الخصائص القتالية، والموثوقية، والتكلفة؛ هي العناصر الثلاثة الرئيسية في تقييم الطائرات المقاتلة، لهذا تتصدر إف-15 الأمريكية وميغ-21 السوفييتية قائمة الأفضل في السماء، فما هي الطائرات الثلاث الأخرى؟
وفي حين تتنافس المقاتلات الشبحية على لقب الأقوى، فإن لقب الأفضل مختلف بسبب عناصر التقييم الأكثر شمولاً، وربما تكون الكلمة الفاصلة هنا للتكلفة. وفي الوقت الحالي توجد 4 مقاتلات شبحية في العالم دخلت الخدمة الفعلية، وهي إف22، وإف35 الأمريكيتين، والطائرة سوخوي 57 الروسية، والصينية J-20.
تقوم الدول بتصنيع أو شراء الطائرات المقاتلة لتوظيفها في الدفاع والهجوم وحل المشاكل الاستراتيجية القومية، وهو ما يعني أنه عند تقييم الطائرات لابد أن يتم ذلك انطلاقاً من قدرتها على حل تلك المشاكل أو تحسينها.
ومن هذا المنطلق، يكون السؤال الأساسي هو: إلى أي مدى ساعدت هذه الطائرة أو تلك في حل المشكلات الاستراتيجية للدول التي صنعتها أو اشترتها؟
مجلة National Interest الأمريكية نشرت تقريراً حول أفضل 5 طائرات مقاتلة هيمنت على السماء منذ ظهور المقاتلات الطائرة حتى اليوم، وكان لافتاً غياب الطائرات الشبحية، وعلى رأسها الإف-35 الأمريكية، عن هذه القائمة.
كيف يتم تقييم الطائرات المقاتلة؟
هناك عناصر 3 رئيسية يتم أخذها في الاعتبار عند تقييم الطائرات المقاتلة، وهذه العناصر هي:
الخصائص القتالية للطائرة: أي مدى قدرة هذه الطائرة على الصمود أمام الطائرات المنافسة لها، ولا يقتصر الصمود هنا على المقاتلات الأخرى فقط، ولكن أيضاً على قاذفات القنابل والمضادات الأرضية. أي مدى قدرة الطائرة على تفادي الدفاعات الجوية الأرضية بأنواعها، وليس فقط الصمود في المعارك الجوية المباشرة ضد طائرة أخرى من نفس الطراز أو نفس المستوى.
موثوقية الطائرة المقاتلة: والمقصود بهذا العنصر هو الوقت الذي تحتاجه الطائرة للصيانة أو عمليات الإصلاح مقارنة بالوقت الذي تقضيه محلقة في السماء للقيام بالمهام المتوقعة منها. فهل يمكن الاعتماد على هذه الطائرة للقتال عند الحاجة إليها، أم أنها تقضي وقتاً أطول في الإصلاح والصيانة مقارنةً بالوقت الذي تقضيه في الجو؟
التكلفة: العنصر الثالث هنا هو تكلفة تصنيع تلك الطائرة المقاتلة، أي ما الذي تدفعه الدولة من دماء ومال من أجل أن تحلِّق هذه الطائرة في السماء؟
وخلال العصر المبكر للطيران العسكري، كان تقدم الابتكار التكنولوجي سريعاً للغاية، لدرجة أن أحدث الطائرات كان يعفو عليها الزمن في غضون عام واحد فقط. وعمل المهندسون في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا باستمرار للتفوق على منافسيهم، إذ كانوا ينتجون طائرات جديدة كل عام للمشاركة في القتال.
لكن تطور التكتيكات التشغيلية لم يكن بنفس مستوى تطور التكنولوجيا، رغم أن أفضل الطيارين كانوا دائماً ما يلعبون دوراً مهماً في مساعدة المصممين على تصميم طائرات جديدة.
في هذا السياق، من الصعب اختيار طائرة مقاتلة هيمنت على السماء بشكل مطلق من تلك الحقبة المبكرة من دخول الطائرات المقاتلة إلى الحروب والصراعات وحتى أوقات السلم، بعد أصبح سلاح الجو فرعاً رئيسياً من أفرع الجيوش.
5- الطائرة الفرنسية سباد-13
في إطار عناصر التقييم الثلاثة، وضع تقرير المجلة الأمريكية قائمة من 5 طائرات اعتبرت الأفضل. واحتلت الطائرة الفرنسية سباد-13 المرتبة الخامسة، حيث تتميز بخصائصها القتالية وسهولة إنتاجها.
واستناداً إلى نصيحة الطيارين الفرنسيين مثل جورج جينمر، افتقرت هذه الطائرة إلى القدرة على المناورة التي تتمتع بها بعض الطائرات المعاصرة لها، لكنها تمكنت من التفوق على معظمهم وكان أداؤها جيداً، سواء في التحليق عالياً أم الهبوط.
وكان الأمر بسيطاً بما يكفي لإنتاج ما يقرب من 8,500 طائرة من هذا النوع دخلت الخدمة في النهاية. كما تم حل مشكلات مبكرة كبيرة تتعلق بالموثوقية بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى أي حال فقد طغت القدرة القتالية للطائرة على هذه المشكلات.
لم تملأ الطائرة سباد-13 أسراب المقاتلات الفرنسية فحسب، بل أيضاً الخدمات الجوية للدول المتحالفة. سجل الطيار المقاتل الأمريكي إيدي ريكنباكر 20 من عمليات القتل التي قام بها أثناء تحليقه بالطائرة سباد-13، وهو عدد أكبر بكثير مما سجلته المقاتلات الألمانية الأكثر تقدماً في ذلك الوقت، بما في ذلك فوكر دي-7.
ساعدت سباد-13 الحلفاء في الحفاظ على مواقعهم أثناء هجوم لودندورف، وسيطرت على السماء فوق فرنسا أثناء الهجوم المضاد. وبعد الحرب، ظلت في الخدمة في فرنسا والولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى لعدة سنوات. بمعنى آخر، حددت المقاتلة سباد-13 معيار ما بعد الحرب لما يجب أن تفعله طائرات المطاردة.
4- المقاتلة الأمريكية إف-6-إف
بطبيعة الحال، ليست القوات الجوية وحدها هي التي تستخدم الطائرات المقاتلة. ورغم أنه لا يمكن مقارنة طائرة إف-6-إف هيلكات بطائرة سبيت فاير أو بي-51 أو بي إف-109 في العديد من خصائص الطيران الأساسية، إلا أن تلك الطائرة تميزت بقدرتها على الارتفاع، وكانت تلك الخاصية من الدرجة الأولى.
ومع ذلك، فإن ما يمكن أن تفعله طائرة إف-6-إف هو الطيران بشكل موثوق من فوق متن حاملات الطائرات، وقد كانت نقطة انطلاق للهجوم الكبير والحاسم الذي شنته حاملات الطائرات البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية.
عند دخول طائرة إف-6-إف الحرب في سبتمبر/أيلول 1943، حققت هذه الطائرة 75% من الانتصارات الجوية لقوات البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ. وأسقط قائد البحرية الأمريكية ديفيد ماكامبل 9 طائرات يابانية في يوم واحد بطائرة إف-6-إف هيلكات.
إذ كانت هذه الطائرة مدججة بالسلاح، ويمكن أن تتسبب في أضرار قتالية أكبر بكثير من غيرها من الطائرات النظيرة. وبشكل عام، حصدت طائرة إف-6-إف ما يقرب من 5,200 قتيل مع خسارة 270 طائرة في القتال الجوي، بما في ذلك نسبة 13:1 مقابل طائرة ميتسوبيشي زيرو اليابانية.
ربما يكون هجوم حاملات الطائرات الأمريكية في الجزء الأخير من الحرب العالمية الثانية هو أعظم مثال منفرد على استخدام القوة الجوية الحاسمة في تاريخ العالم. فقد دمرت طائرات إف-6-إف هيلكات وغيرها (القاذفة الغطسية دوغلاس إس بي دي دونتليس، وقاذفة الطوربيد غرومان تي بي إف أفنجرز) القوة القتالية للبحرية الإمبراطورية اليابانية، وعرَّضت اليابان لهجوم جوي مدمر ولتهديدٍ بالغزو.
في عام 1943، كانت الولايات المتحدة بحاجةٍ إلى مقاتلةٍ قوية بما يكفي لتحمل شنّ حملة تُخاض بعيداً عن معظم القواعد، ولكن أيضاً تتمتع بالسرعة والرشاقة الكافيتين لهزيمة أفضل ما يمكن أن تقدمه البحرية الإمبراطورية اليابانية. تتمتع طائرة إف-6-إف هيلكات بالقوة والموثوقية، وهي مناسبة لهذا الدور.
3- الطائرة الألمانية مي-262
صحيح أن طائرة مي-262 فشلت في الانتصار في الحرب لصالح ألمانيا، ولم تتمكن من إيقاف هجوم القاذفات المشتركة، إلا أنه لو اتخذت السلطات العسكرية الألمانية القرارات الصحيحة، فربما كانت على الأقل قد نجت من الهزيمة، بحسب تقرير ناشيونال إنترست.
وتُعرَف طائرة مي-262 بأنها أول مقاتلة نفاثة تشغيلية في العالم، وقد تأخر إنتاجها كثيراً بسبب المقاومة داخل الحكومة الألمانية والقوات الجوية لتخصيص الموارد لطائرة تجريبية دون دور واضح في الحرب المشتعلة بالفعل، فباءت الجهود المبكرة لتحويلها إلى قاذفة قنابل مقاتلة بالفشل.
ومع ظهور الحاجة إلى طائرة اعتراض فائقة، وجدت طائرة مي-262 مكانها، حيث أثبتت الطائرة قدرتها التدميرية ضد تشكيلات القاذفات الأمريكية، وكان بإمكانها التفوق على طائرات المطاردة الأمريكية.
لم تكن الطائرة مي-262 مقاتلةً مثالية، فقد افتقرت إلى القدرة على المناورة التي تتمتع بها أفضل الطائرات الاعتراضية الأمريكية، وقد طوَّر الطيارون الأمريكيون والبريطانيون تكتيكاتٍ للتعامل معها. ورغم أن الإنتاج عانى من بعض المشاكل المبكرة في المحركات، أصبح التصنيع، بحلول المراحل اللاحقة من الصراع، سهلاً بدرجةٍ كافية بحيث يمكن إنتاج الطائرة بأعدادٍ كبيرة في منشآت متفرقة تحت الأرض.
لكن لو كانت قد دخلت التشغيل مبكراً، لربما مزقت المقاتلة مي-262 القاذفات التي تحلق على ارتفاعات شاهقة. وكان من الممكن أن تدفع خسائر القاذفات المرتفعة في عام 1943 تشرشل وروزفلت إلى تقليص إنتاج 4 قاذفات قنابل لصالح إنتاج طائرات تكتيكية إضافية. ودون ميزة المرافقة بعيدة المدى، لكانت القاذفات الأمريكية فريسةً سهلة للطائرة الألمانية. علاوة على ذلك، كان من الممكن أن تكون طائرات مي-262 أكثر فاعلية بكثير لولا القلق المستمر من قصف طائرات بي-47 وبي-51 لمطاراتها وتتبع هبوطها.
2- الطائرة السوفييتية ميغ-21
لعل الخيار الغريب في هذه القائمة هو طائرة ميغ-21، التي تُعرَف إلى حد كبير بأنها فريسة سهلة للطائرات المقاتلة العظيمة الأخرى خلال الحرب الباردة، ولها معدلات قتل سيئة للغاية. لقد كانت ضحيةً في فيتنام وفي عددٍ من حروب الشرق الأوسط، والتي كانت تقاتل فيها بعضها على كلا الجانبين.
لكن الطائرة ميغ-21 سوفييتية الصنع رخيصة الثمن وسريعة وقابلة للمناورة ومتطلبات صيانتها منخفضة. لذلك واصلت القوات الجوية شراء طائرات ميغ-21 لفترة طويلة. وباحتساب طراز تشنغدو جيه-7، ربما دخلت 13 ألف طائرة من طراز ميغ-21 الخدمة في جميع أنحاء العالم.
فقد استخدمت 50 دولة طائرات ميغ-21، وطارت في الإجمالي لمدة 55 عاماً. وتواصل الطيران كجزءٍ أساسي من 26 قوة جوية مختلفة حول العالم، بما في ذلك القوات الجوية الهندية، والقوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني، والقوات الجوية الشعبية الفيتنامية، والقوات الجوية الرومانية.
1- طائرة إف-15 الأمريكية
ماذا عن طائرة إف-15 إيغل التي تتصدر القائمة؟ عندما دخلت الخدمة في عام 1976، اعتُرِفَ بها على الفور كأفضل مقاتلة في العالم. واليوم، يمكن القول إنها لا تزال أفضل مقاتلة شاملة ومنخفضة التكلفة، حتى لو تفوقت عليها طائرات سوخوي-27 الروسية وإف-22 الأمريكية في بعض النواحي.
وإذا كان بإمكان طائرة مقاتلة واحدة في التاريخ الأمريكي أن تحمل اسم الرمز الوطني للولايات المتحدة، فكيف يمكن أن تكون أي مقاتلة أخرى غير طائرة إف-15؟