لم يكن إيلي فيدرمان، وهو مستوطن إسرائيلي متطرف متهم بارتكاب هجمات عنيفة ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، على علم بالعقوبات التي فرضتها المملكة المتحدة عليه، لأنه كان يشارك كجندي في الحرب على غزة.
ووفقاً لوالده، عندما سمع الأخبار أخيراً عبر تطبيق واتساب بعد أسبوعين، تفاجأ إيلي لكنه لم يكن منزعجاً كما يقول لصحيفة Financial Times البريطانية. وكان فيدرمان اعتُقِلَ عدة مرات بتهمة العنف العنصري والمتطرف.
لماذا تعد العقوبات الغربية على بعض المستوطنين بلا قيمة؟
كانت العقوبات التي فرضتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة على سبعة إسرائيليين، الشهر الماضي، بمن في ذلك اثنان من عائلة فيدرمان، هي المرة الأولى التي يُستهدَف فيها المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة بهذه الطريقة. فُرِضَت المزيد من العقوبات الأمريكية، بإضافة اسم جديد إلى القائمة، في 14 مارس/آذار.
لكن القيود لم تمسّ حركة الاستيطان المستمرة، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الحرب الإسرائيلية على غزة، بقدرة أكبر من القوة والجرأة من أي وقت مضى.
وتقول صحيفة فايننشيال تايمز إن الترحيل القسري للفلسطينيين وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية، التي تُعتَبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، يزداد بصورةٍ كبيرة، وفقاً للناشطين الذين وصفوا عام 2023 بأنه العام "الأكثر عنفاً استيطانياً" على الإطلاق.
ويحظى إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين بدعم الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل، والتي تضم وزيرين من الأحزاب الصهيونية القومية المتطرفة والدينية التقليدية، وينحدران من المستوطنات في الضفة الغربية نفسها. ويؤمن كل من إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريش، وزير المالية بـ"حقهما الإلهي في الأرض"، ويعارضان بشدة قيام دولة فلسطينية.
وحتى قبل حرب غزة وافقت حكومة بنيامين نتنياهو على بناء المستوطنات بوتيرة قياسية. والآن يتزايد عدد المستوطنين الأفراد الذين يندفعون في حالة من الهياج، ويطالبون بمساحات من الأراضي لم توافق إسرائيل على بنائها، وذلك من خلال إقامة مزارع مؤقتة على قمم التلال ذات المواقع الاستراتيجية بالضفة.
المستوطنون يهجّرون الفلسطينيين من منازلهم
أجبرت أعمال العنف التي ارتُكبت في إطار هذه العملية ما يزيد على 1200 فلسطيني على ترك منازلهم في مختلف أنحاء الضفة الغربية خلال الأسابيع الستة عشر الأولى من الحرب، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، وهو عدد أكبر مما كان عليه الحال في الأشهر الـ22 السابقة.
وتخشى الولايات المتحدة وآخرون من أن تؤدي التوترات المتصاعدة في الضفة الغربية إلى صراع أوسع بين إسرائيل والفلسطينيين بعد غزة، حيث إن عنف المستوطنين هي القضية الوحيدة التي أبدت واشنطن استعدادها لاتخاذ إجراءات عقابية جرّاءها ضد إسرائيل للضغط على نتنياهو للتراجع.
ويعيش الآن أكثر من 700 ألف مستوطن إسرائيلي في مستوطنات أُقيمَت خارج الخط الأخضر، قبل حرب عام 1967 واحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وفي حين اتسمت حركة الاستيطان الأولية بالحماسة الدينية والأيديولوجية، فإن نسبةً كبيرة من المستوطنين الذين ينتقلون الآن يفعلون ذلك لأسباب تتعلق بنوعية الحياة، من بيئة الضواحي إلى السكن الأرخص. وحوالي ثلثهم من اليهود العلمانيين.
وقال عوديد ريفيفي، رئيس بلدية مستوطنة إفرات منذ فترة طويلة: "أغلبية الناس يعبرون الخط الأخضر إما بسبب المجتمعات التي وجدوها، أو أنهم يريدون العيش فيها، أو بسبب تكاليف المعيشة". وخسر ريفيفي سباق إعادة انتخابه في الانتخابات البلدية التي أُجرِيَت في مارس/آذار الجاري.
وقال ريفيفي إن شعبية المستوطنة ارتفعت منذ أن انتقل إلى المدينة لأول مرة قبل أكثر من 30 عاماً، وأصبح الطلب على المساكن الآن يفوق العرض بكثير. وهو يريد أن تقوم الحكومة ببناء المزيد، لكنه يعارض قيام المستوطنين الأكثر تشدداً ببناء مواقع استيطانية على قمم التلال، فهي غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي.
استيطان وجرائم يحظيان بدعم كامل من الحكومة الإسرائيلية
وتعرض نجل فيدرمان، إيلي وصهره ينون ليفي، لعقوباتٍ شملت قيوداً مالية وقيوداً على السفر، بسبب تقارير عن أعمال عنف حول مستوطناتهم في تلال جنوب الخليل. ويتهم الفلسطينيون الذين يعيشون في مكان قريب أفراد الأسرة باقتحام منازلهم ليلاً، والتلويح بالبنادق، وقيادة جرافة اقتلعت أشجار الزيتون الخاصة بهم برعاية جنود الاحتلال. واضطر هؤلاء الفلسطينيون أخيراً إلى الخروج من أرضهم، في أكتوبر/تشرين الأول، كما تقول الصحيفة الأمريكية.
لكن فيدرمان يشعر بالثقة في أن المزرعة الواقعة على قمة التل تحظى بدعم الدولة. وقال: "في الواقع شجعت الحكومة هذا المكان، لأنها بهذه الطريقة تحرس المنطقة الوطنية"، مضيفاً أن الفلسطينيين الذين غادروا المنطقة فعلوا ذلك بناء على أوامر من الجيش الإسرائيلي. وزعم أن أي تقارير عن أعمال عنف ملفقة من قبل "جماعات أناركية يسارية".
عندما جعلت العقوبات ليفي يتعثر من أجل الحصول على المال بسبب تجميد حساباته المصرفية، قامت الأسرة بسرعة بجمع مبلغ يعادل 136,670 دولاراً عبر حملة لجمع التبرعات عبر الإنترنت، وفقاً لفيدرمان، الذي قال إن هذا يوضح حجم الدعم من الجمهور الإسرائيلي للاستيطان.
ومنح نتنياهو وزير المالية سموتريش، من مستوطنة كدوميم، صلاحيات إضافية على الضفة الغربية في وزارة الدفاع، وهي الهيئة المسؤولة عن إدارة الأراضي المحتلة.
جلبت انتخابات الكنيست لعام 2022 نحو عشرة من سكان المستوطنات إلى البرلمان، أو حوالي 10% من إجمالي النواب. وفي وقت لاحق، أُقِرَّ مشروع قانون يسمح بإعادة بناء أربع مستوطنات اعتُبِرَت غير قانونية وتفكَّكت قبل 20 عاماً.
والإصلاح الشامل للنظام القضائي الإسرائيلي في العام الماضي، والذي كان من شأنه أن يمنح الكنيست المزيد من السيطرة على المحاكم، وكذلك على توسيع المستوطنات، قاده النائب سيمحا روثمان، الذي عاش لسنوات عديدة في بني كيدم، وهي بؤرة استيطانية غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي.
أثار الإصلاح القضائي الذي أجراه روثمان ضجةً واحتجاجاتٍ جماهيرية في البلاد، ما أظهر أن قطاعاتٍ كبيرة من الجمهور الإسرائيلي لا تزال تعارض القبضة التي تتمتع بها كتلة اليمين المتطرف على الحكومة.
مستوطنون يحلمون بالعودة إلى مستوطنات غزة
لكن الإسرائيليين قالوا إن الرأي العام تغير منذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي أدى إلى اندلاع حرب غزة. إن الأفكار التي كان يُنظَر إليها سابقاً على أنها بعيدة المنال أصبحت الآن طبيعية. وفي مستوطنة كدوميم، صار لدى رئيسة البلدية السابقة دانييلا فايس، وهي من أوائل المشاركين في الحركة المعروفة باسم "الجدة" الأيديولوجية لجناحها الأكثر تطرفاً، مشروع جديد، ألا وهو عودة المستوطنين إلى غزة.
وصدرت أوامر للمستوطنين بحزم أمتعتهم ومغادرة المنطقة، عندما انسحبت إسرائيل من غزة في عام 2005، تحت ضربات المقاومة الفلسطينية في القطاع، وتم تسليمها إلى السلطة الفلسطينية.
والآن، ومع ازدياد جرأة المتطرفين، واندلاع الهجوم على غزة، ما غيَّر الحقائق على الأرض بالقوة الغاشمة، كانت فايس تحدد مجموعات من العائلات لإعدادهم للعودة. وأوضحت فايس أنها أرادت أن تكون الأمور مختلفة هذه المرة، حيث أخرجت خريطة لغزة ووضعتها على طاولة غرفة طعامها.
وقالت فايس، التي هي بالأساس من أصول أوروبية، لصحيفة فايننشيال تايمز: "سيخرج كل العرب من غزة، وستكون غزة منطقةً يهودية، دعوهم يذهبوا إلى إفريقيا أو تركيا أو اسكتلندا. لن يكتظوا هناك في مكان واحد، بل ربما سيكونون أفضل"، على حد تعبيرها.