ظهر معسكر جديد داخل تيار المحافظين الموالين للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يتحدى نفوذ "الحرس القديم" فيه، ويقدّم نفسه على أنه "يتبع نهج روح الله الخميني" زعيم الثورة الإيرانية، تحت مسمى "الشباب الثوريين في إيران"، لتثار تساؤلات عنهم، وعن أهدافهم، وثقلهم السياسي بعد الانتخابات الأخيرة.
في الأول من شهر مارس/آذار 2024، ذهب الإيرانيون للتصويت في الانتخابات البرلمانية، وانتخابات مجلس الخبراء، الهيئة المهمة المسؤولة عن الإشراف على عمل المرشد الأعلى للبلاد الحالي، واختيار المرشد الأعلى الذي سيخلفه.
شهدت الانتخابات نسبة مشاركة منخفضة للغاية، لم تحدث في تاريخ إيران من قبل، بنسبة 41% بواقع نحو 25 مليون صوت، من أصل أكثر من 61 مليون ناخب.
لكن المفاجأة في هذه الانتخابات لم تكن بنسبة المشاركة وحسب، بل بالتحول في المشهد السياسي الإيراني، الذي قد يتم البناء عليه للسنوات القادمة، أي ما بعد رحيل المرشد الإيراني علي خامنئي، بحسب مصادر سياسية إيرانية تحدثت لـ"عربي بوست"، لا سيما مع تقدمه في العمر (84 عاماً)، والتحضير لعملية ما بعد وفاته.
الشباب الثوريون وخسارة الحرس القديم
"الشباب الثوريون"، ما اختاره مجموعة من الجيل الجديد من المتشددين داخل التيار المحافظ اسماً، نسبة إلى "الثورة الإيرانية عام 1978، وحققوا انتصاراً مهماً بانتخابات مجلس خبراء القيادة، وقبلها انتخابات البرلمان، على حساب التيار المعتدل، والتيار المحافظ نفسه.
رغم أن الشباب الثوريين في إيران يُعدّون من داخل التيار المحافظ كجيل جديد من المتشددين، إلا أنهم منافسون لما يطلق عليهم "الحرس القديم" الذين هم واجهة هذا التيار ويمثلونه (أو المحافظين التقليديين)، بحسب المصادر.
التيار المحافظ (يميني)، هو أحد التيارات الرئيسية في إيران، الذي يعد الأكثر تشدداً فيها، بما يتعلق بسياساته الداخلية والخارجية، ويتبع أوامر المرشد الإيراني مباشرة، ويُعدّ الأكثر موالاة له، مقارنةً بالتيار الإصلاحي (يسار) والتيار المعتدل (وسط).
بانتخابات البرلمان 2 مارس/آذار 2024، شهدت محافظة طهران مواجهة شديدة بين المحافظين التقليديين الذين يتم دعمهم من المؤسسة السياسية الإيرانية، وبين الوافدين الجدد على السياسة من الشباب الثوريين في إيران.
حصل الشباب الثوريون في الانتخابات على 2,678,290 صوتاً، أكثر من المحافظين القدامى بـ 2,136,008 أصوات في انتخابات مجلس خبراء القيادة.
أما نتائج انتخابات البرلمان داخل التيار المحافظ ما بين المعسكرين، فقد ظهرت في محافظة طهران فقط، لأن المنافسة الأساسية جاءت في العاصمة، التي يبلغ عدد مقاعدها في البرلمان ٣٢، كأكبر محافظة في إيران.
النتيجة كان 8 مقاعد للشباب الثوريين من أصل 15 فاز بها التيار المحافظ في طهران، إلا أن هناك جولة ثانية في عدد من المقاعد الأخرى.
كانت القوائم الانتخابية للمحافظين التقليديين أو الحرس القديم تتألف من شخصيات محافظة تقليدية ومعتدلة، مثل محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان، وهو أيضاً قائد القوات البحرية في الحرس الثوري وعمدة طهران سابقاً، الذي يتمتع بسجل سياسي حافل، ودعم كبير من عدة فصائل داخل المؤسسة السياسية الإيرانية.
في المقابل، كانت هناك قوائم انتخابية من الشباب الثوريين المتشددين والسياسين الأصوليين، التي تصدرت نتائج الانتخابات البرلمانية في محافظة طهران، لا سيما ثلاث شخصيات من الشباب، هم رجل الدين المتشدد محمود نبويان، ورجل دين آخر ازدادت انتقاداته للحرس القديم بشدة في الآونة الأخيرة، وهو حميد رسايي، والناشط السياسي الشاب أمير حسين ثابتي.
حتى أن سيد نبويان من الشباب الثوريين، ينافس على رئاسة البرلمان مع قاليباف المحافظ التقليدي لمدينة طهران.
قدّم هؤلاء أنفسهم في الانتخابات على أنهم يتبعون نهج روح الله الخميني مؤسس "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" و"زعيم الثورة الإيرانية (1978)"، ويطالبون بتطبيق آرائه ونظرياته في الحكم، وينتقدون التعامل مع الغرب والولايات المتحدة.
على غير المتوقع، حققت قوائم الشباب الثوريين في إيران نجاحاً ساحقاً أمام قوائم المحافظين التقليديين، فحصل محمد باقر قاليباف على حوالي 447 ألف صوت فقط، في حين أنه قد حصد أكثر من مليون ونصف صوت في الانتخابات البرلمانية السابقة لعام 2020.
بهذا الصدد، يقول مسؤول إيراني رفيع المستوى، وينتمي للتيار المحافظ التقليدي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "كانت مفاجأة من العيار الثقيل صعود الثوريين الجدد، ما مثّل انقلاباً هائلاً على المعسكر المحافظ"، معتبراً أن "الأمور سارت بطريقة تبدو وكأنها مدبرة من أحدهم"، على حد وصفه، رافضاً الحديث عن الجهة التي يقول إنها تقف خلفهم.
لكنه اكتفى بالقول: "الأكيد أن هناك داخل مكتب المرشد الأعلى، من يحاول أن يقلب الأمور رأساً على عقب، قبل وفاة خامنئي".
اتباع الشباب الثوريين في إيران "نهج الخميني"
بات المحافظون التقليديون في إيران يواجهون تحدياً رئيسياً كبيراً، متمثلاً في ظهور ما يطلق عليهم اسم "الشباب الثوريون الجدد"، منتقدين نهجهم، ويتحدون الجيل الأكبر سناً.
يتهم "الشباب الثوريون" المحافظين التقليديين بأنهم انحرفوا عن نهج "الإمام"؛ أي الخميني.
في محاولة لفهم نهجهم، تَوَاصل "عربي بوست" مع عدد من الشباب الثوريين لتوضيح مواقفهم السياسية، ليقول فضلي نجاد، وهو سياسي شاب منتمٍ للمجموعة: "الجيل القديم أو الأكبر سناً من الأصوليين في إيران انحرفوا عن مبادئ الخميني ونهجه في إدارة البلاد، مقابل مصالحهم الشخصية".
عن أهداف التيار الشبابي هذا قال: "نحن نحاول إعادة الثورة الإسلامية إلى مسارها الصحيح".
أما عن انتماء التيار الجديد إلى المعسكر المحافظ فقال: "صحيح أننا ننتمي إلى المعسكر الأصولي، لكننا لا نوافق على نهجه القديم، ونحاول الوصول إلى المناصب التي تمكننا من تحقيق أهداف الخميني".
يوافق حسين أمير، وهو ناشط سياسي شاب، حديث فضلي نجاد، مضيفاً لـ"عربي بوست" القول: "الثورة الإسلامية الإيرانية تمر بمرحلة حرجة وصعبة، بسبب سياسات المحافظين التقليديين الخاطئة، ونحن نحاول العمل على الإصلاحات التي من شأنها أن تعيد الجمهورية الإسلامية إلى الصورة التي أرادها الخميني وخامنئي، ولكي تتغلب على التحديات الحالية التي سببها منذ البداية الأصوليون القدامى"، وفق قوله.
هاجم أمير "الأصوليين القدامى" قائلاً إنهم "ضلّوا الطريق عن أساسيات الثورة الإسلامية التي وضعها الخميني، والمسافة بينهم وبين نهج الخميني تبتعد يوماً بعد يوم أكثر وأكثر، والعديد منهم يتبع المبادئ العلمانية من أجل استمرار مصالحهم السياسية والاقتصادية، وهذا مرفوض بالنسبة لنا، ونعمل على إصلاحه".
رغم أن الجيل الجديد من الشباب الثوريين يتبنى خطاباً متشدداً، لكنه لا يلتزم بمبادئ المعسكر الأصولي التقليدي، مثل التعاون مع منافسيهم السياسيين الإصلاحيين، فهم يرون فيهم أنهم "أعداء للأمة الإيرانية، بميولهم للأفكار العلمانية، ولا يمكن تشكيل تحالفات معهم"، وفق ما أكدته مصادر من داخل التيار الجديد.
حمّل حسين أمير الحرس القديم من المعسكر المحافظ التقليدي، بأنهم "السبب في غضب الشعب الإيراني من الثورة الإسلامية الإيرانية"، موضحاً أن "الأصوليين القدامى كانوا السبب في توجيه أصابع الاتهام إلى الثورة الإسلامية بسبب اهتمامهم بالمظاهر والقشور، بدلاً من الالتزام بمُثُل الثورة التي وضعها الخميني".
أكد أمير أن "تصرفات وإدارة الأصوليين القدامى طوال السنوات الماضية، كانت سبب الآراء العامة السلبية من الشعب الإيراني تجاه الحكومة في إيران، وأنهم اهتموا بحجب مواقع التواصل الاجتماعي، وبمنع أشخاص من الظهور على شاشات التلفزيون الحكومي، وإهمال تحسين أوضاع الناس الاقتصادية، أو النظر إلى الفقراء والمحتاجين، والعمل على تحسين حياتهم، كما أوصى الخميني".
التعامل مع أمريكا والغرب
يرى الجيل الجديد من "الشباب الثوريين"، بحسب من تحدثوا منهم إلى "عربي بوست"، أن التعامل مع الغرب والولايات المتحدة "خيانة لمبادئ الثورة الإيرانية"، وأن "من الأفضل تقوية العلاقات الإيرانية بالشرق، مثل روسيا والصين، كما دعا المرشد الأعلى علي خامنئي منذ سنوات، من خلال استراتيجية: (الاتجاه شرقاً)، لتخفيف الاعتماد الإيراني على الغرب، بتحسين العلاقات مع الشرق".
أوضح أمير أنه "ليس الإصلاحيون فقط من انخدعوا في الغرب، وسعوا للاتفاق النووي، إنما الأصوليون القدامى أيضاً، الذين قالوا إنهم تعاملوا مع الأمر الواقع، ووافقوا على الاتفاق النووي الكارثي، وتجاهلوا الخطوط الحمر للمرشد الأعلى".
ينتقد الشباب الثوريون الجدد الاتفاقَ النووي الإيراني لعام 2015 مع الغرب والولايات المتحدة، حتى رغم موافقة خامنئي عليه، "إلا أنهم يبررون الأمر بتجاهل إدارة الرئيس الإيراني المعتدل السابق حسن روحاني للخطوط الحمر التي وضعها للفريق النووي المفاوض الإيراني في المفاوضات النووية مع القوى العالمية"، بحسب أمير.
أضاف أيضاً أنه "بدلاً من الاتفاق النووي، ومحاولة استمالة رضا الغرب، فإن على الجمهورية الإسلامية تقوية علاقاتها بروسيا، فهي دولة نووية قوية عسكرياً، وتعد من أشد أصدقاء محور المقاومة".
وتقود إيران ما تسميه "محور المقاومة" في المنطقة بدعم مجموعات مسلحة في كل من العراق ولبنان واليمن وسوريا، وتعلن محاربتها لأمريكا وإسرائيل.
تؤمن المجموعة الجديدة من الشباب المتشددين بأهمية "محور المقاومة"، ودوره في تقوية موقف إيران أمام العالم.
تكهنات متعلقة بالحرس الثوري ونجل خامنئي
أثارت تصريحات وانتقادات الشباب الثوريين في إيران للحرس القديم غضب الأخير، خاصةً بعد تحقيق المجموعة الشابة نجاحات في الانتخابات الأخيرة.
أفاد سياسي أصولي تقليدي بارز مقرب من دوائر صنع القرار في طهران "عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، بأن هذه المجموعة الشابة "خرجت عن حدود اللياقة والأدب في التعامل مع الأكبر سناً، وأصبح المنتمون لها يتهمون الجميع بالخيانة والفشل، ولا يرون إلا أنهم من يستحق حكم إيران".
أضاف أن "الحماية التي يتمتعون بها تُثير الريبة والشك"، في إشارة إلى إعطائهم المساحة في الانتقاد وتوجيه اتهامات بالفساد لكثير من المسؤولين من المعسكر الأصولي التقليدي، دون محاسبة، وفق قوله.
قال مصدر سياسي من داخل التيار المحافظ، لـ"عربي بوست"، إنه يعتقد أن "الشباب الثوريين في إيران يحظون "بدعم من مجموعة تشترك معهم في الأفكار داخل الحرس الثوري نفسه".
هذه التكهنات التي تحدث عنها المصدر، وافق عليها مسؤول حكومي مقرّب من السلطة، وينتمي إلى المعسكر الأصولي التقليدي، قائلاً لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "لا يمكن أن يخرج هؤلاء إلى العلن، وأن يكتسحوا الانتخابات بهذا الشكل، إلا إن كان من يدعمهم يتمتع بقوة هائلة، مثل الحرس الثوري".
لكن هناك أيضاً من يرى أن الجهة التي تقف خلف هذه المجموعة الشابة "لن تخرج من مكتب المرشد الأعلى، المؤسسة السياسية ذات النفوذ الهائل في جميع مؤسسات الدولة".
في هذا الصدد يقول سياسي أصولي آخر، ومقرّب من السلطة لـ"عربي بوست": "الفصائل والتحالفات داخل مكتب خامنئي معقّدة للغاية، ليس من السهل معرفة من يعمل مع من أو ضد من، لكن الظهور الكبير لهذه المجموعة، وصوتهم الناقد المرتفع، والحماية التي يتمتعون بها، تؤكد أن من يقف خلفهم مجموعة قوية من داخل مكتب المرشد".
اعتبر كذلك أن "هذه المجموعة مقرّبة من مجتبى خامنئي، لمحاولة الإطاحة برموز المعسكر الأصولي، لخلق وجوه جديدة لمرحلة جديدة".
يذكر أن مجتبى خامنئي هو الابن الثاني للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وكثيراً ما تنتشر التكهنات بمحاولته خلافة أبيه، خاصةً أنه يتمتع بنفوذ كبير داخل المؤسسة السياسية العليا في إيران.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.