طالب أكثر من 600 من المشتغلين بالقانون في بريطانيا، الحكومة بوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، لأن ذلك يجعل بلادهم متواطئة في الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فماذا يعني ذلك؟
كان قضاة، من بينهم ثلاثة سابقون في المحكمة العليا، ومحامون وأكاديميون في مجال القانون، ومسؤولو استخبارات سابقون، قد أرسلوا رسالة مؤلفة من 17 صفحة إلى رئيس الوزراء ريشي سوناك، يحذرون فيها من أن "تقديم المساعدة العسكرية والمواد لإسرائيل قد يجعل المملكة المتحدة متواطئة في إبادة جماعية، وكذلك الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي".
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً يشرح ما هي اتفاقية الإبادة الجماعية، والمسؤوليات التي تضعها على الدول الموقعة عليها، ومدى أهمية الاتفاقية وعواقب عدم الالتزام بها.
ما هي اتفاقية الإبادة الجماعية؟
تمت الموافقة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها -والمعروفة باسم اتفاقية الإبادة الجماعية- في عام 1948، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1951، وكان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست، حين قتلت ألمانيا النازية أكثر من 6 ملايين يهودي.
كان رافائيل ليمكين، أستاذ القانون اليهودي، هو من ابتكر مفهوم "الإبادة الجماعية"، وأنشأت الاتفاقية أول تعريف قانوني دولي لهذا المصطلح.
كيف تُعرَّف الإبادة الجماعية؟
تُعرِّف الاتفاقية، التي صدقت عليها 153 دولة بما في ذلك المملكة المتحدة (في عام 1970) وإسرائيل، الإبادة الجماعية بأنها "أي من الأفعال التالية المرتكبة بقصد تدمير فئة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كلياً أو جزئياً".
وتشمل هذه الأفعال قتل أفراد الفئة، وإلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الجسيم بهم، وتدمير ظروفهم المعيشية بهدف القضاء عليهم، ومنعهم من الإنجاب، ونقل أطفالهم قسراً إلى فئات أخرى. وتُعتَبَر الإبادة الجماعية من أخطر جرائم الحرب.
ما الذي يُعاقَب عليه بموجب الاتفاقية؟
بطبيعة الحال، تُعتَبَر الإبادة الجماعية في حد ذاتها جريمة، ولكن هناك جرائم أخرى مرتبطة بها أيضاً، بما في ذلك التواطؤ في الإبادة الجماعية.
وبموجب المادة 1 من الاتفاقية، يتعين على كل دولة أن تتعهد بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وعلى هذا الأساس، يُقال إن جنوب أفريقيا، التي رفعت بالفعل قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بسبب الحرب على غزة، تقوم بإعداد دعوى قضائية لرفعها إلى محكمة العدل الدولية ضد المملكة المتحدة والولايات المتحدة -اللتين تزودان إسرائيل بالأسلحة- بزعم التواطؤ في الإبادة الجماعية.
تنص الرسالة القانونية المرسلة إلى رئيس الوزراء ريشي سوناك من شخصياتٍ قانونية على ما يلي: "هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءاتٍ جدية لتجنب تواطؤ المملكة المتحدة في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، بما في ذلك الانتهاكات المحتملة لاتفاقية الإبادة الجماعية".
أحد الأمثلة التي تقدمها الرسالة هو: "أن استنتاج محكمة العدل الدولية بأن هناك خطراً معقولاً بحدوث إبادة جماعية في غزة قد أعلمت حكومتكم بأن الأسلحة ربما تُستخدَم في ارتكاب هذه الإبادة، وأن تعليق حكم المحكمة هو بالتالي "وسيلة ردع محتملة" و/أو "إجراء لمنع" الإبادة الجماعية".
هل ثبت أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية؟
لا، لكن في أعقاب القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل والدفوع التي قدمها كل جانب على مدار أيام متتالية، أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً مؤقتاً قالت فيه إنه "من المعقول" أن إسرائيل ترتكب انتهاكاتٍ لاتفاقية الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
لم يكن هذا حكماً نهائياً، إذ يمكن أن يستغرق حل قضايا الإبادة الجماعية سنوات، لكن الرسالة الموجهة إلى رئيس الوزراء تقول: "لا يمكن للمملكة المتحدة الانتظار حتى تبت المحكمة في القضية على أساس موضوعي. يجب على الحكومة أن تتصرف الآن وفقاً لالتزامها بمنع الإبادة الجماعية".
ما الأسلحة التي ترسلها بريطانيا لإسرائيل؟
الحكومة البريطانية حليف قوي لإسرائيل منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكن جوناثان سامبشن، أحد القضاة السابقين، قال لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) إنه يشعر بالقلق من أن الحكومة البريطانية فقدت بوصلتها فيما يتعلق بضرورة منع الإبادة الجماعية.
لكن ريشي سوناك يقاوم الدعوات لوقف فوري لمبيعات الأسلحة لإسرائيل، قائلاً إن البلاد لديها "نظام ترخيص دقيق للغاية"، وستواصل الالتزام به.
وتبيع بريطانيا عبوات ناسفة وبنادق هجومية وطائرات عسكرية لإسرائيل، لكنها مورد صغير نسبياً، حيث شكلت الصادرات لإسرائيل حوالي 0.4% من إجمالي مبيعات الدفاع العالمية لبريطانيا في 2022، وهو أحدث عام أتيحت فيه تلك البيانات كاملة.
وقال اثنان من كبار الشخصيات في مجتمع المخابرات البريطاني، وهما مستشار الأمن القومي السابق بيتر ريكيتس، وأليكس يونجر الرئيس السابق لجهاز المخابرات البريطانية (إم آي 6)، إنه يجب استخدام هذه المبيعات كوسيلة ضغط.
وقال ريكيتس إن هناك "أدلة كثيرة الآن" على أن إسرائيل لا تمتثل للقانون الإنساني الدولي، وإن الحظر سيبعث رسالة يمكن أن تثير جدلاً في واشنطن.
وقال يونجر لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن بريطانيا بحاجة إلى "كسب نفوذ وخلق حوافز لمزيد من التركيز على قضية ما نطلق عليه تقنياً الأضرار الجانبية، لكننا نسميه قتل المدنيين الأبرياء".
استهداف "المطبخ العالمي" في غزة
لكن في أعقاب تعرض عمال إغاثة أجانب لغارة إسرائيلية في القطاع هذا الأسبوع، ازدادت الضغوط على الحكومة البريطانية، خصوصاً أن 3 مواطنين بريطانيين كانوا من ضمن طاقم منظمة المطبخ المركزي العالمي القتلى.
وتنشط منظمة المطبخ العالمي في قطاع غزة منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي منذ أن شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على القطاع. وتعمل منظمة الإغاثة الدولية، ومقرها في الولايات المتحدة، على إدخال المواد الغذائية لقطاع غزة عن طريق المنافذ البرية، كما تشارك أيضاً في عمليات الإنزال الجوي، التي بدأت مؤخراً.
وتقوم المنظمة الإغاثية، التي تركز بالأساس على إيصال المواد الغذائية لأهل القطاع، وتنشط أيضاً في مناطق كثيرة حول العالم، بتنسيق تحركات قوافلها في غزة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي أولاً بأول. وأعلنت المنظمة الثلاثاء 2 أبريل/نيسان، وقف عملياتها في قطاع غزة، مشيرة إلى أن تعرض موظفيها لقصف جوي إسرائيلي حدث على الرغم من أنها "نسقت تحركات القافلة" مع الجيش الإسرائيلي.
وزارة الخارجية البريطانية قالت، الخميس 4 أبريل/ نيسان، إنها أبقت توصية بشأن مدى التزام إسرائيل بالقانون قيد المراجعة، لكن محتوى التوصية الحكومية سري. وقال أعضاء بارزون في العمل القانوني في بريطانيا إن على الحكومة وقف المبيعات الآن لتجنب "المساعدة والمعاونة في عمل غير قانوني دولياً".