أثار إعلان رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، عن إجراء دراسة تمهد لتدشين الازدواج الكامل للقناة الملاحية المصرية، جدلاً في الأوساط الاقتصادية والسياسية، في وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية، تتزامن مع تراجع قيمة الجنية رسمياً.
مخاوف ازدواج قناة السويس تترك المصريين أمام خشية من تداعيات اقتصادية جراء الخطوة، مقابل رواية حكومية حول فوائدها.
التطمينات الرسمية جاءت لتهدئة المخاوف الاقتصادية المتعلقة بصرف مليارات جديدة على مشروعات قد تمتص جزءاً كبيراً من الاستثمارات والقروض الدولارية التي جرى توقيعها مؤخراً، لتنفي أن يكون تمويل المشروع من أموال صفقة "رأس الحكمة" التي وقعتها الحكومة المصرية قبل أيام، بل من موازنة الهيئة، دون تحميل الموازنة العامة أعباءً إضافية.
مشروع الازدواج الكامل للمجرى الملاحي للقناة يحتاج 16 شهراً للانتهاء منه، بحسب إدارة قناة السويس التي قالت إنها أسندت إجراء الدراسة إلى كبرى الشركات الاستشارية العالمية المتخصصة.
أما عن التنفيذ، فسيستغرق من 5 إلى 7 سنوات، وسيتم بقاطرات وكراكات هيئة قناة السويس، في حال إقرار المشروع.
مخاوف ازدواج قناة السويس.. وآثار سلبية
من جهته، قال خبير اقتصادي بهيئة قناة السويس، عمل سابقاً في وزارة المالية، إن الجهات القائمة على المشروع الجديد تحاول تلافي الأخطاء السابقة التي وقعت فيها هيئة قناة السويس عند الإعلان عن إنشاء التفريعة الأولى التي سمتها "بقناة السويس الجديدة" عام 2015، وهي الآن تتحدث عن ازدواج الخط الملاحي، وأنه يمتد بالفعل على طول القناة، مشيرة إلى أنها ستقوم بدراسة جدوى اقتصادية للمشروع قبل تنفيذه، عكس التطوير السابق الذي قيل وقتها، إنه يسعى لرفع الروح المعنوية للمصريين، مواجهاً اعتراضات عديدة.
لكن الخبير الاقتصادي رأى أنه "ليس هذا هو التوقيت المناسب للإعلان عن مشروع ضخم قد تصل تكلفته إلى 10 مليارات دولار أو أكثر، في وقت تتجه فيه جميع نصائح المؤسسات الدولية إلى مطالبة مصر بضرورة التقشف، وكبح الإنفاق المالي الحكومي، وتخفيض معدلات الاستثمارات الحكومية".
وقال إن الوقت المناسب هو عندما تحل المشكلة الاقتصادية، ويتحقق التوازن المطلوب في الأسواق، مع إتاحة مساحات أكبر لعمل القطاع الخاص.
شدد كذلك على أن التوسعات السابقة خدمت الحكومة المصرية، لأنها جاءت في وقت تراجعت فيه أسعار البترول عالمياً، ومن ثم تزايدت شاحنات النقل البحري، ونجحت قناة السويس في جذب الناقلات العملاقة.
أضاف أنه رغم أن قناة السويس لم تحقق شيئاً مما جرى الحديث عنه بشأن تحقيق عوائد تصل إلى 100 مليار دولار، فإن عوائدها تضاعفت قبل أن تتراجع نتيجة لجملة من الأحداث العالمية.
أما عن الظروف الحالية، فقال إن "الأوضاع الحالية تشير إلى أن العالم ينتظر حالة ركود عالمي قد تصل ذروته بعد ثلاث أو أربع سنوات من الآن، بالتالي ليست هناك حاجة لإنفاق مليارات الدولارات في ظل الوضع الدولي الراهن"، بحسب تقديره.
بعد تنفيذ تفريعة قناة السويس قبل ما يقرب من 10 سنوات، تضاعفت إيرادات القناة من 5.3 مليار دولار خلال العام المالي 2014-2015 إلى 9.4 مليار دولار خلال عام 2022-2023، وهي أعلى إيرادات في تاريخها.
وعبرت القناة 135 ألف سفينة في السنوات السبع التالية لافتتاح التفريعة الجديدة، مقابل 125 ألف سفينة في الفترة الزمنية ذاتها السابقة لافتتاح القناة.
وحذر الخبير الاقتصادي من أن الإعلان عن مشروع الازدواج الكامل قد يترك آثاره السلبية على حجم القروض والاستثمارات الخارجية التي من المتوقع أن تتدفق إلى مصر في الوقت الحالي، مع الإعلان عن زيادة حجم قرض صندوق النقد الدولي.
وأوضح أن سبب هذه النظرة التشاؤمية، يعود إلى أن الهواجس ستتجدد بشأن كيفية إنفاق الحكومة المصرية لما ستحصل عليه من عوائد القروض والاستثمارات بالدولار، ومدى قدرتها على الالتزام بالسداد مستقبلاً.
ولفت إلى أن "خطوات هيئة قناة السويس تمنح إشارات على أن الأذرع المالية للحكومة سوف تأخذ في التوسع نحو الإنفاق الاستثماري خلال الفترة المقبلة، لتتجه الحصيلة الدولارية من الخارج إلى هذه المشروعات، ما يعني تكرار الأخطاء السابقة".
وقال إن "الحديث عن تنفيذ المشروع من ميزانية الهيئة أمر ينفي فكرة الموازنة الموحدة لكافة الصناديق والهيئات الحكومية التي أعلنت عنها وزارة المالية، ويشير إلى وجود مسارات عديدة للميزانيات الحكومية، ما يشي بأن أموال الصناديق الخاصة، وضمنها صندوق قناة السويس، تشكّل لغزاً بحاجة إلى حل، ومعرفة ما تحتويه من أموال، وسبل إنفاقها".
بهذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أن تعديل قانون هيئة قناة السويس الذي جرى إقراره في ديسمبر/كانون الأول 2022، أثار جدلاً واسعاً بعد تضمنه إنشاء صندوق استثماري برأس مال 10 مليارات جنيه (405 ملايين دولار وقتها)، وسط رفض بعض النواب له، وسيطرة المخاوف بشأن أصول القناة والعائد من إنشاء الصندوق، وذهاب عائدات قناة السويس لاستيفاء ديون خارجية بلغت نحو 165 مليار دولار.
"تحرك استفزازي" أمام المشاريع المنافسة
مصدر سياسي مصري قال لـ"عربي بوست"، إن "الأبعاد السياسية لا تخلو من توقيت الإعلان عن المشروع الجديد، لأنه بمثابة تحرك استفزازي لشركاء مصر التنمويين، مع الحديث عن ممرات بديلة لقناة السويس بين دول الخليج والهند وإسرائيل، وخطط أخرى روسية لإذابة الجليد في الساحل الشمالي".
أضاف أن مصر "تستهدف تأكيد أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك المشروعات التي تستقطع حصة كبيرة من عوائد السفن المارة من خلال قناة السويس".
لكنه رأى أن "خطوة ازدواج قناة السويس، وإن كانت تستهدف تأكيد أن الدولة المصرية ما زالت تقف على أقدامها وقادرة على التعامل مع أي تهديدات أو تحديات خارجية، فإنه لا بد من دراسة الموقف في حال لم يحقق المشروع العوائد المنتظرة منه، أو في حال أنفقت مصر جزءاً كبيراً من احتياطها النقدي بالعملة الأجنبية دون أن تتمكن من ضبط أوضاعها الاقتصادية بوجه عام".
اعتبر أنه "في تلك الحالة، فإن مصر قد لا تجد من يساعدها في الخروج من مأزقها إذا تكررت المشكلات الاقتصادية، وهو ما يجعل هناك حاجة للتريث قبل اتخاذ القرارات النهائية بشأن تنفيذ هذا المشروع".
وأكد أن "خطط إسرائيل التوسعية لتبحث لنفسها عن منافذ أكبر عبر الملاحة البحرية، لتشكل بذلك تهديداً مستقبلياً لمصر، لا تغيب عن صانع القرار المصري، لكن في الوقت ذاته، فإنّ تراجع حجم التجارة العالمية في الوقت الحالي، مع توقع استمرار ذلك لسنوات عدة قادمة، يؤكد أنه لا ضرورة مُلحة الآن للبدء في المشروع، في حين أنه قد يكون مفيداً في المستقبل، بعد تجاوز مصر عثراتها الاقتصادية".
شدد أيضاً على أن ما يحدث في البحر الأحمر من توترات يمنح ميزة نسبية لدول أخرى تعمل على إيجاد ممرات بديلة لقناة السويس، في مقدمتها المشروع الصيني والمشروع السعودي-الهندي، وطريق إيلات-حيفا عن طريق الإمارات، وهو ما يجعل التريث مطلوباً لما بعد عام 2026، حتى تتضح الرؤية العالمية بشأن حجم الضرر المصري من هذه المشروعات.
توقع المصدر ذاته أن لا تحصل الحكومة على موافقة مباشرة من الجهات التي تعكف على دراسة الجدوى الاقتصادية من المشروع، لا سيما إذا كانت الدراسة بشأن تأثيرات الخطوة على الاقتصاد الكلي وليس المشروع فقط.
وقال: "المهم أن لا يكون التعامل مع قناة السويس على أنها مستقلة تماماً بذاتها، وبعيداً عن الموازنات الحكومية والخطط الاستثمارية المتوقعة، إذ من المؤكد أنها ستعتمد على إنفاق دولاري، لذلك يمكن التركيز بشكل أكبر على تطوير الإمكانيات اللوجستية في قناة السويس بدلاً من استهداف زيادة رسوم المرور التي تتراجع أساساً في الوقت الحالي".
المثال على ذلك، أنه عقب حادث توقف حركة الملاحة بسبب السفينة "إيفرغرين"، بدأت هيئة قناة السويس إنشاء مشروع جديد لتطوير القطاع الجنوبي، بتوسعة القناة 40 متراً جهة الشرق من الكم 132 ترقيم قناة إلى الكم 162 كم، وذلك بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية في القناة بمعدل 6 سفن، وزيادة عامل الأمان الملاحي في ذلك القطاع بنسبة 28%.
تمويل المشروع تم من خلال الميزانية الاستثمارية للهيئة بالجنيه المصري دون تحميل ميزانية الدولة أي مبالغ إضافية، وفقاً لبيان رسمي حينها.
توقيت عملية ازدواج قناة السويس
تأتي دراسات التوسعة بعد أن قدّرت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، في فبراير/شباط 2024، أن نسبة تراجع حركة المرور في قناة السويس بين 55 و60%، هي التي كانت تدرّ في السابق إيرادات بـ700 مليون دولار شهرياً لمصر، وفق قولها.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حينها، إن إيرادات قناة السويس تراجعت بنسبة تراوحت بين 40% و50%، بسبب اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر على خلفية هجمات الحوثيين.
أحد خبراء الملاحة البحرية في مصر أوضح لـ"عربي بوست"، أن ازدواج قناة السويس من بورسعيد وحتى السويس يحقق استفادة مباشرة تتمثل في تسهيل حركة السفن، وتقليل زمن الرحلات، وهو ما يخلق ميزة إضافية لها من الممكن أن تساعدها على مجابهة مشروعات أخرى، ويحسن كفاءة القناة الحالية التي بحاجة للتطوير المستمر.
لكنه اعتبر كذلك أن "المشروع الجديد سيكون إيجابياً في حال تم بناؤه بأياد مصرية، وبالعملة المحلية، وهو أمر شبه مستحيل"، بحسب تعبيره، مفضلاً "إرجاءه بسبب ذلك".
المصدر ذاته رأى أن عملية التحديث في قناة السويس أمر لا مفر منه، لأنها تأتي على رأس الجهات التي تحقق عوائد دولارية مستمرة للدولة المصرية، كما أن وجود مناطق بها ازدواج ثم الانتقال إلى مناطق أخرى فردية هذا بدوره يُحدث اختناقاً، ويؤثر على حركة السفن، فى حين أنه لو تم عمل ازدواج لـ80 كم المتبقية، أي عمل ازدواج كامل للقناة، فإنه ستكون هناك قناتان، ولن تتأثر السفن المتجهة للشمال أو الجنوب، وهو الأمر الذي تعمل عليه الحكومة.
وشدد على أن المشكلة ليست في المشروع، بل في التوقيت، معتبراً أن الحكومة المصرية لديها وجهة نظر بأن تراجع معدلات المرور بالقناة في الوقت الحالي يمنح مزيداً من الانسيابية المطلوبة لتطوير القناة.
يشار إلى أن قناة السويس تُعد من أهم القنوات والمضائق حول العالم، باعتبارها أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وتؤمن عبور من 10-12% من حركة التجارة البحرية العالمية، وأحد أهم مصادر الدخل والعملات الأجنبية لمصر.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.