أرسلت أمريكا أكثر من 3 ملايين قذيفة و400 مليون قنبلة يدوية و76 دبابة وراجمات صواريخ وأسلحة أخرى إلى أوكرانيا بهدف التغلب على روسيا، فإلى أين وصلت الحرب بعد مرور عامين على اندلاعها؟
كانت روسيا قد شنت هجومها على أوكرانيا، الذي تصفه بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو شامل"، يوم 22 فبراير/شباط عام 2022، بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتراف بلاده باستقلال دونيتسك ولوغانسك، في إقليم دونباس شرق أوكرانيا.
وفي الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الحرب الأكبر في القارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، نشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تقريراً يرصد أرقام حرب أوكرانيا خلال العامين.
كم كلفت حرب أوكرانيا الخزانة الأمريكية؟
خصص الكونغرس الأمريكي 113 مليار دولار إجمالاً للتمويل المرتبط بدعم أوكرانيا في الحرب. وتم توجيه الشطر الأعظم من تلك الأموال نحو الدفاع عن أوكرانيا بشكل مباشر (45.2 مليار دولار من المساعدات العسكرية)، والحفاظ على الوظائف الحكومية والمجتمعية (46 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والإنسانية). بينما ذهبت الأموال الأخرى لصالح جهود إعادة تسليح الحلفاء (4.7 مليار دولار)، وتوسيع العمليات العسكرية الأمريكية داخل أوروبا (15.2 مليار دولار).
لكن بعد عامين من الحرب، تعرض هذا التمويل للجفاف التام الآن، حيث لم ترسل إدارة الرئيس جو بايدن أي شحنة أسلحة كبيرة إلى أوكرانيا منذ 27 ديسمبر/كانون الأول عام 2023، بعد أن كانت ترسل في وقتٍ من الأوقات شحنتين أو ثلاث شحنات أسلحة جديدة كل شهر.
وحزمة المساعدات الضخمة الجديدة متوقفةٌ الآن في أروقة الصراع الحزبي في عام الانتخابات الأمريكية. إذ يكافح الكونغرس من أجل تمرير حزمة التمويل الإضافية المرتبطة بأوكرانيا بقيمة 60 مليار دولار، بينما تتزايد قناعة المراقبين بأن حزمة مساعدات ديسمبر/كانون الأول ربما تكون الأخيرة التي يتم إرسالها إلى أوكرانيا.
ماذا عن الأسلحة؟
أرسل البنتاغون 3.097.000 قذيفة مدفعية إلى أوكرانيا منذ بداية الهجوم الروسي. وشكلت القذائف عيار 155 مم الشطر الأعظم من ذلك العدد (2.000.000)، وهي القذائف القياسية التي تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاء الناتو. ولتوضيح المنظور، يصل وزن هذا العدد من القذائف عيار 155 مم إلى نحو 95 ألف طن تقريباً.
ورغم زيادة طاقة التصنيع العسكري، لا تنتج الولايات المتحدة حتى الآن سوى نحو 340 ألف قذيفة من عيار 155 مم سنوياً، وهذا يعني أن أوكرانيا كانت تُطلق القذائف بوتيرة تساوي ثلاثة أضعاف معدل الإنتاج الأمريكي.
كما أرسلت واشنطن إلى كييف 76 دبابة تشمل 31 دبابة أبرامز و45 دبابة تي-72بي من الحقبة السوفييتية. وتسلّمت أوكرانيا 3631 عربةً مدرعة أمريكية من مختلف الأنواع، بدايةً بمركبات المشاة القتالية ووصولاً إلى ناقلات الأفراد والشاحنات الطبية.
وفي الوقت ذاته، استخدمت أوكرانيا 39 راجمة هيمارس متنقلة لإطلاق الصواريخ، والتي اشتهرت بفضل فاعليتها في الحرب. أما بالنسبة للأسلحة الخفيفة، فقد أرسلت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 400.000.000 قنبلة يدوية ورصاصة على مدار الأشهر الـ24 الماضية.
أرقام الضحايا.. تباين ضخم!
أسفرت الحرب في أوكرانيا عن مقتل 10.378 مدنياً على الأقل، وإصابة 19.632 آخرين، بحسب الأمم المتحدة. وسقط ما لا يقل عن ثلاثة من أصل كل أربعة ضحايا مدنيين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية، ما يشير إلى أن موسكو هي المسؤولة عن نصيب الأسد من الضحايا المدنيين.
بينما ما يزال من الصعب العثور على بيانات مؤكدة حول الضحايا العسكريين، وتتفاوت التقديرات في هذا الصدد بدرجةٍ كبيرةٍ أحياناً. إذ لم تقدم روسيا أو أوكرانيا أي مؤشرات عامة مفصلة حول تأثير الحرب على جنودهما.
قدّرت الولايات المتحدة، في أغسطس/آب الماضي، مقتل 70 ألف جندي أوكراني وإصابة ما يتراوح بين 100 و120 ألفاً آخرين، ليتجاوز العدد الإجمالي للضحايا حاجز الـ170 ألفاً. وزعمت روسيا من جانبها في نوفمبر/تشرين الثاني، أن عدد الجنود القتلى والجرحى من الأوكرانيين بلغ 383 ألفاً.
وعلى الجانب الآخر، قدّرت المملكة المتحدة أن روسيا تعرضت لخسائر تتجاوز الـ320 ألف ضحية، تشمل 50 ألف قتيل في صفوف الجنود الروس و20 ألف قتيل في صفوف مرتزقة مجموعة فاغنر. وقالت واشنطن في ديسمبر/كانون الأول، إن موسكو تعرضت لخسائر تبلغ 315 ألف ضحية، لكن المسؤولين الأمريكيين لم يقدموا وصفاً تفصيلياً لأعداد القتلى والمصابين.
وبشكل عام، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان أوكرانيا (داخل كامل حدود البلد المعترف بها دولياً) كان يبلغ 43.5 مليون نسمة في عام 2021، لكنه تراجع إلى 39.7 مليون نسمة في عام 2022، وذلك بالتزامن مع اكتساح الحرب لشرق البلاد. واستمرت هذه الظاهرة في عام 2023 مع انخفاض السكان إلى 36.7 مليون نسمة، وهو أدنى معدل مسجل منذ استقلال أوكرانيا عام 1990.
واعتباراً من يناير/كانون الثاني، أصبح 6.3 مليون أوكراني لاجئين في الخارج، إضافة إلى نزوح 3.7 مليون أوكراني داخلياً. ومع استقرار الجبهات الأمامية، بدأ سكان أوكرانيا في النمو مجدداً ليصلوا إلى 37.9 مليون نسمة مطلع عام 2024. وفي الوقت ذاته، قدّرت عالمة السكان إيلينا ليبانوفا أن عدد من يعيشون داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الأوكرانية حالياً (خارج القرم ودونباس) يبلغ 28 مليوناً فحسب.
إلى أين وصلت الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
عندما شاهد العالم الدبابات الروسية يوم 24 فبراير/شباط عام 2022، وهي تتوغل داخل ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، كانت الصواريخ تضرب جميع المدن الأوكرانية وصولاً إلى كييف ولفيف في أقصى الغرب.
إذ كان الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أعلن اعتراف موسكو باستقلال دونيتسك ولوغانسك قبل أيام من الهجوم، وأعلن منذ البداية أن الحرب هي "عملية عسكرية خاصة، بهدف تجريد أوكرانيا من السلاح وتطهيرها من براثن النازية".
لكن أهداف بوتين تبدّلت من الأهداف الوجودية المتمثلة في فرض الهيمنة الروسية على سائر أوكرانيا، بحسب وجهة النظر الغربية، إلى الأهداف الاستراتيجية المتمثلة في المطالبة بالمناطق الناطقة بالروسية في شرق وجنوب البلاد فقط.
وقد حققت روسيا نجاحاً أكبر بكثير في النوع الثاني من الأهداف. إذ إنه بعد مضي عامين من القتال وسقوط مئات الآلاف من الضحايا في الجانبين، أصبحت روسيا تسيطر على 18% من أراضي أوكرانيا حتى نهاية 2023، وذلك مقارنةً بـ7% في عشية الحرب و27% خلال الأسابيع الأولى من الهجوم.
واليوم، يشير خبيرا معهد Quincy Institute أناتول ليفين وجورج بيبي في موجزهما الجديد، إلى أنه "ليست هناك احتمالات واقعية كبيرة لتحقيق مزيد من المكاسب الإقليمية الأوكرانية داخل ساحة المعركة. فضلاً عن وجود خطر كبير يتمثل في احتمالية استنفاد أوكرانيا لقوتها البشرية وذخيرتها، لتترك نفسها بذلك عرضةً لهجوم مضاد روسي مدمر".
وقال الثنائي للموقع الأمريكي إن الخيار الوحيد والأفضل هو الدفع بجميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات قبل أن يضرب الدمار أوكرانيا. ولا شك في أن سردية الحرب موثقة جيداً منذ بدايتها وحتى وضعها الحالي.
وفي الذكرى الثانية للهجوم الروسي الشامل، رأى مركز Responsible Statecraft الأمريكي أنه سيكون من المفيد إلقاء نظرة على الأرقام المتعلقة بالأسلحة والمساعدات والسكان وغيرها، وذلك من أجل توضيح تكلفة وملامح هذا الصراع المستمر منذ أكثر من 24 شهراً.
وكانت هناك عدة محاولات لتقريب وجهات نظر البلاد من أجل وضع خطوط عريضة لمحادثات إنهاء الحرب. وشاركت روسيا وأوكرانيا في خمس جولات من المحادثات داخل بيلاروسيا وتركيا بعد وقت قصير من الهجوم، لكن المحادثات انهارت وسط مزاعم ارتكاب روسيا جرائم حرب وتحت الضغوط الغربية على كييف لمواصلة القتال.
ومنذ ذلك الحين، تحدث كلا الجانبين المتحاربين بشكلٍ مباشر في بعض القضايا الهامشية، مثل الشحن عبر البحر الأسود وتبادل الأسرى. وفي الوقت ذاته، قدمت أوكرانيا "خطة سلام من 10 نقاط" شكّلت حجر الأساس لخمس قمم دولية، ولم تشارك روسيا في أي منها. وانعقدت تلك القمم في كوبنهاغن بالدنمارك في شهر يونيو/حزيران 2023، وفي جدة بالسعودية في شهر أغسطس/آب 2023، وفي مالطا في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي الرياض بالسعودية فيشهر ديسمبر/كانون الأول 2023، وفي دافوس بسويسرا في شهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري.