كشفت مصادر إيرانية رفيعة المستوى لـ"عربي بوست"، الأربعاء 28 فبراير/شباط 2024، عن انفتاح إيران على مطالب وزير الخارجية السوداني، علي الصادق، بإرسال مسيّرات وصواريخ إلى القوات المسلحة السودانية التي تقاتل ضد قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى إرسالها بالفعل مستشارين إيرانيين إلى السودان.
وزير الخارجية السوداني سبق أن زار العاصمة الإيرانية طهران في بداية شهر فبراير/شباط 2024، والتقى نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي تسلَّم المطالب السودانية وأرسلها إلى قادة الحرس الثوري الإيراني، لمناقشتها واتخاذ القرار بشأنها، بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست".
المسيَّرات الإيرانية إلى السودان
مصدر في الحرس الثوري الإيراني كشف لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن وزير الخارجية السوداني، "طلب من طهران إمداد الخرطوم بطائرات "شاهد" الإيرانية بدون طيار، التي تصدرها طهران إلى موسكو لمساعدتها في حربها مع أوكرانيا"، وفق قوله.
أوضح كذلك أن "السودانيين طلبوا العديد من الأسلحة الإيرانية، مثل مسيّرات شاهد وصواريخ كروز قصيرة ومتوسطة المدى، وصواريخ مضادة للمدرعات، وأخرى محمولة على الكتف".
وفقاً لمصدر دبلوماسي إيراني مطلع على هذه النقاشات، فإن "هذه الطلبات ناقشها وزير الخارجية الإيراني مع القيادة العليا الإيرانية، التي لم تعطِ موافقتها الفورية أثناء زيارة علي الصادق لطهران، وأن التقدير الأوَّلي لديها كان بعدم رغبة إيران في التورط في الصراع السوداني"، وفق تصريحاته لـ"عربي بوست".
لكن المصدر الدبلوماسي الإيراني الذي طلب عدم الكشف عن هويته، نظراً لحساسية الموضوع، قال إن عبد اللهيان "لمَّح لنظيره السوداني بإمكانية إرسال الأسلحة الإيرانية ولكن بعد إرسال مستشارين إيرانيين إلى السودان، لدراسة الوضع".
يأتي ذلك في حين أن تقارير إعلامية غربية أفادت بأن طهران زوّدت الجيش السوداني بطائرات "مهاجر" بدون طيار الإيرانية قبل زيارة وزير الخارجية السوداني لإيران.
إرسال مستشارين إيرانيين إلى السودان
أكدت المصادر أنه بعد مغادرة الوزير السوداني، "وصلت نقاشات القيادة العليا في إيران إلى الموافقة بالفعل على إرسال مستشارين إيرانيين إلى السودان كما كان الحال في بداية الأزمة السورية، في حين أن فكرة إرسال المسيّرات والصواريخ الإيرانية ما تزال قيد الدراسة".
مصدر مقرّب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، قال: "لم يتخذ القادة السياسيون والعسكريون في إيران قراراً نهائياً بإرسال الأسلحة إلى الجيش السوداني، لكن الأمر مرجح حدوثه في أي وقت، لا سيما بعد إرسال عدد قليل من مستشارين إيرانيين إلى السودان".
بشأن موعد إرسال مستشارين إيرانيين إلى السودان، كشف المصدر أنه "تم إرسالهم بالفعل إلى السودان، من أجل دراسة الوضع على الأرض، وإرسال التقارير إلى قادة الحرس الثوري والمرشد الأعلى".
وقال إنه "من المحتمل أن يتم إرسال مستشارين إيرانيين إلى السودان، إضافيين، في الأسابيع القليلة المقبلة، من أجل تدريب القوات المسلحة السودانية على الخطط العسكرية، واستخدام الأسلحة الإيرانية، وما شابه من الأمور العسكرية".
واعتبر كذلك أن إرسال مستشارين إيرانيين إلى السودان "مجرد بداية للتعاون الإيراني العسكري مع الجيش السوداني".
النفوذ على البحر الأحمر والتنافس مع الإمارات
بشأن المصالح الإيرانية من دعم الجيش السوداني وإرسال مستشارين إيرانيين إلى السودان، أفادت مصادر إيرانية مطلعة، في حديثها لـ"عربي بوست"، بأن "طهران تهدف إلى تعزيز وتوسيع نفوذها في منطقة البحر الأحمر".
أوضح المصدر أن "هذا التوسع من المحتمل أن يمكّن إيران من توسيع وجودها البحري في المنطقة، وأيضاً يضمن لها إعادة تزويد سفنها بالوقود في البحر الأحمر، بحسب ما تفكر فيه القيادة الإيرانية العليا".
في السياق ذاته، تحدث مصدر سياسي من مكتب المرشد الأعلى الايراني، لـ"عربي بوست"، شارحاً الصورة والنية الإيرانية من مساعدة الجيش السوداني، دون الكشف عن هويته، قائلاً: "سيوفر ذلك لطهران حلفاء جدداً في منطقة البحر الأحمر وشرق أفريقيا، وكذلك تهتم القيادة في طهران بتعزيز العلاقات مع المجموعات السودانية الإسلامية المتحالفة مع الجيش السوداني"، دون أن يسميها.
سبب آخر وراء الاهتمام الإيراني بدعم الجيش السوداني، ما عبَّر عنه مسؤول إيراني مقرب من الحرس الثوري الإيراني في حديثه لـ"عربي بوست"، بشأن مسألة التنافس في النفوذ مع الإمارات في منطقة البحر الأحمر.
وقال: "منذ سنوات طويلة، وكل من طهران وأبوظبي تحاولان السيطرة على نقاط الخلاف بينهما، لمنع الأمر من التحول إلى صراع، لكن في الفترة الأخيرة زادت أبوظبي من ضغطها في مسألة الجزر الثلاث الإيرانية التي تطالب بها، ما زاد الأمور تعقيداً، ودفع البعض في المؤسسة السياسية الإيرانية للتفكير بدعم طهران للجيش السوداني في مواجهة دعم الإمارات لقوات الدعم السريع، من أجل إظهار قوة طهران".
وأضاف أنه "بعيداً عن مسألة المطالبة الإماراتية بالجزر الثلاث، نحن أمام تضارب للمصالح كبير بين طهران وأبوظبي، التي تريد السيطرة على موانئ البحر الأحمر، في وقت تريد طهران فيه تعزيز علاقاتها مع أفريقيا، خاصة أن السودان بالنسبة لطهران يُعدّ أفضل بوابة لأفريقيا".
منذ عام 2019، لعبت الإمارات دوراً سياسياً كبيراً في السودان بالتعاون مع السعودية، بدعم الجيش السوداني منذ إطاحته بحكم عمر البشير، لكن أبوظبي في الوقت ذاته عمّقت علاقتها مع قوات الدعم السريع، على عكس الرياض، الأمر الذي عبرت عنه السلطات السودانية الحالية التي هاجمت علناً، ومراراً، الدعم الإماراتي للدعم السريع.
لذلك، حذرت المصادر الإيرانية من أن "الأهداف المتضاربة لإيران والإمارات في البحر الأحمر يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع بين البلدين، وفي نهاية المطاف يجدان نفسيهما أمام حرب بالوكالة، تُطيل أمد الصراع في السودان".
تعليقاً على هذا الأمر، قال مسؤول أمني إيراني رفيع المستوى لـ"عربي بوست": "هناك احتمالية بالطبع لحدوث تصادم بين الإمارات وإيران في السودان، وذلك في حالة قررت القيادة الإيرانية دعم الجيش السوداني بالأسلحة والخبرات".
استبعد المصدر أن ترفض طهران دعم الجيش السوداني، لكنه أوضح أن "هناك خطوات لا بد من اتخاذها في البداية، مثل إرسال مستشارين إيرانيين إلى السودان، وتعزيز العلاقات مع الجماعات الأخرى المتحالفة مع الجيش السوداني، لسماع آرائهم، واستكمال إعادة العلاقات بين طهران والخرطوم، وإرسال البعثات الدبلوماسية والعسكرية".
تعزيز العلاقات مع القبائل السودانية
بشأن الجماعات الإسلامية المتحالفة مع الجيش السوداني التي تريد إيران تعزيز العلاقات معها، قال مصدر سياسي من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، إنها التي كانت محسوبة على نظام البشير سابقاً، بالإضافة إلى قبيلة البجا، التي تتمركز ما بين ساحل كسلا والبحر الأحمر ونهر النيل في السودان.
وقال: "لدى إيران علاقات جيدة مع كل من الكيزان (جماعات إسلامية شاركت في الحكم بعهد البشير) وقبائل البجا، بدأت منذ عهد الرئيس المخلوع، وتسعى إلى تعزيزها وتوسيعها قبل التحالف مع الجيش السوداني، وإرسال الأسلحة الإيرانية إليه".
يُشار إلى أن قبائل البجا، التي تريد طهران توسيع العلاقات معها، تقول إنها عانت من التهميش السياسي والاقتصادي في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، كما أنها شاركت بقوة في الاحتجاجات السودانية التي اندلعت عام 2018، التي قادت إلى الإطاحة بحكومة البشير في أبريل/نيسان 2019.
إيران تدخل السودان بعد استئناف العلاقات
اتخذت العلاقات الإيرانية- السودانية منعطفاً سيئاً في مطلع عام 2016، بعد أن قامت حكومة عمر البشير الرئيس السوداني السابق، بقطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع طهران، تماشياً مع قرار السعودية حينها بقطع العلاقات مع إيران، على إثر اقتحام متظاهرين إيرانيين للسفارة الإيرانية في طهران.
عادت الخرطوم وطهران لاستئناف العلاقات الكاملة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، في عهد مجلس السيادة العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش.
سياسي إيراني رفيع المستوى مقرب من دوائر صنع القرار في العاصمة طهران، قال لـ"عربي بوست"، إن "العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة تنهار كل يوم أكثر من السابق، خاصة بعد حرب غزة، وطهران تسعى إلى إيجاد حلفاء آخرين مثلما تفعل مع روسيا والصين".
وقال إن "منطقة البحر الأحمر منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لإيران، لذلك تسعى إلى ايجاد الحلفاء والأصدقاء هناك".
أضاف إلى ذلك أن "تصدير الأسلحة الإيرانية إلى الجيش السوداني له مكاسب اقتصادية لطهران".
يشار إلى أن التعاون العسكري بين السودان وإيران عاد بعد أشهر من استئناف العلاقات بينهما بصورة رسمية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، عقب 7 سنوات من القطيعة.
جاء ذلك بعد اتفاق السعودية وإيران، بوساطة صينية، على عودة العلاقات، ما مثل رفعاً للحرج عن الخرطوم باستئناف علاقتها مع طهران.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.