يوثق جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، قيامهم بسرقة محتويات منازل ونهبها داخل قطاع غزة. تتبع "عربي بوست" عدداً منهم وحصل من حساباتهم على صورهم التي ظهروا فيها وهم يتفاخرون بالمقتنيات التي أخذوها من المنازل التي أجبر الاحتلال سكانها على مغادرتها.
يُشير نشر الجنود لصورهم وهم يرتكبون أعمال نهب وسرقات في غزة، إلى غياب أية محاذير لديهم من احتمالية تعرضهم للمساءلة من قِبل قيادة جيش الاحتلال، لا سيما أن تقارير لصحف ومواقع إخبارية إسرائيلية، وشهادات لعسكريين إسرائيليين، كشفت وأقرت في وقت سابق بقيام جنود بجيش الاحتلال بسرقة المنازل داخل القطاع.
تُشير تقارير إسرائيلية إلى أن جنود الاحتلال يأخذون معهم ما يعتبرونه "تذكارات" من غزة، وهو الاسم الآخر الذي يستخدمونه للأشياء التي تتم سرقتها من ممتلكات الفلسطينيين في غزة.
وصور الجنود التي سنوردها، تم نشرها في تواريخ مختلفة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وظهر فيها الجنود في أماكن مختلفة داخل غزة، ما يؤشر إلى تكرار عمليات السرقة بين وحدات عسكرية مختلفة.
في بداية مارس/آذار 2024، نشر الجندي الإسرائيلي "بن عزرا" على حسابه في موقع فيسبوك، صورة له من داخل حي تم تجريف أرضه داخل غزة، وظهر الجندي وهو يمسك كيساً مليئاً بالأغراض، وبالبحث عن الاسم المكتوب على الكيس، فإنه يعود إلى متجر في غزة اسمه ToyBox-Zaineldeen، المخصص لبيع الألعاب.
يمسك الجندي في يده الأخرى غطاء سرير شتوياً يعود لعلامة تجارية تبيع منتجاتها داخل الأراضي المحتلة. وظهر الجندي مبتسماً وهو يلتقط الصورة.
في مكان آخر داخل غزة، يقف الجندي في قوات الهندسة التابعة لجيش الاحتلال، "إيدان آهرون"، بجانب شاحنة ويبتسم، بينما يقوم زملاء له من خلفه بترتيب أغراض منزلية ووضعها في شاحنة كبيرة.
من خلال الصورة التي نشرها آهرون على حسابه في فيسبوك، يوم 28 فبراير/شباط 2024، فمن بين الأغراض المنزلية الموضوعة في الشاحنة، كنبة، وكرسي، ووسائد، وأغطية شتوية.
في صورة أخرى نشرها آهرون على حسابه في فيسبوك، يقف الجندي الإسرائيلي وهو يمسك بيده المتفجرات التي يتم فيها تفخيخ مبنى، وتظهر وراءه أغراض منزلية تم وضعها في الشاحنة العسكرية.
على حساب آهرون صور أيضاً توثق قيامه بتفخيخ مبانٍ في غزة وتفجيرها، وفي يوم 29 فبراير/شباط 2024، نشر مقطع فيديو له وهو يقوم بتفجير "فيلا".
رصد "عربي بوست" أيضاً حسابات لجنود إسرائيليين، نشروا صوراً تظهر نهب ألعاب أطفال ووضعها على جرافات عسكرية في غزة، ونشر الجندي الإسرائيلي "جينيا ليفش" على حسابه في فيسبوك، صورة تظهر دمية "ميني ماوس" وقد تم تعليقها على جرافة عسكرية، ونشر جندي آخر صورة على حسابه في "فيسبوك" يظهر عدة دمى لأطفال تم وضعها في جرافة.
ومن داخل أحد المنازل في غزة، نشر جندي إسرائيلي اسمه "غي ليمور" صورة له برفقة جنود، ومن بين الصور التي نشرها، يظهر ليمور وهو يمسك إناءين مغلقين من الزجاج وبداخلهما الطعام الذي يتم تخزينه عادة في المنازل والمعروف باسم "طعام المونة"، والذي يأتي في مقدمته الزيتون.
ويظهر جنود إسرائيليون في غزة وبحوزتهم الكثير من الأموال التي ينشرون صورهم معها على حساباتهم في شبكات التواصل، وفي فبراير/شباط 2024، نشر الجندي الإسرائيلي، كوبي مارجوليس، صورة له من داخل آلية عسكرية برفقة جندي آخر، وبحوزته الكثير من العملات الأجنبية.
أقرت تقارير لوسائل إعلام إسرائيلية، من بينها موقع "واللا"، وموقع "I24 News"، بأن قوات الاحتلال "صادرت" ملايين الشواكل من داخل قطاع غزة منذ بدء الحرب على القطاع، وذلك من خلال وحدة تابعة للجيش تسمى "وحدة الغنائم"، وتزعم وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه تم الاستيلاء على الأموال من داخل منازل مطلوبين السلطات الإسرائيلية.
تُشير شهادات لسكان في غزة إلى تورط جنود الاحتلال في ارتكاب سرقات في غزة بما في ذلك سرقة سرقة أموال من المنازل، وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد أورد نهاية العام الفائت، عدة شهادات، من بينها شهادة للفلسطيني "ثابت سليم"، الذي قال إن "قوات الجيش الإسرائيلي عمدت لنهب كل ما يتوفر من أموال وذهب لدى اعتقاله واثنين من أبنائه من داخل منزلهم في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة".
أشار سليم إلى أن "قيمة ما أخذه الجنود من مبالغ مالية في منزلي تتجاوز 10 آلاف دولار أمريكي موزعة على عدة عملات، يضاف إليها مبلغ مماثل تقريباً عبارة عن ذهب لزوجتي وزوجة نجلي البكر".
تأكيدات إسرائيلية على السرقات في غزة
وعلى الرغم من الرقابة العسكرية لجيش الاحتلال على محتوى وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تنشر ما يتعلق بالحرب التي يخوضها الجيش على غزة، فإن بعض التقارير الصحفية الإسرائيلية أكدت ارتكاب جنود إسرائيليين لنهب وسرقات في غزة.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية كانت قد نشرت في 8 فبراير/شباط 2024، شهادة لطبيب عسكري في لواء الاحتياطيين المظليين، قال بعدما أنهى خدمة في الجيش استمرت لشهرين في غزة، إن هنالك "قوات بالجيش نهبت الهواتف، والدراجات النارية، والدراجات الهوائية، ومكانس دايسون".
يشير الطبيب العسكري في شهادته إلى أن "عمليات النهب تكاد تكون ممأسسة"، وتحدث عن نهب واسع أيضاً، لفرشات، وأفراغ غاز، مروراً "بأغراض تذكارية صغيرة، مثل مسابح ودمى صغيرة للأطفال. ويتم تفسير هذا كله بالطبع بالاحتياجات العملياتية، مثل شاشة بلازما في غرفة القيادة لقائد اللواء التي صودرت من بيت فلسطيني".
ورصد "عربي بوست" صوراً نشرها جنود إسرائيليون وهم يقودون دراجات نارية تم أخذها من المناطق التي دخلوا إليها في غزة، ونشر جندي إسرائيلي اسمه "ميخائيل الماكيس"، على فيسبوك، صورة تظهر دراجة نارية يقودها جندي.
ونشر جندي آخر على حسابه في فيسبوك صورة له برفقة جندي آخر، وهما يقودان دراجة نارية تم الاستيلاء عليها في غزة، وكتب تعليقاً مصاحباً لها: "رمضان سعيد".
كانت "مجلة +972" الإسرائيلية قد نشرت أيضاً في 20 فبراير/شباط 2024، شهادات لجنود إسرائيليين عادوا من القتال في غزة، وقالت المجلة إن جنوداً بجيش الاحتلال أخذوا كل ما وقعت عليه أيديهم في منازل الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة منازلهم.
الجنود الذي تحدثوا للمجلة قالوا إن "هذه الظاهرة منتشرة في كل مكان، وإن قادتهم في الغالب يسمحون بحدوثها"، واعترف أحد الجنود بأنه نفسه أخذ ما وصفه بـ"التذكار" من أحد المراكز الطبية التي احتلها الجيش، وأشار إلى أن آخرين سرقوا أكواباً وكتباً، و"هدايا تذكارية".
ونشر جندي إسرائيلي باسم "شلومي أمسيلي"، على حسابه في فيسبوك، صورة عرض فيها كنزة وعصابة رأس اصطحبهما معه من غزة.
وعادة ما يعلق جيش الاحتلال على التقارير الإسرائيلية حول حدوث سرقات في غزة يرتكبها جنود الجيش، بأنه يحقق في هذه الأحداث، لكن استمرار نشر الجنود على حساباتهم في شبكات التواصل للانتهاكات التي يرتكبونها يبيّن حدوث ضعف في مساءلة ومعاقبة العسكريين مرتكبي الانتهاكات.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول تشن إسرائيل حرباً مدمرة على غزة، خلفت عشرات آلاف الشهداء والمصابين معظمهم أطفال ونساء، وكارثة إنسانية ودماراً هائلاً، ومثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".