يحيط بقطاع غزة 7 معابر برية، أُغلق منها 4 خلال الـ17 عاماً الماضية، لا يدخل من أي واحدة منها مساعدات إنسانية براً، في حين تقوم جهات دولية وإغاثية بإنزالات جوية والتجهيز لمساعدات بحرية لإيصالها للفلسطينيين الذين يعانون جراء الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بسبب العدوان الإسرائيلي المدمر على القطاع.
يتحكم الاحتلال الإسرائيلي في معبرين متبقيين منها، هما كرم أبو سالم التجاري، وبيت حانون- إيريز المخصص للأفراد والحالات الإنسانية، وتتحكم مصر بواحد فقط هو معبر رفح، المغلق بوجه الفلسطينيين منذ بداية الحرب، ليغيب أي ضغط دولي حقيقي لإدخال المساعدات إلى غزة من هذه المعابر البرية.
الأردن وأمريكا وفرنسا وهولندا وبلجيكا ومصر، كلها دول شاركت في عمليات الإنزال الجوي للمساعدات، في حين أنها ليست كافية نظراً لحجم الأزمة الإنسانية، وفق برنامج الأغذية العالمي، وكذلك الإمارات وقبرص وبريطانيا وغيرها ستشارك في إيصال المساعدات إلى غزة بحراً عبر منظمات خيرية أمريكية.
لماذا المساعدات البحرية لغزة وعبر الجو؟
يثير الأمر تساؤلات عن سبب السماح للمساعدات جواً وبحراً إلى قطاع غزة، في حين يستمر منع دخولها براً، لا سيما عبر معبر رفح مع مصر، إذ إن كمية المساعدات التي يمكن إدخالها من خلاله أكبر بكثير من الإنزالات الجوية وعبر السفن، لا سيما أن الطريقة الأولى منضوية على مخاطر عدة بتلف المساعدات وسقوطها فوق رؤوس الناس كما حصل في 8 مارس/آذار 2024، حين استشهد العديد من الفلسطينيين بسبب تمزق مظلات تحمل المساعدات إلى غزة.
أما الطريقة الثانية بحراً، فلا تتوفر بعد الموانئ أو الأرصفة البحرية المناسبة على شواطئ غزة لاستقبال المساعدات، ويحتاج تجهيزها وتنفيذها إلى كثير من الوقت قد يمتد من أسابيع إلى أشهر عدة كما أعلنت إدارة جو بايدن الأمريكية.
تتكدس المساعدات الإنسانية على معبر رفح، بأكثر من 600 ألف طن داخل الشاحنات التي انخفض مرورها بنسبة 50% خلال شهر فبراير/شباط 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، التي لا يمر منها العدد الكافي أمام مأساة المدنيين المحاصرين، بحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، رغم المجاعة واستشهاد نحو 10 أطفال في شمال غزة بسببها.
أضافت الوكالة أن 14 ألفاً و477 شاحنة دخلت غزة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بمعدل 105 شاحنات يومياً، وهو بعيد كل البعد عن الكميات الكافية لمساعدة ملايين الفلسطينيين المحتاجين، على حد قولها.
تحدث "عربي بوست" مع محللين سياسيين لقراءة أسباب منع دخول المساعدات إلى غزة عبر المعابر البرية والسماح بها عبر الإنزال الجوية والسفن، متحدثين عن أسباب سياسية خارجية وأخرى مرتبطة بالتهجير داخل القطاع، وعسكرية متعلقة بعملية رفح المتوقعة، وجعل المساعدات ورقة لاستخدامها لتحقيق أهداف إسرائيلية.
تجميل صورة الاحتلال
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ذو الفقار سويرجو، لـ"عربي بوست"، رأى بالسماح للإنزالات الجوية والممر المائي إلى قطاع غزة، محاولة لتجميل صورة الاحتلال الإسرائيلي بأنه يسمح بمرور المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في حين أنه يقطع عنهم الشريان الرئيسي لوصولها، وهو معبر رفح، الذي هدد بقصفه بحال فتحه كلياً أمام دخول الشاحنات.
وقال إن "الولايات المتحدة تعرف جيداً أن الإنزالات الجوية التي تشارك فيها، والممر البحري الذي تنوي إقامته، لا يمكن أن يكونا وصفة سحرية قادرة على تجاوز كل العقبات، ولكنها في الوقت ذاته تقوم بمحاولات بائسة لتجميل صورتها أمام المجتمع الدولي بشكل عام، والناخب الأمريكي بشكل خاص، في محاولة لتقليل الخسائر التي لحقت بسمعتها بسبب دعم جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين".
عن الهدف من الممر البحري الذي أطلقته واشنطن، قال إنها "تسعى من خلاله لأن تجد إجابات لا يمتلكها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول اليوم التالي للحرب، من خلال إعادة تموضع بعض قواتها المتمركزة في المنطقة قبالة سواحل غزة، والمساهمة في تجاوز عقبة من هي الجهة القادرة والمرضي عنها من قبل اسرائيل لإدارة القطاع، بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، لإنقاذ إسرائيل من وحل غزة".
من جانبه، قال الخبير بالشأن الإسرائيلي، مأمون أبو عامر، لـ"عربي بوست"، إن "إنزال المساعدات جواً مسرحية إعلامية، أكثر منها عملاً جدياً لإغاثة الناس، لأن الكل يعرف أن الحاجة الملحة لوصول المساعدات إلى غزة هي عبر المعابر البرية، لكن اللجوء إلى هذا الأسلوب رفع الحرج عن إسرائيل أمام المجتمع الدولي".
واتهم العديد من رؤساء الدول والممثلين السياسيين، الاحتلال الإسرائيلي بعدم القيام بما يكفي للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية.
الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال لنتنياهو إن "المساعدات الإنسانية لا يمكن أن تكون اعتباراً ثانوياً أو ورقة مساومة".
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصف في رسالة انتقادية للغاية لإسرائيل عدم وصول المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ إلى غزة بأنه "غير مبرر في حالة طوارئ إنسانية مطلقة"، داعياً لفتح جميع المعابر من أجل إيصال المساعدات.
أضاف أبو عامر أن الإنزال البري كل مبرراته من الناحية المهنية غير متوفرة، إلا لأغراض سياسية، بمحاولة إخراج إسرائيل من مسؤولية ما يحدث في قطاع غزة من مأساة ومجاعة، لتمثل الجهود إبر مسكنات للرأي العام، لكنها لا تجدي نفعاً في حل مشكلة الجوع".
اعتبر كذلك أن "الإدارة الأمريكية شريك في التغطية الإعلامية لصالح إسرائيل، لأنها تخدم استمرار حالة المجاعة والتجويع الممنهج، وتعطي الاحتلال مبرراً لاستمرار حالة إغلاق المعابر، وعدم إدخال المساعدات الإنسانية مباشرة إلى المحتاجين، خدمة لإسرائيل، وليس خدمة للمحتاجين".
التواصل مع السكان مباشرة دون طرف عربي
هدف آخر تحدث عنه سويرجو، قائلاً إن "السماح بدخول المساعدات إلى غزة جواً وبحراً يأتي لاستبعاد أي إمكانية لعودة سيطرة حماس على القطاع، والضغط على مصر التي ترفض حتى الآن المشروع الأمريكي الإسرائيلي في إعادة توطين الفلسطينيين في منطقة سيناء".
أما أبو عامر، فأشار إلى أن "وجود ممرات مائية خارج الخط المباشر مع مصر، عملية تهدف إلى التواصل مع السكان مباشرة بعيداً عن أي طرف عربي".
وقال إن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي باستمرار منذ بداية الحرب يمثل تهديداً للأمن القومي المصري، مؤكداً أهمية أن يكون هناك تحرك مصري بهذا الإطار، حتى لا تكون هناك تحركات على الأرض تستثنيها، وتفرض أمراً واقعاً عليها.
عن التواصل مع السكان، أوضح أيضاً أن وصول المساعدات إلى غزة من خلال البحر يتطلب تنسيقاً لعمليات توزيعها، ما يفتح المجال أمام المنظمات الأممية والأمريكية للتواصل مع السكان مباشرة نيابة عن واشنطن وتل أبيب، لتنسيق دخولها وتوزيعها بين الناس.
أشار إلى أن الغرض من ذلك هو إبعاد إدارة القطاع الحالية عن تأمين المساعدات، وأن يكون لها دور في توزيعها، ما يعني محاولة إخراجها من الصورة، والتواصل مع العشائر المحلية لحل هذه المسألة، في حين أن الأخيرة ترفض ذلك، وفق مواقفها الأخيرة.
أضاف إلى ذلك، التحكم بكمية دخول المساعدات إلى غزة، لتصل إلى الناس بالقطارة، عوضاً عن إدخال الكميات الكافية لحاجة الأهالي، وذلك للتحكم في غذائهم ووصول المساعدات إليهم.
سيناريو تهجير الفلسطينيين بحراً
عبّر أبو عامر عن خشيته من استغلال إدخال المساعدات بحراً، خدمة لمخطط تهجير الفلسطينيين، موضحاً أن فتح الممر البحري للمساعدات قد يستغل لصالح تهجير الناس من القطاع إلى خارجه.
وقال إن "الممر البحري يمثل فتح خياراً أمام الناس لكي يلتحقوا بالسفن، وسط حالة من الفوضى مشابهة لما حصل في أفغانستان حين قام كثيرون بالصعود إلى الطائرات المغادرة من كابول".
بالتالي، "هي عملية مشبوهة تخدم مخطط التهجير، للقيام بعملية نقل سكاني"، بحسب أبو عامر، الذي قال إن "السفن بعد وصولها بالمساعدات، عوضاً عن عودتها فارغة، فقد يتم فتح المجال للناس للصعود على متنها إلى خارج القطاع".
فتح المجال أمام الاحتلال لبدء عملية رفح
أضاف أبو عامر سبباً آخر، يتمثل بفتح المجال أمام إسرائيل لبدء عملية عسكرية في رفح، تقول أمريكا إنها لا تريدها بسبب المخاوف المتعلقة بالأوضاع الإنسانية هناك.
لكن في حال وصول المساعدات عبر البحر، قد يكون الغرض منه نزع الأزمة الإنسانية من موضوع عملية عسكرية في رفح، باستثناء موضوع النازحين، وفق أبو عامر.
أوضح الخبير بالشأن الإسرائيلي أن "حجة إسرائيل ستكون حينها وجود معبرين رئيسيين في منطقة رفح، هما معبر كارني ورفح، بالإضافة إلى الممر البحري والإنزال الجوي، ما يعني أنه بإمكانها أن تنفذ عملياتها هناك بغطاء أخلاقي أمريكي".
كل ذلك اعتبره أبو عامر "محرجاً للجانب المصري، أمام موقفه السلبي جداً، كأن الأمر لا يعنيهم، وكأن المسألة لا تعني جيرانهم، بل كأنها تعني جيرانهم الإسرائيليين وليس جيرانهم الفلسطينيين من قطاع غزة".
أشار إلى أن معبر رفح يُعدّ بوابة استراتيجية، ومدخلاً لمصر، بالتالي لا بد للمصريين من أن يتحركوا، إذ إن الإدارة المصرية تتجنب التعاطي مع المطالب الشعبية المصرية الضاغطة لفتح المعبر، بل إنها تستخدم ما يحدث في غزة ذريعة لما يحدث من أزمات اقتصادية يواجهها المواطن المصري.
وقال: لا نجد حتى الآن أي تحرك مصري جاد بهذا الأمر، سوى أن هناك بعض الأمور غير الواضحة في حدود الضغط المصري، إذ لا نلمس فيه قوة العبارة أو قوة الموقف، فالموقف المصري قريب من طبيعة الموقف الأمريكي بالتحذير والتخويف من أزمة إنسانية.
تجويع الناس كسلاح للحرب
قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن "تجويع السكان يستخدم سلاحاً للحرب في غزة"، وذلك في تصريح له أمام مجلس الأمن الدولي.
أشار في هذا الصدد إلى منع جيش الاحتلال الإسرائيلي إدخال المواد الغذائية والإغاثية الضرورية للسكان في غزة، وعرقلة وصولها بالكميات الكافية لحاجة الناس.
وقال: "هذه الأزمة الإنسانية ليست كارثة طبيعية، هي ليست فيضاناً أو زلزالاً، بل من صنع الإنسان"، مطالباً بتسهيل إدخال المساعدات.
لا بديل عن الطريق البري لوصول المساعدات إلى غزة
من جهتها، اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان لها، أن طريقة إيصال المساعدات بحراً وجواً يجب أن تكون "الملاذ الأخير"، عندما يتعذر الوصول للمتضررين في غزة عن طريق البر.
وقالت إن "وصول المساعدات الإنسانية على الأرض هو الخيار الأمثل، لإجراء تقييمات شاملة لاحتياجات الناس".
اعتبرت كذلك أن إنزالها جواً "ليس الطريقة المثلى"، فهي تنطوي على مخاطر قد تهدد حياة السكان، إضافة إلى أنها وسيلة محدودة التأثير وعالية التكلفة، فقط قتل خمسة حتى الآن من المدنيين الفلسطينيين جراء إسقاطها من الجو.
مفوض الاتحاد الأوروبي للأزمات الإنسانية، يانيز لينارسيتش، أكد بدوره أيضاً أن الشاحنات مع ذلك، تبقى الوسيلة الأكثر فاعلية، مطالباً بفتح المزيد من المعابر البرية.
من جهتها، قالت منسقة الأمم المتحدة للمساعدات في غزة سيغريد كاغ، ورئيس مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع خورخي موريرا دا سيلفا، في بيان مشترك إنهما "يرحبان بفتح ممر بحري، لكن لتوصيل المساعدات على نطاق واسع، فإنه لا يوجد بديل فعلي للطرق البرية".
وكررت الأمم المتحدة التحذير من أن إرسال المساعدات بحراً أو إسقاطها جواً لا يمكن أن يحل مكان تسليمها براً، ومن أن كميات المساعدات شحيحة، ولا تلبي الحد الأدنى من احتياجات القطاع.
وحذرت من أن 2.2 مليون شخص من سكان قطاع غزة المحاصر، البالغ عددهم 2.4 مليون، مهدّدون بالمجاعة.
ونزح 1.7 مليون جراء الحرب في القطاع، ويتجمع القسم الأكبر منهم قرب الحدود مع مصر في مدينة رفح، المهددة باجتياح بري من الاحتلال الإسرائيلي.