قرَّر مسؤولون في الجيش الإسرائيلي مهاجمة قافلة مساعدات دولية بالصواريخ بسبب "الاشتباه" في أن رجلاً مسلحاً كان يتحرك ضمنها في وقت ما، حسبما أفاد المراسل العسكري بصحيفة Haaretz الإسرائيلية، يانيف كوبوفيتز، بعد ساعات قليلة من معرفة أن صواريخ الطائرات المسيَّرة التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي تسببت في مقتل 7 عاملين في المنظمة الإغاثية "المطبخ المركزي العالمي".
ونقلت صحيفة "Politico" الأمريكية عن مسؤول أمريكي قوله إن الهجوم على عمال الإغاثة الأجانب في غزة "بدا متعمداً لأنه تم بواسطة 3 قنابل"، وهو الأمر الذي أقرت به إسرائيل، وقالت إنها ستفتح تحقيقاً في الحادث الذي أودى بحياة 7 عمال إغاثة أجانب.
لكن المسؤول قال للصحيفة، الثلاثاء 2 أبريل/نيسان، بشأن تحقيق إسرائيل في الحادث: "لا أعتقد أن تحقيق إسرائيل في الغارة على عمال الإغاثة الأجانب سيكون شفافاً أو نزيهاً"، حيث سبق أن خلصت تحقيقات سابقة إلى نتائج غير مكتملة. كما قال المسؤول الذي فضَّل عدم ذكر اسمه: "نشك في أية مساءلة ومحبطون من تحقيقات إسرائيل السابقة، كما حصل بمقتل شيرين أبو عاقلة، وإسرائيل ستفعل وتقول كل ما هو ضروري للحفاظ على الوضع الراهن".
ما هي منظمة المطبخ المركزي العالمي؟
تُعتَبَر منظمة المطبخ المركزي العالمي الجهة الرئيسية الناشطة في الطريق البحري لنقل المواد الغذائية إلى شمال قطاع غزة. وقد تبنَّت الولايات المتحدة هذا الطريق وروَّجت له، بعد أن رفضت إسرائيل طلبات من منظمات الإغاثة الأخرى للسماح بالطريق البري الأقصر والأسرع والأرخص، أي جلب المواد الغذائية والإمدادات مباشرةً إلى شمال قطاع غزة، وبالتالي تجنب السفر الخطير من معبرَي رفح وكرم أبو سالم.
وصلت أول شحنة بحرية تجريبية نظمتها منظمة "المطبخ"، بتمويلٍ إماراتي، إلى غزة في أوائل شهر مارس/آذار. أما الشحنة الثانية، التي موَّلتها الإمارات أيضاً، فلم تصل إلا يوم الإثنين 25 مارس/آذار قبالة سواحل مدينة غزة. لكن من بين 400 طن من المواد الغذائية والمؤن التي كان من المفترض أن تكفي لمليون وجبة، أفرغ عمال المنظمة الإغاثية 100 فقط. والآن، وبسبب الهجوم وقرار المنظمة تجميد نشاطها في قطاع غزة، تعود السفن بحمولاتها إلى قبرص.
في الوقت نفسه، لا تزال الإمدادات الإنسانية عبر المعابر الجنوبية أقل من الحد الأدنى البالغ حمولة 500 شاحنة يومياً. وكان المتوسط اليومي في مارس/آذار 159 شاحنة فقط، وفقاً للأمم المتحدة. وجاء أعلى رقم في 28 مارس/آذار، إذ كان 264 شاحنة. وتستغرق عمليات التفتيش الأمني الإسرائيلي وقتاً أطول بينما تنتظر الشاحنات عدة أيام حتى يأتي دورها.
وعلى أية حال، فإن جزءاً صغيراً جداً من الإغاثات يصل إلى شمال قطاع غزة الذي يتعرض للتجويع بسبب نيران الجيش الإسرائيلي، والتأخير على حواجزه داخل قطاع غزة. وطالما بدا الطريق البحري "للمطبخ" آمناً، كان من الممكن تجنب الصعوبات التي تواجهها منظمات الإغاثة في الوصول إلى شمال غزة. وتقول صحيفة Haaretz إن "قتل المتطوعين الشجعان من منظمة المطبخ العالمي يضر بمحاولة إسرائيل لإظهار أنها تمتثل لأوامر محكمة العدل الدولية".
موقع وتحركات منظمة المطبخ المركزي العالمي كانت معروفة مسبقاً لدى الجيش الإسرائيلي
وحتى قبل ذلك، بدأت منظمة المطبخ المركزي العالمي، التي لم تكن معروفة لدى الفلسطينيين حتى هذه الحرب، تبرز في قطاع غزة. ومثل كل منظمة إغاثة أخرى تعمل في قطاع غزة خلال الحرب، قامت منظمة المطبخ المركزي العالمي بتنسيق أنشطتها مسبقاً مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وكما هو الحال مع المنظمات الأخرى أيضاً، فإن مواقع مرافقها معروفة للجيش الإسرائيلي، وتُميَّز مركباتها بالأعلام والشارات، ويرتدي الموظفون سترات مضادة للرصاص تحمل علاماتهم الخاصة، وهوياتهم معروفة لدى السلطات العسكرية التي أعطت موافقتها لكل منهم. ويتعين أيضاً تنسيق مسار كل مركبة وقافلة والموافقة عليها من جانب إسرائيل. ويُطلَق على هذه العملية في المصطلحات العسكرية اسم "تجنب الاحتكاك".
في أوائل ديسمبر/كانون الأول، أعلنت إسرائيل عن آلية "تجنب الاحتكاك" لحماية عمال الإغاثة الأجانب والمدنيين، في أعقاب طلب أمريكي صريح من ديفيد ساترفيلد، المبعوث الخاص للرئيس جو بايدن للشؤون الإنسانية. ويقوم ممثلو منظمات الإغاثة بإبلاغ الاتصالات في مكتب منسق الأنشطة في المناطق، الذي يقوم بالتنسيق مع القوات العسكرية على الأرض.
196 عاملاً في المجال الإنساني قتلتهم إسرائيل منذ بداية الحرب
ومع ذلك، ليست هذه هي الحالة الأولى منذ بداية الحرب التي يهاجم فيها الجيش الإسرائيلي مركبات ومنشآت منظمات الإغاثة، سواء كانت محلية أو دولية، وتقدِّر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 196 عاملاً في المجال الإنساني قتلتهم إسرائيل منذ بداية الحرب. وقُتِل ستة فلسطينيين تابعين لمنظمة أطباء بلا حدود بنيران الجيش الإسرائيلي. وأُصيبَ فلسطينيون عُثِرَ عليهم في مبنى تابع لمنظمة "المساعدة الطبية لفلسطين" البريطانية. وقُتِلَ 15 من عمال الإنقاذ في الهلال الأحمر بنيران إسرائيلية بينما كانوا في طريقهم لإنقاذ الجرحى.
وتقول صحيفة هآرت٬ إن الجيش الإسرائيلي أطلق النار 16 مرة على الأقل على شاحنات تحمل طعاماً وأشخاصاً متجمعين حولها. أطلق طاقم إحدى الدبابات النار على حشد من الفلسطينيين الذين تجمَّعوا حول قافلة طعام في 29 فبراير/شباط، مما أسفر عن استشهاد حوالي 100 شخص. وحتى عندما لا ينتهي إطلاق النار على قافلة الغذاء بالموت، فإنه يردع السائقين عن مواصلة طريقهم بالشاحنات، كما حدث بعد أن أطلقت سفينة حربية قذيفة على قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة كانت في طريقها إلى شمال غزة في 6 فبراير/شباط.
تقول صحيفة هآرتس إن معظم هذه الهجمات مرَّت بصمت إعلامي في إسرائيل وأمريكا، ولم يصدر الجيش الإسرائيلي اعتذاراً أو إقراراً بأنها كانت هجماتٍ غير مقصودة. ويرجع ذلك إلى أن الضحايا والجرحى كانوا فلسطينيين، وجزئياً لأن الأونروا والهلال الأحمر تشوِّههما إسرائيل منذ البداية بأنهما "متعاونان مع حماس"٬ لكن ما قد يجعل إسرائيل تدفع أثماناً سياسية اليوم لقتلها هؤلاء العمال هو أنهم أجانب فقط٬ وليسوا فلسطينيين.
إسرائيل تريد ردع الجميع عن تقديم المساعدات لشمال غزة المحاصر
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إن إسرائيل تواصل منع فرقها من الوصول إلى شمال قطاع غزة لتقديم مساعدات إنسانية لمواجهة المجاعة الناجمة عن الحرب والحصار المتواصلين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
الوكالة الأممية أوضحت في منشور عبر منصة "إكس"، الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2024، أن "إسرائيل تواصل منعنا من الوصول إلى الشمال (بقطاع غزة) لتقديم مساعدات غذائية وإمدادات أساسية أخرى".
كما بيّنت أنها "قدمت أكثر من نصف المساعدات الأممية التي سُلّمت في غزة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم في شهر مارس/آذار الماضي". وذكرت الوكالة أن 176 من موظفيها "قُتلوا بشكل مأساوي" منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
حيث ترفض إسرائيل منذ شهور السماح للمؤسسات الأممية والدولية، خاصة الأونروا والصليب الأحمر وبرنامج الغذاء العالمي، بالعمل في محافظتي غزة والشمال وتطلق عليها النيران لردعها من تقديم المساعدات٬ وسط صمت دولي مريب على الجرائم المستمرة.