تابع الناس باهتمام كبير في الأيام الماضية، صور الطائرات الأمريكية والفرنسية والأردنية والمصرية والإماراتية وهي تُسقط من الجو مظلات المساعدات الإنسانية وصناديق الطعام على غزة. إلا أن استمرار التدهور في الوضع الإنساني لأهالي القطاع ما لبث أن أثار الشكوك في جدوى عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات، وفيما إذا كان هو الحل الأصلح لتخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة ويعاني منها مئات الآلاف من المحاصرين في شمال قطاع غزة.
ويوم الجمعة 8 مارس/آذار قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون بعد وقوع خلل في مظلات المساعدات وسقوط الحمولة على حشد من الأهالي المنتظرين شمال مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة٬ وتكرر الأمر في اليوم التالي.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن ما لا يقل عن 20 فلسطينياً في غزة ماتوا بسبب الجفاف وسوء التغذية منذ بداية الحرب، وحذرت كثير من منظمات الإغاثة من أن عدد الضحايا سيزداد إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لتدارك الأمر.
أضرار إسقاط المساعدات جواً على غزة أكبر من نفعها
يقول فلسطينيون لموقع Middle East Eye البريطاني، إن عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات "لا فائدة حقيقية منها" في مواجهة المجاعة المتفشية بغزة، لا سيما وقد كشفت مقاطع فيديو لعمليات الإسقاط الأسبوع الماضي، عن سقوط بعض المساعدات في البحر أو في مستوطنات إسرائيلية.
وأشار خبراء كذلك إلى أن إسقاط المساعدات على هذا النحو ينطوي على إهانة وتجريد للفلسطينيين من إنسانيتهم، ولفت بعضهم إلى أن هذه الوسيلة لا يُلجأ إليها غالباً إلا حين تتعذر الوسائل الأخرى فيكون الإسقاط الجوي هو الملاذ الأخير.
1. التدافع والإصابات
كثيراً ما يؤدي إسقاط المساعدات جواً إلى وقوع حوادث تدافع بين المحتشدين في انتظارها، إذ يركض الناس بأعداد كبيرة في اتجاه واحد طلباً للطعام والاحتياجات الإنسانية المقطوعة عنهم.
كما أن غياب التنسيق مع المنظمات الإنسانية، مثل برنامج الأغذية العالمي ووكالات الأمم المتحدة، لإدارة الحشود وتنظيمها وتيسير التوزيع العادل للمساعدات وإيصالها إلى أشد الناس احتياجاً، يعرِّض الأهالي لأخطار أخرى خلال عمليات الإسقاط الجوي، مثل سقوط الحمولات على المحتشدين وإيقاع إصابات وقتلى بينهم في بعض الأحيان.
وقال سكوت بول، رئيس شؤون السياسات الإنسانية في منظمة "أوكسفام أمريكا"، إن استمرار عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات في غزة ربما يعرض حياة مزيد من الناس للخطر، فكثيرون سيميلون إلى "الفوضى والعنف تحت وطأة نفاد السلع الأساسية وانهيار النظام الاجتماعي بعد أشهر من الحرب والجوع"، والقاعدة الأولى التي لا بد أن يتوخاها دائماً الإسقاط الجوي للمساعدات هي "عدم الإضرار" بالناس.
من جهة أخرى، ندَّد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بعمليات الإسقاط الجوي بعد أن قتلت خمسة فلسطينيين، وقال إنها "عديمة الفائدة"، ووصفها بأنها "استعراض دعائي، وليست خدمة إنسانية"، وطالب بإدخال المساعدات الغذائية من المعابر البرية.
2. لا ضمانة لتحديد المكان الذي ستؤول إليه المساعدات
كشفت لقطات إسقاط المساعدات من الجو أن بعض الشحنات ينتهي بها المطاف في البحر أحياناً، وفي المستوطنات الإسرائيلية في أحيان أخرى، وذلك بسبب صعوبة التحكم في توزيعها عند الإسقاط من هذا الارتفاع الكبير.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على الإنترنت مجموعات كبيرة من الفلسطينيين، منهم أطفال صغار، وهم يخوضون البحر ويعرضون أنفسهم للغرق للوصول إلى المساعدات.
وقال ديف هاردن، المدير السابق لبعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لموقع MEE: "المساعدات تُسقَط على غزة بلا تنسيق، ولذلك فإنها لا تؤول إلى أشد الناس حاجة إليها، بل إلى أسرع الناس وأقواهم". علاوة على ذلك، فإن مظلات المساعدات لا تُوجَّه بنظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" فيهبط كثير منها في أماكن عشوائية، وبعضها يسقط مباشرة على الناس، فيُوقع بهم إصابات.
3. باهظة التكلفة وقليلة الجدوى
كان المعهود أن يكون اللجوء إلى الإسقاط الجوي هو الملاذ الأخير إذا انعدمت الوسائل الأخرى لإمداد المحتاجين بالمساعدات، إلا أن واقع الأمر أن هناك آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات تنتظر عند المعابر الحدودية في غزة، وإسرائيل هي التي لا تسمح بإدخالها هذه الشاحنات عبر الطرق البرية المتاحة٬ كما لا تفتح مصر معبر رفح لإدخال المساعدات.
والإسقاط الجوي أكثر تكلفة كذلك لأن القائمين عليه يشترون المساعدات من أماكن أخرى، وذلك خلافاً للتوزيع البري الذي تعتمد فيه المنظمات على شراء الاحتياجات من السوق المحلية وأسواق الدول المجاورة.
وفي هذا السياق، قال هاردن، المدير السابق بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، "إذا اشتريت كيساً من القمح من ولاية أيداهو الأمريكية وأسقطته في جنوب السودان، فإن تكلفة ذلك أعلى بكثير من تكلفة شرائه من جنوب السودان أو من كينيا"، ويزيد على ذلك التكلفة الباهظة لإطلاق الطائرات العسكرية الأمريكية من أجل إنزال المساعدات.
وأكد شون كارول، الذي يعمل لدى منظمة "المعونة الأمريكية للاجئين في الشرق الأدنى" (أنيرا)، أن إسقاط المساعدات جواً وسيلة "سريعة وعاجلة التنفيذ في العموم، لكنها مكلفة وخطيرة وقليلة الجدوى، ومقدار المساعدات فيها قليل"، أما "الشحنات البحرية، فهي أكبر حجماً وأكثر جدوى من حيث التكلفة، ويمكن التحكم في توزيعها بسهولة أكبر"، و"الشاحنات البرية تجمع مزايا الوسيلتين بطبيعة الحال".
وقال هاردن إن كميات الطعام التي يجري إسقاطها جواً على غزة الآن لا تكاد تلبي إلا 0.25 % من احتياجات أهالي القطاع 2.2 مليون إنسان.
4. كمية المساعدات المحمولة جواً محدودة
لا تنقل الشحنة الجوية الواحدة إلا كميات قليلة من المساعدات الغذائية، لأن عمليات الإسقاط تجرى من ارتفاعات كبيرة وتستلزم احتياطات كثيرة. وقد أعلن الجيش الأمريكي يوم الثلاثاء 5 مارس/آذار عن إسقاط مساعدات غذائية لغزة، إلا أن هذه المساعدات لم تتجاوز كميتها 36800 وجبة في منطقة يواجه فيها السكان جميعاً، أي نحو 2.2 مليون شخص، أزمة جوع ضارية.
وقال نائل، أحد موظفي منظمة أنيرا العاملين بتوزيع المساعدات في شمال غزة، إن إسقاط المساعدات جواً وسيلة ممتازة في تجنب العراقيل البرية، لكن "هذه المساعدات لا تكاد تلبي شيء من الاحتياجات في شمال غزة. ولا تكفي سوى 200 أو 300 أسرة على الأكثر. ولا توفر للأهالي الاحتياجات التي يطالبون بها، علاوة على أن عمليات الإسقاط تجري بالقرب من الحدود"، أي في مناطق بعيدة عن كثير من الأهالي.
وأشار نائل إلى أن "الناس يموتون وهم في طريقهم للحصول على المساعدات ولكي نتجنب ذلك، فلا بد من إسقاط كميات أكبر بكثير من المساعدات، والتركيز على مناطق بيت حانون، وبيت لاهيا، وجباليا، والشيخ رضوان، وحي الصبرة وحي الزيتون، وغيرها من مناطق الشمال" المحاصرة.
وقال هاردن إن كمية المواد التي أسقطت جواً على غزة حتى الآن تصل إلى نحو نصف حمولة شاحنة من المساعدات، في حين أن معالجة الأزمة الإنسانية التي نواجهها في غزة "يستلزم دخول ما بين 500 إلى 1000 شاحنة من المساعدات كل يوم". لذا يرى هاردن أن إسقاط المساعدات جواً "لن يؤدي أبداً إلى تخفيف حدة الأزمة الإنسانية. بل هو أمر رمزي إلى حدٍّ بعيد".
5. غياب المراعاة لأمور حساسة في ثقافة الناس في غزة
انتشرت مقاطع الفيديو يظهر فيها فلسطينيون وهم يلقون بعض المساعدات التي أسقطت جواً في سلة المهملات. وقال فلسطينيون ضرب الجوع أكبادهم إن بعض هذه المواد الغذائية غير صالح للاستهلاك، وأن محتويات حزم المساعدات مختلفة في كثير من الأحيان عما يعرفه الناس من طعام، ولا تلبي احتياجاتهم.
وقال فلسطيني إن بعض الأكياس "رائحتها كريهة جداً، ولا علاقة لها بالطعام"، ونحن "لن نقبل مساعدات غذائية من دولة تدعم إسرائيل في حربها على غزة، وتمدُّها بالأسلحة، وتشارك في تجويعنا، وفي هذه الإبادة الجماعية. ولن نقبل سوى المساعدات القادمة من دول عربية، أو جنوب إفريقيا، والدول الداعمة لفلسطين وغزة، ومن معبر رفح أو غيره من المعابر التي يمكن أن نتلقى الإمدادات منها بطريقة كريمة".
وقال هاردن: "إنها عبوات أغذية محفوظة وطويلة الصلاحية معدَّة لاستهلاك العسكريين الأمريكيين، وليس مناسبة للأمهات المرضعات ولا الأطفال في سن الخامسة الذين يعانون سوء التغذية" في غزة. وأشار هاردن إلى أن هذه الوجبات معظمها ذات سعرات حرارية عالية ومُعدَّة بحيث تناسب ثقافة الأمريكيين، وهي تختلف تماماً عن احتياجات الناس في غزة.