يشير يامن إلى أنه رفع الأذان من منزله لأول مرة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 بعد عودته من منزل جده الذي نزح إليه أياماً عدة، في حي المشاهرة بمدينة غزة؛ بسبب اجتياح قوات الاحتلال لمنطقة سكنه.
ينسب يامن الفضل فيما يقوم إلى والديه كونهما من شجعاه على رفع الأذان من المنزل، موضحاً أن قدوته بما يفعل هو جده "أبو أشرف"، قائلاً: "عندما نزحت إلى بيت جدي، كان يرفع كل أذان من منزله، فأصبحت الآن أقوم بالأمر ذاته من منزلي".
عن شعوره بأهمية ما يفعل، يقول إنه تعزز لديه شعور قوي بأثر ما يقوم به، في شهر رمضان المبارك، الذي يسأل الناس فيه عن موعد صلاتي الفجر والمغرب.
يضيف: "أرفع الأذان لأنال الأجر والثواب من الله"، معبراً عن سعادته لثناء الجيران والمارة في الحي عليه، ودعائهم له بالخير.
عن حلمه المرتبط بما يقوم، يقول يامن: "قريباً إن شاء الله، أرفع الأذان في المسجد الأقصى المبارك، بعد تحريره من المحتلين".
إصرار على البقاء
محمد المقيد، والد الطفل يامن "مؤذن غزة الصغير"، عبَّر في حديثه لـ"عربي بوست" عن فخره بما يفعل ولده "مؤذن غزة الصغير"، مشيراً إلى أن "الاحتلال يهدف من تدمير المساجد إلى عدم استمرار الحياة في قطاع غزة، لأنها مخرجة للأجيال والطاقات".
يؤكد أن "الاحتلال لن يمنعنا عبر قصفه للمساجد من رفع الأذان، وإقامة الصلاة، التي نتقرب بها إلى الله عز وجل".
كذلك يعبر عن إصراره على البقاء في غزة، وعدم الرحيل عنها، رغم القصف والدمار.
يسرد والد يامن بدايات رفع ابنه للأذان، قائلاً: "منذ بداية الحرب على قطاع غزة، عشنا لحظات صعبة، وبعدها خرجنا جميعاً من منطقتنا إلى منزل جده، وكنا نصلي جماعة في تلك المنطقة".
ويروي عن هذه الفترة: "كان جد يامن يرفع الأذان هناك من منزله، ومن هنا أخذ يامن الفكرة، وأصبح يقلده في بيتنا، بعد رجوعنا إليه، إثر انسحاب قوات الاحتلال من محيط منزلنا".
يشير المقيد إلى أن رغبة يامن في الأذان زادت بسبب عدم رفعه في المنطقة، وأصبح معتاداً على ذلك، ويتبادل الأمر مع أخيه أنس.
بحسب والده، فإن يامن لقي تشجيع والدته وأهل الحي الذين يصفه بعضهم بأنه "مؤذن غزة الصغير"، معبراً عن شعوره بالفخر، كون بيته هو المكان الوحيد في المنطقة الذي يخرج منه صوت الأذان، وأنه سيستمر في تشجيع يامن في رفع الأذان، راجياً الثواب والأجر.
تدمير المساجد في غزة بشكل ممنهج
عمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى استهداف المساجد بشكل مباشر ومتعمد، ومستمر.
بحسب الأهالي من شمال قطاع غزة، فإن الاحتلال قام بتدمير نحو 90% من المساجد هناك، في حين أبلغ المكتب الإعلامي أن أكثر من 500 مسجد تعرضت للاستهداف في غزة، بينها 220 مسجداً هدمت بشكل كلي، 290 مسجداً بشكل جزئي، وباتت غير صالحة للصلاة.
في آخر استهداف للمساجد، قام الاحتلال الإسرائيلي بقصف مسجد الشيخ زكريا التاريخي في حي الدرج شرقي مدينة غزة، بالطيران الحربي، في 12 أبريل/نيسان 2024.
أدى ذلك إلى تدمير المسجد والمنازل المجاورة له، في إطار سياسة الاحتلال تدمير الأماكن الأثرية والدينية خلال عدوانه على قطاع غزة.
ولليوم الـ189 على التوالي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر في إطار حرب الإبادة الجماعية في غزة، لترتفع حصيلة الشهداء إلى 33 ألفاً وإصابة أكثر من 76 ألفاً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة والأمم المتحدة.