غضب لقتل 7 متطوعين بيض أكثر من مقتل 32 ألف فلسطيني.. هكذا ميز الغرب تاريخياً بين ضحايا المذابح حسب عرقهم

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/04 الساعة 12:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/04 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
فلسطينيون يقومون بنقل جثث موظفي منظمة المطبخ المركزي العالمي الذين قتلوا في غارة جوية إسرائيلية، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي الذي تديره حماس في غزة/رويترز

ينتفض الغرب لاغتيال إسرائيل لسبعة من عمال الإغاثة في منظمة المطبخ  المركزي العالمي بينما لم يحرك ساكناً على المذابح التي تجرى أمام الكاميرات لمدة خمسة أشهر في غزة وقتل فيها أكثر من 32 ألف فلسطيني، فمذبحة موظفي المطبخ العالمي ليست فقط دليلاً جديداً على وحشية إسرائيل بل أيضاً دليل على عنصرية الغرب الفجة.

وقُتل فيما يمكن تسميته مذبحة المطبخ العالمي سبعة من عمال الإغاثة منهم ثلاثة بريطانيين، وأسترالي، وبولندي، وأمريكي كندي، وواحد فقط فلسطيني.

مذبحة المطبخ العالمي تثير غضب الغرب أكثر من مقتل وإصابة 100 ألف فلسطيني

وأحدثت وسائل الإعلام والطبقات السياسية الغربية في 24 ساعة عقب مذبحة المطبخ العالمي ضجة حول قتل إسرائيل لسبعة من عمال الإغاثة أكبر مما حدث مقارنة مع قتل 32 ألفاً من الفلسطينيين خلال ستة أشهر من الحرب الإسرائيلية، حسبما ورد في مقال في مقال لبيتر أوبورن في موقع Middle East eye.

على سبيل المثال، لم تحرك بريطانيا ساكناً لكل هذه المذابح، بل دعم رئيس وزرائها ريتشي سوناك نتنياهو، ولكن الآن رأينا أول إدانة منه، بينما وزير خارجيته ديفيد كاميرون. كان يبدو مرتاحاً بشأن القتلى الفلسطينيين، حسب وصف كاتب المقال، وتطلب الأمر مقتل سبعة من عمال الإغاثة الدوليين – بمن في ذلك ثلاثة بريطانيين بيض – حتى يتمكن من استدعاء السفير الإسرائيلي لدى الخارجية البريطانية.

مذبحة المطبخ العالمي
مشهد من أعلى للسيارة التي قُتل فيها موظفو المطبخ المركزي العالمي (WCK) في غارة جوية إسرائيلية/رويترز

وتقترب الحرب من ستة أشهر حيث تتعرض غزة لرعب الإبادة الجماعية في غزة، وذبح الجيش الإسرائيلي أكثر من 32 ألف فلسطيني، مع تحلل آلاف الجثث الأخرى تحت أنقاض غزة. وأصيب أكثر من 70 ألف شخص، كثيرون منهم مشوهون مدى الحياة، أي إن إجمالي القتلى والجرحى تخطى المئة ألف بما يعادل نحو 4.34 % من سكان القطاع.

إضافة لذلك دمرت إسرائيل بشكل منهجي المدارس والمستشفيات، وتم تهجير 85% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وخلقت مجاعة متفاقمة.

ومن بين القتلى ما لا يقل عن 90 صحفياً وإعلامياً فلسطينياً، (إضافة لقتل معظم عائلة مدير مكتب قناة الجزيرة وائل الدحدوح على سبيل المثال) ونحو 200 عامل إغاثة. وقتلت إسرائيل نحو 13 ألف طفل و9 آلاف امرأة .

ولم يحرك كل ذلك ساكناً لدى الغرب بل على العكس تساوقت العديد من الدول الغربية مع الاتهامات غير المستندة لأدلة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بأن بضعة أفراد من موظفيها شاركوا في هجوم الأقصى، ومنعت بعض الدول الغربية المساعدات عن الوكالة رغم وضوح أن الأمر مجرد مكيدة.

صحف غربية تفرد صفحاتها للمذبحة بعدما تجاهلت أخبار فلسطين منذ بداية الحرب

وفي كثير من الأحيان صدقت وسائل الإعلام الأكاذيب والافتراءات التي رواها لها الجيش الإسرائيلي، في حين قامت بقمع أو تجاهل الأدلة المتزايدة على الفظائع الإسرائيلية.

وكان العنوان الرئيسي، على سبيل المثال، لصحيفة التايمز الرئيسية في بريطانيا: "الاحتجاج على وفاة عمال الإغاثة". ونشرت بشكل بارز عبر الصفحة الأولى صوراً لثلاثة من ضحايا الغارة الإسرائيلية.

هذه هي نفس الصحيفة التي ألقت قبل شهرين فقط خبر حكم محكمة العدل الدولية بضرورة التحقيق مع إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية إلى الصفحة 42 من صفحاتها (الصفحة الثالثة من القسم الدولي).

مذبحة المطبخ العالمي
جثة موظف من منظمة المطبخ المركزي العالمي (WCK) غير الحكومية، الذي قُتل مع عمال الإغاثة الأجانب في غارة جوية إسرائيلية/رويترز

أبحاث تؤكد أن مقتل شخص من أوروبا يلقى اهتماماً لدى الإعلام الغربي أضعاف نظيره من بقية العالم

وهذه العنصرية الفجة في التعامل مع الغرب ليست جديدة، ولكنها في حقيقة الأمر مكررة ومرصودة من قِبل الدراسات الإعلامية والسياسية.

إذ تشير بعض الدراسات الأكاديمية الإعلامية إلى أنه في الأزمات والكوارث، تولي وسائل الإعلام الغربية اهتماماً لمقتل كل شخص ينتمي لأوروبا الغربية أو الولايات المتحدة يعادل نحو أربعة أو خمسة من أوروبا الشرقية، وتسعة من الشرق الأوسط ونحو 12 آسيوياً، أما أفريقيا فالعدد قد يكون بالعشرات.

ولكن الواضح أن هذه النسبة قد انهارت في حرب غزة فلقد فاق الاهتمام بمقتل كل عامل إغاثة غربي مقتل 4500 مواطن فلسطيني.

كما لاحظت الأدبيات العلمية أن مقدار الاهتمام بضحايا الأزمات والكوارث مرتبط بالنظام السياسي والثقافي الذي ينتمي له المتضررون أكثر من عدد الضحايا أو مدى فداحتها، فعلى سبيل المثال تهتم وسائل الإعلام الغربية بأي مشكلة تمس كوريا الجنوبية، بينما لم تسترعِ المجاعة التي أصابت كوريا الشمالية في التسعينيات والتي تقول بعض التقديرات إن ضحاياها يَصلون إلى مليون شخص، انتباه وسائل الإعلام الغربية إلا من قبيل تركيز الانتقادات على النظام الحاكم في بيونغ يانغ.

في هذا التقرير نرصد مظاهر الازدواجية الغربية في التعامل الإنساني والإعلامي مع مجموعات من المذابح التي دارت في أوقات متزامنة أو متقاربة، وكانت  متشابهة في الظروف وعدد الضحايا، ولكن بعضها كان ضحاياها من الأوروبيين، وهي المذابح التي نالت اهتماماً كبيراً، مقابل تجاهل المذابح التي كان ضحاياها من غير الأوروبيين.   

أشهر المذابح المتزامنة والمشابهة التي ظهرت فيها عنصرية الغرب

فرق هائل في طريقة التعامل مع لاجئي أوكرانيا وسوريا رغم أن الجاني واحد

تعد أوكرانيا وسوريا ضحيتين لجانٍ واحد هي روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، بل إن الشعب السوري هو ضحية لإيران ونظام الأسد أيضاً، وكلاهما يفترض أنه عدو للغرب، ولقد ثار الشعب السوري بحثاً عن الديمقراطية والحرية التي يرفع الغرب لواءهما، وتلقى وعوداً من قادة هذا الغرب بدعمه.

ولكن عندنا تدخلت إيران ومن بعدها روسيا لدعم نظام الأسد وتم قصف المدن السورية بوحشية، لم يحرك الغرب ساكناً، ولم يحاول حتى تزويد المعارضة السورية (بعد أن شجعها على محاربة النظام) بأنظمة دفاع جوي للتصدي للطيران الروسي مثل صواريخ ستينغر التي منحها على عجالة وبغزارة لأوكرانيا، تاركاً الروس يدمرون حمص ومن بعدها حلب، والأكراد أصدقاء الغرب يستولون على مناطق الشمال السوري ذات الغالبية العربية السنة ليخلق كل ذلك أكبر أزمة لاجئين في القرن الحادي والعشرين.

وبينما استقبل اللاجئون السوريون، بترحاب جزئي في قلة من الدولة الغربية في البداية وتحديداً ألمانيا، ولكن سرعان ما انقلب الغرب عليهم، ومع توافد اللاجئين من أوكرانيا وخاصة من النساء على أوروبا، ظهر فرق هائل في المعاملة، فبينما يترك اللاجئون من سوريا وغيرها من دول الشرق الأوسط، يغرقون أحياناً في البحر المتوسط، يعامل اللاجئون الأوكرانيون معاملة مميزة لدرجة وجود تقارير عن طرد لاجئين سوريين من المنازل لإيواء الأوكرانيين.

والمأساتان السورية والفلسطينية أكبر من الأوكرانية

 هذا الفارق في المعاملة يأتي رغم أن حجم المأساة الأوكرانية أقل بكثير من نظيرتها السورية، حيث قالت الأمم المتحدة إنه قتل في الحرب السورية نحو 306 آلاف مدني أي 30 ضعف ضحايا أوكرانيا التي قتل فيها 10 آلاف مدني، بينهم أكثر من 560 طفلاً خلال عشرين شهراً من الحرب، حسب بعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان في أوكرانيا.

كما قتل في غزة في ستة أشهر أكثر ثلاثة أضعاف ممن قتلوا في أوكرانيا خلال نحو عامين، مع ملاحظة ان عدد سكان غزة 2.3 مليون نسمة مقابل نحو 41 مليوناً لأوكرانيا قبل الحرب أي أن نسبة الوفيات في غزة لو حدثت في أوكرانيا لأدت لمقتل 570  ألف أوكراني.

ولكن الأكثر استفزازاً أن بعض المعلقين الغربيين في معرض تبريرهم لضرورة الترحاب باللاجئين الأوكرانيين، أنهم أكدوا أن هؤلاء لاجئون أوروبيون شقر وبيض ليسوا مثل لاجئي الشرق الأوسط الفقراء غير الشقر.

موجة إدانة أوروبية كبيرة لمقتل 14 شخصاً في ليتوانيا أعقبها اعتراف باستقلالها

في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات ومع بدء تداعي الاتحاد السوفييتي إثر فشل سياسة البيريسترويكا والغلاسنوست بدأت حركات استقلالية تظهر في العديد من الجمهوريات السوفييتية، أبرزها في جمهوريات البلطيق الثلاث إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، إضافة إلى جمهورية أذربيجان السوفييتية الواقعة في القوقاز ذات الأغلبية المسلمة، ولكن رد فعل الغرب كان مختلفاً تماماً تجاه عمليات موسكو لقمع هذه الحركات.

في 1990 صدر انون إعادة تأسيس دولة ليتوانيا الذي كان بمثابة إعلان للاستقلال عن الاتحاد السوفييتي وصدر من قبل المجلس الأعلى المنتخب في ليتوانيا وقوبل برفض من قبل موسكو.

وقعت أحداث يناير/كانون الثاني في ليتوانيا، التي يشار إليها عادةً باسم الأحد الدامي بين 11 و13 يناير/كانون الثاني 1991، بعد مظاهرات من قبل الأقلية الناطقة الروسية في البلاد، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار جراء الحصار الجراء الاقتصادي السوفييتي، أعقب ذلك طلب ورئيس الدولة (السكرتير العام للحزب الشيوعي) ميخائيل غورباتشوف من ليتوانيا العودة للنظام الدستوري وقام بتعزيز قوات الجيش والشرطة الاتحادية، ثم حدث تدخل عسكري سوفييتي في بعض المباني الحكومية أدى لقتل 14 مدنياً وإصابة أكثر من 140.

مذبحة المطبخ العالمي
مدنيون يدافعون عن دار الصحافة الليتوانية أمام مظليين من الجيش السوفيتي في يناير/كانون الثاني 1991-ويكيميديا

أكد وزير الدفاع السوفييتي ديمتري يازوف، ووزير الداخلية بوريس بوغو، وكذلك ميخائيل غورباتشوف، أنه لم يصدر أحد في موسكو أوامر باستخدام القوة، وزعم بوجو على التلفزيون الوطني أن المتظاهرين فتحوا النار أولاً.

عقب هذه الأحداث، سارعت العديد من الدول الغربية بالتحرك، فناشدت حكومة النرويج الأمم المتحدة التدخل. وأعربت حكومة بولندا عن تضامنها مع شعب ليتوانيا، واستنكرت تصرفات الجيش السوفييتي.

ندد الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت "جورج إتش بوش" بالحادث، لكنه حرص بشكل خاص على عدم انتقاد غورباتشوف مباشرة، وبدلاً من ذلك وجّه ملاحظاته إلى "القادة السوفييت عامة؛ خوفاً من رد فعل سوفييتي يعرقل التحضير الأمريكي للحرب ضد العراق بعد غزو صدام حسين للكويت.

اعترفت آيسلندا باستقلال ليتوانيا بعد الأحداث، ولعبت هذه الأحداث دوراً في أن تستقل جمهوريات البلطيق الثلاث ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا عن موسكو قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان الاهتمام الغربي بالجمهوريات الثلاث سبباً في توفير حماية معنوية لها من التدخل السوفييتي العسكري.

مذبحة بأذربيجان سقط فيها 10 أضعاف قتلى ليتوانيا دون أي إدانة غربية

قبل نحو عام من أحداث ليتوانيا، شهدت أذربيجان مذبحة راح ضحيتها نحو 132 محتجاً دون رد فعل يذكر من الغرب كما حدث مع ليتوانيا، رغم أن المذبحة الأذربيجانية ضحاياها أكثر من عشرة أضعاف ضحايا مذبحة ليتوانيا.

ففي نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات كانت الحركة الاستقلالية في أذربيجان من أنشط الحركات بالجمهوريات السوفييتية، مدفوعةً بعمليات التطهير العرقي التي بدأها الأرمن خلال نهاية العهد السوفييتي ضد الأذربيجانيين في إقليم ناغورنو قره باغ ذي الأغلبية الأرمينية، والذي أعلن الانفصال عن أذربيجان.

بحلول خريف عام 1989، بدت الجبهة الشعبية الأذربيجانية المعارضة مؤهلة للاستيلاء على السلطة من الحزب الشيوعي الأذربيجاني.

بلغت الاضطرابات ذروتها في مواجهة عنيفة عندما قتلت القوات السوفييتية 132 متظاهراً قومياً في باكو، عاصمة أذربيجان، في 20 يناير/كانون الثاني 1990، والذي يعرف بـ"يناير الأسود" أو السبت الأسود.

بدأت الأحداث إثر رفض الأذربيجانيين قرار المحكمة العليا الأرمينية ضم إقليم ناغورنو قره باغ لأرمينيا، التي كانت تعتبر أكثر الجمهوريات السوفييتية ولاءً لموسكو.

تطورت الاحتجاجات للمطالبة بالاستقلال، وفي 18 يناير/كانون الثاني 1990، دعت الجبهة الشعبية أنصارها إلى تحصين طرق الوصول الرئيسية إلى باكو باستخدام مئات السيارات والشاحنات والحافلات. في اليوم التالي، أخلت السلطات السوفييتية ممثليها والمسؤولين المحليين، ونقلتهم إلى مواقع قيادة عسكرية في ضواحي المدينة؛ حيث كان وزير الدفاع السوفييتي ديمتري يازوف ووزير الداخلية فاديم باكاتين متمركزَين.

زعم الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي ميخائيل غورباتشوف ووزير الدفاع ديمتري يازوف، أن القانون العسكري ضروري لإحباط جهود حركة الاستقلال الأذربيجانية الرامية إلى الإطاحة بالحكومة الأذربيجانية السوفييتية.

كان المرسوم الذي فرض هذا القانون يتعارض مع الإجراءات القانونية السارية في ذلك الوقت.

في وقت متأخر من ليل 19 يناير/كانون الثاني 1990، وبعد هدم محطة التلفزيون المركزية وقطع خطوط الهاتف والراديو من قبل القوات الخاصة السوفييتية، دخل 26 ألف جندي سوفييتي باكو، وحطموا الحواجز من أجل سحق الجبهة الشعبية، وادعى ميخائيل غورباتشوف أن مسلحين من الجبهة الوطنية الأذربيجانية فتحوا النار على الجنود السوفييت.

ومع ذلك، لم تجد النتائج التي توصلت إليها منظمة الدرع غير الحكومية ومقرها موسكو، أي دليل على "مقاتلين مسلحين تابعين للجبهة الشعبية الأذربيجانية"، والتي تم استخدامها كدافع لسحق السكان المدنيين.

هاجمت القوات المتظاهرين وأطلقت النار على الحشود، واستمر إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام.

رصدت منظمة الدرع المستقلة المكونة من مجموعة من المحامين والضباط الاحتياط، انتهاكات حقوق الإنسان من الجيش السوفييتي خلال عملياته العسكرية، وخلصت إلى أنه  شن حرباً على المدنيين وطالبت بفتح تحقيق جنائي ضده. 

لم يتم تسجيل أي إدانة من قِبل المجتمع الغربي لمذبحة أذربيجان، ولكن هناك بعض التغطية الإخبارية من قبل وسائل الإعلام الدولية.

فظائع سيراليون التي استمرت 12 عاماً وعاصرت مذابح يوغوسلافيا ولكن لم يلتفت إليها أحد

تعد الحرب الأهلية في سيراليون (1991-2002)، وما شهدتها من جرائم إبادة جماعية نموذجاً واضحاً على عنصرية التعامل مع الأزمات لدى الغرب.

بدأت الحرب الأهلية في سيراليون في 23 مارس/آذار 1991، عندما تدخلت الجبهة الثورية المتحدة، بدعم من القوات الخاصة التابعة لتشارلز تايلور زعيم الجبهة الوطنية في دولة ليبيريا المجاورة في شؤون سيراليون عبر الإطاحة بحكومتها. واستمرت الحرب الأهلية الناتجة عن ذلك 11 عاماً، وخلفت أكثر من 50 ألف قتيل.

عندما ظهر واضحاً فشل مهمة بعثة الأمم المتحدة التي شكلت في عام 1999، أعلنت المملكة المتحدة عزمها على التدخل في المستعمرة السابقة وعضو الكومنولث؛ في محاولة لدعم الحكومة الضعيفة للرئيس أحمد تيجان كبه. بمساعدة من تفويض الأمم المتحدة المتجدد والدعم الجوي الغيني، هزمت عملية Palliser البريطانية أخيراً الجبهة الثورية المتحدة، وسيطرت على العاصمة فريتاون، وذلك في 18 يناير/كانون الثاني 2002، وأعلن الرئيس أحمد تيجان انتهاء الحرب الأهلية في سيراليون.

خلال الحرب الأهلية في سيراليون، تم ارتكاب العديد من الفظائع، من ضمنها الاغتصاب والتشويه والقتل الجماعي؛ مما تسبب في محاكمة العديد من الجناة بالمحاكم الجنائية الدولية، وإنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة.

تزامنت الحرب الأهلية في سيراليون مع الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك (1992-1995)، والحرب الصربية على إقليم كوسوفو ذي الأغلبية الألبانية المسلمة والتي بدأت منذ فبراير/شباط 1998 إلى يونيو/حزيران 1999، ولكن استغرق الأمر من الغرب عشر سنوات لكي يتدخل في سيراليون، وبطبيعة الحال استغرق وقتاً أقصر ليوقف المذابح الصربية في البوسنة وكوسوفو.

في الواقع، أشار كثيرون إلى أن الفظائع في سيراليون كانت أسوأ مما شوهد في كوسوفو، حيث بلغ عدد القتلى في سيراليون 25 ضعف عدد الذين قتلوا في كوسوفو، ونصف المئة ألف شخص الذين قتلوا في البوسنة (أغلبهم من المسلمين).

تمييز بين المسلمين والكروات رغم أن الجلاد واحد

وحتى في حروب يوغوسلافيا السابقة، يشير كثيرون إلى أن الغرب تدخل لأن الصرب كانوا متمردين على النظام الغربي، وكانوا حلفاء بشكل أو بآخر للروس، إضافة إلى أن الغرب ترك المسلمين في البوسنة لفترةٍ ضحية لهجمات الصرب دون تحرك، بل تورطت القوات الهولندية العاملة ضمن القوات الأممية في ترك الصرب يذبحون المسلمين في مجزرة سربرينيتسا التي تعتبر أسوأ مذبحة تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بينما كان الغرب أكثر سرعة في دعم سلوفينيا الكاثوليكية أولى الجمهوريات التي استقلت عن يوغوسلافيا وكذلك كرواتيا، ولذلك ارتكب الصرب في البوسنة فظائع لم تحدث في سلوفينيا وكرواتيا رغم أنهما كانا أسبق في الانفصال.

إحياء ذكرى مذبحة سربينيتشيا في البوسنة/ويكيميديا

وفي يوليو/تموز 2014، قضت محكمة هولندية بمسؤولة هولندا عن قتل ما يربو على 300 شخص من المسلمين البوسنيين في بلدة سربرينيتسا بالبوسنة والهرسك في يوليو/تموز عام 1995.

وكان الرجال والصبية القتلى من بين خمسة آلاف شخص بوسني، معظمهم من النساء والأطفال، يحتمون بكتيبة هولندية تابعة لقوات حفظ السلام الأممية.

 

تحميل المزيد