لطالما شكَّل منع كوريا الشمالية من توسيع ترسانتها من الأسلحة النووية قضية مشتركة بين واشنطن وموسكو، حتى خلال أكثر اللقاءات توتراً مع روسيا تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين على مدى العقد الماضي، لكن حتى هذا انهار الآن، كما ظهر في مجلس الأمن الدولي، حيث أصبحت روسيا حامية ترسانة كوريا الشمالية النووية.
فلقد استخدمت روسيا يوم الخميس، 28 مارس/آذار، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد مشروع قرار لتمديد تفويض لجنة خبراء أممية كانت تراقب جهود كوريا الشمالية للتهرب من العقوبات المفروضة على برنامجها النووي على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية، (فيما امتنعت الصين عن التصويت).
ويُشكِّل انزعاج روسيا من هذه اللجنة تطوراً جديداً، بعدما كانت ترحب في السابق بالتقارير التفصيلية للجنة حول انتهاكات العقوبات وتعتبر برنامج بيونغ يانغ النووي تهديداً للأمن العالمي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
لكن في الآونة الأخيرة، قدمت اللجنة دليلاً حياً على كيف تعمل روسيا على تزويد كوريا الشمالية بالوقود وغيره من السلع، في مقابل قذائف المدفعية والصواريخ التي يشحنها الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، إلى روسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا.
وقد أنتجت اللجنة صوراً عبر الأقمار الصناعية لعمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى؛ ما يوضح كيف أثبتت الحرب في أوكرانيا أنها صفقة مربحة لكوريا الشمالية.
الفيتو الروسي دليل على تآكل نظام تقييد الانتشار النووي والذي كان يستهدف كوريا وإيران بالأساس
ويشكل التفكيك الواضح للجنة، التي لم تكن تتمتع بسلطة تنفيذية، دليلاً آخر على الكيفية التي تآكل بها بسرعة ما كان ذات يوم جهداً عالمياً لتقييد الانتشار النووي على مدى العامين الماضيين.
وأكد روبرت أينهورن، المسؤول بوزارة الخارجية في عهد إدارة أوباما الذي يعمل الآن زميلاً بارزاً في معهد بروكينغز: "هذا تحول ملحوظ".
وقال أينهورن: "في معظم فترة ما بعد الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة وروسيا والصين شركاء في التعامل مع تحديات الانتشار النووي، خاصة مع ترسانة كوريا الشمالية النووية وكذلك برنامج إيران النووي.
وكانت روسيا والصين إلى الجانب الأمريكي والأوروبي بالكامل خلال المفاوضات الإيرانية، وساعدا في التعامل مع كوريا الشمالية خلال فترة النار والغضب من عام 2016 إلى عام 2017″، في إشارة إلى المفاوضات النهائية لإدارة أوباما مع كوريا الشمالية، وتهديدات الرئيس السابق دونالد ترامب عندما تولى منصبه.
وفي تلك الحقبة، صوّتت روسيا بانتظام لصالح فرض عقوبات على كوريا الشمالية، كما فعلت الصين، حتى عندما كانت جميعها تنفذ قدراً لا بأس به من الأعمال مع بيونغ يانغ، وأكثر من القليل من التهريب في البحر وعبر معبرها الحدودي الضيق، خاصة جسر السكك الحديدية حيث تلتقي الدول الثلاث.
لكن كما أشار إينهورن، فقد تصدَّعت تلك الوحدة مع عودة ظهور المنافسة بين القوى العظمى. واختفت الشراكة المتعلقة باحتواء التهديدات النووية، حتى الناشئة من ترسانة كوريا الشمالية النووية، التي تشكل منشآتها النووية تحدياً أمنياً لكل من الصين وروسيا.
روسيا وكوريا الشمالية تتعاونان في التهرب من عقوبات الغرب
وبعد أن فرض غرض ما يصفه بأشد عقوبات في التاريخ على روسيا، الآن تساعد روسيا كوريا الشمالية في التهرب من العقوبات، كما لا تعمل روسيا ولا الصين بنشاط للضغط على إيران لحملها على إبطاء تخزينها اليورانيوم المُخصَّب، وهي الخطوة الحاسمة اللازمة إذا قررت بناء أسلحة نووية.
وعندما صدرت قرارات لإدانة كوريا الشمالية بسبب وابلها المستمر من التجارب الصاروخية، عارضتها روسيا والصين. لكن إلغاء "لجنة الخبراء"، التي بدأت عملها في عام 2009، يفتح آفاقاً جديدة في تخفيف الضغوط على بيونغ يانغ.
روسيا تقول إن أمريكا لا تريد سوى خنق كوريا الشمالية
ونقلت Reuters عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، يوم الجمعة 29 مارس/آذار، قولها: "من الواضح لنا أنَّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يعُد بإمكانه استخدام القوالب النمطية القديمة عند التعامل مع مشكلات شبه الجزيرة الكورية. لقد أظهرت الولايات المتحدة وحلفاؤها بوضوح أنَّ مصلحتهم لا تمتد إلى ما هو أبعد من مهمة خنق جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بكل الوسائل المتاحة".
ولم تكن للجنة صلاحيات تحقيق كبيرة، لكنها كانت شاملة، وكثيراً ما كانت النتائج التي توصلت إليها تتصدر عناوين الأخبار؛ إذ تتبع اللجنة شحنات النفط، وتُوضح ما يحدث عندما تغلق السفن أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها حتى لا تتعقبها الرادارات في البحر. ونظرت اللجنة أيضاً في العلاقات المصرفية والسلع الفاخرة التي وصلت إلى كوريا الشمالية، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها منذ 18 عاماً.
لكن النتائج التي توصل إليها خبراء اللجنة لم تُعتمَد في كثير من الأحيان. وقالت جيني تاون، الخبيرة في شؤون كوريا الشمالية والزميلة البارزة في مركز ستيمسون، وهو مركز أبحاث متخصص في منع انتشار الأسلحة النووية، يوم الجمعة 29 مارس/آذار: "كل ما ورد في التقارير يجب أن يحظى بموافقة أعضاء مجلس الأمن. وبالرغم من أنها هيئة تحقيق، إلا أنَّ النتائج التي تتوصل إليها تنشأ في محيط عملية سياسية".
القلق ليس من حجم ترسانة كوريا الشمالية النووية ولكن من النوايا وراءها، وهكذا تغيرت لغتها
ولا يتمثل قلق الغرب الأكبر بشأن حجم ترسانة كوريا الشمالية النووية، بل النوايا من ورائها. ففي مقال بعنوان "هل يستعد كيم جونغ أون للحرب؟" في موقع 38 North -وهو موقع يتتبع كوريا الشمالية من واشنطن- كتب اثنان من الخبراء البارزين في شؤون كوريا الشمالية، روبرت كارلين، وهو مسؤول استخباراتي كبير سابق شارك في كثير من الأحيان في مفاوضات كوريا الشمالية، وسيغفريد هيكر، المدير السابق لمختبر لوس ألاموس للأمن الوطني، إنَّ "الوضع في شبه الجزيرة الكورية صار أخطر مما كان عليه في أي وقت منذ أوائل يونيو/حزيران 1950″، عندما اندلعت الحرب الكورية.
والواقع أنَّ لغة كوريا الشمالية تغيّرت، وهي تتحدث الآن بمزيد من الصراحة -كما يفعل المسؤولون الروس- عن استخدام الأسلحة النووية إذا تعرضت بلادهم للاستفزاز في قضايا كبيرة أو صغيرة.